تُقطّع عارضة الأزياء الهولندية لارا ستون الخضار في مطبخ منزلها في هامبستد. الأبواب الفرنسية المؤدّية إلى حديقتها المحاطة بزهور الخزامى مفتوحة، فتغرق الغرفة بنور الشمس فيما تملأ موسيقى الجاز الأجواء. تُطلّ بوجهٍ نضر مرتديةً ملابس يومية، سروال جينز باهت اللون وقميصاً، كما تربط شعرها مقدمةً لمحة نادرة أبعد من شخصية صنعتها عارضة الأزياء لنفسها على منصّة العرض حين شاركت للمرة الأولي في عرض لدار Givenchy للأزياء في عام 2006، أو بإطلالاتها على أغلفة المجلات الكبرى منذ عام 2007. ارتسمت على وجهها ابتسامتها الشهيرة التي تنطبع بالفجوة بين سنَّيها الأماميتين، فيما كان زوجها ديفيد غريفسون، وهو متعهّد عقاري عمره 41 عاماً، يضع فناجين القهوة على طاولة المطبخ.

اشترى الزوجان منزلهما الفيكتوري الطابع في منطقة مشجّرة من لندن في عام 2020، وجرّداه من عناصره المختلفة، وأعادا النظر في تصميمه قبل انتقالهما إليه في عام 2021 مع ألفريد، نجل ستون البالغ من العمر تسع سنوات (من زواجها السابق بديفيد واليامز) وهرّتَيهما، وعقدا قرانهما في العام نفسه، بعد لقائهما في عام 2018.
يتحلّق الحيّ حيث يعيشان حول متنزه Hampstead Heath الأخضر المفتوح الذي يتداخل مع الأحراج والتلال وبرك السباحة الطبيعية التي تبثّ أجواء هادئة من الاسترخاء وسط الشوارع المحيطة بالمكان.
![]() © مايكل سينكلير |
![]() © مايكل سينكلير |
انخرطت العائلة في تفاصيل الحياة المحلّية، وتتشارك ستون ونجلها الآن هواية جديدة هي السباحة في الأنهار والبرك وسط الطبيعة البرّية. وعن الابتهاج الذي تستمدّه ستون من طقوس السباحة في البرك الشهيرة، تقول: "إنه إدمانٌ شديد".
المنزل ملاذهم السعيد، وبمثابة لوحة إعلانية لشركة Coburn للتصميم العقاري التي يملكها غريفسون. إنه يعمل في تصميم المساحات السكنية الراقية منذ 20 عاماً، وقد صقل مهاراته لدى شركة Londonewcastle للتعهّدات، ويقدّم الآن خدمات تمتدّ من التصميم إلى التشييد. ويمكن أن تشمل هذه الخدمات، إن رغب العملاء، تأثيث المنازل وصولاً إلى اختيار الأعمال الفنية. يقول المصمّم: "كانت لارا وآلف عميلَين لديّ هنا"، فيما يعرض مجموعة من تصاميم الطوابق على طاولة المطبخ ويتحدّث عن ساعات طويلة أمضاها في التفكير في التصاميم.كان مالكو المنزل السابقون قد قسموا الطوابق الأربعة إلى شقق مستقلة، فانبسط العقار في سلسلة من المساحات الجيّدة التهوية ذات الطبقات الممتلئة باكتشافات قديمة ومقتنيات قيّمة وألوان تملأ المكان.

يقول غريفسون: "تركت لارا بصمة كبيرة"، مشيراً إلى قِدْر برتقالية على الموقد، وهو من أشياء تعدّها العارضة البالغة من العمر 38 عاماً "تحيّة" إلى جذورها الهولندية. يتابع: "لدينا أيضاً كنبة برتقالية كبيرة، ونملك سيارة برتقالية".
"استهواني دائماً الأثاث البنّي اللون، وأعتقد أنه يعود بقوّة"
نجلس إلى طاولة خشبية كبيرة أنقذها غريفسون من مكتب موظف محاسبة وعتّقها تقادم الزمن بطريقة جميلة، ما يوحي بأنها أُنقِذت من منزل ريفي يتداعى ببطء، وليس من مبنى عصري في المدينة. تراقب بريجيت باردو ما يجري من إحدى جهات الطاولة، فهي خالدةٌ هنا في صورة فوتوغرافية بالأسود والأبيض ("يعتقد معظم الأشخاص أنها لارا"، بحسب ما يقوله غريفسون عن الممثّلة التي شُبِّه مظهرها الخارجي الاستثنائي بمظهر ستون منذ بداية المسيرة المهنية لعارضة الأزياء)، وفي الجهة الأخرى خزانة George III مصنوعة بخشب الماهوغاني، وقد استُقدِمت من Cloverleaf Home Interiors، وتمتلئ بآنية نحاسية وزجاجية يملكها الزوجَان. يقول غريفسون مبتسماً: "استهواني دائماً الأثاث البنّي اللون، وأعتقد أنه يعود بقوّة".
![]() |
![]() |
يتجاور القديم والجديد من دون عناء. تُكمّل غنائم غريفسون المستعملة مطبخاً حديثاً مع منضدته المكسوّة بالكوارتز وجدار التخزين. يقول غريفسون: "لا ينجح الأمر في العادة، لكنه ينجح هنا. وأعتقد أن ذلك يعود إلى الخبرة في تصميم منازل وتجهيزها لعرضها على شارين محتملين طوال سنوات"، مطلقاً ضحكة عالية عند ذكر رجلَين آليَّين معدنيَّين موضوعَين على سطح خزانة. تعبق أغراضه القديمة العديدة التي جلبها خلال رحلاته بحسّ الدعابة وذكريات الطفولة. يضيف: "هناك جهاز تحكّم عن بعد من السبعينيات باللونَين الفضّي والكريمي من Sunbury Antiques Market. أودّ العثور على المزيد منها!" ستون ليست مقتنعة بذلك. تقول بنبرة ساخرة: "نعم، تبدو جميلة هناك، لكنها كانت في غرفة نومنا في منزلنا القديم، وكان الأمر مخيفاً"، وتبدو لكنتها الهولندية واضحة بالرغم من استقرارها في لندن منذ عام 2009.
يردف غريفسون: "يجب أن أريك هذه القطعة، فهي من توقيع فنانٍ صاعد ومثير جداً للاهتمام"، مشيراً إلى أسطوانة فينيل مؤطَّرة تتناثر عليها الألوان على طريقة اللوحات اللولبية بريشة داميان هيرست. يضيف: "إنها من الأعمال الأولى التي تحمل توقيع ألفريد ستون". نجل ستون هو فنان ناشئ. تقول والدته باعتزاز: "لدينا عدد كبير من القطع المؤطّرة التي أنجزها آلف".
عُلِّق عملٌ فنّي أكبر فوق الأريكة البرتقالية في غرفة الجلوس؛ إنه من توقيع لوسي كنت، فنانة المناظر الطبيعية المعاصرة، وهي صديقة قديمة لغريفسون. يقول: "إنه أحد أعمالها الأولى، وقد تطوّر عملها كثيراً منذ ذلك الوقت، لكننا نحبّ هذه اللوحة". تبرز الألوان على الخلفية الصامتة، وهي ألوان هادئة نسّقتها ستون. تقول عن اختيارها الألوان المحايدة: "أحبّ الاسترخاء"، مضيفةً: "طلبت من مستشارة دهانات لدى Farrow & Ball القدوم إلى المنزل. جلنا معاً في الغرف كلّها، وأحضرت معها عيّنات كبيرة لصقناها على الجدار لمساعدتنا في اتّخاذ القرار. تبدّدت مشاعر الخوف كلّها، وفي نهاية المطاف، أصبحتُ بارعة فعلاً في اختيار الألوان، ويبدو أنني أنجذب إلى اللون الأخضر، لذلك استخدمنا الأخضر الباهت جداً في الغرفة".

تعزّز مساهمة غريفسون الطابع الانتقائي: أمام أحد الجدران، تصطفّ كراسي سينما قديمة اشتراها بسعر 240£ قبل أكثر من عشر سنوات. يقول: "كنت مصمّماً على إيجاد مكانٍ لها هنا، وكذلك الراديو القديم في الزاوية، وهو أيضاً من الاكتشافات التي أحضرتها من Sudbury". آنية الخمر الزجاجية المجمّعة على رفّ جداريّ واحد دليلٌ على شغفٍ إضافي بجمع الأغراض انجرف غريفسون وراءه على مرّ السنين.
"وأحبّ التصاميم التي لها شكل الكرة الأرضية"، كما يقول غريفسون فيما كنّا نصعد السلالم المؤدّية إلى غرفة التلفزيون، حيث تستقرّ كنبة برتقالية أخرى تحت عمل فنّي لمايكل أنجلو، وتَبرز عربة مشروبات بشكل كرة أرضية بين أوراق نباتات موضوعة في أصائص. يتبيّن أن الأغراض الموزّعة في المكان من توقيع جوناثان أدلر هي تعبيرٌ عن هوس صغير آخر. يضيف: "قصدتُ ذات مرة أكبر سوق للتصفية على الإطلاق، في مكان قبالة ساحل بورتوبيلو. وقد وقعت تحت سحر ما رأيت".

تتّسم السجّادة المصمّمة بنقشة الزهور، المنبسطة على الأرضيّة المصنوعة بخشب السنديان، بزخارف ذات ألوان أفتح. اكتشفتها ستون في متجر صغير للتحف القديمة في ويلز. تروي ضاحكة: "تمكّنتُ من وضعها في السيارة بمفردي ثم حملتها صعوداً عبر مجموعتَين من السلالم. رحت أردّد في نفسي، يمكنني القيام بذلك، لست بحاجة إلى رجل. بعد أسبوعَين، رأيت السجادة نفسها لدى Ikea. فكّرت في نفسي، تباً، لقد خُدعت. لكن حمداً لله، لم تكن مطابقة تماماً لسجّادتي القديمة".
تتوزّع في أرجاء المنزل خصائص شخصية كثيرة. في الطابق الأول أيضاً غرفة تخزين ("ضرورية جداً بوجود ولدٍ في التاسعة من العمر") و"خزانة لتهوية الملابس خاصة بالكبار"، إضافة إلى غرفة نوم بحمام داخلي "أُنشئت لإغراء أهلنا للقدوم والمكوث هنا". وبما أن غريفسون تمسّك بـ"استخدام كلّ شبر في المنزل"، جُرِّد البناء من كلّ شيء مع الاحتفاظ فقط بأحجار الطوب، وأعيد تصميم الجزء الأكبر منه انطلاقاً من الصفر. يروي غريفسون: "رفض مدير الموقع في إحدى المرات دخول لارا إلى المكان لأنها كانت تنتعل حذاء Birkenstock". انفجرت ستون بالضحك: "أحبّ أحذية Birkenstock. لديّ عدد كبير منها، حتى تلك المزوّدة بالفرو".
لدى ستون الآن مساحة مخصّصة للصنادل المحبَّبة إليها في خزانة ملابسها الكبيرة، وهي بمنزلة ملاذ للثياب في جناح النوم الخاص بالزوجَين في الطابق الثاني، من شأنه أن يصيب كاري برادشو بالذهول. وشاح فستان زفافها معلّقٌ على المرآة على مرأى من الناظرين، وثوب زفافها الذي يحمل توقيع شقيقة غريفسون، المصمّمة شيسي غريفسون من دار Tephi (بيبا ميدلتون من المعجبين بتصاميمها) موضَّب بأمان بين الرفوف. تُعرَض على عدد من الرفوف حقائب من علامات تجارية معروفة، وعلى رفوف أخرى أحذية بكعبٍ عالٍ، منها أحذية برتقالية اللون لافتة للنظر.
تقول لارا ستون: "لدينا أنا وديفيد ذوقان متشابهان إلى حدّ كبير". ويضيف زوجها: "في كلّ شيء، إلا ورق الجدران"
لدى ألفريد ملاذه الخاص، وهو مساحة سرّية داخل غرفة نومه. وهناك أيضاً خزانة يُفترَض أنها سرّية، لكنها ليست كذلك فعلاً، بجانب بيت الدرج مع أدراج خلف بابٍ قلاب، تقود إلى غرفة التجهيزات الميكانيكية في القبو. أما المكان الذي يقصده غريفسون للاختلاء بنفسه فهو مكتبه المنزلي الذي يتميّز بسمتَين لافتتين: الأولى، إطلالته على الحديقة؛ والثانية، أغلفة المجلات الأيقونية التي تَظهر فيها ستون والموضوعة في أطر فوق مكتبه. لكنه يخرج إلى منزل الحديقة كلّما أراد التأمّل في مجموعته من التذكارات الخاصة بنادي كرة القدم Tottenham Hotspur، والتي هي أيضاً من معالم المكان.
تعبق قطعٌ أخرى في أرجاء المنزل بالذكريات المشتركة. اشترى الزوجان غطاء السرير في غرفة نومهما خلال عطلتهما الأولى في سريلانكا. تروي ستون: "بالرغم من الحرّ، كنت أتدفّأ به يومياً في السيارة عندما كان ديفيد يشغّل المكيّف". اللوحة فوق سريرهما من Bay Gallery Home المتخصِّصة في فنون السكان الأصليين الأستراليين في كوتسوولدز، اشترياها من Affordable Art Fair في هامبستد. تقول ستون: "إنها لوحة ’حلم المياه‘ مؤلّفة من نقاط طلاء منفصلة بريشة الفنانة لويز نانغالا إيغان".
أحد الأعمال الفنية الأولى التي اشتراها الزوجان معاً معلّقٌ في رواق الطابق الأول: إنها لوحة تجريدية بالأكريليك والطلاء بريشة جونوون لي بعنوان Inner Dance (رقصة داخلية)، من عام 2022، وجداها أيضاً في معرض Affordable Art Fair. تهمس ستون مازحةً: "لدينا أنا وديفيد ذوقان متشابهان إلى حدّ كبير". يقطّب غريفسون جبينه قائلاً: "في كلّ شيء، إلا ورق الجدران". فتردّ ستون: "ذوق ديفيد مريع في ورق الجدران". أسألها مَن يفوز في نهاية المطاف، فتجيب ضاحكةً: "أنا!".
تجسّد لوحة غريفسون المفضّلة، وهي أيضاً بريشة لوسي كنت، حقلاً من قرون الذرة. يقول عن الفنانة المقيمة في ويلتشاير: "رسمت اللوحة بطلبٍ منّي. رأيت صورة لحقل ذرة مع سماء زرقاء صافية وطلبت منها أن تستلهم من الصورة، فأنجزت هذا العمل الفني الرائع"، مضيفاً: "عرضتُ ستّاً من لوحاتها التي أنجزتها بطلبٍ منّي في منزلي الأول، وقد نقلنا ثلاثاً منها إلى هذا المنزل. واللوحات الثلاث الأخرى موجودة في منزل والدَيّ".
من المساحات الأكثر فائدةً في المنزل غرفة الاستعداد للخروج، وهم مجهّزون جيداً للأيام التي يمضونها في الهواء الطلق في Hampstead Heath. بالنسبة إلى ستون، هذا مختلف تماماً عن حياتها الأخرى كعارضة أزياء تسير على المنصّة، لكنه يروق لها. تقول: "لا أعتقد أنه يمرّ يومٌ لا نردّد فيه، ’لا أصدّق أننا نعيش هنا‘".