ليس الطعام اللذيذ ما يجعل العشاء ممتعاً، فهذا مرهون بالمدعوّين أنفسهم. عندما أفكّر في مَن أدعوه إلى تناول العشاء، أدرك أنها عملية انتقاءٍ تشبه اختيار ممثلين ملائمين لأدوار تمثيلية. ثمة شخصيّتان لا تتغيران في أي قائمة – صديقي المقرّب وصديقتي الفضلى – فيما يشبه تأليف باقي القائمة لعبة الكراسي الموسيقية. فالآخرون في هذه القائمة أصدقاء، قدامى وجدد، صغار وكبار. أحبّ استضافة الولائم لأشخاص آخرين؛ إذ هذه فرصة لتأليف قائمة ضيوف من قوائم مختلفة. فقد استضفت أخيراً وليمة عشاء مع صديقي ماكس فاراغو، المصوّر وصاحب دار عرض، تكريماً لصديقه لويس مولر، الفنان الذي يمثّله ماكس من خلال صالة عرضه Farago. وقد أقيم هذا العشاء في منزل مايكل بارغو، مصمّم الديكور ومصمّم الأزياء وتاجر التحف في نيويورك.

أؤمن بأن ثمة نوعين من ضيوف العشاء: "الشخصيات الأساسية" و"الروابط". الشخصيات الأساسية هنا هي كبار الضيوف، الذين يستمتعون بسرد القصص ويفضّلون الحركة والمشاركة في تفاصيل الأمسيات. أحياناً، تتحوّل الغرفة إلى خشبة مسرح هم أبطالها. وربما يتحوّلون أيضاً إلى أشخاص استفزازيين. إنهم من النوع المسلّي والقادر على توليد جوّ مفعم بالحيوية. بالرغم من ذلك، حين يكون عدد هؤلاء زائداً، تراهم يتنافسون على جذب الاهتمام، فيختلّ توازن الحفلة. أما الروابط فأشخاصٌ يسهل التحدّث إليهم واستيعابهم، يستمعون أكثر ممّا يتحدّثون، ويملكون القدرة على إثارة الشعور بالراحة في نفس الجالس بجوارهم إلى المائدة. إنهم يربطون بين الشخصيات، لكن إذا زاد عددهم عمّا ينبغي، فقد يتسلّل الملل إلى السهرة، فتفقد رونقها.


ميزة قائمة ضيوفنا هي تنوّع أعمار أفرادها. الفنان المكرّم لويس ثمانيني، فيما تجد في القائمة مدعوّين في أواخر عشرينياتهم صعوداً. هذا التنوّع في أعمار المدعوّين يُغني ولائم العشاء، وهذا ما ينساه الناس في الأغلب، ولهذا ننتهي بحفلات أكثر تجانساً ممّا ينبغي. نصيحتي: في الوليمة المقبلة، اركنوا عادتكم جانباً وادعوا شخصين على الأقلّ يكبرانكم أو يصغرانكم بنحو 50 عاماً، فقد يفاجئكم هذا الأمر، وربما تبدأ صداقة وثيقة بينكم.
"إن استأذن أحدهم في إحضار صديق، فوافقوا. ثمة متّسع دائماً لمدعوٍّ إضافي إلى مائدتي"
أعمل أنا ومُضيفاي المشاركان في مجال الفن والتصميم، وكان مهمّاً أن يكون بين مدعوّينا من يعملون في تخصّصات مختلفة، فضلاً عمّن لا يعرفون بعضهم بعضاً. فهذا يزيد الحديث بين الجميع إثارة. لقد اشتهرت الفنانة لويز بورجوا بصالونات الأحد التي كانت تستضيف فيها أشخاصاً مختلفين، عرفت بعضهم وما عرفت بعضهم الآخر، من دون سابق تصوّر لما قد يحدث، باستثناء إتاحة الفرصة للتواصل. حرّكت شبكة عملاقة من الناس أكثر من 30 عاماً، وقالت ذات مرة: "أريدهم أن يحظوا بوقت جيد وأن يشربوا كثيراً. حين يقولون: 'أريد أن أريكم عملي'، ما يعنونه حقاً هو: 'أريد منكم الاستحسان والتهنئة'".
يُعدّ وضع قائمة الضيوف جزءاً مهماً من لغز الاستضافة. للمرونة في مخالفة أي قائمة أهمية تضاهي القائمة نفسها. قاعدتي العامة هي أنني إن كنت أعدّ طعاماً لخمسة أو 15 أو 105 مدعوّين، فقد يحضر دائماً ستة أو 16 أو 106 مدعوّين. ربما تواجهون مشكلات لوجستية، لكن إن استأذن أحدهم في إحضار صديق، فوافقوا، لأن الموافقة هنا أسهل كثيراً من الرفض. فسيسعد ضيفكم بهذا، وثمة متّسع دائماً لمدعوٍّ إضافي إلى مائدتي.


ما استطعت الإفلات من ذكر ما أعددت في تلك الليلة: قدّمنا الفجل المبقع المطهوّ ببطء مع هريس الحمص، والبونتاريلي المزيّن بالأنشوفة، واللحم الطريّ المقطّع رقيقاً مع التوناتو، والكبّر أو القبار والفجل، والفاصولياء المطهوّة ببطء. للحلوى، صنعت بافلوفا بالتوت البري وثمار النبتة المستحية والكريما الإنكليزية. سمعت الناس يشيدون بالطعام، لكن ما سيبقى سنوات طويلة بعد الذاكرة الخاصة بالطعام نفسه هو الصداقات التي أُبرِمت في تلك الليلة. وهذا جوهر وليمة تستحقّ أن تُذكر.
للوليمة قواعدها
• ألّفوا قائمة بالضيوف، لكن تحلّوا بالمرونة وخالفوها
• يجب التوفيق بين "الشخصيات" و"الروابط"
• يجب تحقيق نوع من التوازن في سن المدعوين
• لا تغفلوا إيجاد نوع من التوازن بين من يعرفون بعضهم بعضاً ومن لا يعرفون بعضهم بعضاً
• أحرصوا على إيجاد توازن بين مهن المدعوين