في محترف قائم في مستودع صناعي ببرشلونة، تبتكر لونا بايفا طواطم ضخمة، تقف كما يقف رجال الحرس، أكانت مصنوعة بالطين أم بقوالب الجص، أم كانت منحوتات برونزية مكتملة. استُوحِي أحد أعمال عام 2021 من صورة لنبتة تنهار نُشِرت على Instagram، وذكّرت بايفا بأشجار اليوكا والأحجار المكدّسة التي رأتها على الطريق إلى Joshua Tree National Park؛ وقد بنته من آلاف الأوراق البرونزية، وله حضور حميد ورائع ومرح.
تقول الفنانة الفرنسية الأرجنتينية الممثلة في دار العرض StudioTwentySeven بنيويورك: "أحبّ أن الطواطم مفتوحة أمام التفسير، وهي جزء من تاريخ الفنّ في الكثير من الثقافات"، مضيفة: "بالنسبة إليّ، إنها تعبير عن مشهد داخلي".

تُعَدّ بايفا فرداً في مجموعة متنوّعة من الفنانات والمبدعات اللواتي فتنتهنّ القوّة المجرّدة للطواطم. وتعكس الموجة الجديدة إحياء مماثلاً في ستينيات القرن العشرين، شهد انبهاراً بالفنّ الخام إضافة إلى الطواطم المنحوتة في الخشب الأحمر التي كانت لمئات السنين من ثوابت مجتمعات السكان الأصليين على الساحل الشمالي الغربي للمحيط الهادئ في أميركا. اليوم، تتراوح التفسيرات بين خطوط نسائية كفافية مضاءة بتقنية LED تبتكرها الفنانة اللندنية لورين بيكر ونسخ للمائدة رائعة مصنوعة بأحجار شبه كريمة تبتكرها سيليا ليندسيل، مروراً بتركيبات تضمّ قرون بذور برونزية وأحجاراً مثل اللابرادوريت تبدعها سارة هاينامان المستقرّة في جنوب أفريقيا.


تقول ليندسيل: "تشير الطواطم إلى السماء، لكنها تركز في الوقت نفسه على الحجارة القديمة المستخرجة من الأرض"، هي اكتشفت سحر الطواطم للمرة الأولى من خلال صديق معالج. تضيف: "العمل على الأشكال ومرافقة الألوان لإبداع الانسجام أمران مرضٍيان جداً". وتشمل مجموعاتها من الحجارة الجمشت والكوارتز واللازورد والملكيت، تجمعها في طواطم يتراوح طولها بين 40 سنتيمتراً و1.5 متر. يمكن العثور على هذه الأعمال في متجر Ham Yard Hotel الذي يملكه كيت كيمب (تعمل ليندسيل حالياً على تكليف من فندق كيمب الجديد في نيويورك)، وفي متجر Bergdorf Goodman الشامل، كما تقدّم أيضاً خدمة مخصّصة (ابتداءً من 480£ لعمل مصغّر من الجمشت).
"إنها تعبير عن مشهد داخلي بالنسبة إليّ"
تعتنق هؤلاء المبدعات تقليداً قديماً. لطالما سحرت هنري مور الأشكال القديمة في ستونهنج، واستقطبت اهتمام بيكاسو شخصيات تيكي البولينيزية البدائية، وصنعها أيضاً كونستانتين برانكوسي وإيسامو نوغوتشي. اليوم، يمنح أوغو روندينون المساحات العامة دفعة من التفاؤل بفضل طواطمه الفلورية الخطية، وتسحر آني موريس الناس بمنحوتاتها الكروية الشاهقة، وتكون أنجيلا بولوك مصدر إلهام بأبراجها الفولاذية الهندسية المطلية ذات الأوجه المتعدّدة. في متجر Celine الرئيسي بشارع بوند الجديد، يمكنكم العثور على الطوطم العملاق، Najunga from the Kuchu Ngaali (Crested Crane) Clan الذي صنعته ليلى بابيري بشقّ النفس بالخشب والشمع والغراء والمسامير والأنابيب الداخلية للدرّاجات والمعادن الملحومة. طلبت بابيري اللجوء السياسي في الولايات المتحدة بعدما تعرّضت للإيذاء بسبب حياتها الجنسية في بلدها الأصلي أوغندا؛ هنا، تشكّل شخصياتها الطوطمية عشيرةً حاميةً تزخر بأرواح الأجداد.
![]() © آني موريس، تقدمة تيموثي تايلور، لندن / نيويورك / ستيفن وايت |
![]() © ليلى بابيري، تقدمة الفنانة وSTEPHEN FRIEDMAN GALLERY، لندن / مارك بلوير |
اكتشفت لورين بيكر روحانية الطواطم في أثناء تواصلها مع الروحانيين، ومشاركتها في احتفالات ayahuasca في غابة الأمازون البيروفية. وتركت حياتها المهنية في المدينة وأصبحت فنانة، تصنع أعمالاً تخاطب المسائل البيئية والوحدة والقوّة النسائية. "أحب تقليد الطواطم كونها مكاناً للتجمّعات مخصّصاً للاحتفالات ومكاناً للقاءات المجتمعية"، كما تقول بيكر، التي عُرِضت طواطمها Earth Totems (طواطم الأرض) النسيجية في Saatchi Gallery في الخريف الماضي؛ وهي ترى في طواطمها هذه رموزاً روحية قوية. يرتفع Luna Woman Power Totem الذي صنعته بالمعدن وأضواء LED نحو 3.5 أمتار، ويقع في بالمرز غرين في إنفيلد، حيث عقدت في عام 1914 مجموعة من مناصرات النسوية اجتماعاً تاريخياً لحملة من أجل حق المرأة في التصويت.
افتُتِنت هاينامان بالمساحات المقدّسة في أثناء سفرها في بيرو. وحين عادت إلى كيب تاون، بدأت صنع قطع بالأحجار شبه الكريمة والبرونز والخزف صارت أكبر وأكثر طموحاً لأن هاينامان جمعت بين قطع عملاقة من السودالايات أو الجادييايت مع قوالب برونزية لقرون غريبة للبذور من أنحاء العالم كلها. تعترف: "يأخذ اندماج رموز الخصوبة الطبيعية في جسمٍ قضيبيّ الناس على حين غرّة". كذلك تقبل تكليفات شخصية. تضيف: "يريد الناس التعبير عن مواقعهم في حياتهم والاستثمار في أعمال تبدو رائعة في مساحة داخلية أو في حديقة فحسب".


كانت كليمنتين ماكوناتشي رياضية أولمبية قبل أن يوقف المرض مسيرتها الرياضية. انتقلت إلى عالم الطواطم بعدما صنعت منحوتات تعرض في النوافذ في متجر Sass & Bide للأزياء بموطنها سيدني. صار النحت الآن دواماً كاملاً، مع تمثيل الفنانة في دور للعرض بهيوستن وتكساس وRicheldis Fine Art بلندن. تقول ماكوناتشي: "أبدأ بحامل فولاذي أبنيه من الصفر ثم أشكّل كل كتلة من حجر هيبل باليد"، متكلّمة عن الحجر الطري والناعم الذي تستخدمه لصنع أشكال طويلة وأنيقة تبدو بشريةً مجرّدةً أو كأنها آلهة بدائية. تضيف: "عندما أصنع كل كتلة أوازنها على الحامل، فيأتي الشكل التالي منطقياً".

ربما يساعد أيضاً السعي البسيط في مرحلة الطفولة إلى مراكمة الأغصان والصخور في تفسير الجاذبية. تقول بايفا، التي درست تاريخ الفنّ وعلم الآثار في جامعة Sorbonne: "إن وضع حجر على رأس حجر آخر عملية غريزية جداً، وأرى الآن أن طفلي يفعل الشيء نفسه – إنها ردة فعل أساسية على الطبيعة". كانت تعمل في التصميم المسرحي في بوينس آيرس، إضافة إلى ابتكار أعمال فنية لصالح Artist Window التابعة لمتجر Hermès، عندما شعرت بأنها منجذبة إلى إبداع شيء أكثر دواماً من النماذج الورقية الثلاثية الأبعاد. ترى أن للطواطم اليوم وظائف قوية. "إنها تقدّم قواسم مشتركة إضافة إلى وسيلة للإشارة، لتظهر لكم طريقاً". لقد تنوّعت هذه الطواطم كثيراً في أشكالها العمودية، لكن يبقى لغزها جذّاباً.