أعجبت المصمّمة المعمارية روز يونياك بعجائب النسّاج البريطاني بيتر كولينغوود للمرة الأولى قبل ستّ سنوات، بعد ملاحظتها جداريّتين ضخمتين له معلّقتين في مزاد إقليمي. تقول: "وجدتهما رائعتين. ثمة شيء أنيق جداً فيهما... هندسة وصفاء؛ إنهما توازيان القوة واللمسة الخفيفة".
كانت تلك اللحظة بداية اهتمامٍ دفع بيونياك للسعي كي تحصل على مجموعة كبيرة من إبداعات الفنان، التي تُبَاع مجموعة مختارة منها في متجرها في طريق بيمليكو. تقول يونياك عن شاشياته الكبيرة، وهي منسوجات جدارية من بعدين وثلاثة أبعاد معقّدة التصميم ومفتوحة البنية، بدأ كولينغوود إبداعها في عام 1964: "تتّسم بهذه الجودة الهادئة الجميلة".

ليست يونياك وحيدة في التعبير بشغف عن حِرفية كولينغوود. فمصمّم الأزياء جوناثان أندرسون جامع أيضاً، وهذا فير غريني، مصمّم الديكور الداخلي المستقر في لندن، قد استخدم أحد أعمال كولينغوود في مشروع. وفي عام 2020، حصلت Tate على قطعتين (واحدة من يونياك) – Macrogauze 116 No. 2 و 3D Wall Hanging. يقول القيّم والمستشار الفني أندرو بوناسينا: "لم يكن هذا ليحدث حتى قبل عقد من اليوم. إنه دليل على أنهم يوسّعون نطاق رؤيتهم للنسيج لتتجاوز المزيد من الفنانين التجريبيين". ويضيف أن مع تخفيف الانقسامات الصارمة بين الفن المرئي والحِرَف، تتوفر مساحة كبرى للاعتراف بصنّاع مثل كولينغوود، الذي توفي في عام 2008. في عام 2015، باعت Philips منسوجة شاشية كبيرة من ثلاثية الأبعاد بمبلغ قياسي يساوي 22,500£، وتعرض يونياك حالياً ثلاث منسوجات كبيرة مماثلة بأسعار تتراوح بين 28,000£ و40,000£.

نُسِجت هذه الشاشيات على نول فريد يحرّر الخيوط المعوجة لتحلّ في أي شكل من الأشكال، بدلاً من أن تتوازى مع الخيوط المستخدمة لتماسك النسيج، وهي تمثل شهادة على تركيز كولينغوود على الدقّة. ولد في الشمال الغربي بلندن في عام 1922، وتدرّب في البداية طبيباً متخصّصاً في الجراحة. كان فناناً ومهندساً معاً، فبنى أول نول للحياكة والنسيج من طراز Inkel مستخدماً كرسيين من الكراسي الخشبية المستخدمة للاسترخاء على الشاطئ، واستخدم لاحقاً كل شيء، من أجزاء لوحة المفاتيح إلى الشرفات الخشبية المهملة ليبتكر أدوات خاصة تحقّق له ما يريد من منسوجات هندسية. يقول: "لقد فعلت هذا كله لأن النول حيّرني".

بصفته ضابطاً في الجيش، حاك كولينغوود على نول ثبته في الجزء الخلفي من سيارة إسعاف. في أثناء عمله مع Red Cross في الأردن، تعرف للمرة الأولى إلى الحياكة المحترفة وبدأ في جمع المنسوجات – كل شيء من معلّقات الخيام البدوية إلى الأحزمة الهندية لحمل المال إلى الجوارب الأفغانية – التي أصبحت موضوع كتاب The Maker’s Hand: a Close Look at Textile Structures (يد الصانع: نظرة فاحصة لهياكل النسيج) (من عام 1987)، وهو واحد من سلسلة كتب تشرح انبهاره الدقيق بالشكل.
حين عاد كولينغوود إلى إنكلترا، عمل في محترفات النسّاجين البارزين إثيل مايرت وباربرا سوير وألاستير مورتون قبل إنشائه ورشته الخاصة في أرتشواي في منتصف الخمسينيات، حيث حاك سجادات حديثة على نول مستعمل من Maxwell، وباعها في مقابل نحو 5£ للقطعة إلى Liberty، وHeal’s ودار العرض Primavera في كامبريدج. تطوّرت هذه المنسوجات لاحقاً إلى أعمال أوسع نطاقاً.

في عام 1969، أصبح كولينغوود أول حائك حيّ يظهر في V&A عند عرض سلسلة من سجّاداته وجداريّاته إلى جانب عمل الخزّاف هانس كوبر. الآن، مع استمرار قيمة الخزفيات في الارتفاع، يتحوّل انتباه الجامعين نحو المنسوجات الجميلة والمتاحة أكثر من غيرها. مثلاً، ممكنٌ بعدُ شراء سجّادات كولينغوود في مقابل نحو 500£، في حين تُعرَض المنسوجات الجدارية في مقابل 8,000£-10,000£.

"ثمة شيء أنيق جداً فيهما... هندسة وصفاء"
يقول بن ويليامز، وهو منسّق ومستشار فني لعملاء بمن فيهم Phillips للمزادات: "هناك إعادة تقييم مستمرّة لموقع هذا الجيل من الصنّاع في الفن والتصميم البريطانيين التاليين للحرب العالمية الثانية وذلك ضمن تحوّل أوسع". يضيف أنه يعتقد أن السوق لم تفهم تماماً السياق التاريخي لكولينغوود: "الناس يشترون المنسوجات لأنها جذابة، يمكن أن تكون بسيطة مثل لون يلائم مساحة داخلية". لكن مع احتفاء دور العرض الصغرى مثل Oxford Ceramics وMaximillian William، التي عرضت أخيراً جداريات لكولينغوود من مجموعة الدكتور بريان هاردينغ، يصبح المشترون أشدّ حكمة.

"كولينغوود واحد من هؤلاء الفنانين المصنّفين دائماً في فئة أرباب الحياكة التقليدية. خلافاً لمعاصرين مثل شايلا هيكس الذين ابتعدوا أحياناً عن النول، بقي هو مخلصاً له"، يضيف بوناسينا. "لكنه أعاد بناء نوله ليتحدّى حدود الحِرفة وهو الآن، أخيراً، موضع تقدير لدوره في رفع الخيوط والألياف إلى مصاف الفنون الجميلة".