مجلة الرفاهية العصرية تصدرها إيلاف بالاتفاق مع فايننشال تايمز

إبداع ثنائي

الأخوان مامبو: لقاء الموسيقى بالضيافة في إيبيزا

بدآ شراكتهما يافعين، وكبرت معهما، حتى صار كريستيان وألان أنادون اسمين لامعين في سماء الموسيقى والضيافة

فندق Casa Maca هو منزل مزرعة قديم عمره 300 عام تم ترميمه بعناية مع احترام تراثه المعماريفندق Casa Maca هو منزل مزرعة قديم عمره 300 عام تم ترميمه بعناية مع احترام تراثه المعماري

علمتنا الحياة ألا نرضى بما لا يُرضينا". هذه خلاصة القول على لسان الأخوين كريستيان وألان أنادون، وهي قصة إبداع ثنائي مزدوج، قلّما تصادفها. فالأخوان شريكان في عملين، الموسيقى والفنادق. يقول كريستيان: "إنه مبدأ لا نتخلّى عنه مهما كان الثمن"، ويومئ أخوه ألان موافقاً. إنهما معروفان أكثر باسم "الأخوين مامبو"، هما المولودان لمالكَي مقهى Café Mambo في إيبيزا، وفيه صرفا أغلب وقتهما، يعملان حيناً ويلهوان حيناً، فكانا شريكين منذ تلك الأيام. 

الأخوان ألان (جالساً) وكريستيان أنادون المعروفان بالأخوين مامبو

تستمرّ الحياة في Café Mambo، كما أرادها والدهما خافيير منذ افتتح مقهاه في عام 1994، وكما مرّرها إلى ولديه اللذين قرّرا، منذ اليوم الأول، أن يسيرا على دربه، في الموسيقى وفي الضيافة. ففي ذلك المقهى شبه الأسطوري، يقيمان اليوم حفلاتهما الموسيقية الصاخبة، فيقفان على منصة شهدت وقوف أهم منسّقي الأغنيات والموسيقى، منهم ستيف أوكي، وفيشر، وكاملفات، ومارتن سولفيغ، وSwedish House Mafia. ففي تسعينيات القرن الماضي، كان منسّقو الأغنيات والموسيقى يتقاطرون إلى إيبيزا ليقضوا فيها إجازاتهم، فيرتادون Café Mambo لتناول السانغريا. يقودهم الشغف إلى اعتلاء المنصة وإبهار روّاد المقهى بأجمل الأغنيات المنسّقة بإتقان. شاهدهم كريستيان وألان وتعلّما منهم، وغرقا في حبّ صنعة موسيقية "توزّع الفرح على القلوب، وترسل الناس في رحلةٍ خارج زمانهم ومكانهم"، كما يصفها ألان. يعقب كريستيان: "تعلّق قلبي بذلك النغم الموسيقي المتقطع الصاخب، وكنت بعد صغيراً، فما استطعت مقاومة هذا الميل الجارف إلى ممارسة هذا الفنّ". كان والدهما خافيير هاوي جمع أسطوانات الفينيل الكبيرة، لذا كانت الموسيقى حاضرة دائماً في منزلهما، حتى كانا يتحكّمان بمشغل الأسطوانات كي يقلّدا أولئك المشاهير. 

الحانة في فندق Casa Maca الذي يملكه الأخوان مامبو

حقّقت موسيقى الأخوين مامبو نجاحاً باهراً في فترة زمنية قصيرة نسبياً، وهما منذ عام 2020 سفيرا علامة Armada Subjekt التجارية. أدّيا موسيقياً في بعضٍ من أشهر مهرجانات ومقاصد السهر الصاخب في العالم، ومنها Glastonbury وWe Are FSTVL في المملكة المتحدة، وDefected في كرواتيا، وTinderbox في الدنمارك، وCorona Sunsets في الهند، وTomorrowland في بلجيكا. لقي Momento (زمن)، أول نغم موسيقي منسّق أنتجاه، أصداء واسعة فاختارته منصة Netflix ليكون موسيقى تصويرية لفيلمها XOXO، كما اختارته شركة Xbox ليكون الموسيقى الرسمية للعبتها Drive

في ذلك المقهى نفسه، تشرّب الشابان أصول الضيافة متتلمذين على والديهما. الصعب في هذه المسألة، بحسب ألان، هو أن تعرف "متى تتوقف لترتاح، وحتى الآن ما عرفت متى". يبتسم كريستيان، الذي يبدو أكثر جديةً عند الكلام على دورهما في مجال الضيافة: "ليست إدارة شركة عائلة أمراً سهلاً. فأنت تعمل على مدار الساعة، بلا توقّف، ولا تعرف متى ترتاح". 

كريستيان (جالساً) وألان أنادون في حديقة منزلهما في إيبيزا
افتتح خافيير أناندون مقهى Café Mambo في عام 1994، ناقلاً إلى ولديه كريستيان وآلان شغفه بالموسيقى والضيافة

كان العمل، وما زال، محور حياة هذه العائلة، ويبدو أن ذلك لن يتغيّر قريباً. فليس Café Mambo وحيداً في "أجندة" الشركة العائلية، بل هناك أيضاً فنادق Hostal La Torre وCasa Maca، وHotel Boutique Las Mimosas، كما هناك مطاعم ومقاهي La Cava في قلب إيبيزا، وVilla Mercedes في منطقة San Antonio Marina الساحلية، وChiringuito Cala Gracioneta وهو مقصد مميز في الساحل الغربي لمنطقة سان أنطونيو، وBondi.

المدخل المؤدي إلى مطعم Cala Gracioneta على الشاطئ

هذه قائمة طويلة، كما يقول الأخوان مامبو، وهما شريكان فيها منذ 15 عاماً، "كما نعمل معاً في تنسيق الأغنيات والإنتاج الموسيقي منذ 8 أعوام. لا نفترق. نسافر معاً، ونحيي الحفلات معاً"، كما يؤكد كريستيان. يشبّه ألان شراكتهما الطويلة الأمد بأنها "كالأفعوانية في مدينة الملاهي"، يقولها بنية طيبة لأنها قائمة على اللهو والفرح، منذ كانا صغيرين بعدُ. يضيف: "المهم دائماً أن نحقّق أهدافنا، بلا مشاكل". هذا لا يعني، طبعاً، أن حياتهما وردية دائماً. فالاختلاف في وجهات النظر ممكن، وقد حصل مراراً، "لكنه لا يُفسد للود قضية"، كما يقول ألان، مضيفاً: "نختلف ولا نفترق. نتحاور إلى أن نصل إلى تسوية، لأن أياً منا لا يتشبّث برأيه، ولا يزعم أنه يمتلك الحقيقة. الأمر أشبه بالحاسة السادسة. نعرف دائماً أي تسوية تصبّ في مصلحة العائلة". وجمال التسوية ينبع دائماً من تفاهم متبادل بين الأخوين تظنّه مصطنعاً، لكنه ليس كذلك. يقول كريستيان: "يتمّم أحدنا الآخر. فألان مبدع جداً"، فيما يصف ألان شقيقه بأنه "عاطفي جداً في كل شيء". يضيف: "إنه يعشق لغة الطعام، وبها يعبّر عن نفسه دائماً".

"زرنا السعودية وتعرفنا إلى تراث المملكة، وكانت تجربة لا تُضاهى، تعلّمنا منها كثيراً"

لا مجال لأن تفصل بين مهنتيهما. بالنسبة إلى الأخوين مامبو، الموسيقى ضيافة، والضيافة موسيقى، ومحور الاثنين واحد: "تجربة رائعة طرباً ومذاقاً وإقامة"، بحسب ما يلخّص كريستيان الموضوع برمته. لا يقصران هذه التجربة على جوّ سان أنطونيو، أو لطف إيبيزا، "إنما نأتي بتفاصيلها من كل مكان، من أي مكان نزوره". فبحكم عملهما في تنسيق الأغنيات والموسيقى، يجوب الأخوان العالم، وما يروق لهما ينقلانه ليضيفاه إلى مزايا الضيافة في مطاعمهما ومقاهيهما. يقول ألان: "ندسّ ذكريات نحملها من أسفارنا في نهجنا بالضيافة، ونراعي في ذلك جانباً روحياً لا نتخلى عنه". من أين حصلتما على أفضل ذكريات؟ جواب كريستيان حاضر في ذهنه: "من دبي". فقد زارها الأخوان وأقاما فيها مراراً، وارتادا أفضل مطاعمها، وأدّيا أغنياتهما فيها، ويحملان منها ذكريات "لا تُنسى"، كما يقول ألان. يضيف كريستيان: "زرنا السعودية أيضاً، فلنا فيها أصدقاء مستعدّون لإرشادنا إلى أجمل ما في تراث المملكة، وأفضل ما في المطاعم المحلية. إنها تجربة لا تُضاهى، تعلّمنا منها كثيراً".

غروب الشمس من شرفة المطعم في La Torre

كذلك زارا الدوحة ولندن وباريس وميامي وموسكو وريو دي جانيرو وموناكو وطوكيو والأوروغواي وسيدني في رحلاتهما الموسيقية Mambo on Tour. يقول ألان: "لا ترغم الناس على أن يشعروا بما تريدهم أن يشعروا به. فهذا الشعور يأتي من تلقاء نفسه. نصمّم مكاناً جيداً، وندسّ فيه تجاربنا الخاصة التي تبقى معنا من أسفارنا، وفي هذا تكمن فرادتنا". ولا يقتصر ذلك على مبدأ الضيافة وحده، فالأمر نفسه ينسحب على الموسيقى، "فنحن نستوحي كل شيء من الأماكن التي نحبّها حول العالم، ومن تفاعل الناس معنا ومع خياراتنا الموسيقية"، كما يقول كريستيان.

"نختلف ولا نفترق، ونتحاور إلى أن نصل إلى تسوية، لأن أياً منا لا يتشبّث برأيه"

في عشق إيبيزا، يسهب الأخوان في الكلام. "إنها السحر بعينه"، يقول كريستيان، مضيفاً: "كانت قراءة تاريخ إيبيزا خبزنا اليومي، خصوصاً في الشتاء. روت لنا أمي ذكرياتها في الستينيات، أيام الغجر كما تصفها، وقرأت لنا عن سحر هذا المكان قبل 2500 عام، حين كان الفينيقيون ينزلون شواطئنا ويعدّونها دياراً مقدسة". إنها مكان مميز من باقي أصقاع الدنيا، حتى لو اكتفى أحدهم بأن يستقلّ سيارته ليشاهد غروب الشمس هناك.

يستضيف مقهى Café Mambo في إيبيزا استعراضات عالمية
جو من الرومنسية يخيم على فندق Casa Maca الذي يملكه الأخوان مامبو

في إيبيزا، أعاد الأخوان في هذا الصيف افتتاح مطعم Sa Capella، وهو صرحٌ بني قبل 400 عام، استحوذا عليه ليحوّلاه مطعماً يشبه كثيراً مطعمهما Casa Maca. دعاني كريستيان إلى زيارته حين افتتحاه، "ستتذوّقين فيه ألذّ طبق محمّرة في العالم". كما افتتحا مطعم Cala Gracio على الشاطئ قرب مطعمهما Cala Gracioneta، وسيكون بحسبهما معلماً مهماً من معالم سان أنطونيو السياحية؛ وكذلك فندق Orosol وفيه 67 غرفة بمستوى أربع نجوم، مميز بإطلالات رائعة، قرب كنيسة سان أنطونيو.

حياتهما عامرة بالناس، بالأغنيات والموسيقى، بالفنادق والمطاعم والمقاهي، وبالنجاح. أضواء الشهرة مهمة، كما يقول كريستيان، "لكننا نمنعها من أن تثنينا عن تحقيق أمانينا الخاصة. المهم ألا تضيعي البوصلة. اعملي، واستمتعي كثيراً. فالسرّ كله في المتعة". وهنا أيضاً، يومئ ألان موافقاً. يقول: "إيّاك أن تطفئي فيك شعلة الشغف".

 

6 تعليقات

شارك برأيك