افتتح قبل بضعة شهور معرض Hurly-Burly (هرج ومرج) الثلاثي لأعمال فيليدا بارلو ورايتشل وايتريد وأليسون وايلدينغ في Gagosian Paris بالعاصمة الفرنسية، مستوحياً عنوانه من مسرحية Macbeth (ماكبث) الشهيرة: "عندما ينتهي الهرج والمرج، عندما تنتهي المعركة بهزيمة ونصر". لقد كان عنواناً مثيراً للبهجة لمعرض تشارك فيه ثلاث من أكثر النحّاتات المعاصرات إثارة للإعجاب في بريطانيا، وهو أيضاً تكريم لصديقهم الراحل كارستن شوبرت، صاحب دار للعرض سمّاهنّ يوماً "الساحرات الثلاث".
لكن هل هنّ ساحرات حقاً؟ تقول وايتريد، الحائزة Turner Prize في عام 1993، والتي تبلغ من العمر الآن 59 سنة، من منزلها في شمال لندن: "أشعر أنني أستطيع تخمين ما سيقوله الناس. ينتابني إحساس بأن ما يجري اليوم قد جرى قبل اليوم". توقف مؤقت. "ربما كنت سأُحرَق على الوتد، نعم. وضحكتي مجلجلة أيضاً!".
"محتمل أن يكون ذلك موجوداً، فمن يدري؟"، كما تقول وايلدينغ، 74 سنة، التي درست إلى جانب بارلو في الثمانينيات في Brighton Polytechnic، حيث التقتا للمرة الأولى بالطالبة وايتريد الشابة الطموحة. تقول بارلو: "لا ألتقي عدداً كبيراً من الفنانين باستثناء رايتشل وأليسون"، وهي الأكبر سناً بينهن إذ تبلغ 78 سنة، وقد استمتعت بانتقال مفاجئ إلى أضواء الشهرة الفنية قبل 12 سنة. تضيف: "لذلك أفترض أن السحريّ فيّ يكمن في أنني أفضّل الحفاظ على مسافة".

بالرغم من الشغب اللعوب، كان معرض Hurly-Burly فرصة للاستماع إلى ما تقوله ثلاث فنانات مختلفات تماماً، بالرغم من أن لا دردشة طويلة مسبقة. تساهم كلّ منهن بأربعة أعمال على الأقلّ، جديدة وقديمة، من دون معرفة ما لدى الأخريين، وكل فنانة منهن متحمّسة لرؤية ما سيخرج من هذا المِرجل. تقول كريستينا كولومار، المديرة لدى Gagosian: "كانت فيليدا ورايتشل وأليسون مصدر إلهام لأجيال من الفنانين، لكننا نأمل في أن يصل هذا المعرض إلى معجبين جدد بأعمالهنّ وأن يتّسع مجال تأثيرهنّ الذي يبدو بلا نهاية". بالنسبة إلى شخص غريب، إذاً، بدا المعرض طريقة مثالية لمقارنة ثلاثة أطراف فاعلة رئيسية في السنوات الثلاث الماضية في الفنّ البريطاني. مع ذلك، بالنسبة إلى هذا الثلاثي، كان في الأغلب طريقة ممتعة لتلخيص 40 سنة من صداقة تجمعهنّ. يدركن أنهنّ أثّرن في بعضهنّ بعضاً بعمق، لكن كلّ فنانة منهنّ تميل إلى اعتبار عمل الفنانتين الأخريين مختلفاً جذرياً.
"ربما كنت سأُحرَق على الوتد، نعم. وضحكتي مجلجلة أيضاً!"
"بدت فكرة لطيفة ولعوبة، وأن نفاجأ بعمل بعضنا بعضاً"، كما تقول وايتريد التي اقترحت الفكرة على Gagosian في عام 2021، بعدما طرحتها وايلدينغ للمرة الأولى قبل سنوات. تضيف: "سيكون رائعاً أن نرى كيف ينجح هذا كلّه معاً، وأن نعرف إذا كان ثمة أي أوجه شبه". إنها تساهم بمجموعة مختارة من الأخشاب والورق المعجن والبرونز المطلي بالأزرق أو الوردي أو الأصفر، وهذا مخالف لما قد يتوقّع كثيرون منها في العادة، ومن قوالبها الضخمة. مع ذلك، تُعَدّ المجموعة أيضاً ملائمةً جداً نظراً إلى أن وايتريد حين كانت طالبة بكالوريوس في الرسم، التقت للمرة الأولى صديقتيها اللتين كانتا تدرسان في دائرة النحت الصاخبة في الطابق السفلي. كادت وايتريد تحصل على درجة الماجستير في الرسم أيضاً، لكن الأمر انتهى بها باللحاق ببارلو ووايلدينغ إلى Slade سعياً وراء الماجستير في النحت، ما وضعها في مسار حدّد حياتها المهنية.

تنهي بارلو، المقيمة في شمال لندن، منحوتاتها ونحن نتحدث بعد ظهر أحد أيام الخريف. تتنهّد وتقول: "أفترض أنني خائفة من أن تكون أعمالي الفنية أكبر ممّا ينبغي. أخشى أن تكون قبيحة. فأنا أجيد صنع أجمل الأعمال القبيحة! ينتابني شعور من التساؤل عمّا إذا كنت سأتجاوز خطاً ما". صحيح أن عملها المصنوع بمواد أكثر واقعية مثل الورق المقوّى أو الأسمنت أو البوليسترين يمكن أن يكون ضخماً، لكنه في الأغلب مبهجٌ أيضاً. "إنه يشبه ثوراً – أو بقرة – في متجر للخزفيات!".
يأتي حديث كل فنانة مضمّخاً بعاطفة عميقة، مع بروز شخصياتهنّ المختلفة: بارلو دافئة وثرثارة، وايلدينغ حسّاسة وكتومة، وايتريد جدّية وهادفة. التقت بارلو بوايلدينغ للمرة الأولى في عام 1969 عندما كانت الأولى معلمة شابة جداً أجرت مع الثانية مقابلة في Chelsea College of Art حيث كانت ترغب في الحصول على وظيفة. تقول بارلو: "لقد فاجأت الجميع. عملها وشخصيتها: فريدة تماماً وغير عادية أبداً، تفكيرها حاد". تتذكر وايلدينغ "بالتأكيد" أول لقاء لها ببارلو، "لأنها كانت طيّبة. كانت في ذلك الوقت بالضبط كما هي الآن". (تؤكد انطباعات وايتريد هذا الأمر أكثر. "تضحك فيليدا كثيراً، فتسمعها تضحك. أما أليسون فكانت جدية أكثر!").


في عرض Gagosian، تقدّم وايلدينغ مجموعة مختارة من المنحوتات الوسيمة والذكية، المصنوعة بالمرمر أو البرونز أو النحاس أو السنديان. إذا كانت باعترافها الخاص "الغامضة" هنا، فهي بالكاد مجهولة، بعد ترشيحها لجائزة Turner Prize مرتين، وعرضها أعمالاً في أنحاء المملكة المتحدة كلّها، وحصولها على وسام الإمبراطورية البريطانية. إنها بالتأكيد غير منزعجة من فكرة العرض في Gagosian. تسخر قائلة: "لماذا أخاف؟ هذا لا يخيفني".
"أعتقد أن الأشخاص غير العاديين يسيرون في مسارهم الخاص"
تتذكر كلّ من وايلدينغ وبارلو لقاءهما بوايتريد عندما كانت طالبة تبلغ من العمر 19 سنة في Brighton في عام 1982. في تلك المرحلة، كانت وايلدينغ بالفعل "معروفة جداً" من خلال تقييمها الخاص، بينما كانت بارلو قد أسّست عائلة مع زوجها فابيان بيك، وسرعان ما أنجبت خمسة أطفال وعرضت أعمالاً فنية كلّما استطاعت إلى ذلك سبيلاً. وما زال بإمكان بارلو رؤية وايتريد في برنامجهما التعليمي الأول. "ذات الشعر الأحمر المذهلة جداً، الأنيقة والواضحة والحاسمة وحولها هالة من التصميم. هذا ليس موجوداً دائماً في طلابنا".
لا تنكر وايتريد تصميمها. تقول: "كنت أذهب إليهما قائلةً: 'هل يمكنني رؤيتكما في برنامج تعليمي؟'. كان الأمر صفيقاً جداً... لكنني كنت أعرف ما أريد، فسعيت إليه".
تصرّ وايتريد على أن بارلو ووايلدينغ كانتا "معلّمتين جيدتين للغاية". في بعض الأحيان، تأرجحت العلاقة: إذا وجّهت بارلو وايتريد مرة، تمكنت وايتريد لاحقاً من مساعدة الفنانة الأكبر سناً عندما بدأت في اكتساب الاعتراف الجاد: "تمكنت من مساعدتها في معرفة بعض الأشياء الخاصة بعالم الفن المعاصر، إنه حقل ألغام".
بالرغم من ذلك، كادت بارلو تختنق بكلمة توجيه. "أوه لا، لا، لا. قطعاً لا. لا توجيه! قطعاً لا. أعتقد أن الأشخاص غير العاديين يسيرون في مسارهم الخاص". الأمر متروك لوايلدينغ لتقول ما قاله كثيرون على مرّ العقود: "إن فيليدا معلمة ملهمة حقاً، حقاً. تتلمذ عليها المئات والمئات من الطلاب الذين يعتقدون أنها الأفضل". (من بين خريجيها الآخرين دوغلاس غوردون وتاسيتا دين وكونراد شوكروس). "إنها رائعة جداً".
تلاحظ بارلو، التي تتمتّع بروح الدعابة السوداء الممتعة، أن الثمانينيات كانت بالنسبة إليها وقتاً عصيباً لأنها سعت جاهدة إلى تغطية نفقاتها، لكن من دون الكثير من الشكوى. تقول: "استمتعت دائماً بالتحدّث إلى طلاب كانوا يعانون، لأنني كنت أعرف المعاناة". وبوصفها طالبة في Chelsea College of Art في الستينيات، حصلت على ردّات فعل قوية من معلّم مشهور آخر، إنه هنري مور: "قال لي إنني لا أستطيع أن أرسم!". لكنها أضافت أنه قالها بلطف، "وأعني، أنا متأكدة من أنه كان على حق، ربما كانت رسوماً فظيعة...".
سرعان ما نالت وايتريد شهرة غير عادية، وفازت بجائزة Turner Prize عن عمر يناهز 30 سنة فقط. تقول الفنانة التي كشفت أخيراً عن معاناتها مشاكل نفسية: "بالتأكيد، لم أجد كثيراً من جوانب الأمر سهلة. ثمة مشاكل في تسليط الضوء عليكم طوال الوقت". بالنسبة إلى وايلدينغ، كانت مشاهدة طالبتها السابقة تصبح فنانة مشهورة دولية أمراً غريباً بالتأكيد، "لكنني أودّ أن أقول إن رايتشل صديقة رائعة. أعتبرهما صديقتين مقرّبتين وعزيزتين حقاً. ليس في نطاق العمل فحسب، إنما في كل مناحي الحياة. عندما توفي زوجي قبل خمس سنوات... أنت تعرف كيف يكون الأصدقاء عندما تحتاج إليهم حقاً؟ كلتاهما كانتا هكذا. أعتقد أن هذا هو حقاً سرّ القوة في علاقتنا".
هل الجندر مهمّ، تحديداً في عالم الفن المعروف بالتحيّز الجنسي؟ تعتقد وايلدينغ أنه "مهم بشكل كبير"، متذكرة عدد الفنانين الذكور النجوم الذين عرضت أعمالاً إلى جانبهم في الثمانينيات وكانوا "متحيزين جنسياً جداً، وعدوانيين جداً". لكن بارلو تحذّر من الوقوع في فخ "لقب الفنانة - المرأة". تقول: "أملي هو ألا يكون ذلك أمراً يحدّد كيف يجب أن نفهم الفن... أعتقد أن كون الأنثى أنثى، كون المرأة امرأة، مسألة موجودة، لكنني لا أعتقد أنها الطريقة التي يجب أن نحدّد بها صداقتنا وديمومتها".
تتطلّع كلّ منهنّ إلى تجهيز Hurly-Burly، إذ تقول كلّ من وايتريد ووايلدينغ إنه "قهقهة". عندما يجتمعن، لا يناقشن أعمالهنّ الخاصة، إنما يضحكن متحلّقات حول وجبة وزجاجة نبيذ. تقول وايتريد إنهنّ جميعهن عقلانيات جداً الآن، وتعد بأن أيامها في الحانات قد ولّت، بالرغم من "أنني يمكن أن أكون غير محترفة تماماً عندما أريد أن أكون".
كيف يصفن بعضهن بعضاً بثلاث كلمات؟ تقول بارلو عن وايلدينغ، بعد تفكير عميق: "صادقة. شديدة. متكتّمة". وعن وايتريد: "هادفة. ساعية. مصمّمة". تحتجّ وايتريد على السؤال قائلة إن الإجابة عنه صعبة جداً، لكنها تقدّم بعد ذلك موجة من الصفات اللطيفة. والجدير بالذكر أنها تصف كل صديقة بأنها "شجاعة".
وايلدينغ، التي يُفترَض أنها الأشدّ غموضاً بين الثلاث، هي الأبلغ تعبيراً. تقول بدفء إن وايتريد "صديقتي العزيزة، العزيزة"، وبارلو "صديقتي الجميلة". أيُفترَض بالساحرات أن يكنّ بهذا اللطف؟
الصور: أليسون وايلدينغ/نواه دا كوستا، تقدمة الفنانة وKarsten Schubert، في لندن. فيليدا بارلو/جنفياف هانسون، تقدمة الفنانة وHauser & Wirth. رايتشل وايتريد/Prudence Cuming Associates، تقدمة الفنانة وGagosian