السؤال نصف الحكمة. في عدد هذا الشهر، أسئلة كثيرة نبحث عن إجابات شافية لها، أولها: إن هجرت بلدك، أتهجر نفسك؟ في بحثها عن الجواب، تجد فيفيان بيكر مصمّمي مجوهرات لبنانيين، مقيمين ومغتربين، ينقبون عميقاً في إرثهم الغني وفي روح بلادهم الرازحة تحت وطأة الأزمات، "فيبنَون لغة بصرية نابضة بالحياة، طليعية في معظم الأحيان". تقول ندى غزال إن ثقافة المجوهرات سائدة في لبنان، لكن مفهوم مصمّم المجوهرات غائب، لأنها صنعة متوارثة. ويدمج سليم مزنّر التأثيرات المتنوّعة في لبنان وعشقه المراجع التاريخية مؤكداً أنه ليس أسير ثقافة واحدة، فيما تستكشف غاييل خوري بجرأة ازدواجيات متلازمة وأضداداً متقاطعة في لبنان، أولها الفردانية والانتماء. من جانبها، تنهل دينا كمال من إرثها اللبناني، لكنها تتطلع إلى ابتكار لغة كونية، وإلى الموازنة بين المقدّس والدنيوي، فيما تركّز نور فارس على التصوّف الشرقي جامعةً بين رموز تعويذية وأنماط هندسية خاصة بعمارة الشرق الأوسط. وبينما تبحث نادين بيضون – باربي عن تجسيد دورة الحياة والموت والولادة من جديد، تصوغ نادين غصن هوية جريئة خارجة عن كل مألوف.
ماذا ستفعل مارتا أورتيغا بيريز بعد ترؤسها شركة Inditex؟ تحاور جو إليسون سيدة Zara عن انتقال السلطة في الشركة، وعن الاستدامة والمستقبل، وهي التي بدأت العمل رسمياً لدى Inditex قبل 16 عاماً. تحت إشراف أورتيغا بيريز، خضعت المنتجات لتحسينات صغيرة إنما متقنة. فقد استقدمت معاونين في التصميم مثل شارلوت غاينسبورغ والعارضة كايا جربر، وأطلقت مجموعةً من المجوهرات مع إيلي توب، ووجّهت في العام الماضي دعوةً إلى المصمّم نارسيسو رودريغيز ليعيد صنع 25 قطعة من أرشيفه. وفي ظلّ إدارتها، صارت الملابس مستساغة على نحو متزايد، وتحسّنت الأكسسوارات والأحذية إلى حدّ كبير. تعمل مع طراز استثنائي من مصمّمي الإطلالات والعارضين والمصوّرين لإنتاج سلسلة متواصلة من الحملات الماهرة. وهي مستمرة في ذلك.
عشق السويسري للساعات ليس قراراً يتخذه في لحظة وعي، إنما هو شعور يولد فيه لحظة يولد"
أيّ ساعة هي سليلة نسب نبيل؟ تتجاوز ساعة Spirit Of Big Bang Sang Bleu من Hublot حدود صناعة الساعات التقليدية، وتدمج عالم الحِرفية السويسرية الرفيعة وفن الوشم، إذ بث فيها ماكسيم بليسيا - بوتشي، فنان الوشم السويسري ومؤسس وكالة Sang Bleu Creative Services، من روحه، لتخرج من بين يديه تحفة تجسد روح الابتكار التي تحدد عالم فن الوشم وصناعة الساعات الفاخرة. بدوره، على ما أكد لي في حوار خاص ريكاردو غوادالوبي، الرئيس التنفيذي في Hublot. وهو أضاف: "لقد منح ماكسيم ساعة Spirit of Big Bang هوية جديدة. إنه يهبها بعداً معمارياً مختلفاً". بدوره، قال لي بليسيا – بوتشي بلهجة الواثق: "أنا سويسري، وعشق السويسري للساعات ليس قراراً يتخذه في لحظة وعي، إنما هو شعور يولد فيه لحظة يولد، ويتحول إرثاً ثقافياً يصونه لينقله إلى غيره بكل تفانٍ".
هل تستقيم الفخامة مع الاستدامة؟ تجد سونيا سلطان أن النحلة جوهر قيم علامة Guerlain التجارية وأيقونتها الإبداعية، وتنقل عن سيسيل لوشار، المسؤولة الأولى عن الاستدامة في Guerlain، قولها: "النحل قلب التنوّع البيولوجي". حولت لوشار الحفاظ على النحل والتعبئة البيئية والابتكار المستدام والحياد الكربوني وتمكين المرأة من مسائل طرفية تخصّ المسؤولية الاجتماعية في الشركات الكبرى إلى دوافع أساسية لعلامة Guerlain التجارية. ولا شكّ في أن توسيع نطاق الاستدامة في علامة تجارية فاخرة لا يخلو من عقبات وتحدّيات، لكنها مسلّحة بشعار بدأ تطبيقه بالفعل.
مجيباً عن سؤال: "كيف ندبّر البيئة المهددة في بالي؟"، يستطلع كريس شالكس جهود إعادة التدوير في الجزيرة التي يجتاح البلاستيك شواطئها ومياهها الإقليمية. فهذه كيلي بنشغيب وشقيقاها غاري وسام يغرقون حتى الركب في أنهار طافحة بالنفايات، إذ أطلقوا منظّمة Make A Change World غير الربحية، ثم أسسوا Sungai Watch التي تنظّم حملات تنظيف مجتمعية لأنهار الجزيرة. وهذا رائد الأعمال الإندونيسي رونالد أكيلي صاحب مشروع Potato Head، ويمثل إحدى المبادرات التي تحدد وجهة استخدام النفايات البلاستيكية، إلى جانب دانيال ميتشل الذي أنشأ متحف Museum of Space Available في كانغو، حيث يجلس خلف واجهة مصنوعة بما يزيد على 200,000 قارورة بلاستيكية مضغوطة.
في علامة فارقة، يسأل غاندي المهتار صاحب مصنع شركس للصابون البلدي في طرابلس، لبنان: "كيف تستمر بلا مكننة؟". تأسس هذا المصنع في عام 1803، وما زال على حاله كما بدأ. ومحمود شركس سبعيني يمثل الجيل الثامن في آل شركس في هذه الصناعة، تسلّم المهنة من والده في عام 1967، يقول: "هذا ولدي أحمد بجانبي هنا، سيحمل اللواء من بعدي ليمثل الجيل التاسع في العائلة"، مشيراً إلى شاب في مقتبل العمر يقف بدراية فوق آلةٍ قديمة. هذا المصنع لا يعرف المكننة، والعمل فيه يدوي كله. الجرن حديدي مربّع، يقف عليه أحمد متتلمذاً على أبيه مكتسباً كل معارفه في هذه "المصلحة"، كما يسمّيها. لا قوالب جاهزة هنا إلا المربّع والمثلّث، فماذا إذاً عن صابون يتّخذ شكل عصفور، أو مسبحة، أو عنقود عنب؟ ينظر محمود إلى كفّيه المتعبتين: "بهاتين ننحت الشكل الذي تريد!".
