في محترف Bermondsey الذي يملكه توم هاميك، الجهد منصبّ على النحت في رقعة خشبية جديدة. نرى لوحاً من الخشب المضغوط وعليه صورة مطبوعة بالكثير من الحبر الملوّن قبل أن تُنقَش بدقّة يدوياً، وتُنحت بإزميل ومطرقة. يقول هاميك: "ما تنقشه يكشف ما تحته من لون"، شارحاً أن الأشكال المصمّمة تختلف من "بسيطة غير مصقولة" إلى شديدة التعقيد يستغرق إنجازها ستة أشهر أو أكثر. يهزّ كتفَيه مستهجناً: "إنه غباءٌ حقاً: لماذا أستخدم في القرن الحادي والعشرين وسيلة مربكة وقديمة إلى هذه الدرجة؟".

هذه المزايا التقليدية المشغولة يدوياً هي بالضبط ما يصنع جاذبية الطباعة بالنحت الخشبي اليوم، كما تقول هيلين روسلين، مديرة معرض London Original Print Fair؛ إذ لفت انتباهها "تجدّد اهتمام الفنانين المعاصرين بهذه التقنية القديمة"، وهذا برأيها "ينسجم مع النهضة التي تشهدها المصنوعات الحرَفية اليدوية".
بدأت الطباعة بالنحت الخشبي في الصين القديمة، ثم انتقلت إلى أوروبا في القرن الخامس عشر تقريباً. استخدمها رسّامو الكتب المصوّرة ومعلّمو الفن القدامى (Old Masters) مثل ألبرخت دورِر. تتابع روسلين: "بحلول القرن السابع عشر، كان يعدّ النقش والحفر تقنيتين للطباعة أدقّ من غيرهما، فتراجع عدد اللوحات المنحوتة في الخشب إلى أن اعتمد مونش وغوغوين هذه التقنية في أواخر القرن التاسع عشر". ظهرت بين المحطتَين تقنيات معدّلة شملت طبعات ukiyo-e اليابانية (باستخدام النقوش والألوان المتعدّدة، وأنواع أرقّ من الحبر المائي) والنقوش الخشبية البريطانية (تُحفَر القطعة الخشبية عميقاً حتى تظهر الدوائر التي فيها لتوليد المزيد من التفاصيل، وترتفع أسعارها كثيراً، بحسب بريت تراينر، مدير قسم الفنون الجميلة في دار Cheffins للمزادات).
"ثمة مروحة كبيرة من الخيارات في تصميم لوحات النحت الخشبي"، كما يقول جايك غارفيلد، وهو مصمّم طبعات مقيم في لندن، تتلمذ على هاميك، واشترى British Museum أعماله أخيراً. يضيف: "يمكن أن تكون صلبة جداً أو طريّة حقاً؛ ومفعمة بالنشاط، كما هو حال لوحات التعبيريين الألمان، أو شديدة الدقّة كأعمال دورِر. يمكن الحصول على لوحات منحوتة صغيرة بحجم الجيب، وهناك أيضاً لوحات خشبية ضخمة ينحتها اليوم كيري جايمس مارشال ولاتويا هوبس".


صمّم غارفيلد لوحة خشبية منحوتة سمّاها Man Wrestling an Angel (رجلٌ يصارع ملاكاً) (2022) عرضها ثلاثة أمتار، ألّفها من تسعة ألواح مطبوعة كلها بقوالب منقوشة يدوياً. يقول: "كان بإمكاني أن أقصّها بأشعّة لايزر، فهذا ما يفعله الكثير من كبار الفنانين، لكن في هذه الحالة، يعكس الجهد المبذول موضوع اللوحة". عُرِضت هذه اللوحة المستلهَمة من "الصراع التوراتي الملحمي" بين يعقوب والملاك، إلى جانب أعماله الأصغر حجماً (بأسعار تتراوح من 150£ إلى 800£) التي عرضت في معرض London Original Print Fair (بين 30 آذار - مارس و2 نيسان - أبريل المنصرمين). تنوّعت لوحات النحت الخشبي الأخرى في المعرض بين طبعات ukiyo-e من القرن الثامن عشر أتت من صالة عرض Japan Print Gallery، وأعمال صينية معاصرة من The Muban Educational Trust، وSix Snapshots of Julie (ست لقطات لجولي) من توقيع غرايسون بيري (2015) لدى Manifold Editions.


عرض هاميك أيضاً لوحات خشبية منحوتة جديدة أنجزها لحساب Manifold Editions، منها العمل المضيء Night Swimmer (السبّاح الليلي) عام 2023 (بسعر 9,000£؛ في إصدار من 13 قطعة). الليل و"الاندهاش" موضوعان متكرّران في طبعاته، وكذلك في رسومه. كانت الطباعة بالنحت الخشبي "ترياقاً للرعب الفطري من الرسم واستحالته"، كما يقول، مضيفاً: "كنت شابّاً غير مستقرّ عاطفياً، فقادني الاهتمام بهذه الحِرفة التي تستدعي عناية مشدّدة بالتفاصيل بعيداً من الاستبطان الداخلي الذي يمكن أن يتطلّبه الرسم أيّاماً في المحترف".
في كوبنهاغن، يرسم الفنان تال آر المولود في إسرائيل ويطبع في آنٍ واحد. يصف مطبوعاته بالنحت الخشبي، والتي يحفرها أحياناً في ألواح تقطيع قديمة، بأنها "نوع من التشريح" للمهنة التي يزاولها. يقول: "ثمة مئة طريقة تقود إلى ارتكاب الأخطاء في النحت الخشبي. لا يمكنك أن تكون مهووساً بالخطوط، لأنها ستتشكّل بحسب بُنية الخشب، وذلك يستهويني حقاً". يعمل آر حالياً على سلسلة جديدة ستصدر عن Borch Editions، التي تشمل إصداراتها السابقة مع الفنّان طبعات بشكل زهور من عام 2021 (بسعر يبدأ من 1,600€) وسلسلة Adidas Boy (فتى أديداس) من عام 2020 (بسعر 2,050€ للطبعة الواحدة).

"إنه علاج للخوف الفطري من الرسم"
يجمع فنانون آخرون بين الرسم والنحت الخشبي في العمل الفنّي نفسه. يعمد الرسّام جيمي مِريس المقيم في لندن إلى دمج عناصر النحت الخشبي، على نحو متزايد، في تركيباته التصويرية (بأسعار تتراوح من 900£ إلى 6,000£، من خلال Marlborough Graphics). في كولونيا، يطبع الشقيقان التوأمان غرت وأوي توبياس لوحاتهما الخشبية المنحوتة (بسعر يبدأ من 39,000£، من خلال Rodolphe Janssen) على القماش، ما يضيف إلى صورهما الملوّنة التي تنتمي إلى عالمٍ آخر طابعاً ضبابياً ونسيجياً. ويصنع سرجيو سواريز المولود في المكسيك والمقيم في أتلانتا طبعات كبيرة الحجم بالأسود والأبيض (بسعر يبدأ من 2,500$، من خلال Johnson Lowe Gallery) يرسم أحياناً عليها، بالعمل على "حبيبات الخشب وأنماطه الجميلة التي تطوّرت على مرّ مئات السنين"، كما يقول، معقِّباً أن "استخدام الخشب وسيلةً يتيح لي تبطيء الوتيرة؛ إنها عملية تأمّلية تعبّر عن مرونة الوقت".