نشأت في كامبيناس لكنني انتقلت إلى ساو باولو بعدما أنهيت المدرسة، وكان عمري حينها 17 عاماً. بدا هذا الأمر كأنني ألقيت في بحيرة تجري فيها الأشياء الثقافية كلها؛ كان تعليماً حقيقياً. وبالرغم من أنني أقطن الآن في لندن، إلا أنني أزور ساو باولو مرتين أو ثلاث مرات في العام. تتمثل خصوصية هذه المدينة في أنها لم تعرف التخطيط المدني المفرط، لذا تجدها فوضوية وتلقائية: ربما وقعت أخطاء لا تُصدَّق، لكن هذه الأخطاء صارت ميزات هذه المدينة.
يتحدر والدي من أصل لبناني... وأحب تناول ورق العنب المحشو باللحم والأرز والفطائر والحمّص والبابا غنوج"
ساو باولو هي عبارة عن محيط من المباني المرتفعة، وقد بنوا مسارات مرتفعة قرب المباني السكنية، لذلك تجد هذه الجادات العشوائية متماشية ومتوازية مع الطابق الثالث أو حتى الرابع من المباني. أحد هذه الشوارع، ويسمّى شارع الرئيس جواو غولار المرتفع، يقبل عليه الناس كأنه حديقة يمكنهم المشي فيها في عطلات نهاية الأسبوع. لم أعتبر هذا النقص في التخطيط جانباً إيجابياً حتى الآن، لكنه يجعل المدينة ساحرةً ومثيرة للاهتمام، تولّد في النفس شعوراً بالصدمة والعجب.
أقيم في جاردنز، وهو معادل مايفير في لندن، فيه متاجر فاخرة وفنادق ومطاعم لطيفة. تتمتّع البرازيل بثقافة مكثّفة في مجال مراكز التسوّق، لكن جاردنز واحد من أحياء قليلة تحيا فيها حياة الشارع. وساو باولو اجتماعيّة تماماً؛ لا يملك الناس معتزلات طبيعية كثيرة هنا، فتتلخّص طريقة عيشهم في التلاقي في المتاجر أو الحانات أو دور العرض أو صالات السينما.

أحد المطاعم المفضّلة عندي هو Rodeio. إنه مطعم شواء عالي الجودة في قلب جاردنز. برازيلي بشكل نموذجي، اللحم فيه مشويّ على الفحم – churrasco – والمقدّم مع الأرزّ والفاصولياء. قربه Maní، وهو نسخة معاصرة عن المطبخ البرازيلي. تعيد الطاهية هيلينا فيه تفسير المكوّنات التقليدية، باستخدام الكثير من cassava أو yuca.
ويُعَدّ فنّ الطهو أحد أبرز معالم ساو باولو، كما يعكس الآثار المختلفة في المدينة. ثمة عدد كبير من اللبنانيين – والدي نصف لبناني – وبالتالي ثمة عدد كبير من المطاعم الشرق أوسطية الجيدة. Almanara مكان أذهب إليه في الكثير من الأحيان لأتناول الكلاسيكيات: أوراق العنب المحشوة بالأرزّ واللحم، والفطائر، والحمّص، والبابا غنوج. يرتدي النُدُل ملابسهم كما لو كانوا يعيشون في الخمسينيات، وهذا يتناسب مع المساحة الداخلية للمطعم.

أحبّ أيضاً قضاء أمسية في ليبرداد، الحيّ الياباني، حيث أجد الأسواق وحانات الكاريوكي وسبعة أو ثمانية مطاعم سوشي عالية التصنيف. Sushi Lika عبارة عن تجربة كاملة، فلديهم طاهٍ ممتاز يُعِدّ السوشي ويُقدّمها في قارب، لذلك فالمطعم من الطراز القديم قليلاً.
يأتي بعض المأكولات البرازيلية الأكثر أصالة من وجبات "بين بين" مثل pão de queijo، وهو خبز بالجبن مستدير نأكله مع القهوة، أو وعاء açai أو ماء جوز الهند. يعادل التوقّف لتناول هذه الوجبات ثقافة المقاهي في أوروبا. لدينا كثير من القهوة، لكنني أعتقد أننا نقدّر جودة pão de queijo على فنجان من القهوة الجيدة.

عندما يزورني الأصدقاء، أوصيهم بالإقامة في Fasano، وهذا فندق في سيركيرا سيزار، أسّسته عائلة إيطالية. فيه مساحة داخلية غنية بالخشب والأثاث العصري والجلود، ويضمّ المطعم أكشاكاً منفصلة لتناول الطعام. أحبّ أيضاً فندق Tivoli Mofarrej São Paulo، وهو مبنى مرتفع مع غلاف خارجي، وأعدّه نمطاً بارزاً في العمارة البرازيلية. على سطحه مطعم لطيف أرتاده لتناول طعام الفطور.
يقع Tivoli Mofarrej قريباً من São Paulo Museum of Art، الذي صمّمته لينا بو باردي، المعمارية المعروفة بأسلوبها البسيط والتي تركت إرثاً من المباني العامة. بعض الفنانين البرازيليين المفضّلين لديّ، بالرغم من ذلك، يمثلهم Fortes D’Aloia & Gabriel وMendes Wood DM، وكلاهما انتقل إلى محترفات كبرى في بارا فوندا. هناك الكثير من دور العرض البرازيلية الجيدة ذات المكانة الرفيعة في الخريطة الفنية الدولية.

أحد متاجري المفضّلة هو ETEL، وهو دار عرض للتصاميم ومتجر أثاث في جارديم بوليستانو، يبيع أعمالاً لنايمير وسيرجيو رودريغيز، ويؤدي عملاً رائعاً في الترويج لمصمّمين برازيليين مثل كلوديا موريرا ساليس وإيساي واينفلد. كذلك، افتتحوا أخيراً صالة عرض مخصّصة لخورخي زالسزوبين في مبنى سكنه 60 سنة، وهو الذي وُلِد في بولندا ثم انتقل إلى البرازيل بعد الحرب العالمية الثانية، وكان مصمّم أثاث راقياً بشكل لا يُصدَّق.

منذ أن عرفت ساو باولو، لم يتغيّر فيها الكثير على صعيد التنمية، بل حصل التغيير في طريقة استفادة الناس من المدينة؛ ثمة تطور مستمر بهذه الطريقة. في السابق، كانت ساو باولو تتطلّع دائماً إلى الخارج، أما الآن فهي منشغلة بالمشهد الثقافي العامر فيها، من دور عرض ومطاعم تحتفل بالبرازيل بطريقة مبتكرة حقاً.