مجلة الرفاهية العصرية تصدرها إيلاف بالاتفاق مع فايننشال تايمز

الشراب

كوبٌ واحد لا يكفي

ماذا تعرف عن الشاي الصيني وتقول الرواية إن جذوره تعود إلى نحو ثلاثة آلاف عام قبل الميلاد؟ زوي سوين تقص علينا حكايتها مع شراب الأباطرة

الكاتبة في أستوديو Wan Chai للشاي التابع لشركة Plantation في هونغ كونغ © توري هو الكاتبة في أستوديو Wan Chai للشاي التابع لشركة Plantation في هونغ كونغ © توري هو

أمضيت طفولتي كلها في هونغ كونغ، لكنني ما عرفت شيئاً يُذكَر عن الشاي الصيني. لا شكّ في أنني استمتعت بأصناف متنوعة منه، مثل Tie Guan Yin (بوذا الحديدي) وLongjing (بحيرة التنين)، فضلاً عن مجدّدات الذائقة بديم سَم، أو سرقت رشفات من شاي والدي في المنزل. لكنّ الأمر بدا دائماً جدياً واحتفالياً ورهيباً أكثر مما ينبغي، فيتهيّب المرء التعمق فيه؛ وبعد الدراسة في لندن، جذبتني بدلاً من ذلك جرعة الكافيين في كوب Americano أو السهولة في PG Tips. لم أكن قد قررت أن أتعلّم أساسيات هذه المسألة إلا حين زرت والديّ أخيراً، وأعترف - وهذا ليس اعترافي الأول - بأن القهوة أصابتني بنوبةٍ من الهيجان القلق.

تفصّل روايات عديدة أصول الشاي الصيني، فإحداها تتابع جذوره إلى نحو عام 3000 قبل الميلاد، إذ تقول الأسطورة إن أوراق شاي سقطت في مياه مغليّة معدّة للإمبراطور شين - نونغ. ويردّ جويان وبستر، مؤسّس The Chinese Tea Company التي تتخذ من لندن مقراً، اكتشاف الشاي إلى قبل نحو 4,000 سنة، عندما وقع خبراء في الأعشاب كانوا يجمعون نباتات طبية على نبتة Camellia sinensis فسجّلوا خصائصها المنشّطة. وعلى مرّ السنين، حدّد السكان المحليون طرق حصاد الشاي والحفاظ عليه وإعداده للحصول على أفضل نكهة. وفي عهد أسرة تانغ، الذي امتدّ من عام 618 إلى عام 906 بعد الميلاد، كان الشاي هو المشروب الوطني الصيني، وسرعان ما انتقل إلى اليابان وكوريا. وبحلول القرن التاسع عشر، عبر الشاي طريق الحرير إلى الشرق الأوسط، فضلاً عن بريطانيا ومستعمراتها الهند وسريلانكا وكينيا، في أعقاب حروب الأفيون.

وضع أوراق الشاي في غايوان © توري هو

بالرغم من ذلك، يبقى الشاي الصيني اليوم ترفاً متخصصاً في خارج الصين، وهذا الأمر مردودٌ جزئياً إلى هيمنة علامات الأسواق الجماعية التجارية في الغرب. وثمة سبب آخر، هو سعره: في كانون الأول (ديسمبر) 2021، أطلقت Sotheby’s أول مزاداتها للشاي عبر الإنترنت في هونغ كونغ بأكثر من 20 ألف قطعة من Pu-erh، وهذا شاي مخمّر يُصنَع تقليدياً في إقليم يونان بالصين؛ وحقّقت كعكة شاي عتيقة من عام 1950 أعلى عرض بسعر بلغ 71,600$.

حتى الشاي الصيني الأقل سعراً هو نوع من الرفاهية وفق المعايير العالمية: لدى Postcard Teas – وهذا متجر متخصص في مايفير أسّسه تيموثي دوفاي – يمكن أن يكلّف Longjing، الأخضر المحمّص في صينية، 34.95£ مقابل كل 10 غرامات فقط. ويعمل أفضل صنّاع الشاي الصينيين على نطاق ضيّق وفي أرض محدودة؛ يشبّه دوفاي علاقة الشاي بالبيئة بعلاقة نبيذ بُرغندي بالبيئة. وإن قارنتم ذلك بشاي matcha الياباني الذي يُزرَع في مختلف أنحاء البلاد، لوجدتم أن البيئة تؤدي دوراً لكنها لا تفرض التكاليف بالضرورة. يقول دوفاي: "تحدّد بيئة الشاي الصيني السعر بشكل مطلق. إن أردتم شاي Longjing، فهذا لا يأتي إلا من منطقة وِست لايك التي تبلغ مساحتها 700 أكر ولا تتجاوز مساحة ملكية واحدة من ملكيات دارجيلنغ".

أدوات تستخدم في مراسم تناول الشاي الصيني © توري هو
شاي Pu-erh المعتّق برائحة الأرزّ لدى PLANTATION،
بسعر 148$ لكل 40 غراماً
شاي Da Hong Pao من PLANTATION،
بسعر 48.60$

يعدّ الاستمتاع بالشاي الصيني رفاهية بأكثر من وسيلة واحدة، وتقليداً بطيئاً متعارضاً مع السرعة البالغة التي تتّسم بها الحياة الحديثة. لكنّ هذا الأمر يساهم أيضاً في تشكيل جاذبيته، كما يقول إيب وينغ - تشي، مؤسس LockCha Tea House في هونغ كونغ. يضيف: "يساعدك الشاي في إراحة قلبك، والتمهّل قليلاً في حياتك. حين تفرط في الانشغال بأمور يومك، تنسى أحياناً كيف تحيا. يذكّرك الشاي بأن التوقف 10 دقائق أو أكثر قليلاً للاستمتاع به فعلاً".

شاي Pu-erh يحتوي على نكهة ترابية لكنه يكافئ بتركيبه

في الواقع، مدهشٌ ألا تعتمد Big Wellness الشاي الصيني، بالرغم من طبيعته التأملية ونكهاته الدقيقة ومنافعه الصحية. فإلى جانب خصائصه المضادة للأكسدة والالتهابات، يشير وبستر إلى أن من مميزاته أيضاً خفض ضغط الدم ونسبة الكولسترول في الدم متى ارتفعا. وفي حين أن نسبة الكافيين في الشاي عموماً أقل مما هي في القهوة، نجد في الشاي الصيني بنوعيه الأخضر والأسود نسبة كافيين أقل مما هي في الشاي الهندي الأسود. علاوة على ذلك، يعمل الحمض الأميني إل - تيانين، الموجود في شكل طبيعي في الشاي والذي يتميز بقوة خاصة في الأصناف الخضراء والبيضاء، على تهدئة القلق ويوازن آثاره المنشّطة.

تقول نانا تشان، مؤسسة Plantation، وهذه شركة تحترف صنع الشاي وتتخذ من هونغ كونغ مقراً، إن نكهة الشاي تتحدّد في الأساس وفق المدة التي تُترَك فيها الأوراق لتتأكسد، وهي العملية التي تحدث بشكل طبيعي بمجرد قطافها. وهناك أيضاً طرق مختلفة لمعالجتها: يُسخَّن الشاي الأخضر الصيني على الفور في مقلاة لمنع الأكسدة؛ أما الشاي الأبيض فيؤكسد بنسبة 20 إلى 30 بالمئة بطرق مختلفة مثل التجفيف بالشمس؛ وتجفَّف أوراق الشاي الأسود في الهواء، وتُفتَّت، وتُطحَن، وتُسحَق لتحسين الأكسدة. أما شاي Oolong، الذي يمكن أن يتأكسد بنسبة تتراوح بين ثمانية و85 بالمئة ويُجهَّز بطرق عديدة، فيقدّم مجموعة واسعة من النكهات، فيما يؤكسد شاي Pu-erh جزئياً قبل خضوعه لعملية التخمير. كذلك يمكن أيضاً خبز أوراق الشاي أو طهوها بالبخار مع زهور وشجيرات تضخّ في الشاي نكهات الزهور أو الفاكهة.

شاي Keemun الأسود من THE CHINESE TEA COMPANY، بسعر 15.20£ لكل 50 غراماً

بالرغم من ألا شيء يعلو تذوّق الشاي من المتجر، فإن استضافة حفلة تذوّق في المنزل لا تتطلب إعداداً كبيراً؛ قد يستثمر الخبراء في مجموعات الشاي والغايوان (كوب صيني للشاي بغطاء وصحن)، لكنّ المبتدئين يمكنهم النجاح بما يملكون. في البداية، يقترح وبستر شراء مجموعة متنوعة من أنواع الشاي غير الموضّب ذي الأوراق الكاملة، ونقع ثلاثة غرامات في فنجان شاي صغير (ماء بحرارة 85 إلى 90 درجة مئوية لنوعي الشاي الأخضر والأبيض، وماء يغلي للشاي الأسود) مدة تتراوح بين دقيقتين وثلاث دقائق، قبل سكب الشاي كله في كوب – لمنع أوراقه من الإفراط في التخمّر ولاستخدامها مرتين.

عند البحث عن الشاي، يكون التنوع عاملاً رئيسياً. يوصي وينغ-تشي من LockCha بالبدء بشاي Oolong الذي يختلف لجهة النكهة لكنه غني بالمذاق والعطور. ويتباهى بوذا الحديدي بنكهات قابلة للاستحسان ومنعشة وزهرية، في حين يتمتع Da Hong Pao (الرداء الأحمر الكبير)، وهذا شاي صخري يزرع في جبال وويي بفوجيان، وتفضله تشان، بخصائص دخانية. وعلى الراغبين في الشاي اللطيف والخفيف أن يحصلوا على شاي أبيض مثل Silver Needle وWhite Peony وMoonlight White من إقليم يونان الذي يصفه تشان بأنه يتميز بتركيب ناضج وحلو وشرابي. يقول دوفاي إن مشجعي الشاي الأخضر سيتمتّعون بشاي Keemun الأخضر الذي يتمتّع بحلاوة تشبه حلاوة الشمام. وأخيراً، تناولوا شاي Pu-erh، الذي يخدع الكثيرين بنكهاته اليانعة والترابية ثم يكافئهم بتركيبه الدقيق، إذ فيه كمية أقل من الكافيين وهو رائع لتسهيل الهضم. ويعتبر هذا الشاي جيداً بشكل خاص بعد تناول وجبة دسمة. تقول تشان إن Pu-erh المعتّق برائحة الأرزّ هو محبوب الجماهير،  وله رائحة لذيذة تذكّر بالكونجي والباندان.

اعتبروني تحوّلت: صار الشاي الصيني جزءاً هادئاً من روتيني اليومي. أفضّل الشاي الأخضر وشاي Oolong في الصباح وبعد الظهر، وبدأت أشرب Pu-erh بعد العشاء. فضلاً عن ذلك، لا وسيلة ملائمة للخوض في آلاف السنين التي تشكل تاريخ الشاي. يقول دوفاي: "تبدو ثقافة الشاي في الصين قليلة الانفتاح، لأن الناس يخشون أن يخطئوا فهمها. لكن، يجب ألا يقلقوا؛ فصنع الشاي أبسط شكل من أشكال الطهو، إذ لا يتطلب سوى مكوّنين وبعض الوقت. أنفقوا مالاً أقل على أوعية الشاي، ومالاً أكثر على شاي أفضل".

0 تعليقات

شارك برأيك