الأسرار كثيرة في عدد هذا الشهر، وإشاعتها متعةٌ لا تقاوم. في الرياض، أسرار الانسجام منقوشة في منحوتات صخرية، موزّعة في الفضاءات العامة والطرقات، حوّلت المدينة إلى معرض فني بلا جدران. لم تأتِ هذه المنحوتات من فراغ، إنما هي ثمرة ثيمة Energy of Harmony (طاقة الانسجام) التي صاغها ماريك وولينسكي، القيّم الفني المتخصّص في المشاريع الكبرى والشراكات العابرة للقطاعات، وضمّنها دعوةً صاخبةً إلى تعزيز الحوارات الرائدة والمستدامة بين الثقافة والحداثة، منطلقاً من عزم دائم على تجسير أي هوة بين التقليدي والحديث. استجاب نحاتون، سعوديون وعالميون، لثيمة وولينسكي، فتحدّثت منحوتاتهم عن بيئات محلية غلّفوها بسرديات تتجاوز الحدود الجغرافية الضيقة إلى رحاب تاريخ غني يجمع الكل في بوتقة إنسانية واحدة. وقد اختارهم وولينسكي ومعه خبراء فنيون آخرون، "انطلاقاً من فهمٍ أكيد لمزاج الانفتاح على الآخر الذي ترزح تحته المنطقة"، وهذا ما جعل من الانسجام مصدر إلهام لمنحوتات أتت خير تعبير عن مآلات التغيير في النفس الإنسانية متى تقبل الإنسان الآخر".

إلى تبليسي، حيث تغوص بايا سايمونز في أعماق جورجيا مستكشفةً أسرار بلدٍ تحوّل وجهةً سياحيةً ناشطة أخيراً: "النكهة اللاذعة لصلصة البرقوق الحامضة مع الدجاج المشويّ؛ ومرق اللحم البقري مع القليل من الأرزّ والمنكّه بالبقدونس والطرخون؛ والراحة الشديدة التي تمنحها الفطائر المالحة المحشوّة بالجبنة؛ والرمّان الذي يعصره باعة جوّالون فيتحوّل إلى عصير بلون الياقوت؛ والشرفات الخشبية الفارسية المزخرفة التي تطفو فوق الشوارع المرصوفة بالحصى في المدينة القديمة في تبليسي، والقمة المستدقة في أعلى برج الكاتدرائية الأرمنية".

للمسرح أسراره الدفينة، يبوح بها راقص الباليه الفرنسي بنجامين بيك والفنان الإسباني إيغناسي مونريال. حين التقيا قبل أربع سنوات في روما، ما خطر ببال أيٍّ منهما أن ما بينهما سيشعل شرارة تعاون مهني جميل، لا بل سيتجاوران أسابيع متواصلة في طوابق عليا يغمرها الضوء في Laboratorio di Scenografia التاريخي. في شتاء هذا العام، واظبا على التخطيط لابتكار ديكور مستوحى من الأحلام، يلائم نسخة مبدعة قدّمها بيك من تحفة La Bayadère (راقصة المعبد) الفنية التي عُرِضت في مسرح Bolshoi في القرن التاسع عشر. اقترح مونريال مشهداً طبيعياً متحرّكاً صمّمه بسلسلة من رسوم تتحوّل وتنساب بمهارة مع الموسيقى لتواكب الحكاية. أتت النتيجة مبهرة، وكشفت عن خفايا وتحدّيات لا تقتصر على النواحي الفنية وحدها. يقول بيك: "لا نتشاجر أبداً تقريباً"، فيقاطعه مونريال: "إنه أصعب عميل تعاملت معه".

التغيير مستحسنٌ دائماً، إلا في قطاع المجوهرات، القديم والتقليدي جداً. إنه مكروهٌ هنا، لكن لا بأس به إن بقي سراً مخفياً في قلب الحلية. لذا، تبحث فيفيان بيكر في أربعة عناصر تبدو مدسوسةً سراً في الحليّ، أوّلها معدن التيتانيوم. فبفضله، وبفضل القدرة على استخدام طيف واسع من الألوان المثيرة، "تكتسي المجوهرات حجماً غير مسبوق، لا سيّما أقراط الأذنين ودبابيس الزينة، إذ يُعَدّ الوزن حينها مسألة مهمة"، كما تقول بيكر. واليوم، يظهر التيتانيوم بشكل متزايد في الحليّ الراقية مضيفاً اللون والملمس والحركة على الحلية الألماسية. في فيينا، قضى الصائغ الخيميائي توماس هاوزر من Atelier Allure سنة كاملة في استكشاف الطريقة المثلى لإتقان التعامل مع النيليوم، العنصر الثاني، لينحته في سلسلته Choreutai التي تتألف من 12 خاتماً، فيما يستخدم الثنائي الهندي راهول وروشني جافيري الخرسانة في تصاميمهما. ويبقى الخزف، العنصر الرابع، وهو مادة تُصقَل وتُحسَّن لتواكب أيّ تطور تقني وإبداعي، يدسّها الصائغ جيمس دي جيفنشي في مجوهراته لتكتسي لوناً وملمساً وحداثة.

ويفتح بيتر أسبدِن صندوق أسرار شركة Mercedes-Benz، فيزور صالاتها "المقدسة"، كاشفاً عمّا فيها من كنوزٍ مكنونة حُجبت طويلاً عن العيون، تُعرض في مزادات خاصة، أو في مناسبات محدودة، قاده إلى ذلك مبيع سيارة Mercedes-Benz 300 SLR Uhlenhaut Coupé طراز عام 1955 في أحد المزادات بمبلغ خيالي: 135 مليون يورو. ماذا رأى في تلك الصالات الشاسعة المغلّفة بالسرية؟ أربع سيارات رياضية من سلسلة 300 SL Roadster معروضة للبيع بمبلغ يتراوح بين 1.8 و1.9 مليون يورو لكل سيارة؛ ونموذج W125 المزوّد باثنتي عشرة أسطوانة، حطّم فيه رودولف كراسيولا الرقم القياسي العالمي للسرعة على الطرقات العامة بسرعة 432.7 كلم في الساعة. أخبره ماركوس بريتشفردت، رئيس قسم التراث في Mercedes-Benz، أن التراث هو المستقبل، "ولا يعني ذلك أن تكرر الأشياء نفسها، بل أن تحافظ على الروح نفسها".
التراث هو المستقبل، ولا يعني ذلك أن تكرّر الأشياء نفسها، بل أن تحافظ على الروح نفسها"
في مكان آخر، يقول سايمون دي بيرتون: "لو قدّر للسيارات القديمة أن تنطق، لكان في جعبة سيارة Bugatti Type 57 Atalante، التي عرضت على منصة المزاد في باريس في كانون الثاني (يناير) الماضي، أسرار كثيرة تبوح بها". تختلف هذه عن السيارة الفاخرة التي أخبرنا عنها أسبدِن، لكن تتراوح قيمتها بين مليوني يورو وثلاثة ملايين يورو. فهذه واحدة من ثلاثة نماذج باقية فقط من Atalante Coupé بسقف شفاف منزلق، سُلِّمت في تموز (يوليو) 1936 إلى الصائغ تشارلز أوليفيرو اللامع في مارسيليا. تنقّلت هذه السيارة بين مُلاك عديدين، وعرضت أخيراً في اثنتين من المناسبات الرائدة في العالم في مجال السيارات القديمة، في بيبل بيتش بكاليفورنيا وفيلا ديستي بإيطاليا، قبل أن يشتريها في عام 2003 مالكها الحالي الذي أمضى أفضل جزء من السنوات العشرين الماضية في استخدامها "لعبور أوروبا والولايات المتحدة".