في قطاع قديم وتقليدي جداً كقطاع المجوهرات، غالباً ما يكون التغيير غير مستحب. مع ذلك، تعمل ابتكارات جديدة ومثيرة مستمدّة من التقنيات الفائقة ومواد من عصر الفضاء على تغيير شكل الحلية ومظهرها وتعبيراتها الإبداعية بشكل جذري. فسحر التقنية يحرّر التصميم، ويحفّز الفن، ويوحي بأشكال لم يكن التفكير فيها ممكناً سابقاً، كما يُحدث ثورة في عالم المجوهرات.
بفضل التيتانيوم، وهو معدن قوي كالصلب وأكثر كثافة من الألومنيوم بنسبة 60 بالمئة فقط، والقدرة على استخدام طيف واسع من الألوان المثيرة، تكتسي المجوهرات حجماً غير مسبوق، لا سيّما أقراط الأذنين ودبابيس الزينة، إذ يُعَدّ الوزن حينها مسألة مهمة. بعد التعرف إلى هذا المعدن في القرن الثامن عشر، استُخدِم في برنامج الفضاء الأميركي في خمسينيات القرن العشرين، واستخدم فترة وجيزة في محترفات الصاغة في السبعينيات أو مشاغل "الحرفيين"، قبل أن يصير هو الاتجاه السائد في التسعينيات.

اليوم، يظهر التيتانيوم بشكل متزايد في الحليّ الراقية، كما هي الحال في مجموعة The Alchemist of Light من De Beers، مضيفاً اللون والملمس والحركة على الحلية الألماسية، بمساعدة معدن الألومنيوم الخفيف أيضاً، والذي يختلف عنه من دون أن يزعزع هذا الاختلاف بنية الحليّ. تقول الرئيسة التنفيذية سيلين أسيمون: "إنها أكثر مجموعة صمّمناها وصنعناها إبداعاً وطموحاً على المستوى التقني". ويستخدم فابيو ساليني الألومنيوم والألماس لصنع قرط الأذن Helix، وهو رائد في تقنية "اللي" لثني المادة ونحتها. يقول: "ينطوي الأمر على هندسة ميكانيكية وطريقة أكثر فنية لإتقان التعامل مع المعدن".

![]() |
![]() |
ألياف الكربون المخملية السوداء التي يطوّعها ساليني للتصاميم الأخرى هي الأكثر تصنيعاً، بينما في روما، يستخدم فنان الفسيفساء الرائع ماوريتسيو فيورافانتي، من Vamgard، ألياف الكربون هذه لتحويل الفسيفساء الصغيرة جداً إلى أعمال فنية معاصرة خفيفة.
في فيينا، قضى الصائغ الخيميائي توماس هاوزر من Atelier Allure سنة كاملة في استكشاف الطريقة المثلى لإتقان التعامل مع النيليوم، وهي سبيكة صلبة ثمينة سوداء ساحرة. إنه ينحت النيليوم في سلسلته Choreutai التي تتألف من 12 خاتماً، ويضيف الألماس الأسود إلى خواتمه Massive Champagne الخمسة. يتحدث هاوزر عن "جمال الظلال"، ويرى أن النيليوم "نقيض رائع للضوء والانعكاسات والانكسارات" التي تؤدي دوراً مركزياً في إبراز المجوهرات.
يستخدم الثنائي الهندي، الزوج والزوجة راهول وروشني جافيري، من Studio Renn الخرسانة في تصاميمهما. بالنسبة إلى الخاتم Strangler، يبدو أن خطاً عضوياً متأرجحاً من الألماس ينمو من خلال الخرسانة، في دراسة للضمور وإشارة إلى البيئة الحضرية في مومباي، حيث يعيشان ويعملان. يُعالَج سطح الخرسانة بالحمض، وهما يسمحان له بالقيام بعمله، ما يمنحهما سيطرة إبداعية على البيئة.
![]() |
![]() |
خزف تشان أكثر صلابة من الصلب بخمس مرات
الخزف مادة أخرى تُصقَل وتُحسَّن لتواكب أي تطور تقني وإبداعي. وإذ يمثل النهج أسلوباً مميزاً للمصمّم - الصائغ جيمس دي جيفنشي، الذي يتّخذ من نيويورك مقراً، فهو يدسّ في المجوهرات لوناً وملمساً وحداثة. في الوقت نفسه، في هونغ كونغ، أخذ والاس تشان، الحرفي المشهور ببراعته التقنية (بما في ذلك عمله بالتيتانيوم)، الخزف إلى مستوى جديد إذ جعله غير قابل للكسر. أُطلِق خزف تشان في عام 2018، بعد سبع سنوات من البحث والتطوير، وهو أكثر صلابة من الصلب بخمس مرات، ويتميز بلمعان برّاق وبألوان غنية شاحبة وغير شفافة. يقول إن الفكرة أتته من إحدى ذكريات الطفولة التي تتعلق بملعقة خزفية ثمينة انزلقت من يده فتحطّمت. ينحت تشان الخزف في أشكال عضوية جذّابة، مدمجة بالأحجار الكريمة في هياكل من التيتانيوم. والخزف، كما يقول، متجذّر في الثقافة الصينية ومعاصر جداً.
تقول كلير تشويسني، مديرة الإبداع لدى Boucheron: "الابتكار هو أن يكون المرء منفتحاً. إنه ببساطة أداة لا تُستخدَم لذاتها بل لتحقيق أحلامي". تبدو بحوثها متطرفة. بالنسبة إلى Fleurs Éternelles التي تستخدم بتلات حقيقية، عملت مع علماء يمسحون عادة الفئران والجرذان. من أجل Contemplation التي ترصد التوهّجات السماوية، تشاورت مع تقنيين من Nasa لملء قلادة بالهلام الهوائي لإعادة إنشاء قطرة حريرية، فيما رسم متخصص في تقنية المعلومات خوارزميةً للقلادة Cloud، وهي كتلة من الألماس تطفو فوق خيط من التيتانيوم.


بالنسبة إلى مجموعة Ailleurs، ذهبت تشويسني بخيالها إلى "مكان آخر". تستكشف المجموعة الجمال الخام للعالم الطبيعي، وتدمج بين المواد الطبيعية، والراتان، والخشب، وأجنحة الفراشات، والأصداف والحصى من شاطئ يوناني. صُمِّم الألومنيوم المؤكسد في سوار Feuillage ليبدو كأنه مجدول بأوراق نخيل منسوجة، وبالنسبة إلى قلادة Volcano Man، حُوِّل الهيكل الحلزوني للصدفة بالبخ الهوائي إلى عرق اللؤلؤ، ما يولّد أثراً ينتمي إلى عالم آخر.
عندما يتعلّق الأمر بالتقنيات، فإن أكثرها تحويلية وتجاوزاً للحدود هو التصميم بالكمبيوتر والطباعة الثلاثية الأبعاد المصاحبة الخاصة بنماذج الراتنج المصنوعة لتكوّن قوالب للصبّ، والتي صارت تُستخدَم على نطاق واسع في العقد الماضي لكنها ما تزال تثير انتقادات سلبية بوصفها عملية إنتاج جماعي أو اختصار مؤتمت. لكن، كما يقول سام شيري، رئيس التصميم بمساعدة الكمبيوتر ومدير ورشة العمل في Graff، حين تضع التقنية في أيدي مصمّمين مهرة، تكون أداة تعزّز الإبداع ولا تحلّ محلّه، وهي لا تُقدَّر بثمن في تصغير العناصر الميكانيكية. "في قلادة معقّدة، يجب أن تتبع ملامح الرقبة، مثلاً، يكون لكل مكوّن مفصل، يجب أن يكون قوياً وموحّداً. تحقيق هذا الأمر يكاد يكون مستحيلاً بالدرجة نفسها باليد".

![]() السعر عند الاستفسار |
![]() |
في مجوهرات Graff الراقية، يقترن التصميم بالكمبيوتر مع تقنيات تقليدية. من تصميم بالغواش مرسوم يدوياً، يُرَقمَن بعد ذلك تخطيط الأحجار بماسح ضوئي فائق الدّقة. ثم تُطبَع مكوّنات التركيب والمفاصل بالطباعة الثلاثية الأبعاد في راتنج خاص يحتوي على نسبة عالية من الشمع، وتُصَبّ باستخدام طريقة الشمع القديمة. يؤكد شيري أن التصميم بالكمبيوتر يتطلّب براعة جمالية وتقنية، وتدرّب Graff عاملين في تثبيت الألماس من ذوي الخبرة على استخدام البرمجية، لسنوات في الأغلب. "إنها تقنية تتعلق بحلّ المشاكل، لكن يجب دائماً أخذ الجمال في الحسبان".
حل المشاكل هو ما يدفع Boghossian ومدير الإبداع لديها، إدموند تشين المستقر في هونغ كونغ ، إلى ابتكار تقنيات مميزة لتثبيت الأحجار الكريمة. يتمثل هدف تشين في تحقيق الخفة والسيولة وتقليل المعدن إلى حدّ الاختفاء. في حليّ Merveilles، المُصمَّمة لتشي بتطوّر حديث في مسألة تثبيت قواعد الأحجار، تُوضَع هذه الأحجار جنباً إلى جنب من دون أي دعم مرئي، وتُثبَّت في مكانها على هيكل داخلي خفي بفضل توتر معين تفرضه مواقعها. فتأتي النتيجة تياراً متواصلاً ومتلألئاً من بريق الألماس.

يتواصل تحسين تقنيات تثبيت الأحجار الكريمة، على وجه الخصوص، من أجل إضفاء شعور بالحركة على المجوهرات الكلاسيكية. في مجموعة Ondes et Merveilles ذات المجوهرات الراقية من Chaumet، قدّمت الشركة "التثبيت الطبقي" للألماس، إذ تتطابق الأحجار لإنتاج مشهد يمثل ذيل حوريةٍ، ولإضافة عمق وفتنة إلى الإبداعات المتصلة بالمحيطات. في مجموعة Galons Dior، تمكّن فيكتوار دي كاستيلان، مدير الإبداع للمجوهرات لدى الدار، من تكرار أثر النسيج المجدول، وهو تفصيل مميز في مجال الأزياء، بخلط العديد من التثبيتات المختلفة، والقصّات والأشكال الخاصة بالأحجار الكريمة. وبعد بحث متمّعق، أنشأت محترفات الصاغة تثبيتات بزوايا أنيقة، أو خطوط متداخلة، أو تعرّجات، أو أفعوانيات، ما يمنح انطباعاً بأنماط وتركيبات تلتفّ معاً في حركة بهيجة ومضطربة.
![]() |
![]() |
أخيراً، ثمة عنصر مستقبلي لابتكارات المجوهرات السريعة الحركة اليوم. يستخدم المصمّم جيري سوين، الذي يتّخذ من لندن مقراً ويعمل مع شريكه التجاري جينغ جاو، الواقع الافتراضي "للتعمق أكثر" بالدخول إلى جواهرهما. يوضح جاو قائلاً: "يسمح لنا الواقع الافتراضي بأخذ رسم أو لوحة من بُعدين إلى نموذج واقعي ثلاثي الأبعاد، ما ينفخ الحياة في الحلية في مرحلة مبكرة من عملية الإبداع. يمكننا تكبير الصور مثل تفصيل بحجم مليمتر واحد ليصبح كائناً طوله ثلاثة أمتار، واستخدامه لتحسين التصميم. تدبّ فيها الحياة أكثر من أي شيء يمكن رؤيته على شاشة عادية".
"هي تتعلق بحلّ المشاكل، لكن مع أخذ الجمال في الحسبان"
في الوقت ذاته، أنشأت Oktaaf، وهي علامة تجارية جديدة للمجوهرات تتّخذ من مدريد مقراً، أنشأها رجل الأعمال البلجيكي كاريل دي بيول والمصمّمة الإسبانية أينوا كورس، زوجاً من أزرار الأكمام باستخدام الذكاء الاصطناعي. وصُمِّم 2001 Bolts and Nuts وفق مسمارين من التيتانيوم من Apollo 15، وهو مستوحى من فيلم ستانلي كوبريك 2001: A Space Odyssey و(2001: ملحمة فضائية). وبحث دي بيول، الذي يحمل شهادة في الهندسة في الذكاء الاصطناعي، وكورس في تقنيات الذكاء الاصطناعي ووجدا مختبراً في روسيا مستعدّاً لمواجهة التحدي. قدّمت كورس رسوماً ابتدائية إبداعية، كُيِّفت بعد ذلك إذ بدأت الآلة في "الحلم بالأشكال". استغرق العمل سبعة أشهر، بما في ذلك تعبير كورس عن التصميم المختار، وصوغ الزرّين ووضع اللمسات الأخيرة عليهما يدوياً. إنه التعبير المثالي عن دراما الخيال العلمي التاريخية والتكنولوجيا المستقبلية. أو كما يقول سوين: "جسر بين التقاليد والابتكار، لا يربط الماضي بأحدث التقنيات فحسب، بل بالمستقبل أيضاً".