في عام 1853، وجد بيار فرانسوا باسكال غيرلان نفسه في مأزق. كان عليه أن يقدّم شيئاً لفتاة تملك كل شيء. ما كان أمامه إلا أن يبتكر عطراً من أريج الحمضيّات للإمبراطورة أوجيني كي تحتفي بزواجها من نابليون الثالث، وأطلق عليه اسماً ملائماً للحدث: Eau de Cologne Imperiale (ماء العطر الإمبراطوري). من دون أن يخطّط أو يدرك، كان قراره تكليف صانع الزجاج Pochet du Courval تزيين قارورة هذا العطر بالنحل، الشعار القديم للإمبراطورية الفرنسية، هو ما جعل النحل نفسه عنصراً تعريفياً بدار Guerlain. وبعد قرن ونصف القرن، تُعدّ Bee Bottle (قارورة النحل) قطعة رمزية قابلة للجمع، ثابر فنانون مشهورون على إعادة النظر فيها، بطرق جديدة ومبتكرة، عرضت أحدث نسخة منها ضمن فعاليات Art Dubai لهذه السنة.

لقد مثل العام 2023 لهذه القارورة الراسخة في التاريخ محطة خاصة، إذ أنها المرة الأولى التي تكتسي فيها بلمسة عربية، حيث تولت المصمّمة نادين قانصوه مهمة الارتقاء بالقارورة إلى مصاف الجواهر الثمينة، فأضافت إليها زخرفةً بكلمة "الحب"، تتوهّج فيها 1,710 بلورات من الكريستال، منصوبة فوق ذهب من عيار 24 قيراطاً. تقول قانصوه: "قرأت قصة ولادة قارورة النحل، فاستلهمت منها فكرتي. إنها تتحدّث عن الحبّ من يومها الأول، وأشعر أن كلمة الحبّ خير تجسيد لما أفكّر فيه. إنها قصة حبّ غامر، بغضّ النظر عن طريقة نظر كل منا إليها؛ أكانت الكلمة المنصوصة والخط المستخدم في نصّها، أم العطر الذي صُنِع خصّيصاً لها، Rêve D’Amour (حلم العشق)، أم قصة نابليون وأوجيني". بثمنها البالغ 16 ألف دولار، تتميز القارورة بالرقي، هي ستزيّن مجموعات يملكها عدد قليل من المحظوظين... ومع ذلك، إنها قابلة لإعادة التعبئة.
تبقى النحلة جوهر قيم علامة Guerlain التجارية وأيقونتها الإبداعية
حتى الآن، تبقى النحلة جوهر قيم علامة Guerlain التجارية وأيقونتها الإبداعية. تقول سيسيل لوشار، المسؤولة الأولى عن الاستدامة في Guerlain: "النحل قلب التنوّع البيولوجي". وإذ تجالسني مثبتةً نظارتها الشمسية من Celine بأناقة فوق رأسها وحاملةً كوب قهوتها (القابل لإعادة التدوير) في يدها اليمنى، لا تبدو لوشار من أولئك الهيبّيين ممّن يرتدون ملابس مصنوعة بنبات القنّب، بل تبدو لي تجسيداً متنقلاً للعلامة التجارية نفسها، بأناقة سهلة وميل واضح إلى الرفاهية، إلى جانب نزعة استهلاكية واعية. من قيادة العمل الخيري في World Wide Fund for Nature إلى تأليف كتابها Luxury and Sustainable Development: The New Alliance (الرفاهية والتنمية المستدامة: التحالف الجديد)، تُعَدّ لوشار رائدة في الحفاظ على البيئة منذ أكثر من عقدين، إذ حوّلت الحفاظ على النحل والتعبئة البيئية والابتكار المستدام والحياد الكربوني وتمكين المرأة من مسائل طرفية تخصّ المسؤولية الاجتماعية في الشركات الكبرى إلى دوافع أساسية لعلامة Guerlain التجارية. ولا شكّ في أن توسيع نطاق الاستدامة في علامة تجارية فاخرة لا يخلو من عقبات وتحدّيات، لكنها مسلّحة بشعار بدأ تطبيقه بالفعل، وأثبت نجاحه حتى الآن.
تبدو منظومة الاستدامة في Guerlain رباعية المسالك، وليس مستغرباً أن يكون مسلكها الأول هو الحفاظ على التنوّع البيولوجي. أُطلِق العديد من البرامج الهادفة إلى الحفاظ على النحل، بما فيها Bee School (مدرسة النحل)، حيث يزور 3,700 من موظفي Guerlain مدارس ابتدائية في العالم لتوعية الأجيال الفتيّة بدور النحل وأهميّة حمايته. وقدّمت أحدث مدرسة للنحل الممثلة الأميركية أنجلينا جولي، وهي الملهمة القديمة لـGuerlain، في كليشي بباريس، وثمة دورة في دبي خطّطت لها المؤثرة الرقمية كارين وازن، تُعقَد في أيار (مايو) الجاري. المسلك الثاني هو الابتكار المستدام الذي يمتدّ من التعبئة الإيكولوجية إلى الصوغ البيئي والشفافية. لتوائم Guerlain رموز الفخامة وحملة الاستدامة، تقدّم هذه العلامة التجارية مبادرات للحدّ من الاستهلاك وللتشجيع على إعادة الاستخدام. فقد خُفِّض وزن الجرار والقوارير، وأُعِيد تصميم عبوات الورق المقوّى، وتخضع إعادة تشكيل المكوّنات في الاستخدام النهائي لدراسة متأنية. ما كان هذا إنجازاً سهلاً في قطاع الرفاهية، حيث التغليف عامل رئيسي في العمل على إرضاء المستهلك. تقول لوشار: "أن تخطو Guerlain هذه الخطوة ينمّ عن شجاعة لا لبس فيها، فرأي المستهلك هو الفيصل. ولحسن الحظ، استقبله عملاؤنا بحرارة".

إضافة إلى ذلك، تحرص Guerlain على تضمين مفهوم إعادة التعبئة في خطوط إنتاجها الممتازة للعناية بالبشرة والعطور والماكياج. ولتحقيق مصادر مستدامة لمكوّناتها المميزة، وتأمين إمكانية المتابعة الكاملة لكل صيغة في الفئات كلها بحلول عام 2030، تتبنى العلامة التجارية رغبة العملاء المتزايدة في العودة إلى الطبيعة. تؤكد لوشار: "نحاول جاهدين وضع توقّعات معمّقة لكميّة المنتجات التي ستُبَاع، تجنّباً لأي إفراط في استهلاك المواد الخام. إن لم نحترم تنوّعنا البيولوجي ومورّدينا، فلن نستطيع ضمان طول عمر منتجاتنا وجودتها المستقبلية". كانت Guerlain أول علامة تجارية تختار استخدام الكحول العضوي المستخرج من الشمندر في مجموعة مختارة من العطور. وبحلول عام 2025، تخطّط لتعميم هذا الاستخدام في عطورها كلها. تكرّر لوشار أن "الآثار المرئية للتغير المناخي وتأكّل التنوّع البيولوجي دفعت بالعملاء إلى التركيز أكثر على أثر مشترياتهم في البيئة". كانت Guerlain أول من تخلّى عن مبدأ السرية الذي تتمسّك به العلامات التجارية الفاخرة، فبادرت قبل غيرها إلى تحويل منصّتها الرقمية الخاصة Bee Respect (احترام النحل) إلى منصة عامة، ترفع الحجاب عن أهداف Guerlain البيئية المهمة، وتسلّط الضوء على مصادر المكوّنات المستدامة، وعلى سبل استخدامها.
"إن لم نحترم تنوّعنا البيولوجي ومورّدينا، فلن نستطيع ضمان طول عمر منتجاتنا وجودتها المستقبلية"
ثالث مسالك منظومة الاستدامة هو التزام Guerlain تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2030. واعترافاً بأن النقل والخدمات اللوجستية مسؤولة عن معظم انبعاثات غازات الدفيئة، منذ عام 2014، تُستخدَم شاحنات كهربائية لتزويد متاجر باريس بالتيار. وأدّى التحوّل إلى الغاز الحيوي في مواقع الإنتاج وتحسين التعبئة والتغليف إلى تقليل البصمة الكربونية بنسبة 90 بالمئة تقريباً. أما المسلك الرابع والأخير، وهو جامع المسالك الثلاثة كلها في منظومة الاستدامة في Guerlain، فيُبرز أهمية توليد الأثر الاجتماعي الإيجابي. يُعَدّ Women for Bees (نساء من أجل النحل) برنامجاً لريادة الأعمال مخصصاً للنساء في تربية النحل، أُطلِق بالتعاون مع منظمة اليونيسكو، وتولّت أنجلينا جولي الإشراف عليه. تقول لوشار: "عندما طرحنا الفكرة على أنجي، أدركت قوة البرنامج وأثره في البيئة، والأهمّ من ذلك قوة قطاع الرفاهية وآثاره غير المباشرة". يدافع البرنامج عن تمكين المرأة بالعمل الملتزم والمستند إلى خبرة متينة في البيئات الحيوية التي حدّدتها منظمة اليونيسكو في العالم، وهذا يزيد نسبة الوعي بأهمية النحل للثروتين الحيوانية والنباتية، وبالتالي لطريقة حياتنا.
لا تتوقّف لوشار عن التشديد على أهمية التواصل. برأيها، على العملاء أن يتبنّوا نهجاً صريحاً في شأن الالتزام الحقيقي بسلامة البيئة، أي أن يجاهروا بذلك. فهذا الالتزام هو ما يدفع بالعلامات التجارية إلى التحوّل نحو الاستدامة. وبينما كنت على وشك المغادرة، نادتني: "اختاري علامات تجارية تساهم في هذه القضية، واطرحي الكثير من الأسئلة!".