البسوا ممّا حاكت فير آيل

قبل أشهر قليلة، خاضت ميليسا فنتوسا مارتن، وهي محرّرة موضة سابقة تقيم الآن في شمال ولاية نيويورك، تجربة اسكتلندية آسرة في جزيرة فير آيل. ففي أثناء وجودها على متن مركب صيدٍ قديم صُنِع في مطلع التسعينيات يتمايل الآن في عرض البحر، انشغلت بمشاهدة ما حولها فيما كان بحّارة شبان متدرّبون يرتدون كنزات محوكة بنقشات جميلة يقودون المركب، بينما يمرح آخرون عند الواجهة البحرية مرتدين صديريات من دون أكمام. كانت السماء الواسعة للجزيرة ملوّنة بأقواس قزح، وتألّفت وجبة الغداء في الهواء الطلق من باتيه مُعَدّ من أسماك رنّة اصطيدت محلياً، وسلمون مدخّن.

كان اختباراً حقيقياً للعيش في جزر شتلاند. تقول فنتوسا مارتن عن رحلتها إلى تلك الجزيرة النائية جداً إلى درجة أنها استقلّت أربع طائرات لتصل إليها: "بدا وكأنه تجمّع محلّي حقيقي". فالجزيرة، التي تبلغ مساحتها الإجمالية 7.68 كيلومترات مربعة، هي مجرد بقعة صغيرة على الخط الساحلي الاسكتلندي؛ ومجموع سكانها 65 نسمة. "إنها جنّةٌ صغيرة مغطّاة بالخراف والأرانب... وحيثما يقع نظرك، ترَ نساء يمارسن الحياكة".

بهذا النوع من رواية الحكايات المعبّرة بات يُعرَف متجرها الإلكتروني Old Stone Trade، أُطلِق في عام 2021، وهو يعرض الآن ملابس نسائية وأدوات منزلية مصنوعة يدوياً بناءً على الطلب من توقيع حرَفيين مستقلين يصنعون أعمالاً يدوية متقنة في مختلف أنحاء العالم. تقول فنتوسا مارتن: "نسلّط الضوء على القصص وعلى التقاليد العائلية التي تقف خلف هذه القصص". تشمل القطع المتوفرة في المتجر الإلكتروني أحذية penny loafers من صانع أحذية في برشلونة، وفساتين بحرية بشكل مئزر من Atelier Bomba في روما.

في عصر التطوّر الرقمي والهوس الجنوني بكل ما هو جديد، يريد متجر Old Stone Trade الإلكتروني أن يخبر روايات مغمورة عن صناعات حرَفية أكثر قدماً وتناظراً. ينصبّ تركيزه على ورش العمل التخصّصية التي تصنع قطعاً خالدة جديرة بأن تكون جزءاً من الإرث الذي تتناقله الأجيال. تقول فنتوسا مارتن التي أمضت سنوات في حضور عروض الأزياء في مرحلة سابقة من حياتها: "فكّرتُ كثيراً في وتيرة صناعتنا، وأردت إنشاء مركز لعرض الأعمال الحِرَفية بطريقة منظَّمة فعلاً". وفي خلال أسفارها، اكتشفت فنتوسا مارتن عدداً كبيراً من المحترفات التي تُباع منتجاتها الآن عبر الموقع الإلكتروني. تضيف: "أردت تأطير هذه المحترفات في سياقٍ فخم؛ وعرض ملابس ذات قيمة عالية من دون أن تكون لها علامة تجارية معروفة".

خلال رحلتها لاستكشاف عالم الملابس في اسكتلندا، اكتشفت التنانير الاسكتلندية الفخمة من توقيع أندريا شابل لدى Acme Atelier، والتي تقيم في موراي. لكن الملابس المحوكة هي التي قادتها إلى جزيرة فير آيل. أُطلِقت كنزات عصرية خاصة بصيّادي الأسماك حصرياً على الموقع الإلكتروني في نهاية العام الماضي، ولا شكّ في أنها البديل الأكثر أناقة عن الكنزات المحوكة الجديدة، وتكمن ميزتها البارزة في إمكان ارتدائها على مدار العام. "استُلهِمت هذه الكنزات من جدّتي الاسكتلندية التي كانت ترتديها دائماً"، كما تقول فنتوسا مارتن التي تمعّنت أيضاً في حملات J Crew الترويجية للكنزات المحوكة في تسعينيات القرن الماضي. وقد أُنجِزت الكنزات المتمايزة عن الأسلوب الكلاسيكي، بالتعاون مع الحائكة ماتي فِنتريون.

انطبعت جزيرة فير آيل دائماً بالعلامات التجارية الخاصة بأزياء البحّارة في اسكتلندا ودول الشمال منذ قرون عدّة. تُقدّم نقشاتها، التي تشمل نجمة الشمال وأشجاراً وقلوباً، فرصاً لامتناهية للمصمّمين: أخيراً، كانت لفيكتوريا بيكهام ولورو بيانا وسيلين بصماتهنّ الخاصة في هذا المجال. لكنّ فنتوسا مارتن آثرت التوجّه مباشرةً إلى المصدر. تقول: "إنها سحرية. تنتقل هذه المهارات عبر الأجيال... هذا ما يُبقي هذه الصناعة الحرَفية حيةً".

يأتي المفهوم الذي يطلقه متجر Old Stone Trade الإلكتروني في الوقت الملائم، إذ يسعى عدد كبير من الحِرَفيين المستقلين إلى توسيع آفاق علاماتهم التجارية، ويبحث العملاء عن منتجات تحمل حكايةً في طيّاتها. تقول الحائكة شابل التي تقيم قرب متنزه كيرنجورمز الوطني إن "تلك النظرة العالمية الجديدة ليست متاحة، في معظم الأحيان، للصنّاع الفرديين أمثالي، لا سيّما مَن يقيمون في مواقع ريفية".

توافقها فِنتريون الرأي قائلةً: "راودتني كثيراً فكرة مغادرة الجزيرة كي أتمكّن من توسيع نطاق عملي في مكان آخر". أقامت فِنتريون، المعماريّة سابقاً، في لندن سنوات عدّة، قبل أن تنتقل إلى جزيرة فير آيل في عام 2007 وتنضم إلى تعاونية الحياكة النسائية للتعرّف إلى جيرانها. تضيف: "أحبّ هذا المكان. مهمّ أن نبقى هنا. يعرف الجميع الكنزات المصنوعة في فير آيل، لكنهم ينسون أن هناك أجيالاً من النساء تقف خلف تلك التصاميم. حتى أن البعض لا يعرف أن فير آيل مكانٌ حقيقي".

من المدهش أن البعض لا يعرف أن فير آيل مكانٌ حقيقي"

الحياة في هذه الجزيرة معزولة. إنها بدائية تقتصر على الأساسيات، وغالباً ما تنقضي الأيام على إيقاع حركة المدّ والجزر. تقول فِنتريون ضاحكةً: "تستغرق العبّارة خمس ساعات للقيام بجولة ذهاباً وإياباً لإحضار الطعام إلى هنا، وتُلغى الرحلات حين يكون الطقس رديئاً"، وهي تعيش في مزرعة صغيرة، وغالباً ما تطهو عشاءً من لحم خِراف تُربّى في الجزيرة. لكن هذا بالضبط ما يجعل الكنزات الصوفية المصنوعة هنا جاذبة جداً. تضيف: "كل شيءٍ يُحاك ويُغسَل ويوضَّب ويُرسَل من هنا".

لكن، كي تتمكّن جزيرة فير آيل من الإستمرار، مهمّ أن تنمو وتتوسّع أبعد من شواطئها: متجر Old Stone Trade الإلكتروني هو بمثابة رسالة في قارورة أرسلت إلى العالم الأوسع. تقول فِنتريون: "التقاليد ديناميكية مرِنة، وليست جامدة". أعمالها مستلهَمة من تصاميم تعود إلى خمسينيات القرن التاسع عشر، لكنها اكتسبت طابعاً جديداً باعتمادها أشكالاً حديثة: عمدت إلى تقصير الطول، وتعديل الكمّ الممتدّ في قطعة قماش واحدة حتى الياقة، وتخلّصت من الكتفين الهابطين. تضيف: "نعيد إنتاج التاريخ بطريقة أخرى. لكن هذا ليس تقليداً. فالتقليد يتّسم بالاستمرارية في الزمن، ويتكيّف".