مجلة الرفاهية العصرية تصدرها إيلاف بالاتفاق مع فايننشال تايمز

أزياء

سيّدة Zara

في أوّل حوار منذ تعيينها رئيسة غير تنفيذية لشركة Inditex، تتحدّث مارتا أورتيغا بيريز عن الخلافة والاستدامة والمبيعات

© دايفيد سيمز © دايفيد سيمز

تنتقل السلطة أحياناً بوتيرة بطيئة، فلا يحدث أي تغيير في النظام بقدر ما ينتج الأمر عن تراكم مطّرد للنفوذ الهادئ. ساورني شعورٌ بأن شيئاً ما قد حدث قبل نحو 18 شهراً في باريس، خلال موسم تقديم مجموعات الربيع والصيف، وفي أسبوع من الحفلات في فترة شهدت انحساراً نادراً للجائحة. كانت شارلوت غاينسبورغ تستعدّ لإطلاق ثمرة تعاونها مع Zara في مجال الملابس المصنوعة بقماش الدنيم، وكانت تستضيف لهذه المناسبة أمسية في فندق Hôtel Particulier Solférino في سان جرمان. بشيء من اللامبالاة، رأينا أن ذلك مجرّد حفل كوكتيل آخر خلال عروض الأزياء، لكننا ذهبنا مُستطلعين. هنا، في ضوء الشموع الشاحب، وقف مَن يشكّلون العمود الفقري لصناعة الموضة. يتجاذب المصوّرون – إيناز وفينود، كريغ مكدين، ودايفيد سيمز – أطراف الحديث مع العارضين والمحرّرين ومصمّمي الإطلالات العاملين في الصحف والمجلات الأرفع مقاماً في العالم. سادت في الغرفة أجواء نادرة من النشوة، بدافعٍ من الشعور بأن الجميع حاضرٌ هنا.

ما كانت آنا وينتور مضيفة الحفل، فما كان هذا حدثاً إعلانياً ضخماً. تمحورت المناسبة حول سيدة أنيقة رزينة المظهر إلى حدّ ما، في ثلاثينياتها، شعرها قصير متفاوت الطول يرتفع قليلاً عن كتفَيها، وحاجباها كثيفان. إنها مارتا أورتيغا بيريز، كريمة أمانسيو أورتيغا غاونا، أحد مؤسّسي Inditex وZara، والذي تُقدَّر ثروته الشخصية بنحو 77.7 مليار دولار. وهذه الضيفة الكاريزماتية والعذبة الكلام كانت مرشّحة لترثَ إمبراطوريته التجارية.

أورتيغا بيريز، المتزوّجة مرتَين والمعروفة من خلال صورها في الحفلات التي نشرتها الصحافة الصفراء الإسبانية، لاقت مراراً موقفاً رافضاً من الإعلام الشوفيني

بعد أسابيع قليلة، أُعلِن عن تعيين أورتيغا بيريز الرئيسة غير التنفيذية الجديدة لشركة Inditex، ابتداءً من نيسان (أبريل) 2022. لم يكن وقع الخبر جيداً على الجميع. فأورتيغا بيريز، المتزوّجة مرتَين والمعروفة من خلال صورها في الحفلات التي نشرتها الصحافة الصفراء الإسبانية، لاقت مراراً موقفاً رافضاً من الإعلام الشوفيني الذي يرى فيها شخصية مولعة بالظهور الاجتماعي والمشاركة في سباقات الفروسية والقفز فوق الحواجز. ساد تململ إضافي حين عُلِم أن أوسكار غارسيا ماسيراس، الشخصية المغمورة إلى حدّ كبير، سينضمّ إليها رئيساً تنفيذياً جديداً للشركة. كانت السوق حذرة من المحامي الذي سيحلّ مكان كارلوس كريسبو الذي كان الرئيس التنفيذي منذ عام 2019.

لكن، لم يُبدِ أحدٌ في الشركة انزعاجه. فقد رُسِم مسار مارتا أورتيغا بيريز قبل وقت طويل جداً. قال أمانسيو أورتيغا غاونا عن ابنته في حديث مع كاتب سيرته الشخصية The Man from Zara (الرجل من Zara) التي نُشِرت للمرة الأولى في عام 2008: "ما يُطَمئنني كثيراً هو أننا نجحنا في الانتقال إلى الجيل الثاني من دون أن يلاحظ أحدٌ تقريباً... سُوِّيت مشكلة الخلافة، وتمّ تفويض كلّ شيء".

مارتا أورتيغا بيريز في صورة التُقِطت لها في لندن © دايفيد سيمز

للعائلة حضورٌ كبير جداً في Inditex. هذا أشبه بمسلسل Succession (الخلافة) لكن مع إسبان ودودين، وطعام لذيذ وملابس أفضل. تقول أورتيغا بيريز عن أول احتكاك لها بالأعمال: "حين كنت طفلة صغيرة، كانت والدتي تصمّم المجموعات النسائية لدى Zara". تناولنا طعام الغداء معاً في المقرّ الرئيس لشركة Inditex، بعد جولة مكثّفة على أقسام Zara المختلفة. حين تلتقي أورتيغا بيريز وجهاً لوجه، تجدها ودودة ومسلّية ودمثة، إطلالتها لافتة للنظر أيضاً. تتكلّم الإنكليزية بوتيرة سريعة وبثقةٍ بالنفس، بصوتٍ خفيض وأجش. تروي: "بالطبع، كان والدي يعمل في معظم الأوقات. إنما لوالدتي أيضاً شقيقتان وأربعة أشقّاء. أفراد أسرتها كلهم يعملون في الشركة... فكنّا نتكلّم كثيراً عن الشركة".

لا تشارك أختها غير الشقيقة ساندرا أورتيغا ميرا في إدارة Inditex، لكنها حصلت على 6.3 مليارات يورو حين توفيت والدتها

بدأت أورتيغا بيريز العمل رسمياً لدى Inditex قبل 16 عاماً، علماً أنها انخرطت في العمل منذ كانت بعد في رحم أمّها، إذا صحّ التعبير. أورتيغا بيريز، المولودة في عام 1984، هي الابنة الوحيدة لفلورا بيريز، الزوجة الثانية لأمانسيو الذي كان لا يزال آنذاك متزوّجاً من روزاليا ميرا، المؤسِّسة المشاركة في Zara. اليوم، تحضر فلوريا بيريز في مجلس الإدارة ممثلة حصّة العائلة البالغة 60 بالمئة من الأسهم. وما زال عدد كبير من أفراد الأسرة منخرطاً في الشركة. أوسكار بيريز ماركوت هو المدير العام في Zara، وخورخي بيريز ماركوت، خال أورتيغا بيريز، هو المدير العام في Massimo Dutti. أما كارلوس توريتا، زوج أورتيغا بيريز الثاني والوكيل السابق لعارضي الأزياء وأحد عشّاق رياضة الغولف يتمتّع بالوسامة ويربط شعره بطريقة ذيل الحصان، فهو رئيس قسم التواصل في Zara (أنجبت منه ولداً، ولها ولد آخر من زوجها السابق سيرجيو ألفاريز مويا الذي تطلّقت منه في عام 2015). لا تشارك أختها غير الشقيقة ساندرا أورتيغا ميرا في إدارة Inditex، لكنها حصلت على 6.3 مليارات يورو حين توفيت والدتها في عام 2013.

المقرّ الرئيس للشركة بعيدٌ جداً عن عالم الموضة، إذ يقوم داخل مجمّع زجاجي ضخم في أرتيكسو، قرب مدينة أيه كورونيا في الطرف الشمالي الغربي لمنطقة غاليسيا. ويحاذيه موقع Finisterre للارصاد الجوية. Inditex شركة عملاقة في قطاع التجزئة، تبلغ حصّتها 1.6 بالمئة في السوق العالمية للملابس والأحذية. في القوائم المالية التي نُشِرت في 15 آذار (مارس) عن عام 2022، بلغت قيمة المبيعات 32.6 مليار يورو (بزيادة 17.5 بالمئة عن عام 2021). تتألّف هذه المجموعة من سبع علامات تجارية، منها Pull&Bear وBershka، وتستحوذ Zara، العلامة التجارية الكبرى بينها، على 73 بالمئة من المبيعات. هذه الجهة المستخدِمة هي شريان الحياة في المدينة: ففي عام 2017، كانت Inditex المحرّك الرئيس للناتج المحلّي الإجمالي في المنطقة، متفوِّقةً بذلك على صيد الأسماك.

يستحيل أن تعرف حقيقة Zara من دون أن ترى بأمّ العين كيف تعمل من الداخل. تبدو شركة كبيرة، لكنها لا توحي بذلك حقاً في المشهد اليومي. تسود هنا ثقافة الانتماء"

جلنا في جميع الأقسام، من قاطعات الأنماط إلى محترفات التصميم، ومن الفرق اللوجستية إلى المحترف الداخلي الذي يضجّ بجلسات التصوير المتعدّدة لإعلانات التجارة الإلكترونية. لا مؤشّرات واضحة إلى هرمية مكتبية: فمكتب أورتيغا بيريز، على صفٍّ من الطاولات البيضاء المرتفعة وسط فريق التصميم النسائي، يتميّز فقط من سواه بمزهريةٍ فيها أزهار ذاوية. الأجواء منشرحة وودّية. تتحدّث أورتيغا بيريز بطريقة تآمرية مع زملائها، إذ يعمل عددٌ كبيرٌ منهم في هذا المجال منذ عقود. لا يتذكّر المرء أنها شركة بمليارات الدولارات إلا حين ينظر إلى الشاشات العملاقة في محترف التصميم، وتَظهر عليها شبكة وامضة للمبيعات العالمية.

"أحبّ دائماً أن أستقبل الزوّار"، كما تقول أورتيغا بيريز، مضيفةً: "إذ يستحيل أن تعرف حقيقة Zara من دون أن ترى بأمّ العين كيف تعمل من الداخل. تبدو شركة كبيرة، لكنها لا توحي بذلك حقاً في المشهد اليومي. تسود هنا ثقافة الانتماء، وقد سارت الأمور دائماً على هذا النحو".

هذه ثقافة شجّعها والدها الذي أمضى، مثلها، أيامه في العمل في طابق المصنع الذي يُضرَب به المثل. يبلغ الآن 87 عاماً، وما زال يمضي وقتاً طويلاً في المكتب، ويكلّم أورتيغا بيريز كل يوم تقريباً. تقول: "والدي بارع جداً في استخراج أفضل ما في الناس... وأعتقد أن هذا هو الأساس، لأن أحداً لا يُجيد كل شيء".

عموماً، لا أستمتع كثيراً بالأرقام. لا شكّ في أنك تتعلّمها بمرور السنين"

أورتيغا بيريز واضحة تماماً بشأن الأمور التي تجيدها. تعترف: "عموماً، لا أستمتع كثيراً بالأرقام. لا شكّ في أنك تتعلّمها بمرور السنين". لكن المنتج هو جوهر عملها. تقول: "تنصبّ طاقتي على المنتج وكيفية تقديمه، فهذه هي روح شركتنا، وفي هذا المجال يمكنني تقديم المساهمة الكبرى. أنا مطّلعة على الشؤون المالية، لكن لديّ فريق متمرّس جداً وقريب منّي ينصبّ تركيزه كاملاً عليها. نحاول أن نتصرّف كما تفعل الشركات الصغيرة، فلا ندع الأرقام الكبيرة تُشتّت انتباهنا. أعتقد أن النجاح التجاري يأتي من تركيز كل شخص في الشركة على التفاصيل الصغيرة".

تحت إشرافها، خضع المنتج لتحسينات صغيرة إنما متقنة. فقد استقدمت معاونين في التصميم مثل شارلوت غاينسبورغ والعارضة كايا جربر، وأطلقت مجموعةً من المجوهرات مع إيلي توب، ووجّهت في العام الماضي دعوةً إلى المصمّم نارسيسو رودريغيز ليعيد صنع 25 قطعة من أرشيفه. وفي ظلّ إدارتها، صارت الملابس مستساغة على نحو متزايد، وتحسّنت الأكسسوارات والأحذية إلى حدّ كبير. تعمل مع طراز استثنائي من مصمّمي الإطلالات والعارضين والمصوّرين لإنتاج سلسلة متواصلة من الحملات الماهرة.

العمل حياة مارتا والهواء الذي تتنفّسه... إنها سريعة البديهة جداً، تتّخذ القرارات بلا تردّد"

يقول كارل تمبلر، مصمّم الإطلالات والمدير الإبداعي البريطاني الذي يعمل مع أورتيغا بيريز على مجموعات نصف سنوية للنساء والرجال والأطفال، وعلى مشاريع مميّزة أخرى: "العمل حياة مارتا والهواء الذي تتنفّسه"، معقِّباً: "إنها سريعة البديهة جداً، تتّخذ القرارات بلا تردّد، وتسعى دائماً إلى تقديم أداء أفضل، كما تتطلّع إلى ما يمكن إنجازه في المراحل المقبلة".

عمل فنسنت فان دويسن مع أورتيغا بيريز على مجموعة تحمل اسمه لحساب Zara Home. يقول المصمّم والمعماريّ البلجيكي: "قدِمت مارتا مع بعض أعضاء فريقها قبل أربع سنوات. في البداية، لم يخطر لي أنها ستقترح عليّ التعاون معها. اعتقدت أن المسألة مرتبطة بعملٍ خاص، وأنها تريدني أن أعاونها على تصميم منزلٍ ما. لكنها سألتني إن كنت مستعداً لتصميم أثاث، بهدف تحديث المنتجات المعروضة في إحدى المجموعات تحت الإدارة الفنية لفابيان بارون. لم أفكّر كثيراً. ما كان الأمر متعلّقاً بالمال الذي سأتقاضاه، إنما استهوتني الطريقة التي يقدّمون بها العلامة التجارية، من حيث التسويق والموقع الإلكتروني وحكاية العلامة التجارية".

يستفيض فان دويسن في الحديث عن أورتيغا بيريز: "ليست مارتا سخيّة وعطوفة فحسب، إنما رائدة أعمال عظيمة أيضاً. إنها شديدة العناية بالتفاصيل، ونظرتها ثاقبة إلى المظهر والفنون. وتتميّز بالتواضع أيضاً".

عند النظر إلى الأسعار، يتبيّن أنها صارت أكثر تنافسية"

يتحدّث كثيرون عن المناقب العائلية في الشركة، وعن أجواء الترحاب الشديد السائدة فيها. المال لا يُضرّ أيضاً: أخبرتني عارضةٌ تشارك في إعلانات للتجارة الإلكترونية في أيه كورونيا أن الأجر اليومي جيّدٌ جداً إلى درجة أن رفضَه "ظلمٌ جنائي". صحيح أن العلامة التجارية لم تعتمد يوماً الأسلوب الدعائي التقليدي، إلا أن أورتيغا بيريز استقدمت مواهب ساعدت على الارتقاء بجماليات الدار إلى مستوى العلامات التجارية الفاخرة، علماً أن Inditex ليست علامة تجارية فاخرة. ففي Zara، يبلغ متوسط كلفة التسوّق 70€، فيما يتراوح بين 50€ و60€ في Bershka وPull&Bear.

لم ينوِ أمانسيو أورتيغا غاونا أبداً أن تكون Inditex علامة تجارية فاخرة، إذ أراد أن تساهم منتجاته في جعل هذه السوق في متناول الجميع، لا العكس. وبالرغم من الدمج بين المستويَين الراقي والعادي، لا تحيد أورتيغا بيريز أيضاً عن هذا الاعتقاد الأساسي. يقول ريتشارد تشامبرلين، المحلل لدى RBC Capital Markets: "يبدو كأنهم يتّجهون نحو الارتقاء بالمنتج. فقد أرادوا تعزيز التعاون الخارجي في مجالات تخصّصية، وعمدوا بصورة عامة إلى التركيز على الجودة العالية للعلامة التجارية، وإلى تعزيزها. لكن، عند النظر إلى الأسعار، يتبيّن أنها صارت أكثر تنافسية"، مضيفاً: "يكشف ذلك عن حجمهم وعن القدرة الشرائية لديهم. نادرٌ جداً أن تصادف تخفيضاً للأسعار لأنهم يبدأون كل موسم بموجودات أقل في المخزون. لقد باتوا أشدّ فاعلية لناحية التكلفة ومراعاة البيئة، وقد أتاح لهم ذلك استخدام تقنية RFID، أي التحديد بواسطة الموجات اللاسلكية [المقصود بها تقنية الرقائق الإلكترونية الدقيقة التي تبسّط الطلبيات والمخزون والتوزيع] وإدارة الجرد على نحو أفضل، وزيادة الشحن من المتجر وتحفيز المبيعات بالسعر الإجمالي".

فيما يُبدي المستهلكون حساسية أكبر من أي وقت مضى في ما يتعلّق بالأسعار، تدرك أورتيغا بيريز تماماً وجود منافسين مثل Shein، لكنها تتردّد في رسم أوجه تشابه بين Inditex وعملاق الموضة السريعة الصيني. تقول: "تتنازل الموضة السريعة عن الجودة، وهذا معاكس تماماً لما نسعى إليه"، مضيفةً: "يخصّص أكثر من 40 بالمئة من الأشخاص الذين يعملون في الفريق جهودهم كاملة للمنتج. في Zara أكثر من 250 مصمّماً، وهناك العدد نفسه من صنّاع النماذج، فما زلنا نصنع النموذج ونجرّبه على عارضين حقيقيين قبل إنتاجه".

مسألة الاستدامة أساسية، لا سيما في شركةٍ تنتج بكمياتٍ ضخمة (تنتج Zara وحدها نحو 450 مليون لباس سنوياً، تصنّف ضمن 20,000 أسلوب جديد في كل عام). في نهاية السنة المالية 2022، كانت Inditex تشغّل 5,815 متجراً في 213 سوقاً. وفيما تفتخر المجموعة بأن 50 بالمئة من منتجاتها مصدرها البلدان المجاورة – إسبانيا والبرتغال والمغرب وتركيا (الباقي مصدره آسيا) – أشارت تقديرات وردت في تقرير صادر عن Société Générale في عام 2022 إلى أن أقل من 20 بالمئة من منتجات Inditex صنعت مباشرةً في مصانعها.

"لا نتماهى مع ما يُسمّى ’الموضة السريعة‘"

"لا نتماهى مع ما يُسمّى ’الموضة السريعة‘"، تكرّر أورتيغا التي تبتعد عن تعريف الكلمات كما وردت في القاموس، معقِّبةً: "لأن هذه العبارة تذكّر بكمية البضائع غير المباعة والملابس السيئة النوعية التي تركّز على الأسعار الرخيصة جداً، وهذا بعيد كل البعد عمّا نقوم به. من جهة أخرى، نعتمد نموذجاً في الأعمال يرتكز أساساً على طلب المستهلكين، ونحن نتصرّف على هذا الأساس. تكمن هذه الذهنية في صلب العرض والتوزيع في شركتنا، وهذا يساعدنا حقاً على خفض المخزون المتبقّي إلى أدنى حد، وهو ضئيل جداً لا يتعدّى اثنين بالمئة".

أمانسيو أورتيغا غاونا يحضن أورتيغا بيريز، في عام 2011  © Getty Images/Europa Press
أورتيغا بيريز (الرابعة من اليسار) مع (من اليسار) أمبر فاليتا وإيرينيا شايك وناتاليا فوديانوفا ونعومي كامبل وكريستي تورلينغتون وكارلي كلوس وكارن إلسون في افتتاح معرض Meisel 1993 (ميزل 1993) في أيه كورونيا، في تشرين الثاني (نوفمبر) 2022 

تردّ رايتشل أرثور، الكاتبة والمستشارة لشؤون الاستدامة التي قدّمت المشورة لأعمال مثل Google، وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة ومعهد Institute of Positive Fashion (معهد الموضة الإيجابية) التابع لمجلس British Fashion Council (مجلس الموضة البريطاني): "العلامة التجارية التي تطلق عشرات المجموعات الجديدة في السنة تندرج في خانة الموضة السريعة، شئتم ذلك أم أبيتم"، مضيفةً: "تستند الموضة كما نعرفها إلى استخراج الموارد واستخدامها، ما يعني أنها تمارس أثراً مضرّاً جداً في الأرض وسكّانها. في الحقيقة، إن لم ننظر إلى حجم الصناعة، لا يمكننا تحقيق أيّ هدف من أهداف الاستدامة التي حدّدناها".

في نوفمبر الماضي، خدمة المنتجات المستعملة، فخطت Zara خطوتها الأولى غير المربحة في البداية نحو إعادة البيع أو التصليح

أطلقت Inditex استراتيجية للاستدامة في عام 2001 حين وقّعت United Nations Global Compact (الاتفاق العالمي للأمم المتحدة) ونشرت خطتها الاستراتيجية الأولى للاستدامة. في عام 2002، انضمّت إلى مؤشر Dow Jones Sustainability Index (مؤشر داو جونز للاستدامة). وبحلول نهاية العام الجاري، ستستمدّ الشركة مئة بالمئة من أليافها القطنية وألياف السليلوز التي يصنعها الإنسان من مصادر محبّذة – مثل القطن العضوي، والمعاد تدويره، والقطن الأفضل (يُنتَج في إطار مبادرة Better Cotton)، وقطن الجيل الجديد – وستتوصّل إلى القضاء على الهدر في منشآتها كلها. وبحلول عام 2040، تسعى الشركة إلى القضاء التام على الانبعاثات في سلسلة القيمة كلها. وهي أطلقت، في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، خدمة المنتجات المستعملة، فخطت Zara خطوتها الأولى (غير المربحة في البداية) نحو إعادة البيع أو التصليح. كما باشرت العلامة التجارية وضع صناديق التبرع بالملابس ابتداءً من عام 2016.

يقول تشامبرلين عن سجل Inditex: "يحصلون بانتظام على تصنيف مرتفع في مؤشر Dow Jones Sustainability Index. إنهم في الصدارة".

لكن، فيما توافق أرثور على أن هذه الجهود جديرة بالثناء، يبقى الطريق طويلاً جداً. تقول: "رسم استراتيجية للاستدامة تواكب الأهداف التي حدّدتها Zara أمرٌ ضروريٌّ جداً، وهي تبرهن بوصفها منظمة عن نوع التفكير التحوّلي الممكن تحقيقه. لكن، حتى للملابس المستدامة أثرٌ حين تُنتَج بالمليارات سنوياً".

ينصبّ تركيزي كاملاً على المنتج وكل ما يتيح تقديمه بأفضل طريقة ممكنة؛ وعلى تحسين تجربة التسوّق بصورة دائمة، في المتاجر وإلكترونياً على السواء"

بعدما ورثت أورتيغا بيريز شركة متينة، ربما تقتصر مهمتها الآن على قيادة دفّة سفينةٍ ثابتة. ثمة توجّهٌ للخوض في مجالات جديدة – مستحضرات التجميل والملابس الداخلية مثلاً – لكنها تنفي أن تكون هذه القرارات جزءاً من خطة أكبر: "قد يبدو مستحيلاً ألا نخطط لاستراتيجية كبيرة في شركة بهذا الحجم، لكنني أتبع إحساسي وأحاول الحكم على الأمور بطريقة أكثر اعتماداً على الحدس".

استجابةً لإلحاحنا كي تحدّد أورتيغا بيريز رؤيتها بشكلٍ أدقّ، تُعدّد قائمة من النقاط: "ينصبّ تركيزي كاملاً على المنتج وكل ما يتيح تقديمه بأفضل طريقة ممكنة؛ وعلى تحسين تجربة التسوّق بصورة دائمة، في المتاجر وإلكترونياً على السواء، وتحقيق أقصى قدر من الدمج بين الاثنَين؛ والبناء على عملنا في مجال الاستدامة، والذي يندمج بصورة متزايدة في كل عملية في الشركة، فضلاً عن حسن التأثير وتشارُك أفضل الممارسات مع القطاع عموماً. باختصار، هدفي هو الحفاظ على الجودة ثم الجودة ثم الجودة، ومواصلة العمل على تعزيزها في مختلف جوانب الشركة".

تراقب أورتيغا بيريز، وهي أمٌّ لصبي في العاشرة من العمر ولفتاة في الثالثة، اهتمام ولدَيها بالموضة. روت لي باندهاش عن حماسة ابنها للعلامات التجارية، والتي تتخطّى بأشواط عشقها الملابس: "إنه مهووسٌ تماماً بالملابس والعلامات التجارية". تقول عن لباسها وكان حينها ثوباً واسعاً صوفياً بسيطاً رمادي اللون: "أرتدي بصورة أساسية ثياباً من Zara أو Massimo Dutti، لكنني أبتاع أيضاً ملابس من توقيع مصمّمين معروفين... وبالطبع، أهوى الأحذية".

في حفل عقد قرانها على توريتا في عام 2018، ارتدت ثوباً بياقة عالية من مجموعة Valentino للأزياء الراقية

تميل إلى ارتداء ملابس بسيطة بألوان محايدة، و"تهوى الفساتين"، بالرغم من أنني لا أستطيع تخيّلها في فساتين Zara الشهيرة والواسعة الانتشار إلى درجة أنها تستحوذ على وسوم خاصة بها سنوياً. في حفل عقد قرانها على توريتا في عام 2018، ارتدت ثوباً بياقة عالية من مجموعة Valentino للأزياء الراقية. "أمتلك خليطاً من الملابس"، هذا ما تقوله عن الدمج بين الراقي والعادي، والجمع بين أزياء المصمّمين والثياب العادية، ما يطبع خزانة الملابس المهنية الحديثة. وتردف: "أملك أيضاً ملابس من والدتي. إذاً، نعم، بتّ أملك خزانة كبيرة. يسألني ابني، ’لماذا تملكين هذا العدد الكبير من الملابس؟‘ فأجيبه، لأنني أملكها منذ سنوات عدة".

تبدو أورتيغا بيريز مرتاحة نسبياً للبروز الذي يمنحها إياه موقعها بصفتها اللاعبة الأساسية على رأس علامة تجارية ضخمة مُدرجة في البورصة. إنها أكثر ارتياحاً من والدها. تقول باستهجان حين أسألها عن دوره: "حسناً، الجميع أكثر ودّية منه"، مضيفةً: "لا يريحني أن أكون محور الاهتمام، ليس أمراً أستمتع به، لكنني لا أهوى حضور حفلات الموضة، إنما أهوى حضور مناسبات متّصلة بعملي".

تقول عن والدها: "أعتقد أنني أكثر انخراطاً منه في عالم الموضة"

والدها متحفّظ إلى درجة شبه مَرضية، فهو لم يجرِ سوى مقابلة رسمية واحدة خلال مسيرته. تقول: "لكن الزمن مختلف أيضاً عمّا كان عليه حين بدأ والدي العمل"، مضيفةً: "أعتقد أنني أكثر انخراطاً منه في عالم الموضة. فالجيل مختلف والزمن مختلف أيضاً".

تعمد أورتيغا بيريز، بقصد أم من دون قصد، إلى تحويل وجهة التركيز في العلامة التجارية. فهي تنخرط في هذا القطاع بطريقة أكثر شفافية. وبدلاً من العمل بمجهوليةٍ نسبية في غاليسيا أسوةً بوالدها، ساهمت في وضع المنطقة على الخارطة، سواءً بدعوة عشرات العارضين والمحرّرين إلى معرض لأعمال ستيفن ميزل في ميناء أيه كورونيا، مثلما فعلت في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، أم بالطلب من شخصية لامعة في مجال التصميم مثل فنسنت فان دويسن ابتكار مجموعة من الأثاث لتزيين منازلنا. وبعد المطبّات المالية الأولى عقب تعيينها في منصبها، تمكّنت مع أوسكار من تهدئة مخاوف منتقديهما، إذ حقّقت Inditex زيادة في إجمالي الأرباح بنسبة 17 بالمئة في عام 2022، بفضل تجاوز المبيعات المستويات التي كانت عليها قبل الجائحة، في عامها الأول على رأس الشركة.

بعد المطبّات المالية الأولى عقب تعيينها في منصبها، تمكّنت مع أوسكار من تهدئة مخاوف منتقديهما، إذ حقّقت Inditex زيادة في إجمالي الأرباح بنسبة 17 بالمئة في عام 2022

أتساءل إن كانت تجربتها مع الخيول، حيث شاركت سابقاً في سباقات الفروسية مع القفز فوق الحواجز، قد أكسبتها مهارات في الأعمال. تجيب: "في سباقات الفروسية، تتطلّب الاستعدادات في معظم الأحيان مجهوداً كبيراً، وحين تشارك في السباق، ينتهي الأمر في دقيقتين. في معظم الأحيان تخسر. إذاً، أعتقد أنك تتعلّم أن عليك أن تستمرّ في المحاولة والعمل بجهد لتحقيق الأهداف. تتعلّم العمل الجماعي. فبالرغم من أن سباق الفروسية نشاطٌ فردي، يحيط بك فريقٌ يساعدك على تحقيق مبتغاك. إنها عملية طويلة الأمد، إذ ينقضي وقت طويل بين بدء التدريب على ركوب الخيل وتمتّع الجواد بالجاهزية اللازمة للمشاركة في السباقات".

أهي إذاً صفات الصبر والقدرة على التكيّف والعمل الجماعي؟ أومأت برأسها موافقة، وقد بدت عليها ملامح الجدّية والتأنّي: "أعتقد أن ذلك لا ينطبق على العمل فحسب، إنما ينطبق أيضاً على الحياة عموماً، وهذا ما أظنّه".

تصميم الإطلالات كارل تمبلر. تصفيف الشعر: أنطوني ترنر. ماكياج: لوسيا بييروني. العناية بالأظافر: آما كواشي. تصميم الديكور: بوبي بارتلت. إنتاج: Erin Fee Productions. ما بعد الإنتاج: SKN-LAB

1 تعليقات

شارك برأيك