في جنوب كتالونيا في إسبانيا، تعتني نوريا فال بحديقتها الصغيرة العامرة بأزهار القريضة والشجيرات والأعشاب المعمّرة ذات اللون الأخضر المائل إلى الرمادي. النباتات صغيرة، تكاد لا تراها العين، لكنها ستورق قريباً وستؤلّف أوراقها "غابةً صغيرة" وسط بساتين الزيتون. لن تحتاج فال إلى ريّها - المطر يتولّى هذه المهمة - وبمرور الوقت، ستُضاف إلى هذه البقعة فواكه وخضار، ومواشٍ تجوب المكان. "سيكون الأمر تجريبياً"، كما تقول فال المولودة في برشلونة، والتي يُشرق وجهها كما الأرض الخضراء خلفها.
هذه الحديقة النامية تعكس حياة فال. في عام 2018، أسّست علامة Rowse التجارية المتخصّصة في العناية الطبيعية بالبشرة، متعاونةً في ذلك مع غابرييلا سالورد التي كانت قد عملت في مجالَي الأعمال والمال، وانصبّ تركيزهما في الأعوام القليلة الماضية على إجراء البحوث على التركيبات، والوفاء للطبيعة مقابل ما تقدّمه لنا، وتعزيز الحركة الجمالية المستندة إلى النبات. اليوم، فيما تتّجه صناعة مستحضرات التجميل النباتية بوتيرة سريعة نحو بلوغ القيمة المتوقّعة لها في عام 2025، وهي 20.8 مليار دولار أميركي، يبدو أن فال ستحصد ثمار جهودها. فعلامتها التجارية Rowse ستحقّق الأرباح في عام 2023.

بدأت فال مسيرتها عارضة أزياء في مطلع العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، لكن سرعان ما تحوّلت نحو التصوير الفوتوغرافي، وهي تزاوله الآن لحساب Vogue وCondé Nast Traveller وGucci وChloé، وهي تعيش في برشلونة مع شريكها كوك بارترينا الذي يعمل أيضاً مصوّراً فوتوغرافياً. لكن، قبل أربع سنوات، وجد الثنائي منزلاً صغيراً مهجوراً قرب تاراغونا، على بعدِ ساعة جنوب المدينة. قبل ذلك، استطلعا المنطقة طوال سنوات عدة، فكانا يمضيان العطلة على الساحل ويستكشفان تلالها البرّية. تقول فال: "إنه مكانٌ مقدّس"، متحدثةً عن المناظر الطبيعية المرقّطة بأشجار الصنوبر، والتي يُستخدَم الآن جزءٌ كبير من النبات الذي ينمو فيها، كإكليل الجبل والصبّار وزهر البرتقال، في منتجات Rowse.
"لماذا علينا اختراع نسخ اصطناعية جديدة من الطبيعة؟"
في تلك المرحلة أيضاً، أي قرابة الوقت الذي عثر فيه الثنائي على المنزل، تعرّفت فال إلى سالورد. لم تكن كلتاهما راضيتَين عن صناعة التجميل، وكانتا تتشاركان حبّ النباتات. "كانت لدينا الرؤية نفسها عن جوهر الجمال"، كما تقول سالورد التي بدأت بحثها عن "بدائل شاملة مستندة إلى النبات" بعدما تعافت شقيقتها من الأكزيما باللجوء إلى تقويم العظام، وبالزيوت النباتية التي تُعصَر على البارد والنظام الغذائي النباتي. أطلقتا معاً علامة Rowse التجارية التي تُباع منتجاتها الآن في متاجر تراعي المعايير البيئية، منها Oh My Cream في باريس، وFrankie Shop في الولايات المتحدة الأميركية وفندق Hoxton Hotel في برشلونة. الأفضل مبيعاً بين منتجاتها هو مستحضر Winter Body Oil للبشرة الجافة والحسّاسة. تقول فال: "درسنا أنواع النباتات التي تنمو في الظروف المناخية القاسية شتاءً، وبحثنا عن فوائد تتمتّع بها نتيجةً لذلك".

أُطلِقت العلامة التجارية في مرحلة لافتة. فبعدما كان الناس يستحمّون بزيت الخروع ويغسلون وجوههم بماء إكليل الجبل قبل 5000 عام، حقّقت المنتجات المستندة إلى بحوث علمية، مثل منتجات Augustinus Bader وDr Barbara Sturm، رواجاً متزايداً في الآونة الأخيرة. تقول فيونا هاركين، محرّرة التوقعات المستقبلية لدى The Future Laboratory: "غالباً ما يُنظَر إلى المنتجات المستندة إلى النبات بأنها أقل فاعلية من منتجات مكوّناتها مخبرية".
إعادة إحياء الجمال "النظيف" مؤشّر على هجمة مرتدّة تشنّها المستحضرات النباتية، إذ يُتوقَّع أن تنمو سوقها بمعدّل سنوي تراكمي يبلغ 6.57 بالمئة حتى عام 2028. لكن هاركين تلفت إلى أن هذا النموذج ليس مستداماً بشكل مطلق. تقول: "إذا تحوّل أحد كبار اللاعبين العالميين بصورة كاملة نحو المصادر المستندة إلى النبات، فالأرجح ألا تتوافر الموارد الكافية لهذه الغاية"، مضيفةً: "يجب التوقّف عند إقدام علامات تجارية مثل Lancôme وChanel أخيراً على شراء حقول أزهار حول منطقة غراس لاستخدامها في إنتاج مستحضرات عضوية".

فال التي تُنتج مستحضراتها بناءً على الطلب بصورة أساسية ترى أن الجمال المستند إلى النبات مرتبط بالحفاظ على ثروات الأرض، تماماً مثل ارتباطه بخط الإنتاج. تُعبّأ الأمصال (بسعر 48€) في قوارير زجاجية قابلة لإعادة التدوير، وتقلّ نسبة الماء في أنواع الشامبو ومستحضرات التنظيف الصلبة (بسعر 19€) عن 95 بالمئة مقارنة بالبدائل السائلة، وتتيح الشراكات مع مختبرات مستقلّة في إسبانيا إنتاج كمّيات معقولة وبطريقة قابلة للتتبّع. وبالرغم من ترجيح التقنيات الجديدة أن تطغى المكوّنات المصنوعة في المختبرات مستقبلاً، تعتقد فال أن كل شيء متوفّر لها بسهولة. تؤكّد لمياء القادري، مطوِّرة المنتجات لدى Rowse: "منحتنا الطبيعة كل الموارد التي نحتاج إليها للعناية بأنفسنا". وتردف فال متسائلةً: "لماذا علينا اختراع نسخ جديدة اصطناعية؟ إنه لأمرٌ ملهم أن نحظى بمكان يمكنني العثور فيه على المكوّنات الملائمة لمجموعتنا".
انتهى العمل لتجهيز المنزل في تموز (يوليو) الماضي، وتزوره فال وبارترينا وابنتهما أوليفيا البالغة من العمر عاماً واحداً كلما سنحت لهم الفرصة. صار المنزل، كما حديقته، امتداداً لفلسفة Rowse، وتساهم ألواح الطاقة الشمسية والخزّانات المخصّصة لجمع مياه الأمطار في تحقيق الاكتفاء الذاتي. صنع بارترينا جزءاً كبيراً من الأثاث بمواد محلية، والبلاط من توقيع فنانين كتالونيين. تقول فال عن الرحلات العائلية إلى هناك: "يتباطأ كل شيء. في المدينة، نعيش حياة حافلة بالنشاط، ولا متّسع من الوقت لأعدّ الطعام. أما عند قدومنا [إلى هذا المكان]، يصنع كوك الخبز، ونذهبُ في نزهات طويلة. إنه تمرين في فهم الموارد [المتاحة لنا] وتكييف نمط حياتنا".


المنزل هو أيضاً مقرّ لعمل ثانوي تقوم به فال وبارترينا لكسب دخل إضافي بإنتاج زيت الزيتون Oli de L'Oliveta العضوي المستخرَج من 140 شجرة زيتون استصلحها الثنائي. في السابق، كانت تجارة الزيت مزدهرة في كتالونيا، لكن الإنتاج في خطر، ويمكن أن يتراجع بنسبة تتعدّى 50 بالمئة في هذا الموسم، بسبب الصقيع وموجات الحرّ والجفاف. تسعى علامة Oli de L'Oliveta التجارية إلى تغيير هذا الواقع، ويتولّى أصدقاء وأفراد من العائلة قطف الزيتون، فيتجمّعون في المنزل الريفي أربعة أيام من أجل القطاف. يُباع إنتاج الزيت في موسمه الثالث (الليتر الواحد بسعر 14€) في الخريف المقبل.
"كل ما أفعله متعلّق بالزيت"، كما تقول فال، مضيفةً: "كل شيء هو جزءٌ من نمط الحياة نفسه، وجميع الأشياء مترابطة". لا يقتصر عملهما على العناية بالجمال؛ إنه أمثولة في العيش بطريقة مستدامة، والعمل بما هو متوفر والاستجابة للطبيعة.
![]() |
![]() |
بعدما نجحت فال في بناء خط إنتاجي متّصل بنمطِ عيشها، تملأها الحماسة لاستكشاف مجالات أخرى. تبيع Rowse مجموعة صغيرة من الأواني الخزفية المصنوعة يدوياً، وتنشر كتباً تتضمن إرشادات للسفر، لكن ربما تكون الخطوة المقبلة طموحة، من قبيل إنشاء فندق صغير. تقول فال: "يمكن أن تكون مغامرة جميلة"، مضيفةً: "مساحة في الطبيعة... لكنها لن تكون كأي مكان آخر يقصده الجميع". يبدو أنه سيكون ملاذاً حالماً. لكن، في الوقت الراهن، علينا أن نرضى بالحلم معبّأً في قارورة.