مجلة الرفاهية العصرية تصدرها إيلاف بالاتفاق مع فايننشال تايمز

عالم الرفاهية

ريتشارد ميل في حديث حصري: "إننا نُعيد التاريخ"

سباقات القوارب الشراعية عادت لتتصدر أخبار الرياضات المائية في أنحاء مختلفة، ومن ضمنها بلدان الخليج وفرنسا

منافسات محمومة لإحراز كأس Richard Mille Cupمنافسات محمومة لإحراز كأس Richard Mille Cup

"ما كنت يوماً من هواة سباقات القوارب، فقلبي ميّال إلى السيارات وسباقاتها". هكذا قال لي ريتشارد ميل، متحدّثاً على سجيته عن سباق Richard Mille Cup، الذي تتبارى فيه مراكب شراعية بنيت قبل عام 1939 وأخرى هي نسخ مطابقة تماماً، وتعود إلى ما يوصف بأنه الزمن الجميل في عالم أعالي البحار، مستعيدةً سباقات ذاعت أخبارها قبل الحرب العالمية الثانية.

يُضيف ميل، صانع الساعات السويسرية الشهير: "صمّمت هذه القوارب الشراعية الكبيرة في أوائل القرن العشرين لتمخر عباب البحار بسرعة، لهذا بنيت بجودة أقدّرها كثيراً، وبجمال يساهم في تأليف شخصية كل قارب، فإن نظرت إلى الشراع أو الصواري، لا ترى إلا الروعة مهيمنة على مشهد استثنائي بكل المقاييس، حتى في تفاصيله الدقيقة".

ريتشارد ميل
كأس السباق من تصميم Garrard، وبجانبها نسخة مصغّرة منها، يتسلّمها الطاقم الفائز

وكما في بحار أوروبا، تقود رياح الحماسة أشرعة كثيرة إلى مياه الخليج العربي. إنَّ نظرة سريعة إلى روزنامة سباقات اليخوت والقوارب الشراعية في دولة الإمارات كفيلة بتأكيد هذه الحقيقة. في 24 أيلول (سبتمبر)، افتتح نادي Dubai International Marine Club موجة طويلة من السباقات البحرية بسباق Dubai Traditional Dhow Sailing Race 22FT، الذي ينال اهتماماً خاصاً من إدارة النادي، "فهذه الفئة أكاديمية في مسيرة تأهيل بحارة الجيل الصاعد لتحمل المسؤولية في المحافظة على إرث وماضي الآباء والأجداد"؛ يقول محمد سيف المري، مدير إدارة الشؤون الرياضية في Dubai International Marine Club، ويضيف: "أظهر هؤلاء البحارة مهارات طيبة في تعاملهم مع حالة البحر وتغيّر سرعات الرياح". يشمل جدول روزنامة السباقات لموسم 2023-2024 تنظيم 10 منافسات لمراكب شراعية تراثية محلية، تنتهي في 20 نيسان (أبريل) 2024. مسك الختام مع 33rd Al Gaffal 60ft Traditional Dhow Sailing Race، أو النسخة 33 من سباق القفال، المخصص للسفن الشراعية المحلية بطول 60 قدماً. يقول محمد عبد الله حارب الفلاحي، المدير التنفيذي لنادي Dubai International Marine Club، إن هذه الروزنامة تسعى إلى تلبية رغبات أهل البحر ومحبي الهوايات البحرية، وتمزج بين السباقات المحلية التراثية والسباقات الرياضية البحرية العالمية الحديثة، وتركز على زيادة الحضور المجتمعي.

أظهر البحارة مهارات طيبة في تعاملهم مع حالة البحر وتغيّر سرعات الرياح"

كذلك، الأنظار شاخصة إلى بطولة Mubadala Abu Dhabi Sail Grand Prix، إذ يستضيف ميناء زايد في أبو ظبي للمرة الأولى سباق SailGP العالمي، في يومي 13 و14 كانون الثاني (يناير) 2024، في شراكة بين شركة Mubadala للاستثمار ومجلس أبو ظبي الرياضي Abu Dhabi Sports Council. تشارك في هذا السباق عشرة فرق من أستراليا وكندا والدنمارك وفرنسا وألمانيا وبريطانيا ونيوزيلندا وإسبانيا وسويسرا والولايات المتحدة، في منافسة مثيرة تستمر يومين على متن قوارب من فئة F50 التي تصل سرعتها إلى 100 كيلومتر في الساعة، قريباً من شاطئ إمارة أبو ظبي، التي ستكون الوجهة الأحدث ضمن روزنامة السباقات الدولية للموسم الرابع، وتتضمّن مدناً مثل نيويورك ولوس أنجليس وسيدني وسان تروبيه وسان فرانسيسكو. ويشيد الشيخ أحمد بن حمدان آل نهيان، رئيس إتحاد الإمارات للشراع والتجديف الحديث UAE Sailing and Rowing Federation، باستضافة الإمارات "سباق القوارب الشراعية الأشد حماسةً وإثارة في العالم، إذ يجمع نخبة أبطال ونجوم رياضة الإبحار الشراعي في تحد ضخم، يدمج أفضل تقنيات الإبحار والأساليب العلمية الحديثة المتمثلة في الانسيابية والتناغم مع فريق العمل من البحارة، ويعزز دور أبو ظبي وجهة رياضية أولى في المنطقة والشرق الأوسط"؛ فيما يضيف أندي طومسون، مدير SailGP، قائلاً إن دولة الإمارات "محطة مهمة لنمو هذه المنافسة وتطورها على المدى الطويل، ولهذا نتطلع لاستضافة الإمارات منافسات بحرية إضافية"، علماً أن النسخة السابقة من SailGP’s Grand Prix أقيمت في تشرين الثاني (نوفمبر) 2022 في ميناء راشد بدبي، في أول ظهور لهذه المنافسة المائية بالشرق الأوسط. يقول الفلاحي: "ستجمع هذه المنافسات كلها، محلية وعالمية، نخبة من أبطال المستقبل، يعول عليهم لإحياء موروث بحري تباهى به أهلنا في الماضي".

دفة خشبية لمركب مشارك في سباق Richard Mille Cup
قارب كلاسيكي مشارك في سباق Richard Mille Cup

إن كانت المنافسات الإماراتية تستذكر تاريخاً لا تريده أن يُنسى، وإن كانت رؤية القوارب الشراعية الجميلة والسريعة تحث المرء على الزهو، فلا عجب أن يتباهى ميل بسباقه Richard Mille Cup، وبالقوارب القديمة والمطابقة للقديمة التي تشارك فيه، فيصفها بأريحية قائلاً: "إنها مراكب شراعية بنيت ليكون لكل منها روحه". الميل الرومانسي واضح جداً في كلامه. يتابع: "هذا السباق مغامرة إنسانية، تتميز بأنها رحلة جمالية وعاطفية في الوقت نفسه"، مضيفاً: "رائع حقاً أن ترى كيف تبحر هذه القوارب أنيقة في موج البحر. هذا ما دفعني إلى شراء القارب Moonbeam IV وإطلاق هذا السباق". بالنسبة إلى ميل، عالم الإبحار يستدعي قوة بدنية عالية، يصفه بأنه "نظام عسكري مرصوص على متن القوارب، حيث لا شيء آلي، بل كل شيء يدوي هنا. أجيال عدّة تفرّق هذه القوارب الكلاسيكية عن ساعاتنا المعاصرة، لكن ثمة أوجه تشابه هائلة بينها. مؤكد أنها لا تنتمي إلى الزمن نفسه، لكنها ولدت من النهج الفلسفي ذاته.

أجيال عدة تفرّق هذه القوارب الكلاسيكية عن ساعاتنا المعاصرة، لكن ثمة أوجه تشابه هائلة بينها"

فالتصميم الجميل يناجيني دائماً. كما تتمتّع القوارب الكلاسيكية بهوية بصرية قوية ومؤثرة، ويمكنني أن أقول الشيء نفسه عن ساعاتنا، فكل تفصيل فيها دقيق، ولكل أداة فيها وظيفة". يجاريه في ذلك تيم مالاشار، مدير التسويق في Richard Mille، فيتحدّث عن عروة عاطفية وثقى، تربط صانع الساعات السويسرية بالقوارب الكلاسيكية. يقول: "إنها صلة ولدت من اجتماع فكرين مبدعين، ميل وبونوا كوتورييه، تمخّضت عنه ولادة Team Fife، ثم إطلاق هذا السباق الذي يمثل تذكيراً بالهدف الذي بنيت من أجله هذه القوارب". فالفكرة تمحورت في الأصل حول إحياء تقليد رياضي ساد يوم بنيت هذه القوارب الشراعية الكبيرة والجميلة في بدايات القرن العشرين، "وهذا يعني مشاركتها في منافسات دولية تشبه في إطارها العام ما كان سائداً في ذلك الزمن الجميل"، بحسب مالاشار.

طاقم قارب Moonbeam من أسطول Team Fife في خضم التحضيرات الأخيرة قبيل انطلاق السباق

السباقات مفتوحة لمن يرغب في العادة، إلا سباق Richard Mille Cup، فهو خاص ومغلق، لا يمكن المشاركة فيه إلا بدعوة خاصة، والشرط الأساس أن يملك المتسابق يختاً أو مركباً شراعياً بني قبل عام 1939، "أو هو نسخة طبق الأصل عن يخت أو مركب شراعي بني قبل ذاك العام"، بحسب وليم كولييه، منظّم سباقات اليخوت العالمية والمهتمّ بترميم اليخوت والقوارب الشراعية القديمة، الذي تعاونت معه Richard Mille في تنظيم Richard Mille Cup. يؤكد أن الاختيار يخضع لمعايير قاسية، مضيفاً: "أتيحت الفرصة لمشاركة نسخ مطابقة تماماً لمراكب شراعية بنيت قبل الحرب العالمية الثانية بعد إقرار شروط تقنية كثيرة ودقيقة، للتحقّق فعلياً من المطابقة الكلية، وإلا يُرفض الطلب". شارك في هذا السباق 11 يختاً وقارباً شراعياً طابقت كلّها المعايير المرسومة، على متنها 200 بحار وقبطان.

يفرض البحر قواعده، وخائب من لا يُطيع"

لسباق Richard Mille Cup حلبته المائية الخاصة... القنال الإنكليزي؛ لأنه يسعى جاهداً "إلى إحياء روح التنافس البريطاني التي سادت قبل الحرب الثانية"، بحسب كولييه، مضيفاً: "إننا ننظر إلى هذه اليخوت والمراكب فنرى فيها قطعاً أثرية ثقافية تؤلف ثروة إنسانية كبيرة". تنافست هذه المراكب التي بنيت بين أواخر القرن التاسع عشر وأواخر ثلاثينيات القرن العشرين في فئتي Schooner وCutter، وأبرز معالم هذا الأسطول قاربان رائعان طول كل منهما 60 متراً، وقوارب رمّمها مصمّم اليخوت الاسكتلندي الشهير ويليام فايف الثالث، أحدها القارب Moonbeam IV الكلاسيكي الكبير الذي أحرز كأس ملك بريطانيا في سباقي عامي 1920 و1923. يعقب كولييه: "لا شكّ في أن سباقاً يستمرّ أسبوعين يمثل تحدياً حقيقياً لقدرة هذه المراكب القديمة على التحمّل، وهذا أفسح في المجال بدوره أمام صداقات رائعة عمّدتها ذكريات لا تُنسى". 

تتسابق القوارب ثلاثة أيام على امتداد الشاطئ الفرنسي قبل المرحلة الأخيرة

على امتداد 245 ميلاً بحرياً، بمحاذاة الساحلين الفرنسي والإنكليزي، كان شاطئ الكورنيش في فالماوث نقطة البداية. يقول مالاشار: "بحارة رجال ونساء، من أجيال مختلفة وثقافات متعدّدة، يدفعهم الشغف نفسه، وتقودهم الروح الرياضية، من فالماوث إلى كاوز عبر دارتموث، قبل عبور القنال الإنكليزي إلى خط النهاية في لوهافر بفرنسا". يضيف: "كان المناخ هو المتحكّم الفعلي بالسباق". فنسيم البحر العليل، حيث لا ريح تهزّ الأشرعة وتحرّك القوارب، يضع خبرة كل ربان في مهبّ القدر. يعقب كولييه: "يفرض البحر قواعده، وخائب من لا يُطيع". رفعت المنافسة الحامية بين القوارب Atlantic وAdix وMariette حدّة التشويق فحبست الأنفاس، بحسب مالاشار. لمع نجم أكثر من مركب شراعي في هذه المرحلة، مثل Mariquita وMoonbeam IV وMoonbeam من أسطول Team Fife، إلى جانب القوارب Ayesha وCynthia وThe Lady Anne وTuiga. في ميناء كاوز على جزيرة رايت، كان الجميع على أبواب مرحلة فاصلة، "فالنسيم لطيف والرياح عرضية، وخط النهاية ينتظرهم على بعد 100 ميل بحري لا أكثر"، بحسب كولييه. وفي ميناء Société des Régates du Havre الذي تأسَّس في عام 1838، يرمى البحّارة مراسيهم ليُعلن المركب Mariette فائزاً، وليتسلّم طاقمه نسخةً مصغّرة من كأس السباق التي صمّمها صائغ المجوهرات الشهير Garrard. يقول مالاشار: "حدثٌ بهذه الأهمية يستحق مكافأة توازيه. أرادت Richard Mille أن تليق الكأس بالمتنافسين".

يتمتّع House of Garrard بتراث غني في ميدان ابتكار الجوائز الرياضية الشهيرة، "فصمّم مصمّمو الدار الكأس المخصَّصة للسباق مستوحين حركة الأشرعة وهي تحوم فوق الأمواج"، بحسب مالاشار، وصنعوا كأساً بالفضة الإسترلينية، أحد أنقى وأغلى أنواع الفضة، تستخدم في صوغ الحلي والمجوهرات، ارتفاعها متر، ونسخة منها طبق الأصل ارتفاعها 40 سنتيمتراً، تمنح للطاقم الفائز. ألم ينل الفريق الفائز جائزةً مالية؟ يجيب مالاشار: "كلا، فالجائزة ليست أبداً الهدف من إقامة Richard Mille Cup"، إنما الهدف هو احتفاءٌ بالحياة، كما يؤكد ميل، مضيفاً: "بالنسبة إليّ، الأمر يتجاوز كونه انغماساً جمالياً فحسب، بل نريد أن يحظى الجميع بوقت ممتع وبمنافسة مثيرة، تماماً كما يحصل في Le Mans Classic، حيث نحتفي بالسيارات الجميلة والضوضاء المفرحة واللحظات الاستثنائية. إننا نحيي هنا سباقاً من القرن الماضي في مكانه الأصلي. إننا نعيد التاريخ".

0 تعليقات

شارك برأيك