مجلة الرفاهية العصرية تصدرها إيلاف بالاتفاق مع فايننشال تايمز

الطعام

حانةٌ في الشمال: نظرة جديدة على الريف الإنكليزي

بحماسة وترقب شديدين، يسعد كل من مارغو هندرسون وماكس ويغرام بافتتاح The Three Horseshoes، الحانة التي ترقبها الناس طويلاً. أجيش باتالاي يروي تجربته في تذوّق بعض ما تتضمّنه قائمة الطعام

المالك ماكس ويغرام والطاهية مارغو هندرسون في حانة The Three Horseshoes في باتكومب © إيمّا لويس المالك ماكس ويغرام والطاهية مارغو هندرسون في حانة The Three Horseshoes في باتكومب © إيمّا لويس

عند الحديث عن الحانة الريفية، يدرك معظم الأشخاص ما يُفترَض أن تكون عليه هذه الحانة"، كما يقول مالك صالات العرض والمستثمر السابق ماكس ويغرام، مضيفاً: "سقفٌ منخفض، بار خشبي، ونار في موقد مفتوح". إنها نظرة إلى ما كانت تجسّد في الماضي حانة The Three Horseshoes من راحة ودفء، وهي التي تردّد إليها في باتكومب، سومرست، والتي تشكّل جزءاً من البلاد التي يقصدها مع زوجته، المصمّمة فيبي فيلو، وعائلته منذ 25 عاماً. يتابع: "كانت الحانة تتداعى. لكن، كان ممكناً احتساء جعة محلية وتناول الفطائر باللحم مع الصلصة الرائعة. لقد عشقت المكان".

لم تراود ويغرام رغبة محدّدة في امتلاك حانة، لكنه طلب من مالكها السابق الاتصال به إن فكّر في بيعها. كان ذلك أفضل من إعادة تطوير حانة The Three Horseshoes الواقعة بين كنيسة بنيت في القرن الخامس عشر ومساحات شاسعة من المروج والأحراج، وتحويلها إلى شقق سكنية. ثم تفشّت الجائحة. تلقّى ويغرام ذاك الاتصال المنتظر. وهو عمل، منذ عامَين ونصف العام، على ترميم النُّزل وتحويله إلى حانة فخمة مع غرف، وقد تمّ افتتاحها في آذار (مارس) الماضي.

باتكومب، سومرست © إيمّا لويس

الطعام هو أحد أبرز عوامل الاستقطاب في الحانة، إذ تشرف عليه الطاهية مارغو هندرسون من مطعم Rochelle Canteen الشهير في لندن. يقول ويغرام عمّا دفعه إلى استقدام الطاهية المتألّقة المولودة في نيوزيلندا: "أحبّ تناول الطعام الذي تعدّه مارغو. تناولت الكثير منه. إنها تذكّرني بالماضي كله". تذكّره تحديداً بما قبل 35 عاماً. لقد تعارفا حين كانت هندرسون تعمل في ملهى 192 في نوتينغ هيل. (كان ذلك قبل انتقالها إلى مطعم First Floor Restaurant، وThe Quality Chop House، وThe Eagle في كليركنويل، ولقائها فرغوس الذي أصبح زوجها، وافتتاحهما مطعم The French House، وبعد سنتَين، في عام 1994، غادر زوجها ليفتتح مطعم St John). كان ويغرام يقيم في مكان قريب ويتردد بانتظام إلى ملهى 192.

حين أثار ويغرام مع هندرسون موضوع الانضمام إلى حانة The Three Horseshoes، كانت تبحث عن مشروع جديد؛ فشركتها لخدمات الطعام Arnold & Henderson التي تديرها مع ميلاني أرنولد، وفي قائمة عملائها بول سميث وكيرا نايتلي ومالك صالات العرض سادي كولز، كانت تعاني تراجعاً مقلقاً. تقرّ: "راودتني دائماً رغبة في افتتاح حانة في الريف. لكن الحانات مسألة صعبة. غالباً ما يكون مصيرها الفشل. تفكّر في نفسك وتقول ’يا إلهي، لا يمكنني القيام بذلك‘. لذا، حين يأخذ شخص مثل ماكس هذا العمل على عاتقه، يسود شعور بالاطمئنان". كان مفيداً أيضاً أن هندرسون كانت تتردّد إلى هذه المنطقة في سومرست منذ سنوات وتشعر بأنها مرتبطة بها. ما جذبها أكثر إلى هذه المنطقة أنها كانت في الأصل وجهة بارزة لعشّاق الطعام، من خلال زوّار بلدة بروتون. "إنها المنطقة الأكثر إثارة للاهتمام"، تعقّب هندرسون عن الإنتاج المحلي. "يملك الجميع هنا رأس ماشية أو مسكبة هليون يريد بيعها".

التقينا حول مأدبة غداء لتكوين فكرة أوّلية عمّا تقدّمه الحانة، وكانت البداية مع شراب Wilding المخمّر من مزرعة Westfield Farm في شمال سومرست، والذي يقول ويغرام موافقاً إن "رائحته شهيّة حقاً". ثم تُقدَّم اللحوم الباردة (ولاحقاً الجبنة) من Westcombe Dairy، والخبز من Landrace Bakery، والخضروات الورقية من حديقة تشارلز دودينغ التي تقوم على تقنية الزراعة من دون حراثة في Homeacres، والتي تُضاف إلى صلصة "يكاد يكون شربها ممكناً" (ولذيذة جداً) انتهت هندرسون ورئيس الطهاة ناي سميث (كان يعمل سابقاً لدى Rochelle Canteen وMoro) للتوّ من تحضيرها بإتقان. تعلّق هندرسون: "أحبّ الصلصات القوية، لكنني أفكّر في ابتكار صلصات أخفّ وأكثر ملاءمة للعائلات هنا". تحتوي هذه الصلصة على اللبن وخردل Dijon وشراب التفاح المخمّر وخلّ النبيذ الأبيض، وعصير الليمون وزيت الزيتون البكر الممتاز.

يخنة اللحم البقري التي تعدّها هندرسون © إيمّا لويس

حين زرت الحانة، كانت ورشة البناء قائمة في جزء منها. لكنني لمست التحوّل الذي يشهده المكان. فقد تحوّلت الغرفة الرئيسة، وكانت عبارة عن بار منفصل وردهة كئيبة، إلى مساحة مفتوحة يغمرها الضوء وفي وسطها فرن على الحطب. ما زال الموقد الأصلي في أقصى الغرفة على حاله، في حين نُزِعت السجادات الخضراء والأرضية الأسمنتية وانكشف تحتها البلاط الأصلي. 

في الطابق العلوي، يجري العمل على تركيب خمس غرف نوم فسيحة يحمل تصميمها توقيع فرانسيس بِن (التي تتعاون أيضاً مع والدها ديفيد مليناريك). أما الحديقة المستوحاة من حدائق الريف الإنكليزي والتي صمّمتها ليبي راسل – المقيمة في باتكومب منذ 23 عاماً – فتبدو مزيجاً من الورود والزهور البرّية والأعشاب مع مرج فسيح يشكّل إطاراً للمناظر الرائعة التي تطلّ عليها الحانة لبرج الكنيسة المجاورة والجدران الحجرية.

قوائم الطعام تتغيّر باستمرار، لكن ممتعٌ سماع هندرسون تفكّر ملياً في الخيارات. تقول عن الوجبات السريعة: "أفكّر في الواقع في تقديم بيض مسلوق، ولحوم معلّبة، وشطائر محمّصة". تضيف وقد ارتسمت ابتسامة مشعّة على وجهها: "سمك الكيبر على الغداء. والكثير من لحوم البقر الشهيّة. حساء الجرجير النابض بالحياة. وشرائح اللحم. تارت تاتان. أوه، إنه مصطلح فرنسي، أليس كذلك؟ حسناً، تارت التفاح المغمّس بالكراميل".

The Three Horseshoes © إيمّا لويس

تابعت: "كنّا نتكلم للتو على الفطائر"، فسألتها عن مقوّمات الفطيرة المثالية. أجابت: "لا شك في أن الطهو على نار خفيفة هو الأساس. إذا كانت فطيرة من الدجاج الحبشي مثلاً، تساهم أشياء كثيرة مثل القوائم في إضفاء المذاق الدهني. وهناك سماكة العجينة، فالفطيرة تحتوي على دهون، لذا ليس جيداً أن تكون العجينة رقيقة جداً لأنها تتحوّل في هذه الحالة إلى مجرّد طبقة مقرمشة. ناقشنا وضع عظمة في وسط الفطيرة لرفع طبقتها العلوية قليلاً. وقد نضع ثلاث حدوات حصان عليها لتكون مميّزة وخاصة بحانة The Three Horseshoes. أووه، إننا نبالغ كثيراً الآن!" قالتها مطلقةً ضحكة مجلجلة.

"لطالما راودني رغبة دائمة في افتتاح حانة في الريف"

هل من تلميحٍ أفضل من هذا الكلام إلى الحدث الأساسي الذي كان بانتظارنا في ذلك اليوم؟ قِدرٌ من يخنة اللحم البقري من إعداد مارغو مع هريسة بالزبدة وبروكولي أرجواني، وزجاجة من نبيذ Clos La Coutale 2020 Cahors من The Cellarhand في بروتون. إنها من نوع الوجبات الشهيّة والغنية التي تجعلك تقصد الحانة حتى في الأيام الأكثر كآبة.

يسمح ويغرام لنفسه بالانسياق وراء عواطفه. كان والده، المتعهّد العقاري أنطوني ويغرام، يملك حانتَين في لندن. يروي: "كنّا والدي وأنا نتردّد إلى متاجر التحف ونشتري صوراً لعرضها في الحانتَين". أخيراً، يفعل الشيء نفسه في هذا المكان، حيث يختار لوحات ساكنة ("صور بيض مسلوق، وليمون، وثوم") ولوحات بورتريه. "أتحرّق شوقاً لإحضار والدي إلى هنا"، يقول ويغرام.

ليس الوحيد الذي يراوده هذا الشعور. فسكّان باتكومب يتوقون دائماً إلى دخول الحانة بعدما اضطُرّوا إلى تدبّر أمورهم طوال أشهر باحتساء الشراب في مبنى البلدية في القرية والتوجّه إلى حافلة الطعام التي تعمل من حينٍ لآخر.

0 تعليقات

شارك برأيك