أن تسافر إلى أنطاليا، أو عروس المدائن السياحية في تركيا، يعني أن تحظى بالنِّعم كلها: التاريخ الحيّ والثقافة الغنية والطبيعة الخلابة وحفاوة الضيافة الأصيلة، ولم أكن لأتردَّد في زيارة هذه المدينة الوادعة والأنيقة حين لاحت الفرصة. هناك، حين وقفت وسط مياه المتوسط الفيروزية الصافية، عرفت أن لهذه المعادلة السياحية معنى تركياً خاصاً.
.jpeg)
.jpeg)
المسافة من مطار أنطاليا إلى منتجع Lara Barut، نحو نصف ساعة بالسيارة. كان السائق الذي أرسله المنتجع ليقلني متمهلاً، متعمداً أن يتيح لي فرصة التقاط أنفاسي، بعد رحلة طويلة من لندن. قال لي بإنكليزية جيدة: "هذا المكان هو درّة منتجعات أنطاليا". وأتت حفاوة الاستقبال لحظة الوصول إلى المنتجع لتؤكِّد أن المكان عنوان لضيافة فندقية لا أغالي إن قلت إنها لا تشبه أي ضيافة صادفتها في أي مكان آخر.
حللت في واحدة من 24 فيلا خاصة، هي فيلات Bayou Villas، بنيت كلها ضمن مشهد طبيعي ساحر مزروع بالنخيل وبأشجار أخرى، يمتدّ على مساحة 25,000 متر مربع، هي ربع مساحة المنتجع تقريباً. تتألف الفيلا من ثلاث غرف نوم، وفي المنتجع فيلات أخرى تتألف من غرفتي نوم أو ثلاث أو أربع غرف، تتراوح مساحةً بين 250 متراً مربعاً و1000 متر مربع (أسعار الإقامة بين 1,200£ و5,500£ لليلة الواحدة).

.jpeg)
لا يحتار المرء أين يسترخي في هذا المكان البهي، وسط إحساس بالرفاهية يعيشه في كل لحظة؛ أكان مسترخياً ينعم بأشعّة الشمس في الفناء الخارجي من الفيلا، أم يجلس ليلاً ليشاهد شاشة التلفزيون العملاقة في الصالة الداخلية، أم يغرق في ضوء ناعم ينبعث من تركيبات هندسية مدمجة في الحيطان، أم يستحمّ مستسلماً لرذاذ الماء الدافئ المتدفّق عليه من صنبور Bvlgari مطلي بالكروم البراق، أم يقف محدّقاً "في لوحات علّقت على الجدران أو منحوتات زرعت بين الغرف، وكلها أصلية لفنانين محليين، ضممناها إلى مجموعتنا تشجيعاً للفن"، على ما يؤكد أونور كنكايا، نائب المدير العام في سلسلة Lara Barut Collection.
خطوتان، ثلاث خطوات، والرابعة في حوض سباحة خاص بالفيلا"
ربما أجمل ما تتيح لي "فيلتي" هذه أن أخرج منها، وأحصي خطوتين، ثلاث خطوات، فتكون الرابعة في حوض سباحة خاص، أسبح فيه على سجيّتي، أو أستضيف فيه الأصدقاء إن شئت في جوّ مفعم بالطمأنينة. الماء عذب في بعض الأحواض، ومالح في بعضها الآخر. وإذا ما أردت السباحة هنا، فلي حوض سباحة دافئ خاص، ملئ بماء البحر. في إقامتي هنا، جرّبت الأحواض كلها، إذ قرّرت ألا أغادر من دون أن أدلّل نفسي بكل ما تقدّمه لي هذه الفيلا من رفاهية العرض الذي يتضمّن كل شيء: مساعد شخصي على مدار الساعة، أفضلية في استخدام الفناء العام، خدمة النقل إلى أي مكان في المنتجع، تناول الطعام في مطاعم المنتجع، توضيب الفيلا مساءً، خدمات تنظيف الملابس، وإنترنت فائق السرعة.


في تشرين الثاني (نوفمبر) 2022، افتتحت Lara Barut Collection فيلات Bayou الفخمة في مشروع فندقي هو واحد من ثمانية مشاريع يملكها رجل الأعمال التركي علي باروت، على ما يؤكد كنكايا. يضيف: "فوّض مكتب DS للتصميم الهندسي والإنشاءات إنجازها، وهو المعروف في تركيا بتصميم بيئات طبيعية مستدامة مع الحرص على إبراز التراث التركي". وهذا أيضاً ما يشغل باروت نفسه. فقد دعمت Barut Hotels عمليات الحفر والاستكشاف التاريخي والتراثي في مدينة سيدا القديمة على الريفيرا التركية سنوات عديدة، وهي الراعي الرسمي لهذه الأعمال منذ عام 2021. يقول كنكايا: "هذا ليس غريباً ما دامت سيدا مسقط رأس باروت نفسه. وفيها تقوم سبعة من 13 منتجعاً يملكها باروت وعائلته، وهذا ما رفع هذه المدينة من قرية صغيرة هانئة يعيش فيها مهاجرون من جزيرة كريت إلى مدينة يقصدها السيّاح من كل العالم".



ثماني دقائق سيراً توصلني إلى حديقة Aquapark الجديدة للألعاب المائية. المتعة فائقةٌ هنا بتسلّق السلالم إلى علوّ شاهق، والاستسلام للقدر: منزلقات مائية أفعوانية ما عرفت أكنت خائفاً وأنا أنزلق من أعاليها، أم تدفّق أدرينالين المغامرة في عروقي فزاد نبض قلبي وعلا صوتي. الأسماء التي أطلقت على هذه المنزلقات ترفع منسوب الإثارة إلى أقصاه: King Cobra (الملك كوبرا) وDragero (دراغيرو) وLooping Rocket (صاروخ دوار) وWide Slide (المنزلق الواسع) وCompact Slide (المنزلق المختصر) وFreefall (سقوط حرّ). جرّبت الكوبرا، فدارت بي دورات يمنةً ويسرةً، أسقط حيناً وأتهادى أحياناً إلى أن رمتني أخيراً في عنق الكوبرا. ولمن يفضّل الرياضة البرية، وجدت في المنتجع ملاعب رياضية للكبار، وملاهي مخصّصة للصغار، "فالكل هنا يلقى عناية خاصة"، كما تقول لي ميرال في كل مرة أستفسر عن أمر ما.
ثمة متعة من نوع آخر في المكان. يجمع المنتجع بانتظام صناع أفخر النبيذ التركي بالضيوف والنزلاء، في واحدة من أجمل تجارب التذوّق التي تقدّمها Lara Barut بشكل حصري. يتغير صانع النبيذ بوتيرة منتظمة، كما يتغير الضيوف، و"يسافر مذاق النبيذ التركي معهم إلى أصقاع الدنيا"، كما يقول كنكايا.

![]() | ![]() |
![]() | ![]() |
يتميز المنتجع بالعديد من المطاعم الراقية. مطعم Weik أول محطة لي وأكثرها رسوخاً في الذاكرة، بتصميمه الأنيق والعصري، وهو يقدّم لضيوفه موائد حافلة بأطباق عالمية: تركية وإيطالية ومتوسطية وآسيوية. وجدت في هذا المطعم غايتي: أطباق تركية أصلية، نحضّر ما يشبهها في لبنان، لكن نكهتها هنا مختلفة. "السرّ كل السرّ في زيت الزيتون البكر التركي"، يقول الخبير في زيت الزيتون البروفيسور مشاهد طه إزكايا، والذي يتباهى بزيتون تركيا كما يتباهى الآخرون بأعلام بلادهم، ويتولى في الوقت نفسه الإشراف على جودة زيت الزيتون المستخدم في مطاعم السلسلة. يقول إن في تركيا نوعين من زيت الزيتون: "الزيت البكر الصافي والريفييرا. البكر الصافي لم يُعالج بإفراط، لذا تجده غنياً بمكوّنات الزيتون الغذائية من مضادات الأكسدة والفيتامينات، نسمّيه natürel sızma zeytinyağı، وحين نخلطه بالقليل من الزيت العادي، يصبح من النوع الثاني، الريفييرا. وهذا الأخير يستخدم للطهو، بينما يؤكل الزيت البكر بارداً. الفرق بينهما هو درجة الحموضة التي تحكمها طريقة استخراج الزيت من حبات الزيتون في الخريف". الحق يُقال... نهضت عن مائدة "الزيت" هذه راض جداً. موعدي التالي مع زيت الزيتون كان في مطعم Kuyu A La Carte المتخصّص في المأكولات التركية، حيث تناولت طبقي Zeytinyağlı Biber Dolma أو الفلفل الأخضر بزيت الزيتون، وZeytinyağlı Yaprak Sarma أو ورق دوالي العنب بزيت الزيتون.

![]() | ![]() |
إلى ذلك، في المنتجع مطعم رئيسي، Zestful Bazaar، على نمط المائدة المفتوحة، وآخر مخصّص للنباتيين ومحبي الطعام الصحي الخالي من الغلوتين، ومطعم Kumda Kipri المعروف بأطباقه المشوية المختلفة. وبعد وجبة شهية منتصف النهار، أزور النادي الرياضي والصحي في الفيلا حيث أنزل، فأمارس الرياضة ومن بعدها أسلّم نفسي لبخار الساونا في الغرفة، ماء الجاكوزي للحظات لا تتكرر. ليلاً، ألتزم فناء الفيلا ونسيمها العليل وسماءها المنجّمة، إلا في ليلةٍ قصدت فيها ملهى Du Du Mango في المنتجع، فكان ملائماً بعد هذه الولائم أن أتحرّك قليلاً على أنغام صاخبة، تركية ويونانية وأميركية، ثم مصرية ولبنانية وخليجية ألهبت حماسة الساهرين.