في حي بارانكو البوهيمي في ليما، يرفرف علم البيرو المخطَّط بالأحمر والأبيض فخوراً فوق قصر أبيض كبير مزدان بالأعمدة، تظلّل واجهته شرفة طويلة. ولولا عبارة Artesanos Don Bosco المطبوعة على النافذة، لما عرف الناس أنه متجر مليء بأثاث صنع في مكان ما بجبال الأنديز، يبعد أكثر من ألف كيلومتر.
منذ أكثر من عقد من الزمن، يبيع متجر Don Bosco أفراد النخبة في ليما أثاثاً قُصّ يدوياً بخشب الأرز والكرز والجوز، إلا أن حكايته بدأت في عام 1976، حين وصل كاهن إيطالي إلى قرية نائية دمّرها زلزالٌ في محافظة أنكاش بجبال الأنديز. فابيو تيينفورتي معماري إيطالي يعمل لحساب Don Bosco منذ افتتاحه، يقول: "شاهد الأب أوغو دي سِنسي الفقر المدقع وما نجم عنه من هجرة". وذات يوم، فيما كان يصلّي، أتاه وحي يدعوه إلى ترميم مذبح الكنيسة أوّلاً، ثم البلدة بذاتها، فأطلق بمساعدة نجّار في إيطاليا برنامجاً لتلقين فتيان البلدة العمل بالخشب، متيحاً لهم كسب أرزاقهم فيما ينفّذ مهمّته المقدّسة. وبعد سنوات، أنشئت مدرسة لتعليم النجارة.


بدأ المشروع ثمرة رؤية راودت أحد المبشّرين، ثم تحوّل إلى شبكة من ألف شخص، مؤلَّفة من مجموعات حِرَفية موزَّعة في القرى الصغيرة في سلسلة جبال كوردييرا بلانكا. يقول تيينفورتي: "تتعدّد المجموعات العاملة معنا اليوم، بين النجارة والنحت والنقش والأشغال المعدنية، والفسيفساء أخيراً". وتفد إلى المشروع أعداد متزايدة من الشابات اللواتي يعملن حائكات، ينسجن السجّاد من صوف الألبكة والأغنام.
يعود ريع المتجر إلى الحِرَفيين في جبال البيرو
اليوم، يعكس المتجر تنوّع مواهب الحرَفيين. بعد اجتياز حديقة أمامية غنّاء والدخول إلى غرف تملأها الأضواء، تظهر سجّادات ملوّنة محوكة بصوف الألبكة متدلّية على الجدران، وتربض منحوتات رخامية تجسّد عشّاقاً متعانقين، وطيوراً محلّقة وحيوانات برّية، على خزائن خشبية مزخرفة. يشمل الأثاث، المصنوع على الطلب بأخشاب استُقدِمت من أدغال البيرو وباتاغنويا في تشيلي، طاولات للقهوة يعلوها سطح زجاجي (السعر ابتداءً من 630$)، ومقاعد خشبية دقيقة التفاصيل (السعر ابتداءً من 210$)، ومكاتب ثقيلة مزدانة بالنقوش (السعر ابتداءً من 520$)، ورفوف كتب منفصلة (السعر ابتداءً من 1,050$).

لهذا الأثاث حكايات تعبّر عنها الأسماء التي أُطلِقت على قطعه المختلفة: صُمِّم سرير Luna de Miel (شهر العسل) في الأصل جزءاً من غرفة نوم أعدّت هديّةً لصديقَين لمناسبة عقد قرانهما (بسعر 2,050$). وتُوجّه طاولة الطعام Cuarto de Luna (تربيع القمر)، مع سطحها الزجاجي الشفّاف وقاعدتها الخشبية الهلالية (بسعر 1,730$)، تحيةً إلى منظومة معتقدات الإنكا القديمة التي تتمحور حول المجرّة (تُسمّى "الرؤية الكونية"). تنتشر التماثيل ولوحات القدّيسين في أنحاء المتجر، لتكون تذكيراً بمن تبرّع بها.


همّ تيينفورتي الدائم التأكيد أن رؤية Don Bosco ليست تجارية، وهي لم تكن يوماً كذلك. فبحسبه، "حدّد الأب أوغو هدفاً فريداً. أراد لهذا العمل أن يساهم في تطوير المجتمع المحلّي، وأن يتمكّن من مساعدة الأكثر حاجة. فأن تمنح أحدهم فرصةً ليتعلّم مهنةً هو، في نظري، الجزء المميّز في عمل الحِرَفيين، إذ يسمح لكلّ شخص بالتعبير عن نفسه بالطريقة المثلى". يعود ريع هذا المتجر إلى الحِرَفيين في جبال البيرو، فهذه كانت رؤية الأب أوغو القائمة على التبادل.