أولاً وقبل كل شيء، دان كوكس طاهٍ. في عام 2008، حصل على Roux Scholarship وقضى بضعة أشهر في العمل تحت إشراف سانتي سانتاماريا في Can Fabes الحائز ثلاث نجوم Michelin في كتالونيا، ثم قضى فترة لدى No 14 في فيربييه، لينضمّ بعدها إلى سيمون روغان في L’Enclume بكامبريا، ولاحقاً Fera بـClaridge’s، حيث ساعد في منح المطعم نجمة Michelin في غضون ثلاثة أشهر من افتتاحه.
إضافة إلى صفة الطاهي، علّم كوكس نفسه بنفسه ليكتسب صفات أخرى كثيرة. حين كان طفلاً في هولواي، بشمال لندن، اعتاد أن يفكّك الأشياء مدفوعاً بالفضول ليرى كيف تعمل. يقول لي: "فككت بطانية كهربائية ذات يوم وصعقني التيار الكهربائي". إنه نهج مفعم بالحماسة خدمه بشكل أفضل في Crocadon، وهذه مزرعة مساحتها 120 أكراً (نحو 500 ألف متر مربع) في سانت ميليون، بكورنوال، وقد تولّى إدارتها في عام 2017 تقوده أحلام بزراعة الخضار وتربية الماشية وإنشاء مطعمه الخاص، حيث تأتي منتجاته الغذائية مباشرة من المزرعة. يقول: "إن تناول المنتجات المحلية الموسمية ودعم المزارع الصغيرة التي تساعد في إحداث تغيير إيجابي هو العامل الرئيسي لبناء نظام غذائي أفضل في المملكة المتحدة". وإلى جانب الخرشوف الثمين والفاصولياء المتسلّقة، يشمل محصوله ثلاثة أنواع من اللفت، Petrowski وSweetbell وMilan الذي ينضج خلال 80 يوماً، و"كلها حلوة بشكل استثنائي وطرية بما يكفي لتؤكل نيئة".

من بين الوظائف التي مارسها (وحده في أحيان كثيرة) منذ تولّيه إدارة المزرعة تركيب مصنع صغير للبيرة العضوية وتجميع حجرة ثلاجة مخصّصة لتعتيق اللحوم بطريقة التقديد. وأدخل أغناماً وماشية نادرة وذات سلالات تراثية وساعد في استعادة صحة التربة من خلال تنويع المزروعات. "اشتريت حمولة من الكتب من Amazon"، يقول عن درسه المكثّف لإيكولوجيا التربة. وكان أحد هذه الكتب The Formation of Vegetable Mould Through the Action of Worms (تكوين العفن النباتي من خلال عمل الديدان) بقلم تشارلز داروين.

ربما يبدو قرار كوكس ترك العمل لحسابه الخاص في Mayfair لتولّي إدارة مزرعة أُعلِن عنها على موقع Rightmove ضرباً من الجنون. لكن هذه الخطوة كانت مرتقبة لفترة طويلة. يقول إن العمل في Can Fabes "منحني منظوراً مختلفاً لمدى جودة المنتجات"، ولا سيما عند الحصول عليها مباشرة من مزرعة. وغذّت فيربييه حبّه البيئات الطبيعية الجميلة. يعترف قائلاً: "كوني آتياً من لندن، هذه ليست الطريقة التي نشأت عليها. لكن هذا ما أريده حقاً". في L’Enclume ، حصل على معرفته الزراعية في إدارة مزرعة تابعة لمطعم، كما حصل على الأدوات الخزفية لخدمة الزبائن. ألهمته مشاهدة الخزّاف بول موسمان يعمل للاستثمار في عجلته وفرنه الخاصين به، بالرغم من افتقاده للخبرة في التعامل مع الطين. يقول عن الفرن: "كان عليّ حفر حفرة في جدار شقتي المستأجرة لتمرير أنبوب عادم". لكن، عندما اكتشف أن البخار الصادر عن التزجيج يمكن أن يكون ساماً في درجات الحرارة العالية، بنى سقيفة في الخارج بدلاً من ذلك، وهو الآن يدير محترفاً للخزافة في كروكادون ويتعاون مع خزّافين بريطانيين ناشئين، ويُجري تجارب مع التزجيج المصنوع من منتجات مهملة، بما فيها أصداف جراد البحر وعظام الأغنام.
![]() |
![]() |
بعد خمسة أعوام من الموعد المحدّد، أصبح الآن في وضع يمكّنه من إطلاق المطعم، المسمّى أيضاً Crocadon. يقع هذا المطعم في حظيرة سابقة استصلحها كوكس، ويضمّ مطبخاً مفتوحاً في أحد أطرافه، وتنضح غرفة الطعام المخصّصة لـ25 شخصاً بطابع غير رسمي مريح. الجوّ موسوم بفونوغراف وصندوق من الأسطوانات (معظمها من موسيقى السول وموسيقى السبعينيات الشعبية)، ويتناوب كوكس وفريقه على تصفّح الألبومات واختيارها من مالكين مماثلين في متجر للتسجيلات.

حين زرت المطعم في شباط (فبراير) الماضي، لم أجد منتجات زراعية طازجة كثيرة قابلة للعرض، لذلك تهيمن المحفوظات والمخمّرات على قائمة التذوّق المكوّنة من 10 أطباق (هناك أيضاً قائمة من ستة أطباق تقدّم من الخميس إلى السبت وقائمة غداء من ثلاثة أطباق ليوم الأحد). في يدي كوكس، هذه مجرّد نعمة. يتكوّن أحد المقبّلات من شرائح من الشمندر الذهبي والبلوق المقدّد في كومبوتشا الروانبيري وخلّ البطيخ (المصنوع بفائض العام الماضي)، وهو خمر لذيذ جداً يمكنني ارتشافه طوال الليل.
الطبق الرئيسي هو قوائم الأغنام المحمّرة مع الكبد والملفوف
فطيرة الدجاج، وهي في الأساس موس الدجاج، ذات مذاق جيد جداً (بالرغم من أنها تتضمّن كميّة من القشدة أقل كثيراً مما يجب). لكن هذا الطبق لا يقارن بالطبق المصاحب وفيه كراث مشوي مع مرق أحشاء الدجاج المعتّق، ويحتوي على كبد السلمون المرقط المجفّف النابض بالنكهة. ثم هناك محار الأعماق المروحي الإسكتلندي مع كوسى أوت الهند. صلصة هذا الطبق مصنوعة بمخلّل البابونج الدافئ، تنبعث منه رائحة مسكرة مثل المانغا الخام التي تذهلني. حين تتناوله، تبدو كل لقمة حلوة ومريرة وزبدية تصاحبها رعشة ألطف من الحرارة.

الطبق الرئيسي هو قوائم الأغنام المحمّرة مع الكبد والملفوف. إنه طبق قوي ومُرضٍ ولكن يتفوق عليه طبق ثانوي من لحم الأغنام المطهوّ فترة طويلة والغني بالتوابل. يُبرز هذا الطبق البطاطا وميسو البطاطا وزيت الكاشم من بين مكوّنات أخرى. تبدو هذه المجموعة غنية بنكهات اليانسون والفلفل والليمون، مثل صلصة النعناع بقوة مضاعفة.
ليس كل طبق ناجحاً. يبدو بعضها أسهل إثارة للإعجاب به منه للاستمتاع، مثل تورتة الكراميل بمصل الحليب، مع الزبادي والحميض والتفاح المكرمل. لكنّ الوجبة حيّةٌ بفضل ما يرافقها من نبيذ، وتكون في الأغلب مفاجئة. تأتي لحظة "يا للمفاجأة" الأخيرة عندما أحتسي شاي شوكولا النعناع الطازج، وحين يستخرج الفريق أسطوانة لا تُشغَّل في العادة إلا في آخر الليل: "Voulez-Vous" من فريق ABBA. حسناً، لم أكن أتوقّع ذلك. لكنني أحببته.