مجلة الرفاهية العصرية تصدرها إيلاف بالاتفاق مع فايننشال تايمز

تقارير

في زوريخ... حياة أخرى

مدينة الدادائيين والمواهب الدولية والمصارف وشركة Google: أتظنّون أن زوريخ، أكبر مدن سويسرا، منمّقة ورزينة وبرجوازية و... مملّة قليلاً؟ حسناً، ينبغي أن تعيدوا النظر في هذا الأمر

© بيت شويزر© بيت شويزر

كان الوقت عصراً في نهاية أسبوع هادئة في زوريخ. في صالة عرض Galerie Gmurzynska وسط ساحة بارادبلاتز المركزية في المدينة، أقيم معرض لبيكاسو فعُلِّقت لوحاته على جدران متماوجة صمّمتها زها حديد. فجأةً، دخلت سيدةٌ أنيقة. "المعذرة، هل هذه اللوحة للبيع؟" سألت موظف الاستقبال مشيرةً إلى لوحة بريشة بيكاسو، وكأنها تسأل عن شريحة لحم غنم. للأسف لا، أجابها الشاب - إذ بيعت اللوحة - فخرجت من دون اكتراث. سألتُ موظّف الاستقبال إن كانت هذه الواقعة تتكرّر دائماً. فأجاب بتهذيب بأنه يجب أن تتذكّر أن صالة العرض تقع قبالة أماكن كهذه، مشيراً إلى المقرّ الفسيح لمصرف سويسري كبير. ففهمت أن الجواب هو نعم.

إنَّها زوريخ. فهذه المدينة الأكبر في سويسرا، التي اتّسمت بالثراء ورفعة المكانة طوال قرون، ترزح حتى الآن، إذا صحّ التعبير، تحت وطأة الانطباع بأنها منمّقة ورزينة وبرجوازية، وتتمتّع بامتيازات كثيرة. لكن هناك، في الواقع، زوريخ أخرى أكثر استرخاء وأشدّ مرحاً ممّا تبدو عليه من صرامة. هذا منطقيٌّ في مدينةٍ تتوسّع سريعاً: فقد بلغ عدد سكّانها أخيراً أعلى مستوياته منذ عام 1962. وإن لم تعد المدينة عنواناً رئيساً للقطاع المصرفي، بعد تشتّته، فإنها تبقى مركزاً لشركات كبيرة مثل Google (تضمّ المقرّ الرئيس القاري الأكبر للشركة في أوروبا) وتستقطب على الدوام مواهب دولية؛ في غضون ذلك، اختار سكان أصليون آخرون من زوريخ، أو "الزوريخيون" (Zürchers) كما يُسمّون، العودة. فهذه شركة الملابس الرياضية On قد افتتحت في أيلول (سبتمبر) الماضي متجرها الرئيس On Labs في غرب المدينة الذي يخضع للتطوير المستمرّ، بعدما كان سابقاً منطقة صناعية حيث يتسكّع شباب زوريخ في ملاهٍ صاخبة بعيداً عن الأنظار. يعمل في المتجر 651 موظفاً من 54 جنسية، يجتمعون للعمل وممارسة التمارين الرياضية والاستمتاع بأطباق نباتية يقدّمها مطعمه. يقول دايفيد أليمان، مؤسس On الفخور بانتمائه إلى زوريخ، إن متوسط عمر الموظفين في المتجر هو 31 عاماً.

جناح في متحف Kunsthaus يضمّ الحانة الجديدة © بيت شويزر
سيدة تسبح في نهر ليمات؛ وفي الخلفية برجا كنيسة Grossmünster © بيت شويزر

ليس مفاجئاً أن تتردّد أصداء طفرة النموّ هذه في مشهد قويّ يبرز في مجالات الفنون والطعام وحتى الموضة (ديمنا غفاساليا من دار Balenciaga مصمّم أزياء أجنبي عاش هنا فترة طويلة، علماً أنه انتقل الآن، على ما يبدو، إلى مكان أبعد). Galerie Gmurzynska واحدة من نحو مئة صالة عرض ومساحة إبداعية في زوريخ، وهذا رقم كبير جداً نظراً إلى حجم المدينة الذي لا يزال صغيراً نسبياً، إذ يبلغ عدد سكانها 440,000 نسمة، وهذا الرقم مرشّح للارتفاع. في عام 2021، افتُتِح متحف Kunsthaus الواسع الذي صمّمه دايفيد شيبرفيلد؛ وفي كانون الثاني (يناير)، استقبل المتحف مديراً ديناميكياً جديداً أثار حفيظة الجميع حين أعلن أن  الفنّ "جنس يمارسه الدماغ". في الجهة المقابلة من الساحة، في مسرح Schauspielhaus الذي يعود إلى القرن التاسع عشر، تعيد الفنانة الأميركية وو تسانغ إنتاج روايات كلاسيكية مثل Pinocchio (بينوكيو) بإحساس صقلته في النوادي الخاصة بمجتمع الميم في لوس أنجليس. على صعيد الأسلوب، وفي مقابل لباقة في التصميم يقدّمها متجر Trunk الذي يملكه ماتس كلينغبرغ، نقع على نمط مغاير في متجر Tasoni الذي تديره الشقيقتان تايا وتاري ساويريس، وهو متجر للموضة الراقية يبيع تصاميم عصرية تجمع بين أساليب مولي غودارد ومارتين روز ومارين سير. وفي عالم المطبخ، افتتح جيلٌ شابٌّ جديد مجموعة من الأكشاك والمطاعم والحانات، ما أحدث تحوّلاً في النظام الغذائي الباهت في زوريخ الذي يقوم على الأطباق الكلاسيكية، الفرنسية والإيطالية والسويسرية.

منظِّمة Art Weekend في زوريخ، شارلوت فون ستوتزينجن (إلى اليسار)، ومالكا صالات العرض غريغور ستايغر وماري لوسا © بيت شويزر

"ما يستهويني في زوريخ هو أن الطبقة اللمّاعة للمدينة تُخفي وراءها هذا النبض الجامح"، كما قال لي ماثيو دا روكا، بائع الأعمال الفنية لدى Bottega Veneta، خلال Art Weekend في زوريخ. تابع: "إنها مدينة التناقضات غير المتوقعة. يمكنك أن تبدأ يومك بالسير على ضفاف البحيرة، ثم تذهب لتناول طعام الغداء لدى Kronenhalle، هذا الصرح الذي لم يتغير مطلقاً". يقصد بكلامه ذاك المطعم المهيب الذي تصطفّ على جدرانه لوحات رسمها بيكاسو وشاغال وميرو، فيما تمتلئ الحانة بطاولات وأضواء من تصميم جياكوميتي. "ربما ينتهي بك الأمر إلى الإصابة بالهذيان تحت الجسر. إنها مدينة تعطي الكثير، لكن عليك أن تبحث عن هذا الكثير".

"الطبقة اللمّاعة للمدينة تُخفي وراءها هذا النبض الجامح"

إنَّ Art Weekend الذي يُقام للعام الخامس على التوالي، هو مهرجانٌ مصغّر يتضمّن أكثر من 100 نشاط وحدث على مدار ثلاثة أيام، وجميعها مجانية. ويتيح أيضاً طريقة سهلة وسريعة لتنظيم التنقل عبر زوريخ، نظراً إلى أن المدينة تضمّ الآن صالات عرض في كل زاوية تقريباً. وفيما يقع بعض هذه الصالات في الحيّ المركزي التاريخي، تتجمّع صالات أخرى حول Löwenbräu الذي رُمِّم في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين ليتحوّل إلى مركز ثقافي. إنه نموذج كلاسيكي من التطوير الصناعي الأنيق في مطلع القرن الحالي، والذي تمدّد الآن نحو مناطق أبعد في جنوب المدينة وغربها، وصولاً إلى الحي الذي كان مشبوهاً في السابق (أو ما زال مشبوهاً، والدليل ذلك الترحيب اللطيف الذي أبدته إحدى السيدات في الشارع عند الثالثة عصراً). يمكنك أن تنتقل سريعاً من مساحة بسيطة وعملية مثل مساحة العرض التي تحمل اسم Last Tango الرائعة في مبنى صناعي آخر حُوِّل إلى وجهة استخدام جديدة، إلى صالة عرض Weiss Falk Zürich الواعدة جداً في قصر منيف مشرّع على الهواء ومصمّم وفقاً للنمط القديم في الضواحي الشمالية. باختصار، تجمع هذه المدينة بين العراقة والحداثة. حين أطلقت شارلوت فون ستوتزينجن مهرجان Art Weekend، كانت "في حالة ذهول، وتساءلت لمَ لا يُقام أصلاً مثل هذا الحدث؟".

مسرح Schauspielhaus حيث وو تسانغ فنانة مقيمة © بيت شويزر

حكاية فون ستوتزينجن نموذجية، فهي قدمت من كينيا إلى زوريخ في عام 2017، وكانت تساورها الشكوك حول سحر المدينة: عندما طلبنا منها أن تعرض بإيجاز الأحكام المسبقة التي كانت لديها عن المدينة، أطلقت صوتاً أشبه بالشخير. عند وصولها إلى زوريخ، سرعان ما قرّرت أن من الرائع تنظيم حدث في نهاية الأسبوع التي تسبق معرض Art Basel الفني الذي يُقام في مدينة بازل المجاورة: أرادت حدثاً أصغر حجماً وأقلّ رسمية يمكنه أن يسلّط الضوء على طابع المدينة المغمور قليلاً. وبما أن زوريخ معروفة بتحفّظها، كما قال لي كثرٌ، فهي لا تروّج كثيراً لمزاياها، إمّا لأنها لا تريد ذلك وإما لأنها لا تحتاج إلى ذلك. من هنا يُعرَف عنها أنها متغطرسة أو مملّة أو الصفتين معاً. لكنّ المدينة هي، في الواقع، مركزٌ لمختلف أنواع الابتكار: فعلى سبيل المثال، افتتح أحد أكبر مراكز الذكاء الاصطناعي في العالم فرعاً له هنا منذ عامَين. ومن الواضح أن الموارد المالية الطائلة في المدينة مفيدةٌ في هذا السياق. تروي فون ستوتزينجن أنها سألت باحثاً في مختبر ما هي الحدود المفروضة على موازنته. فأجابها، لا حدود – الحدود الوحيدة هي عقلي. 

تتمتّع زوريخ بتاريخ ثقافي عريق، إذ شهدت تأسيس الحركة الدادائية الفنية، وتحوّلت إلى ملاذ للفنانين في مطعم Kronenhalle، وهي موطنٌ لهواة جمع بارزين ملأوا منازلهم على التلال بأفضل الأعمال الفنية من القرن الحادي والعشرين. وعرفت المدينة أيضاً محطّاتها الثورية، مثلما حدث في ثمانينيات القرن العشرين حين انتفض شبابها احتجاجاً على قرار الحكومة المحلية إنفاق الموازنة المخصّصة لهم على دار الأوبرا (أرادوا أن تُستثمَر الأموال في مركزهم الثقافي الخاص، وقد نالوا مبتغاهم). لكن ثمة دينامية جديدة الآن، كما تقول ماري لوسا التي تتولّى إدارة صالة العرض Galerie Gregor Staiger مع زوجها (سُمّيت الصالة تيمّناً به). وتضمّ صالة العرض أعمالاً للفنانة مونستر شتويند التي رُشِّحت لنيل جائزة Turner، وللفنانة سمية كريتشلو التي تُعرَف بلوحاتها المثيرة، وللمصوّر الفوتوغرافي المثلي المخضرم والتر فايفر الذي يعد ثروةً محليةً في زوريخ. تتابع لوسا أن استقرار فنانين مثل شتويند أو تسانغ في المدينة شهادةٌ على جاذبيتها المستجدّة، مضيفةً: "لم أكن لأتخيّل ذلك مطلقاً قبل خمس سنوات. هذا أشبه بالعودة إلى عام 1916، حين كانوا يأتون من كل حدب وصوب لابتكار أعمال دادائية. أشعر أن بإمكان زوريخ أن تكون مختبراً للأفكار الجديدة".

ديمنا غفاساليا، المدير الإبداعي لدى دار Balenciaga، في مطعم Kronenhalle © بيت شويزر
جزء كبير من البحيرة مفتوح للسباحة © بيت شويزر

يمكن القول إن لوسا وستايغر يمثّلان تجسيداً جيّداً لمدينة زوريخ بذاتها: إنها من خارج المدينة، من كانتون جورا، مفعمة بالحياة وكثيرة الكلام، أما هو فمن مواليد زوريخ، بروتستانتي طويل القامة وأكثر هدوءاً ومظهره أكثر صرامة (علماً أنه لطيف بقدر لوسا). في الواقع، ربع سكان المدينة ليسوا سويسريين. حين نلتقي في Schnupf، حانة ومطعم عصري يقدّم اللحوم، يَظهر فوراً وجها المدينة بوضوح: يمكننا أن نجلس ونحتسي شراب الكوكتيل مع أحد المالكين الذي لا يزال ينسّق الأغنيات في ملهى Zukunft المرموق الذي تصدح فيه موسيقى Techno، وهو أيضاً صرحٌ من صروح زوريخ؛ لكن على بعد دقيقتين عند زاوية الشارع، يقع محترف لوسا الريفي الطابع، حيث هناك تسع دجاجات في الحديقة (تجمع أحياناً البيض لتناوله على الغداء). لوسا أيضاً ممّن يقرّون بحرّية: "كنت أكنّ لزوريخ كرهاً شديداً"، وهو شعور تملّكها حين وصلت إلى المدينة قبل 20 عاماً، إلى أن اكتشفت سحرها، بالرغم من "أنني انتظرت 15 عاماً لأغوص في البحيرة".

البحيرة. إنها ومطعم Kronenhalle توأمان يوصي الجميع تقريباً بزيارتهما ما إن تبادرهم بالحديث. يمكنك أن تسبح في معظم الأماكن المطلّة على المياه، ابتداءً من نهر ليمات الذي يتعرّج عبر المدينة إلى أن يصل إلى البركة الواسعة. يترك بعض الأشخاص ملابسهم مثنيّةً على الصخور ويغطسون في المياه، لكن معظمهم يفضّلون نوادي السباحة "Badis" التي غالباً ما تملك حانات متّصلة بها، مثل Panama Bar أو Rimni أو Bad Utoquai. والحانة الأخيرة هي أوّل مكان قصدته حين وصلت إلى فندق La Réserve Eden au Lac Zürich الذي تسوده أجواء من الاسترخاء، وقد فتح أبوابه قبل عامَين، ويمتلئ بتصاميم حديثة من القرن الحادي والعشرين تحمل توقيع فيليب ستارك وابنته آرا. عبرت الشارع، وفي غضون ثلاث دقائق، غصت في المياه.

في نظر تسانغ التي انتقلت إلى هنا قبل ثلاث سنوات، تكمن جاذبية المدينة في هذا القُرب من الطبيعة. حتى أنها تشعر بالسرور لأن المدينة تغلق الأحد، وهذا أمرٌ قد يبدو لكثيرين بمثابة قبلة الموت، لكنها في الواقع الحجّة المثالية لممارسة رياضة السباحة أو رياضة المشي. تقول الفنانة التي حصلت سابقاً على منحة MacArthur Genius: "هذه المدينة لا تشبه أيّ مكان زرته سابقاً". وقّعت عقداً لتولّي منصب مديرة مقيمة في مسرح Schauspielhaus مدة ثلاث سنوات: تكلّلت المهمة بالنجاح، فالتزمت مع معاونيها الاستمرار سنتَين إضافيتين. هنا، تستمتع تسانغ بإضفاء لمسة خاصة على الأعمال الكلاسيكية مثل Carmen (كارمن) أو Moby Dick (موبي ديك)) لتقديمها إلى الجمهور، وPinocchio هو مشروعها التالي. ربّ قائل إن ذلك مختلف جداً عمّا كانت تفعله في مطلع عشرينياتها، حين كانت تتسكّع في ملاهي مجتمع الميم، وتعمل على فيلم Wildness (بربرية)، لكنّ الغريب أن هناك مَن نبّهها إلى ذلك. تروي: "في الواقع، تكلّمت مع عالِمة روحانية آنذاك، وقالت لي إنها ترى أشخاصاً يرتدون ملابس رياضية ضيّقة، ويرقصون على المنصّة في مسرح عام. كان تعليقي: ’حسناً، لا يهمّ‘. الأمر غريبٌ جداً، لأنني أقدّم الآن عروضاً في مسرح عام!".

سرعان ما أدركتُ أن المسألة ليست أن الكليشيهات عن زوريخ غير صحيحة، بل إنه يمكن النظر إليها بطريقة مختلفة. المدينة صغيرة جداً؟ في الواقع، يسهل التنقّل فيها، وهذا يعني أن جميع المشاهد تتداخل من دون مجهود. يمكنك الانتقال من الوسط الأكثر تقليدية إلى الغرب الأكثر عصرية في غضون خمس دقائق فقط، وتشغل معالم على غرار فندق Hotel Helvetia - وهو عبارة عن مساحة ذات طابع فني خاص، حيث وُضِعت كتبٌ عن الفنانين وأعمالهم وهواياتهم في كل غرفة من غرف النوم - مواقع جميلة على ضفاف نهر سيهل، على الجسر تماماً. المعيشة باهظة جداً؟ نعم، وكلا، لأن أبناء زوريخ بمعظمهم يشيرون بلباقة إلى أنهم يتقاضون رواتب تتناسب مع مستوى معيشتهم: قال لي قيّمٌ على المتاحف بمرحٍ، عليك أن تتذكّر أن موظّف الصندوق العادي في السوبرماركت يتقاضى هنا 45,000£. المدينة شديدة التقيّد بالقواعد؟ ربما، لكن قد يكون ذلك أمراً جيداً، كما تقول الشيف زينب حطّاب التي أضافت حديثاً مطعمَين، Kle وDar، إلى عالم المطبخ في المدينة، مضيفةً: "إنه أمرٌ جيد حين تصبّ هذه القواعد في مصلحة الجميع. يسود شعورٌ قويّ بالانتماء المجتمعي هنا".

الطاهيان زينب حطّاب (إلى اليسار) وأوليفر بور © بيت شويزر
صالة عرض Weiss Falk © بيت شويزر

في مطعم Kle أولاً، ومن ثم Dar الذي افتتحته في تشرين الأول (أكتوبر) 2021، تقترح حطّاب التي تحمل الجنسيتين الإسبانية والمغربية قائمة طعام مستندة بكاملها إلى النبات. وليس هذا بالإنجاز الصغير في "أرض الحليب واللحوم والشوكولا والجبنة"، كما تقول مع ضحكة مكتومة. وكانت الأصداء إيجابية إلى حدّ كبير. تعلّق: "لا مشكلة لديهم بإضافة حليب الشوفان إلى القهوة، لكن الجبنة هي الحدود القصوى". كانت حطّاب، في حياةٍ سابقة، مهندسةً في زوريخ. بعد تحوّلها إلى عالم الطهو وقيامها ببعض الأعمال في نيويورك وإسبانيا وإيطاليا والسويد، شعرت بأن زوريخ هي المكان الأفضل لإطلاق مشروعها الجديد، وتلفت إلى أن المدينة أصبحت، في غضون ذلك، أكثر تنوّعاً. 

"انتظرت 15 عاماً لأغوص في البحيرة"

في مكان آخر، يُبدي الذوّاقة حماستهم الشديدة لمطاعم مثل Gamper، الذي يديره ماريوس فرهنر باعتماد مفاهيم مستدامة مماثلة، أو Bar Lupo الذي افتُتح في وقت سابق هذا العام، حيث يستطيع العملاء احتساء شراب نيغروني وتناول الباستا الطازجة حتى وقت متأخّر من الليل. لكنّ زوريخ استقبلت أيضاً العديد من أكشاك الطعام المؤقّتة والمثيرة للحماسة كتلك التي نظّمها الشيف السويسري-الدومينيكاني أوليفر بور. وهو أقام من خلال مشروعه Zhorigo، الذي أنشأه مع شريكه والمؤسس المشارك نيكيتا غلاسنوفيتش، فعاليات في حانات وأسواق في مختلف أنحاء المدينة، احتفاءً بالمطابخ المكسيكية والبيروفية والكاريبية؛ ويعمل الآن على وضع اللمسات الأخيرة على مساحته الخاصة.

يقدّم مطعم Dar، في حي Kreis 5، قائمة طعام مستندة بكاملها إلى النبات © بيت شويزر
© بيت شويزر

خلال لقائنا حول مائدة البرانش في مطعم Dar، يقول بور: "هناك عددٌ كبير من الأشخاص الذين يتجرّأون على القيام بمشاريع ممتعة هنا، ولا يهابون التعاون"؛ وإثباتاً على كلامه، حطّاب هي من أصدقائه المقرّبين. يشير أيضاً إلى أن إعادة افتتاح مطعم Bauernschänke في عام 2018، والذي يشرف عليه الشيف نيناد ملينارفيتش، هي نقطة تحوّل إضافية. في الواقع، تعني كلمة Bauernschänke مكاناً حيث كان المزارعون يجتمعون بعد ذهابهم إلى السوق؛ يحافظ المطعم على طابعه من خلال جدرانه ومقاعده البسيطة المصنوعة بألواح خشبية، حيث كان يُقدَّم في ما مضى طعامٌ سويسري خالص. تحت إدارة ملينارفيتش، يبقى الديكور على حاله إلى حدّ كبير، بيد أن الأطباق أصبحت فاخرة جداً، مع مجموعة مميّزة من أصناف النبيذ الطبيعية.

أسوةً بعدد كبير من شباب زوريخ الذين التقيتهم، يحرص بور على ألّا يكون متجهّماً أو متشدداً من أتباع المدرسة القديمة، بالرغم من أنه يتمتّع أيضاً بحدّة سويسرية ظريفة حين يتعلّق الأمر بقيم يتمسّك بها. لقد ضاق ذرعاً بطلبات الشوكولا السويسرية من أفراد عائلته حين يزورهم في جمهورية الدومينيكان، إلى درجة أنه قرّر أن يصنع بنفسه الشوكولا من مكوّنَين فقط؛ وهو يستخدم كل فتات صغير متبقٍّ كي لا يضيع شيءٌ هدراً. أحبّ مَن تناولوا هذا الشوكولا في الأنشطة التي ينظّمها بور مذاقه، لكنه يستهجن كلّما نصحه أحدهم ببيعه "بالطريقة الصحيحة". يسأل مع غلاسنوفيتش بهدوء، لماذا يجب أن يتمحور كلّ شيء حول الكسب المادّي؟ لا شكّ في أن قول هذا الكلام في زوريخ، من بين كل الأماكن، قد يبدو ساذجاً. لكن فيما نجلس في باحة مطعم Dar المظلّلة بالنبات المورق، ويحيط بنا روّاد المطعم، يبدو ذلك لذيذاً وجذرياً أيضاً.

حلّ لويس ضيفاً على فندق Hotel La Réserve Eden au Lac، وفندق Hotel Helvetia

0 تعليقات

شارك برأيك