يدور بانتظام الحديث حول تناول الطعام الصحي والعافية و"الأكل النظيف"، وربّما يكون هذا المصطلح الأخير الأقلّ تفضيلاً عندي. لا أفهم أبداً ما يعنيه الناس بالأكل النظيف. ما الذي يجعل الطعام "نظيفاً" في مقابل الطعام "القذر"؟ بالنسبة إليّ، هذا يعني ببساطة الفاكهة والخضار (وأحياناً اللحوم) الكاملة، التي تُزرَع وتُربَّى جيّداً، وتُطهَى وتُتبَّل بشكل صحيح، مع ملح والقليل من الدهون.

في نظري، الكرنب هو أفضل تجسيد لهذا الكلام. إنه سهل الزراعة ومرضٍ ومغذٍّ وغير مكلف وسخيّ، إذ يستطيع رأس الكرنب الكامل أن ينتج وجبات كثيرة لأصدقاء كثيرين. وعند طهوه بعناية ومراعاة، ربما يبدو لذيذاً أيضاً. ومن يقول إن الطعام الصحي يجب ألا يكون لذيذاً؟ يحصل الكرنب على العلامة كاملة.
أفهم تشكيك البعض في ذلك، إذ تصعب تسمية نوع من الخضار أكثر إثارة للتناقضات. من جهة، يعدّ الكرنب شاملاً ومحبوباً، ونراه من جهة أخرى مكروهاً. لكلّ ثقافة طريقتها في إعداده وحفظه. نشأت وأنا أشاهد جدّتي في القاهرة تصفّ أوراق الكرنب المسلوقة بأناقة على منصة رخامية كي تحشوها بالأرزّ. وكانت كل ورقة تُطوَى حول نفسها وتُلَفّ مثل طرد صغير مثالي. كانت الطرود موحّدة حجماً؛ طويلة ورشيقة، وتبدو كأنها جنود في نظام مرصوص، الكتف إلى الكتف، ثم تُصَفّ في وعاء كبير وتُغلَى.

ما زلت مغرمة بالكرنب المحشوّ، لكنني أفضل أن أرصّ طبقات أوراق الكرنب بعضها فوق بعض بدلاً من حشوها، الواحدة بعد الأخرى. فهذه العملية تستهلك وقتاً أقل، وتنتج طبقاً أجمل. نظراً إلى أن سوق المزارعين في نيويورك، حيث أعيش، تصبح أكثر محدودية في أواخر العام، فيبدو الوقت ملائماً جداً لتصميم قائمة طعام محورها أحد أنواع الخضار القليلة التي تتوافر في هذا الموسم.
لكل شعب طريقته الخاصة في إعداد الكرنب
أحبّ أن أبدأ بحساء الكرنب. يُنتج الملفوف حساءً ثرياً: اجمعوا، على سبيل الاقتراح، رأساً من الكرنب (أي نوع جيد تختارونه)، وبصلتين، وفصين من الثوم، وورقة غار، وقطعة من جبن البارميزان، ونصف كوب من أي نشويات تختارونها، سواء أكانت فارو (المفضل عندي)، أو أرزّاً، أو حتى بعض البطاطا المقطّعة إلى مكعّبات. أزيلوا قلب الكرنب والأجزاء الصلبة الأخرى منه قبل تقطيعه مع البصل والثوم. ضعوا البصل في القليل من زيت الزيتون والزبدة والملح ليصير طرياً. أضيفوا الكرنب وورق الغار والثوم واطهوا المزيج مغطّى حتى ينضج الكرنب، أي مدة 30 دقيقة تقريباً. غطّوا المزيج كله بالماء، وأضيفوا قطعة من قشرة البارميزان ونوع النشويات الذي تستخدمونه. يبقى المزيج على النار 30 دقيقة أخرى، أو إلى أن يصبح النشاء طرياً. أحبّ تقديم حساء الكرنب مع بيضة مسلوقة طرية، ورشّ المزيد من جبن البارميزان المبشور والقليل من زيت الزيتون. اسكبوا الطبق في سلطانية فضية فاخرة، وهكذا تحصلون على حساء الكرنب الملكي.

ثمة أمر لطيف حقاً بشأن تقديم حساء غني في الشتاء كطبق رئيسي، لكن إن كنتم تبحثون عن طبق أكثر تفصيلاً، فإليكم وصفة الكرنب المحشوّ التي تنتج وجبة رائعة أخرى من هذا النوع المتواضع الشأن من الخضار. أتت وصفة نباتية من دون أن أقصد ذلك، وهي أحياناً النوع المفضل عندي من الوصفات. فحشوة الفطر تبدو مليئة وغنية. النتيجة النهائية هي كرنب يليق بالملوك، لكن خطوات الوصول إليه بسيطة نسبياً.
الكرنب المحشوّ
المقادير:
1 رأس كرنب كبير (استخدمت كرنب سافوا)
4 ملاعق كبيرة من الزبدة
زيت زيتون
1 بصلة صفراء، مقطعة
2 ورقتا غار
3 فصوص ثوم، مقطعة
2 جزرتان كبيرتان، مقطعتان
القليل من الزعتر
500 غرام من الفطر من اختياركم، مقطعة ناعمة
3 ملاعق كبيرة من معجون الطماطم المركز
1 كوب من مرق الخضار (أو الماء)
2 بيضتان مخفوقتان
1/3 كوب من قطع الخبز المجففة
باقة من البقدونس، مقطعة
طريقة التحضير:
• يُغلى الماء في وعاء كبير. يُضَاف الملح بسخاء. يُجوَّف الكرنب وتُزَال الأوراق بلطف. وبعد وضعها في مجموعات في الماء المغلي، تُسلَق خمس دقائق. تُجفَّف وتُبرَّد على المنصة في طبقة واحدة.
• في وعاء كبير، تُضَاف ملعقتان كبيرتان من الزبدة مع ملعقتين كبيرتين من زيت الزيتون، ويُطهَى البصل مع أوراق الغار بضع دقائق. يُضَاف الثوم والجزر والزعتر والفطر والملح، ويُطهَى المزيج 10 دقائق إضافية. يُضَاف معجون الطماطم مع مواصلة الطهو إلى أن يتبخّر معظم الماء. يُضَاف كوب المرق ويُطهَى المزيج 10 دقائق إضافية. يجب تذوق المزيج للتأكد من نسبة الملوحة. يُنقَل المزيج إلى وعاء ويُترَك ليبرد.
• تُطلَى صينية مستديرة بقياس 22 سنتيمتراً وذات حافة قابلة للفك بالزبدة، وتُوضَع في قعرها ورقة كرنب كبيرة، على أن تكون جهة الضلوع إلى أسفل. إن كانت الأوراق مثنية أكثر مما يجب، يُزَال جزء صغير من الضلع السميك. يُضَاف المزيد من الأوراق وتُرتَّب، على أن تتطابق قليلاً، حتى تغطية قعر الصينية بطبقة واحدة. تُترك بعض الأوراق تتدلّى من أطراف الصينية.
• يُسخّن الفرن مسبقاً إلى حرارة 175 درجة مئوية (350 درجة على مقياس فهرنهايت)، علامة الغاز ثلاثة. بمجرد أن تبرد الخضار، يُضَاف البيض المخفوق وفتات الخبز والبقدونس المقطع وتُمزَج كلها. يُمَدّ نحو ثلث المزيج فوق أوراق الكرنب التي في الصينية. تُستخدَم ورقة أو اثنتان لإنشاء طبقة من الأوراق فوق المزيج. يُضَاف ثلث آخر من المزيج. تُكرَّر الخطوة السابقة مع الأوراق. يُضَاف باقي الخليط ويُغطَّى بالأوراق. تُضَم الأوراق المتدلّية فوق الأطراف لتشكيل رزمة جميلة. تُقطَّع ملعقتان كبيرتان من الزبدة إلى مكعّبات صغيرة وتُنشَر فوق الطبق. يُرَذّ زيت الزيتون.
• تُغطَّى الصينية برقائق الألومنيوم وتُخبَز 30 دقيقة. تُزَال الرقائق ويُواصَل الطهو 10 دقائق أخرى. يجب أن يكون الكرنب بنياً قليلاً، وطرياً في مختلف أرجائه. يُترَك الطبق ليبرد، ويُقلَب في صحن، وتُزَال الصينية.