مجلة الرفاهية العصرية تصدرها إيلاف بالاتفاق مع فايننشال تايمز

سفر

نزلٌ في قلب الألب

ربما يكون هذا النزل الريفي في جبال الألب النيوزيلندية محطة الأغنام الأكثر أناقة في العالم، كما تقول جيسيكا بيرسفورد

© باري توبين © باري توبين

لعلّ جبال الألب الجنوبية، وهي سلسلة طويلة من الجبال تمتدّ على طول الجزيرة الجنوبية في نيوزيلندا، تشكّل المشهد الأكثر شهرة في البلاد. أدّت القمم المغطّاة بالثلوج والتلال الريفية والبحيرات شبه الزجاجية دورها كخلفية لمواقع الأفلام الخيالية، وأُلصِقت صورها على زجاجات النبيذ، واستُخدِمت كمواد تسويقية لبيع صوف الميرينو. تُصوَّر باعتبارها عقبات مهيبة يجب قهرها ورموزاً مثالية، كما في Cass، لوحة الرسامة الحداثوية النيوزيلندية ريتا أنغوس، التي كان تصويرها محطة سكك حديد حمراء صغيرة وُضِعت في مقابل الأرض المتموّجة سبباً في نيلها استحساناً عالمياً.

في الجزء الشرقي من جبال الألب، المنطقة التي أطلق دالاي لاما عليها ذات يوم وصف "المركز الروحي للكون"، تقع محطة فلوك هيلّ (محطة تلة القطيع)، وهي مزرعة عاملة مساحتها 36,000 أكر وتضم – بدءاً من أيلول (سبتمبر) المنصرم – بيتاً ريفياً فخماً. استُكمِلت مستلزمات الإقامة الجديدة خلال سنتين بتكلفة بلغت نحو 12 مليون دولار نيوزيلندي (نحو 6.2 ملايين جنيه إسترليني)، وصُمِّمت بوصفها قاعدة أنيقة لاستكشاف الجمال البرّي في هذا الجزء من البلاد.

تعدّ فلوك هيلّ واحدة من أفضل المزارع المعروفة في هذه الأجزاء. أسّسها أول مرة في عام 1857 أحد أوائل المستوطنين الأستراليين، بين نهر وايماكاريري المميز بلونه الأزرق الجليديّ وسلسلة كرايجيبورن، وسُمِّيت على اسم الصخور المتناثرة على إحدى تلالها، والتي تبدو من بعيد قطيعاً من الأغنام. ذات يوم، كانت هذه الأرض طريقاً ضرورية بين الساحلين الشرقي والغربي، كي يقوم شعب الماوري بتجارة البونامو، وهو نوع من اليشم غير موجود إلا في الجزيرة الجنوبية لنيوزيلندا، ويُستخدَم في صنع الأدوات والأسلحة والزخارف. في منتصف القرن التاسع عشر، عندما كان التعدين جزءاً حيوياً من البنية الاقتصادية والاجتماعية في نيوزيلندا، كانت المزرعة تملك منجماً للفحم، ولا تزال "سكة الحديد العابرة لجبال الألب" - وهي طريق رائعة الجمال تمتد من كرايستشِرش إلى غرايماوث – تمرّ عبر الأرض. عملت فلوك هيلّ مسرحاً للمعركة العظيمة في فيلم The Chronicles of Narnia: The Lion, the Witch and the Wardrobe (يوميات نارنيا: الأسد، والساحرة وخزانة الملابس)، إضافة إلى سلسلة من حفلات الرقص الجميلة في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

رسم من عام 1857 للبيت الريفي الخشبي الأصلي © باري توبين
فلوك هيلّ كما يبدو من الشرق على تلة جبلية © باري توبين

لا يسمح في العادة بالبناء في بقعة فاتنة وخلابة مثل هذه"

ما زال البيت الريفي الخشبي الأصلي في المزرعة، الذي شُيِّد في عام 1857، قائماً في يومنا هذا، ولو في شكل غير مستقرّ. يًقال إن المبنى أغنى بالقصص من الأرض التي يقوم عليها: تخبر رواية مزعومة عن خلاف بين حفّار جائع وطبّاخ على وجبة الطعام، انتهى بطلقتين قاتلتين. ثمة تفاصيل أخرى تتعلّق بحادث أوقعه شخص بنفسه، في أثناء زيارة الأمير ألفريد إلى المنطقة، حين دخل أحد مرافقي صاحب السموّ إلى أحد الأبواب وهو يحمل مسدساً مصلياً.

بيت فلوك هيلّ الريفي الجديد، المبنيّ فوق التلة استناداً إلى الأصلي، أكثر صحَّة. الوصول بالمروحية، في رحلة مدّتها 30 دقيقة فوق السهول والأنهار والجبال من كرايستشِرش، يوضح مدى جودة موقع المبنى الذي يسمح له بأفضل رصدٍ للمناظر التي تطلّ عليها المحطّة: مبنى طويل رفيع مكوّن من طابق واحد يقع على قمّة تلّة، يسمح بالنظر نزولاً عبر المراعي نحو جبل شوغارلوف وبحيرة بيرسون، وخلفها حديقة Arthur's Pass National Park.

مساحة مخصّصة للجلوس فيها مدفأة ضخمة وأرائك مخملية © باري توبين
العوارض المكشوفة في مطبخ بيت المزرعة © باري توبين

يقول مدير النزل أندرو كولن: "في العادة، لا يسمح بالبناء في بقعة مشهدية كهذه في هذا الجزء من العالم، لكن لكلّ محطة الحق في بناء بيت ريفي حيثما تريد". تم تصوّر النزل هذا في الأساس مكاناً لإقامة مالكي فلوك هيلّ الأميركيين، لكنّه تحوّل بعد ذلك إلى موقع يمكنه استضافة هؤلاء وغيرهم من الراغبين في عطلة جميلة. عمل كولن وزوجته ساندرا، التي أدارت نزلاً فاخرة في أمان بإندونيسيا وTreetops Lodge & Estate في روتوروا، مع المالكين لإقامة ملاذ أنيق وسط هذه المناظر الطبيعية التي لا يجدها المرء في أي مكان آخر في العالم.

نهر وايماكاريري وطريق الساحل الغربي، في عام 1903 تقريباً © Sepia Times/وUniversal Images Group عبر Getty Images

لا تتمتّع نيوزيلندا بالهندسة المعمارية التاريخية الثرية التي تتميز بها القصور الملكية الفرنسية أو الفيلات الريفية في إيطاليا. بدلاً من ذلك، يقدّم فلوك هيلّ مخططاً للتصميم الحديث في نيوزيلندا، ويوظّف مجموعة من المواهب المحلية لإنشاء مساحة تجلب الجوّ الخارجي إلى الداخل. استلهمت شركة Warren & Mahoney للهندسة المعمارية التشكيلات الصخرية المميزة في المنطقة، مع كساء الحجر الجيري حول المدافئ وعلى جدران مختارة، ونشرت عوارض خشبية مكشوفة على طول السقف المثلث لتعكس الغابات الكثيفة التي تغطي التلال المحيطة. ثمة شرفة كبيرة مرصوفة تطلّ على البانوراما الملحمية الخاصة بالملكية، وهي مجهّزة بحفرة نار، وحوض دافئ، ونادٍ صحيّ.

النظر نزولاً إلى نهر وايماكاريري وتبدو جبال الألب الجنوبية خلفه © باري توبين

تم استدعاء المصمّمة الداخلية جيسيكا كلوس من كرايستشِرش لتواجه فراغ المساحات الخارجية الوعرة بأثاث راقٍ ودافئ وغير متكلّف: في غرفة المعيشة، تخفّف من خشونة سجّادة حيكت بالجوت المجدول من شركة Nodi النيوزيلندية أريكة مخملية وكراسٍ بأذرع، وُضِعت أمام مدفأة عملاقة. طاولة غرفة الطعام مصنوعة بخشب شجر Mataī، وهذا صنوبر أسود مستوطن في نيوزيلندا، تعلّق فيها أدوات للإنارة مصنوعة بالزجاج المنفوخ يدوياً من Monmouth التي تتخذ من أوكلاند مقراً. بالنسبة إلى العرين – وهذه غرفة ترفيه كاملة مع منصة لتشغيل أسطوانات الفينيل – كلّفت كلوس أستوديو التصميم النيوزيلندي Simon James صنع أريكة مخصّصة، توضع في مكان مزيّن بجلد الخراف وأغطية من صوف الحملان. في ركن آخر تجد باراً وألعاباً ومجموعة منسّقة من الكتب. يُنقل هذا المفهوم المدروس نفسه إلى أربع غرف نوم مزدوجة، تحتوى كلّها على شرفات خاصة ومواقد غاز وحمامات وأحواض استحمام عميقة.

يقدم فلوك هيلّ مخططاً للتصميم الحديث في نيوزيلندا


صُمِّم هذا البيت الريفي كي تستأجره مجموعات تضمّ حتى ثمانية بالغين أو أطفال أكبر سناً. يتضمّن سعر الليلة (ابتداءً من 6,250£ تقريباً) وجبات فطور كونتيننتال أو مطهوّ، ووجبات غداء للنزهات، وطاهياً خاصاً يحضّر وجبات عشاء قابلة للتكييف، مصنوعة بمكوّنات محلية، ويمكن تقديمها بوصفها سفرة من أربعة أطباق، أو مائدةً بأسلوب عائلي، أو بوصفها حفلة شواء. وتقدّم المجموعة المنسّقة من الأطعمة والمشروبات جولةً لتذوّق المنتجات النيوزيلندية: تتكدّس في قبو النبيذ زجاجات البينوا نوار من Central Otago والسوفينيون بلان من Marlborough، وخزانة المشروبات الكحولية وفيها الجين والويسكي المقطرة محلياً، وتأتي الكمأة من مزارعين في كانتربري ويوفّر عسل المانوكا الذي يتم الحصول عليه من المزرعة نفسها، تحلية للأطباق والمشروبات.

مرشدو فلوك هيلّ من ذوي الخبرة مستعدّون لاصطحاب الضيوف في جولة في أرض المحطة، وتضمّ شلّالات وبحيرات وجبالاً وكهوفاً. تشمل الأنشطة هنا صيد السمك الموسميّ بالصنارة في نهر بروكن أو نهر ويندينغ القريبين – حيث ستجدون السلمون والترويت المرقط والترويت البني البري – وركوب الدراجات الإلكترونية على طول مسارات الملكية المتعدّدة، وحيث يمكن استكشاف نهر كايف الذي يتلوّى تحت الأرض بطول 362 متراً، وركوب الكاياك وألواح التجديف في بحيرة مواناروا. هناك أيضاً ستة حقول تزلج في الجوار تضمّ وادي كرايجيبورن ونهر بروكن.

البيت الريفي القديم اليوم © باري توبين

من ناحية أخرى، شُقّت مسارات المشي في فلوك هيلّ فوق التلال نفسها التي تشتهر بها المنطقة. طول أحد هذه المسارات 9.5 كيلومترات ويعبر منجم Avoca Coal Mine القديم، حيث تستريح القاطرة المهجورة، Geraldine، منذ عام 1916. ويمرّ مسار آخر عبر جرف، يشرف على غابات الزان الكثيفة باتجاه تلّة بروكن، عابراً حقول المحطة الصخرية، حيث تنتشر أكوام من الحجر الجيري المهيب –  يعتقد أنه يبلغ من العمر 30 إلى 40 مليون سنة – بين الكتل العشبية الحمراء التي تنمو في الحقول.

يبذل مديرو المزرعة وقتاً أيضاً في الحفاظ على الأرض: يعمل الفريق مع جامعة Canterbury على التخلّص من أنواع النباتات الغازية الضارّة مثل أشجار الصنوبر البري التي تهدّد الحياة النباتية الأصلية في الجزيرة الجنوبية.

منظر بانورامي لجبال الألب الجنوبية من حوض الاستحمام © باري توبين

ثمة خطط أخرى جارية أيضاً لتوسيع نزل فلوك هيلّ الفاخرة، بما في ذلك بناء 14 فيلا جديدة ونادٍ صحيّ يستضيف ممارسين متعدّدي الاختصاصات لمدة ثلاثة أشهر. وفي غضون العامين المقبلين، سيفتح المالكون مطعماً مخصّصاً، له حدائقه ودفيئاته الزجاجية الخاصة التي يمكن من خلالها الحصول على المنتجات الموسمية.

يقول كولن شارحاً: "نرغب حقاً في أن يكون مكاناً يجتذب الناس المهتمين باستكشاف الخارج". من المؤكد أنّ الموقع الذي لا يضاهى للبيت الريفي ومجموعة أنشطته الخارجية يشكلان طريقة جيدة لتجربة منطقة قد تكون في الحياة الواقعية أجمل من الخيال. HTSI

حلّت جيسيكا بيرسفورد ضيفة في فلوك هيلّ، flockhillnz.com. الاستخدام الحصري للنزل، بما في ذلك الوجبات، لغاية ثمانية نزلاء، يكلف ابتداءً من نحو 6,250£ في الليلة الواحدة. كان الانتقال من كرايستشِرش إلى فلوك هيلّ بالمروحية تقدمة من GCH Aviation، ويكلف ابتداءً من نحو 1,580

شارك برأيك

0 تعليقات