مجلة الرفاهية العصرية تصدرها إيلاف بالاتفاق مع فايننشال تايمز

تقارير

كيم جونز من الألف إلى الياء

كان مصمّم الأزياء لدى Dior Men وFendi بعدُ مراهقاً حين رأى مزرعة Charleston، أخذه الهوس بمجموعة Bloomsbury Group، فامتلك عدداً كبيراً من آثار تحمل توقيع أعضاء في هذه المجموعة

© نيكولاي فون بسمارك © نيكولاي فون بسمارك

يتنقّل كيم جونز أمام رفوف الكتب في منزله وفي نفسه رهبة تتّسم بوقار شديد. فهذا المصمّم البالغ من العمر 43 عاماً، المعروف أكثر بتولّيه منصب المدير الفني في قسم الأزياء الرجالية لدى دار Dior وفي قسم الأزياء النسائية والخياطة الراقية لدى دار Fendi، يقف في المكتبة في منزله الواقع غرب لندن، وهو عبارة عن خندق محصّن مصمّم بأسلوب العمارة المتحرّرة من القيود يُقيم فيه منذ أربعة أعوام. راح يبحث في خزائن الكتب المنتصبة من أرض الغرفة إلى سقفها، والتي صُمِّمت وفق مخطط رسمه جان بروفيه، وبدأ يسحب من الرفوف كنزاً تلو آخر. هذه نسخة أولى من رواية Orlando (أورلاندو) التي ألّفتها فيرجينيا وولف، ونسخة ثانية وثالثة ورابعة. فهو يملك منها سبع نُسَخ. أراني النسخة التي أُرسِلت إلى فيتا ساكفيل - وست التي أهدت إليها وولف الكتاب، وكانت بينهما آنذاك علاقة غرامية. النسخة مرفقة ببورتريه تَظهر فيه وولف بالأبيض والأسود بإطلالة مشرقة جداً حين كانت في مطلع عشرينياتها، وخُطَّت عبارة مقتضبة على الغلاف الداخلي للكتاب: "إلى فيتا من فيرجينيا".

ثمة مؤلّفات أخرى تحظى بمكانة مفضّلة: Twelve Original Woodcuts (اثنا عشر نقشاً خشبياً أصلياً) بقلم روجر فراي، من منشورات Hogarth Press في عام 1921؛ ونسخة عن كتاب To the Lighthouse (إلى المنارة) في إصدار خاص بالناشر؛ إضافة إلى الرسالة الموجّهة إلى تي إس إليوت حيث تحدّثت وولف بإيجاز عن تأليفها روايتها Mrs Dalloway (السيدة دالواي). يرتدي جونز قفّازَين حين يلمس أندر الإصدارات. يقول: "لا يدرك الأشخاص أنه يمكنهم أن يتعاملوا بخشونة شديدة مع الكتب". أراني طبعة أولى من رواية The Waves (الأمواج) موقَّعة من وولف إلى أمينة سرّها قائلاً: "أحّب أن أحمل شيئاً لمسته يد الكاتب".

كيم جونز في غرفة الحديقة في منزل Charleston الريفي، ساسكس © نيكولاي فون بسمارك

لا يبدو جونز جامع تحف أثرية من الطراز العادي. وجهه طفولي، لكنّ هندامه شبيه بأزياء غريبي الأطوار، كما يتمتّع بهدوء قد يوحي بأنه حياء، أو ربما هو شيءٌ من التحفّظ. في اجتماعات عدّة – بلندن وساسكس وباريس والقاهرة – جاء مرتدياً قميصاً أزرق من Miu Miu، وسترة جلدية ثقيلة بنّية داكنة من Miu Miu، وسروالاً قشدي اللون مع مئزر أمامي من علامة Goodenough التجارية اليابانية، يرتديه منذ كان عمره 19 عاماً. يختار تثبيت ساعة يده على طريقة الصناعي الإيطالي جياني أغنيلي، فوق طرف القميص، وهو يضع ساعةً في كل معصم. يقول عن الساعتَين المفضّلتَين لديه حالياً: "هذه ساعة Rolex Submariner من سبعينيات القرن الماضي مزوّدة بقرص Tiffany، وهذه ساعة Paul Newman Daytona من عام 1968"؛ ساعة Daytona هذه قد أهداها لنفسه بعد عرضه الأول لدى Fendi. وتلمع حول عنقه نظّارة Oakley مرصّعة بالألماس من النوع الذي يغطّي كامل العينَين. ويستقرّ حول إصبعه خاتم مرصّع بألماسة كبيرة، هو هدية من أحد معجبيه. يقول عن أكسسواراته البرّاقة: "إنها أشياء لمّاعة لا أكثر. لكنني أعتقد أن الجميع يحبّ هذا النوع من التزيّن".

"تخيّلوا أولئك الذين ولدوا في إنكلترا في الحقبة الفيكتورية، ووجدوا في قرارة أنفسهم أنهم لا يريدون أن يعيشوا على الطريقة السائدة حينها"

يحبّ جونز الأشياء. يهوى شراءها وتقديمها هديةً، ويهوى تشاركها مع الآخرين. سخاؤه الكبير جزء من نجاحه الباهر، وتحوّله إلى أحد المصمّمين الأشدّ تأثيراً في القطاع، بالرغم من أنّ قلةً تعرفه بالاسم. فهو خرّيج كلية Central Saint Martins، إذ درس فيها تصميم الملابس الرجالية متتلمذاً على لويز ويلسون، وقد لفت الانتباه للمرة الأولى من خلال علامة تجارية تحمل اسمه، قبل أن يتبوّأ منصب المدير الإبداعي لدى Dunhill في عام 2008. وفي عام 2011، عُيِّن مديراً للأسلوب في قسم الملابس الرجالية لدى Louis Vuitton، حيث قاد نموّاً هائلاً حقّقه العملاق الذي يملكه LVMH من خلال التعاون المميّز مع جايك ودينوس شابمان وعملاق الأزياء الشبابية Supreme. وبصفته مديراً فنياً في Dior Men منذ عام 2018، ابتكر مجموعات من الأزياء الجريئة مازجاً بسلاسة بين تقنيات الدار الحرَفية من جهة والخياطة التقليدية والملابس اليومية الراقية من جهة أخرى.

لوحة بورتريه Virginia Woolf (فيرجينيا وولف) من عام 1928، بريشة صديقها روجر فراي
طبعته الأولى الموقّعة من رواية The Waves

أثمرت ولايته نجاحاً باهراً. فوفقاً لتقديرات وردت في دراسة صادرة عن مصرف HSBC، تضاعفت مبيعات Christian Dior أربعة أضعاف منذ عام 2018، مع الإشارة إلى أنها ارتفعت من 6.5 مليارات يورو في عام 2021 إلى 8.8 مليارات يورو في العام الماضي، أي بنسبة 35 بالمئة. يقول بييترو بيكاري، الرئيس والمدير التنفيذي السابق لهذه العلامة التجارية: "يُتقن كيم جونز فن إحياء إرث Dior الذي لا يُقدَّر بثمن فيما يحتفي به". حلّت دلفين أرنولت مكان بيكاري، ما أتاح لهذا الأخير الاضطلاع بدور أكبر لدى Louis Vuitton. يتابع: "يستمد كيم الإلهام من الأرشيف ويحوّله بطريقة رائعة إلى روح عصرية جداً، تمزج بين الأناقة والطابع العملي والخياطة الراقية".

يولي جونز الأرقام اهتماماً شديداً، فيستخدم جداول بيانات ملوّنة ليحتفظ بجردٍ بما هو موجود على رفوفه. يقول عن حبّه الترتيب: "عملت والدتي على إنشاء مكتبات في أفريقيا، فضلاً عن أنني من مواليد برج العذراء، وبرجي الصاعد هو العذراء، تماماً مثل كارل لاغرفيلد". وأسوةً بلاغرفيلد، يدرك جونز موجباته تماماً. لكن، على النقيض من لاغرفيلد، لا يُريحه أن يكون محور الاهتمام. فحين تكلّمنا آخر مرة، كان فاريل ويليامز قد عُيِّن للتوّ مديراً إبداعياً للأزياء الرجالية لدى Louis Vuitton. يقول عن ويليامز الذي أطلق معه مشاريع في السابق: "أنا على يقين من أنه سيبلي جيداً جداً معهم؛ إنه صديق قديم". لكن، لا شك في أنه لا يفوت المصمّم أنه مسؤول جزئياً، من خلال استقدامه عدداً كبيراً من المؤثّرين الثقافيين إلى الدار، عن التحوّل نحو المشاهير من مصمّمي الأزياء في الأعوام الأخيرة.

يميل جون إلى البقاء بعيداً قليلاً عن الأضواء. يتكتّم على حياته الخاصة، ويفضّل عدم الخوض في علاقاته العاطفية. واضح جداً بشأن الموقف الضعيف الذي يواجهه حتى أنجح المبدعين. يقول متجاهلاً مبادئه المهنية: "أعمل لحساب العميل. فإن أراد العميل أمراً، ننجزه".

مجموعة Dior للأزياء الرجالية لموسم ربيع وصيف 2023

ليست مؤلّفات Bloomsbury إلا جزءاً من مجموعة جونز الواسعة؛ فقد عُلِّقت على جدران منزله في لندن لوحات بورتريه عدّة بريشة روجر فراي، إضافة إلى شاشة، وبعض لوحات دونكان غرانتس. وهناك أيضاً قطع من السيراميك، وجِرار و"نحو 25 قطعة" أثاث من Omega (صُنِعت في مشغل التصميم الذي أسّسه المصمّم روجر فراي ولم يُعمّر طويلاً). في لحظة معيّنة، أخرجَ قلادتَين سريعتَي العطب جداً مصنوعتَين بالصدف، كانت إحداهما ملكاً لوولف، والثانية من فانيسا بِل. تجعله هذه المقتنيات مجتمعةً مالِكاً إحدى أكبر مجموعات Bloomsbury الخاصة في العالم.

واضح أن دخله كبير، وأن ذوقه باهظ الكلفة أيضاً. ماذا اشترى في الفترة الأخيرة؟ "يا إلهي، ماذا؟ أحاول أن أتذكّر... نسخة من كتاب Two Stories (روايتان) بقلم ليونارد وفيرجينيا وولف... وهناك أيضاً لوحة بورتريه لحمامة بريشة لوسيان فرويد [لا تقتصر أهواء جونز مطلقاً على مجموعة Bloomsbury]. ولوحة لدونكان غرانت وأخرى لفانيسا بِل. لكنني سأهبهما للصندوق الائتماني".

مجموعة Dior للأزياء الرجالية لموسم ربيع وصيف 2023، أمام واجهة منزل Charleston الريفي © بريت لويد
محترف دونكان غرانت في Charleston © لي روبنز

والصندوق الائتماني هذا هو Charleston Trust، مقر Bloomsbury Group في شرق ساسكس، والذي بات متحفاً ومساحة للعرض، ويعمل معه جونز بانتظام. استأجرت فانيسا بِل وصديقها دونكان غرانت، وديفيد غارنيت، شريك غرانت، عقار Charleston في عام 1916، وكان مزرعةً صغيرة على مسافة أميال قليلة خارج بلدة ليويس، وحُوِّل سريعاً إلى مركز فني تقدّمي. وشهد أيضاً على علاقات جنسية متّقدة، وكان مرتكزاً للفكر المضاد للثقافة. قامت فانيسا ودونكان بطلاء المكان كله باستخدام لوحة ألوان متميّزة أصبحت منذ ذلك الحين العلامة الفارقة في الأسلوب البوهيمي التزييني، وفي قائمة زوّار المكان الدائمين الكاتب ليتون ستراشي، والناقد الفنّي كليف بِل (زوج فانيسا) والخبير الاقتصادي جون ماينارد كينز.

اكتشف جونز منزل Charleston الريفي للمرة الأولى في سن المراهقة، حين كان يمضي عطل نهاية الأسبوع مع عائلة زوجة والده في ليويس. انطبع المكان فوراً في نفسه، وما زال يحتفظ بالمشمع المطبوع بصورة سبّاحين الذي صنع نسخة جديدة منه بعدما رآه معروضاً على أحد أبواب المزرعة. منذ ذلك الوقت، احتلّ المبنى حيّزاً كبيراً في مخيّلة جونز. فقد صوّر في المنزل الريفي حملة لمجموعته الأولى للأزياء الراقية لدى Fendi، وأعاد بناء مجسّم مصغّر له يشمل الحديقة، لعرض أزياء رجالية تحمل توقيعه لدى دار Dior، لموسم ربيع وصيف 2023. يشرح: "إنه ذلك الهدوء بين حربَين، حين كان العالم يعاني الركود أو يفقد صوابه فيبتعد عن قيم كانت سائدة قبلاً"، مضيفاً: "تخيّلوا أولئك الذين ولدوا في إنكلترا في الحقبة الفيكتورية، ووجدوا في قرارة أنفسهم أنهم لا يريدون أن يعيشوا على الطريقة السائدة حينها. لهذا، أعتقد أنني أحبّ كثيراً أعضاء مجموعة Bloomsbury Group. فقد أتوا بردّة فعل ضد أزمنة كانوا يعيشون فيها".

ربما يذهب اختصاصي في علم النفس النظري أبعد في تحليل هوس جونز. والدُه عالِم جيولوجي مائي بريطاني، ووالدته أمينة مكتبة دنماركية، وهو عاش طفولة مضطربة كثيرة الترحال قادت عائلته إلى الإكوادور وإثيوبيا وكينيا وتنزانيا وبوتسوانا والكاريبي. انفصل والداه حين كان في الخامسة، فاستقرّ من جديد في لندن لمتابعة دراسته الثانوية، لكن والدته عانت أوجاع المرض فترة طويلة من سنوات مراهقته الأولى، وتوفّيت حين كان عمره 17 عاماً. تزامن اكتشافه مزرعة Charleston مع تلك السنوات التكوينية في مسيرته، واستيقظ اهتمامه بالموضة في تلك الفترة أيضاً. يتذكّر: "في المنزل، كنت مَن يقدّم الرعاية والعناية، لأن أمي لم تكن يوماً بصحة جيدة. لذا كان [انتقالي إلى ساسكس] أشبه بفعل تحرّرٍ. أصبحت فضولياً ورأيت أموراً كثيرة في العالم وكنت بعدُ صغيراً جداً".

في المستقبل، يعتزم جونز نقل مجموعته من كتب Bloomsbury إلى قرية رودميل في شرق ساسكس حيث عاشت فيرجينيا وولف في Monk's House. ابتاع منزلاً جميلاً في القرية ويعمل على تأثيثه وفق الأسلوب الحديث المستوحى من Bloomsbury. في جولةٍ في أرجاء المنزل ذات صباح يومٍ شتوي، لفت نظرنا إلى لوحات عديدة بريشة فانيسا بِل، وإلى كرسي طويل مغطّى بالقماش صمّمته سيسيل بيتون، وإلى جناح للضيوف فيه سرير صغير من Heal's كان يملكه ماينارد كينز. يضجّ المنزل بالنشاط؛ فهذا ناثانيل هيبورن، صديق جونز المقرّب والمدير والرئيس التنفيذي في Charleston، يتجاذب أطراف الحديث مع ممثّلين عن Dior، ويجتمع الأصدقاء ومدبّرو المنزل في هذا المكان، فيما تخترق الأجواء همهمات وأنفاس كلبة الإنقاذ المكسيكية الهجينة والودودة لوليتا. في كل مكان محطاتٌ ممتعة مثيرة للاهتمام، والجميع هنا في مزاج جيّد. في لحظة معيّنة، يلوّح جونز بإبريق شاي مطليّ بالأزرق والأبيض - هديّة قدّمتها فانيسا بِل إلى وولف لمناسبة عيد مولدها - لكنه لا يستخدمه لتحضير الشاي.

يقول جونز عن نفسه إنه "ممّن يكتنزون الأغراض، لكن بطريقة منظّمة"، ويقرّ بأن هوسه بحيازة الأشياء قد يكون نابعاً من أنه كان يُسمَح له بـ"جَلْب ثلاث ألعاب" فقط كلّما انتقل من بلد إلى آخر في طفولته. وأسوةً بأطفال كثيرين، بدأ أولاً بجمع مجسّمات لشخصيات Star Wars (حرب النجوم): لا تزال العلب غير المفتوحة التي تحافظ على حالتها الأصلية مصفوفة على الرفوف في مكتبه داخل منزله اللندني. لاحقاً، بدأ بجمع الأزياء، فاشترى سراويل جينز مع حوافٍ مثنيّة، وملابس صمّمتها فيفيان وستوود في بداياتها. وهو يحتفظ بها كلّها، ويزعم أنه لم يبع إلا قطعة واحدة منها: قميص فضفاض صمّمته وستوود، باعه لتمويل إحدى أولى المجموعات التي صمّمها في إطار العلامة التجارية التي حملت اسمه في عام 2003.

رفوف في مكتب المصمّم تحتضن بعض مجموعاته © نيكولاي فون بسمارك
جونز مع ليلي آلن في باريس، في عام 2018
© فرانسوا دوراند/Getty Images لصالح Dior
مع كايت موس في عرض Dior للأزياء الرجالية لموسم ربيع وصيف 2020 © Getty Images

يتوغّل الشغف بـBloomsbury عميقاً جداً في نفسه، فيكاد يكون جزءاً من سماته في الوقت الراهن، ويُلهِم بسلاسةٍ الجماليات الرومانسية إنما الثائرة التي قاد دفّتها لدى Dior. ومثلما دارت مجموعة Bloomsbury Group حول لاعبين أساسيين، جونز هو القوة المركزية في عصبته الإبداعية. كايت موس شخصيةٌ بارزة في الدائرة المقرّبة منه، إضافة إلى نعومي كامبل وديمي مور، وليلي آلن التي نامت على أريكته حين كانت بعدُ مراهقة. كان كلّ من يوون أهن (تصمّم مجوهرات الأزياء لدى Dior) وهيروشي فوجيوارا (يوصَف غالباً بأنه عرّاب الملابس الشبابية العصرية) وشاون ستوسي وتريماين إيموري (مؤسِّس Denim Tears والمدير الإبداعي الحالي لدى Supreme) أصدقاءه سنوات طويلة قبل أن يعملوا معاً. ترافقَ العرض الأخّاذ الذي أقامه جونز أمام أهرام الجيزة في كانون الأول (ديسمبر) 2022 مع أداء حيّ قدّمته أوركسترا ماكس ريختر؛ وفي عرض موسم خريف وشتاء 2023 الذي أُقيم في باريس في كانون الثاني (يناير) الماضي، تعاونَ مع بايلي والش، مخرج حفل Abba Voyage الموسيقي.

حصل أول لقاء بين غويندولين كريستي، الممثلة الطويلة القامة في مسلسل Game of Thrones (لعبة العروش), وجونز نحو عام 1998، وكان بعدُ يتابع تحصيله العلمي في كلية Central Saint Martins. وقد قامت بتلاوة قصيدة The Waste Land (الأرض القفر) في عرضه الأخير للملابس الرجالية. تقول: "ثمة رابط وثيق بيننا من خلال حبنا المشترك لكل ما له علاقة بـBloomsbury"، مضيفةً: "نتشارك أيضاً حبّ الآداب والكتب. أجد مكتبة كيم رومانسية جداً؛ إنها مذهلة لكنها شخصية جداً أيضاً، فهي تجسيدٌ جميل لغنى عالم كيم الداخلي".

لكن، عند سؤال جونز عن علاقاته بالنجوم، يجيب متواضعاً أنهم أشخاص "لطالما" كان على معرفة بهم. يحبّ أن "يغسل الأطباق" و"يحضّر البطاطا" و"يجلس في الزاوية" – ولو جلس في الزاوية "لكان تبادل أطراف الحديث مع والدة [كايت موس]". تصفه كريستي بأنه "من أكثر الأشخاص مرحاً وطرافة الذين قد يرغب المرء في أن يكون في حضرتهم، إذ يتمتع بحماسة شديدة للاستمتاع بالحياة". وحين تسنح له الفرصة، يحلو له أن يصطحب أصدقاءه في رحلة سفاري. ويحبّ أيضاً أن يجمعهم حول طاولة أشغال يدوية لصنع الأشياء بآجُرّ Fimo.

يُعَدّ عمل جونز مع فنانين معاصرين من البصمات الأشدّ وضوحاً التي تركها في مجال التصميم. أُقيم عرضه الأول مع Dior أمام منحوتة عملاقة للفنان الأميركي KAWS مزدانة بآلاف الورود الزهرية. وعمل أيضاً مع ريموند بتيبون وأمواكو بوافو ودانيال أرشام وبيتر دويغ.

يقول أرشام، الذي عمل على عرض موسم ربيع وصيف 2020: "أعتقد أن الرؤية التي وضعها كيم لدار Dior تقوم على إشراك الفنانين والنظر في إمكانات الإبداع من خلال عدستهم"، مضيفاً: "لذا، استخدمنا مواضيع كانت موجودة في عملي [مثل التأكّل، ولوحات الألوان المتدرّجة ومواد الكريستال] وقمنا بغربلتها انطلاقاً من إمكانات الفنّ الذي يُعتبَر صالحاً للاستخدام في الملابس. تعاونت مع كيم في المجالات كلها، من المجوهرات إلى الحقائب، مروراً بالملابس والأكسسوارات، وفي ديكور المسرح أيضاً. كانت تجربة سحرية جداً بالنسبة إليّ، وأكبر مساهمة لي حتى الآن في عالم الموضة".

يلفت بيكاري أيضاً إلى موهبة جونز في "بناء التحالفات مع فنانين آخرين"، تماماً كما فعل كريستيان ديور الذي كان مالك صالة عرض في السابق، حين أنشأ دار الأزياء. وردّاً على سؤال عمّا يقف خلف النجاح الكبير الذي يحقّقه جونز، يلفت بيكاري إلى "انفتاحه الذهني وحسّ الحوار لديه، وقدرته على الإصغاء وفهم رغبات العملاء. فاستجابته الشديدة تجعله الحليف الأفضل على الجبهتَين الاستراتيجية والإبداعية على حدّ سواء".

لوسي بيدن هي "يد جونز اليمنى" منذ نحو 18 عاماً. تقول: "كيم ربّ عمل سخيٌّ جداً. يتمتّع بثقافة منفتحة بطريقة رائعة تحفّز الإبداع لأنه يسمح للجميع بالتعبير عن أنفسهم من دون خوف. يصرف وقتاً في الحديث مع الشباب، ويصغي جيداً إلى الأشخاص حين يتحدّثون عمّا يرغبون في ارتدائه. أمران يُغضبانه حقاً، هما غياب الكفاءة وعدم الإصغاء. يعرف ما يريد، لذا الأفضل لك ألا تجعله يكرّر كلامه!".

مع روبرت باتينسون وغويندولين كريستي في عرض Dior للأزياء الرجالية لموسم خريف وشتاء 2023 © Best Image/وBackgrid

قد تكون تصاميم جونز لدى Dior أنيقة وعصرية ورومانسية، لكنه موظّف في شركة كبرى، ولذلك تراه عملياً أيضاً. يقول جونز: "الهدف وراء ما أفعله هو منح الآخرين بعض التفاؤل، حقاً. لا مكان أبداً للنقاش السياسي في عملي"، مضيفاً: "دوري هو أن أفكّر في Dior انطلاقاً من الماضي [الأرشيف]، والحاضر واستشراف المستقبل. ووظيفتي هي أن أنظر في ما يقدّمه الآخرون كي تستمرّ هذه الدار، وما يسعني أن أفعله كي تتبوّأ مكانتها الملائمة".

يحبّ أن "يغسل الأطباق، ويحضّر البطاطا ويجلس لتبادل أطراف الحديث مع والدة كايت موس"

جونز متعدّد الاهتمامات وهو لا يتوقّف عن الإنجاز. فإلى جانب التحدّيات التي يطرحها تصميم نحو 22 مجموعة في السنة حالياً، ومشروع Bloomsbury، يسافر باستمرار وينفّذ "على الهامش عدداً كبيراً من مشاريع الحفاظ على البيئة. Charleston هواية من هواياتي الكبرى، لكن الحفاظ على البيئة هو من هذه الهوايات أيضاً". أحد مشاريعه في هذا الإطار هو مؤسسة Douc Langur Foundation التي تساهم في الحفاظ على مجموعات القردة المهدّدة بالانقراض في فيتنام وكمبوديا ولاوس.

في هذه المرحلة، لم تتبقَّ فراغات كثيرة في مجموعة Bloomsbury الخاصة به. هل يمكن أن يتحوّل اهتمامه إلى أمور أخرى؟ يقول عن أهوائه الجديدة: "يمكن أن أكون مهووساً بجمع أشياء معيّنة، ثم أتخلّى عن الفكرة". في الآونة الأخيرة، أصبح "مهووساً إلى حدّ كبير بفرانسيس بيكون". ليس مفاجئاً أن ينجذب جونز إلى أيقونة ثقافية أخرى تتميّز برومانسيتها السوداء، فضلاً عن أن بيكون الفنان هو من أصحاب الأعمال الأغلى ثمناً في السوق اليوم. يضيف جونز عن تطلّعاته: "أعلم أن هذا سخيف، لكنني أجمع الأعمال الأولى. أعمال بيكون سوداوية، لكنها مثيرة للاهتمام أيضاً. بدأ العمل مصمم ديكور داخلي، ثم تعاونَ مع [الفنان التجريدي] روي دي ميستر... أملك لوحةً رائعة، تكاد تعجز عن تحديد تفاصيل مساهمات الفنانين فيها. ولديّ اهتمامٌ بالأعمال على الورق، والأجزاء الصغيرة، ولوحة Screaming Popes (بابوات يصرخون)... والسجاد. وكلما فكّرت أكثر في المنزل في ساسكس، أفكّر أيضاً في الأثاث".

جونز في غرفة الحديقة في Charleston © نيكولاي فون بسمارك

في نهاية المطاف، يسعى جونز إلى تصميم مكتبة دائمة في مبنى المدرسة القديمة في رودميل، ستستضيف مجموعته من الكتب وتشكّل محطّ اهتمام إضافي لمن يقومون بجولة للتعرّف إلى إرث Bloomsbury. يقول جونز: "أملك مجموعة كبيرة من الأشياء الآن، وهي مهمّة جداً للآخرين"، مضيفاً: "لهذا اشتريت مبنى المدرسة. خطر لي أنه حين يذهب الشخص لرؤية منزل فيرجينيا وولف، لا شكّ في أنه سيرغب في رؤية الكتب أيضاً".

يكاد جونز لا يمكث في مكان واحد دقيقة واحدة، لذلك مستحيل أن نتخيّل أنه يعمل على تعميق جذوره هنا. لكن وفاة والده، وبعدها وفاة عمّه، جعلتاه أشدّ حذراً. فقد توفّيا من دون أن يتركا وصيّةً، فكان على جونز تسوية الأمور المتعلّقة بعقارات كلٍّ منهما، وهذا جعله يعقد العزم على ألا يترك شؤونه في حالة من الفوضى. يقول إنه "ليس هوساً مرَضياً"، إنما هي رغبة في أن تكون الأمور "منظّمة" حين يرحل عن هذه الدنيا.

"تصل إلى مرحلةٍ في حياتك حيث يتحوّل كل اهتمامك تقريباً نحو طفولتك"، كما يقول متأمّلاً. يجلس في غرفة الجلوس في رودميل على كنبة شاحبة اللون، وتغطّي سجادة رائعة قشدية اللون الأرض كلها تحت قدمَيه. يتابع: "الأمر الوحيد الذي انطبع في نفسي هو أنني أردت دوماً أن أشعر بالأمان". وإذ يحفل منزله بلوحات البورتريه والأواني والطبعات الأولى الخاصة بمجموعة Bloomsbury، فهو يملك الآن تلك الأشياء التي جعلته يتذوّق باكراً طعم الحرّية، وقد منحته أيضاً الفرصة الإبداعية والثقة بأنه قد يحقّق ما يتمنّاه. المنزل مكانٌ يمكنه أن يلعب فيه بالكتب من دون قفازات، وأن يملأ إبريق الشاي ويجعل كايت موس تلعب بالآجُرّ. الأهم من ذلك، منزله – في لندن أو باريس أو روما أو ساسكس – هو مكان لن يفرض أحد فيه حدوداً على ألعابه.

0 تعليقات

شارك برأيك