مجلة الرفاهية العصرية تصدرها إيلاف بالاتفاق مع فايننشال تايمز

تحقيقات ومقالات

الاقتصاد الرقمي السعودي ينمو سريعاً

بمبادرات وتطبيقات متطورة، يخطو الاقتصاد الرقمي السعودي خطوات ثابتة وسريعة في مسيرة نمو واعدة، مهتدياً بما نصت عليه رؤية السعودية 2030

مباني المكاتب في المدينة الرقمية بالعاصمة السعودية الرياض مباني المكاتب في المدينة الرقمية بالعاصمة السعودية الرياض

حين دخل مصطلح "الاقتصاد الرقمي" حيز التداول في أوائل تسعينيات القرن الماضي، كان مسألة أقرب إلى الوهم منها إلى الخيال، في عالم لم يكن يعترف إلا بالمجالات الاقتصادية المعهودة. اليوم، وبعد ثلاثة عقود شهدت تقدماً كبيراً في الميدان الرقمي، يشكل قطاع تقنية المعلومات في الولايات المتحدة وحدها نحو 8.2 بالمئة من ناتجها المحلي الإجمالي، متصاعداً إلى ضعف ما كان عليه في العقد الماضي. إنه مصطلح شامل يقدّم وصفاً لسبل تحويل أنواع النشاط الاقتصادي التقليدية إلى رقمية، مثل الإنتاج والتوزيع والتجارة من طريق الإنترنت وتقنيات Blockchain، ما يسمح للشركات بإنشاء نماذج جديدة للأعمال والقيم الاقتصادية بطرق ما كانت متاحة قبل 30 عاماً.

أرست رؤية السعودية 2030 أسساً صلبة لقطاع اتصالات وتقنية معلومات قوي وفعال في المملكة

مع التحوّل الرقمي المتسارع للاقتصاد العالمي، متوقعٌ أن يستند معظم ما يتم إنشاؤه من قيمة خلال العقد المقبل إلى نماذج ممكّنة رقمياً. في المملكة العربية السعودية، حقّق الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي خلال عام 2022 معدّل نموّ 8.7 بالمئة، الأسرع وتيرة في 11 عاماً، ما يجعل الاقتصاد السعودي من أسرع اقتصادات العالم نموّاً. يقول الدكتور علي محمد الحازمي، الكاتب الاقتصادي السعودي، إن المملكة تعمل منذ إطلاق رؤيتها "السعودية 2030" على وضع التقنية الرقمية في قلب التحوّل الذي تعيشه. يضيف: "هدفها أن تصبح دولة رائدة اقتصادياً في القرن الحادي والعشرين، ولهذا سارعت وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات إلى خلق خيط يمرّ عبر كل من الحكومة والقطاع الخاص، من خلال وضع المفاهيم والاستراتيجيات ونماذج التشغيل وخارطة الطريق لمركز الابتكار الرقمي الوطني الذي يعزّز الابتكار الرقمي وريادة الأعمال بين الشباب، كما يوفّر التدريب والتوجيه".

صار إنماء الاقتصاد الرقمي اليوم أمراً حيوياً يغيّر مسار الأعمال بمبادرات رقمية

صار إنماء الاقتصاد الرقمي اليوم أمراً حيوياً، إذ يمكنه أن يغيّر مسار الأعمال من خلال مبادرات رقمية تؤدي دوراً رئيساً في تحقيق أهداف الخطط الاقتصادية. وبحسب الحازمي، تؤمن السعودية اليوم بأن أي نموّ اقتصادي مستقبلي في أي دولة سيكون نابعاً من نموّ اقتصادها الرقمي، "لذلك نجدها تولي هذا الأمر عناية ودعماً خاصّين، حتى تمكّنت من أن تُصنّف أفضل دولة في الأداء الرقمي بين دول مجموعة العشرين في تقرير التنافسية الرقمية لعام 2021". كما أن السعودية ثانية بين دول مجموعة العشرين نفسها والرابعة عالمياً من حيث جاهزية الأنظمة الرقمية، بحسب التقرير نفسه. يضيف الحازمي: "وفقاً لرؤية ’السعودية 2030‘، حقّقت الجهات الحكومية في المملكة العربية السعودية تقدّماً كبيراً في قياس التحوّل الرقمي عام 2022، حيث وصل إلى أكثر من 80 بالمئة، مقارنة بنحو 67 بالمئة في عام 2021. وفي ظل تلك المؤشرات، سيشكّل الاستثمار في التحوّل الرقمي في المملكة العربية السعودية 50 بالمئة من الاستثمار في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات للحكومة والشركات بحلول عام 2023". 

متوقع أن يملك 90 بالمئة من الأفراد في السعودية المهارات الأساسية في تقنية المعلومات والاتصالات بحلول عام 2024 

ثمة سبل عدة لتمويل الاقتصاد الرقمي، أحدها الاستثمار في الشمولية الرقمية لخفض الفجوة الرقمية وضمان وصول الشبكة العالمية إلى أغلبية الناس في غضون السنوات الخمس المقبلة. ويتمثل سبيل آخر في الاستفادة من التمويل الرقمي الذي يمكن أن يغيّر حياة الأفراد والشركات والحكومات في العالم النامي ويبدّل آفاقهم الاقتصادية، ما يعزّز الناتج المحلي الإجمالي ويجعل الشمولية المالية حقيقة واقعة. كذلك، تستطيع المنصات التقنية المتكاملة التي تستفيد من بنية التمويل الرقمي الحديثة ومعها التقنيات الثورية أن توفّر رؤى أعمق وأدقّ، تسرّع الوقت اللازم لتحقيق النتائج المرجوّة. ففي السعودية، تزيد تدفّقات الاستثمارات الأجنبية في سوق تقنية المعلومات على 2.13 مليار دولار، "وفي ضوء ذلك، من المتوقع أن تبلغ مساهمة الاقتصاد الرقمي 20 بالمئة في إجمالي الاقتصاد الوطني السعودي بحلول عام 2025"، كما يقول الحازمي، خصوصاً أن الفجوة الرقمية في السعودية تضيق سريعاً. ففي تقرير التنافسية العالمية المنشور في المنتدى الاقتصادي العالمي 2020، يرد أن 68 بالمئة على الأقل من الأفراد في السعودية يملكون المهارات الأساسية في تقنية المعلومات والاتصالات، وأن 56 بالمئة منهم يملكون مهارات قياسية في تقنية المعلومات والاتصالات، و14 بالمئة منهم يملكون مهارات متقدّمة، فيما تتوقّع المملكة أن ترتفع هذه الأرقام إلى حدود 90 بالمئة على مستوى المهارات الأساسية في تقنية المعلومات والاتصالات بحلول عام 2024. 

في خط مواز لتضيّق الفجوة الرقمية، تنطلق في السعودية مبادرات رقمية كثيرة وتطبيقات عديدة ومختلفة، تصبّ كلها في صالح تحقيق أهداف "رؤية السعودية 2030". يقول الحازمي إن تطبيق "جاهز" هو من أكبر النماذج السعودية نجاحاً في التحوّل الرقمي، إذ يرى فيه مثالاً سعودياً على الثورة الكبيرة التي يعيشها العالم في تطبيقات توصيل الطعام، "إلى درجة أنه خرج لنا أخيراً مفهوم اقتصادي جديد وهو ’اقتصاديات توصيل الطعام‘، وهذا يؤكد لنا مدى أهمية مساهمة هذا النوع من التجارة في الناتج المحلي الإجمالي للدول". يضيف الحازمي: "لعلّ فوز شركة ’جاهز‘ بجائزة أفضل عملية طرح في السوق الموازية ’نمو‘، والتي تجاوزت 580 بالمئة وبقيمة إجمالية تخطت 4.5 مليارات ريال (نحو 1.2 مليار دولار)، خلال حفل جوائز السوق المالية السعودية لعام 2022، ما هو إلا تأكيد على الخطى القوية والثابتة التي تخطوها هذه الشركة للمساهمة في بناء اقتصاد رقمي سعودي مزدهر".

ارتفع عدد تطبيقات التوصيل في السعودية بأكثر من 460 بالمئة في عامين فقط

ما كان ظهور "جاهز" والتطبيقات المماثلة الأخرى التي تؤلف اقتصاديات توصيل الطعام في المملكة العربية السعودية ممكناً لولا البيئة الرقابية والتجريبية الجديدة التي وفّرتها CITC (هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات في السعودية). بفضلها، ارتفع عدد تطبيقات التوصيل العاملة في البلاد بأكثر من 460 بالمئة خلال عامين اثنين فقط، من ثلاثة تطبيقات في الربع الرابع في عام 2019 إلى 17 تطبيقاً في نهاية عام 2021. وقد ساهم نموّ النظام البيئي لتطبيقات التوصيل هذه في تطوّر الاقتصاد الرقمي السعودي، وأحدث فرص عمل كثيرة، كما زاد من الطلب عبر الإنترنت، وبالتالي عزّز التجارة الرقمية الداخلية.

2 تعليقات

شارك برأيك