أعتبر نفسي من محبّي الحفلات التي لا تنسى. مهنياً، ارتبط اسمي ببناء أبراج من الروبيان (القريدس) بارتفاع ستة أقدام، وبنوافير الشوكولا، وقوالب الحلوى التي تتّخذ شكل كراسٍ بحجمها الحقيقي. بطريقة ما، اكتشفت كيف يمكنني أن أكسب معيشتي إن قمت بما يحلم به كل طفل، وما يَنهى جميع الأهل أولادهم عن القيام به: اللعب بالطعام.

فتح لي هذا العالم السُريالي الذي ابتدعتُه، ويشبه عالم ويلي ونكا، أبواب التعاون مع عدد كبير من الفنانين والمصمّمين ودور الأزياء. أحياناً، يبدو لي أنني أعيش في حلمٍ، إذ أحصل على قالب حلوى فألتهمه. أكثر ما يستهويني في هذه الإبداعات الجامحة أنها تجرّد الأشخاص من سلاحهم – وكأنها تكسر الجليد على الفور – تحديداً في حيّز يكون خانقاً قليلاً. لنأخذ حفلات الأزياء والموضة مثلاً. قد تسود أجواء من التكبر، فيتغلغل الناس بين المدعوّين يتفحّصون الوجوه لعلّهم يقعون على صديق... وحين يُضاف إلى المعادلة برجٌ مصنوعٌ من الحلوى الهلامية مثلاً، يصير الجميع سواسية فوراً. فالمساواة تجمع الكل في التسلية والارتباك والبهجة. يتبدّد الحذر ويسرّ الناس بأعمق مكنوناتهم.

أتّبع فلسفة مشابهة في ما يتعلّق بمآدب العشاء المنزلية. ربما لا يتطلب تحضير الطعام عملاً مكثّفاً كما هو الحال في بعض المشاريع التي أنفّذها على المستوى المهني، لكنني أفكّر دائماً بطرق مسلّية كي أُشرك الآخرين وأُريهم أشياء ربما لم يروها من قبل. يحبّ الناس أن تتّسخ أيديهم. وحين يتشاركون طهو الطعام، يهيمن على الغرفة جوّ الألفة والشعور بالارتياح.
يبدو طبق السمك فاخراً لكنه بسيط جداً
في ليلة جمعة أخيراً، قرّرت دعوة بعض أصدقاء المهنة إلى منزلي وتحضير سمك مخبوز بالملح. يروقني أن يبدو السمك المخبوز بالملح فاخراً ومعقّداً فيما هو بسيط جداً، فأنتم تحتاجون إلى مكوّنات قليلة جداً، واحتمال الخطأ متدنٍّ جداً. التعليمات واضحة وسهلة: تأخذون سمكة كاملة (بجلدها وحسَكها)، تغطّونها بالملح، وتخبزونها في الفرن. يُكوِّن الملح قشرة تحيط بها، ويحبس الرطوبة ويؤدّي دور فرن صغير حول السمكة.

يمكنكم أن تعدوا أنواعاً كثيرة من السمك بالملح. من الأنواع المفضّلة لديّ سمك الشار القطبي. إنها سمكة دسمة لحمها برتقالي اللون، وتشبه التروتة أو السلمون. وهي سمكة دهنية جميلة، لذا لن تجفّ عند طهوها. وتمثل أيضاً خياراً أكثر استدامة من السلمون لأنّ تربيتها أسهل، وأقلّ تسبّباً في التلوّث وأدنى كلفة. إن كنتم تطهون السمك لشخصَين فقط، فسمكة التروتة أو القدّ الأصغر حجماً خياران ممتازان أيضاً. تُحتسَب الكميّة على أساس باوند واحد أو 550 غراماً لكل شخص. بعد خَبز السمكة، يصبح الملح قاسياً يجب كسره برفق لنزعه. هنا، تدخّلَ أصدقائي بقوّة. وكان لأحدهم تحديداً نصيبٌ كبير من اتّساخ اليدَين، وقد سُررت كثيراً حين أعاد تحضير الوصفة بعد أيام وأرسل لي صوراً عن تحفته الفنية المخبوزة بالملح. قليلة هي الأشياء التي تجعلني أكثر سعادة واعتزازاً من تلقين أحدهم مهارة ترافقه مدى الحياة. يستهويني إعداد قوائم طعام بسيطة إنما وافرة وسخيّة. وكانت قائمة الطعام في تلك الليلة ضربةً على الوتر الصحيح: شمبانيا blanc de blancs، نبيذ chablis، سمك شار قطبي مخبوز بالملح، أيولي، بطاطا مسلوقة، سوتيه رابيني، أوعية كبيرة مليئة بالليتشي والكرز والرمان.


قليلةٌ هي متع الحياة التي تضاهي احتساء كأس شمبانيا مثلّج عند الوصول، ثم الجلوس لتناول سمك مطهو بإتقان مع البطاطا والقليل من الخضروات الورقية المُرّة. تبدو التحلية غريبة بعض الشيء، لكن لإضفاء القليل من المذاق الحلو في ختام الوجبة، قدّمت الليتشي والكرز والرمان مع مكعّبات الثلج.
السمك بالملح

المقادير:
سمكتا شار قطبيتان كاملتان انتُزِعت أحشاؤهما مع الإبقاء على الجلد والحسك، زنة كل منهما نحو 5 باوندات أو 2.2 كلغ
10 بيضات (البياض وحده)
10 باوندات أو 4.5 كلغ من الملح الخشن
بعض أوراق الغار
طريقة التحضير:
• يُحمّى الفرن مسبقاً حتى درجة 450 فهرنهايت أو 230 درجة مئوية، أو الدرجة 8 في مقياس الغاز.
• لصنع القشرة الخارجية، يُخفَق البيض ليصبح زبدياً، ثم يُضاف إليه الملح.
• يُضاف كوب من الماء شيئاً فشيئاً حتى يصبح الخليط سميكاً ورخواً كما الأسمنت، ولزجاً من دون أن يكون رطباً جداً.
• توضَع طبقة رقيقة من الملح على ورقة خَبز، وكأنها سرير للسمكة. توضَع السمكة على طبقة الملح، وورقة غار في فجوة السمكة.
• تُغطّى السمكة بكميّة إضافية من الملح لتغليفها كلها. توضَع بضع أوراق غار إضافية في الملح. يجب التأكد من أن السمكة مغطّاة كلها بالملح. تُكرَّر العملية نفسها مع السمكة الثانية التي توضَع في صينية أخرى.
• توضَع السمكة في الفرن 15 دقيقة. ثم تُخرَج من الفرن وتُترَك لترتاح 10 دقائق.
• بعد ذلك، تُكسَر القشرة برفق. يُنصَح بالقيام بهذه الخطوة على المائدة مباشرة لإضافة المزيد من المؤثّرات الدرامية. تتكسّر القشرة في قطع كبيرة. يُرمى الملح وتُنظَّف السمكة بالفرشاة للتخلّص من آثار الملح. تُنقَل السمكة إلى طبق نظيف، ويُنزَع جلدها بالشوكة، وتُقدَّم للضيوف.