مجلة الرفاهية العصرية تصدرها إيلاف بالاتفاق مع فايننشال تايمز

أناقة

الصوف الموصوف

الخراف البريطانية أصبحت تمثل قطب الرحى في عملية توطين صناعة الصّوف، فهل يعيد إليها الصناع المحليون مجدها الغابر؟

بطانية Aird صوفية من TOAST، بسعر 175£ بطانية Aird صوفية من TOAST، بسعر 175£

إننا جميعاً على دراية بالطعام المعدّ من منتجات تأتي مباشرة من المزارع. لكن، ماذا عن مفروشات الأسرّة المعدّة من أصواف تُجزّ مباشرة من الخراف؟ في عصر الإفراط في التوطين، هذه هي الرسالة التي تعرضها Floks، وهي علامة تجارية تنتج لوازم صوفية للأسرّة تتّخذ من يوركشاير مقراً، فتقدّم لحفاً ووسادات وأغطية مراتب محشوّة بصوف خراف ترعى في الريف البريطاني. تأسّست Floks في عام 2021، وهي تحصل على صوفها من خراف من سلالة Cheviot تربّى منذ القرن الخامس عشر على الحدود الاسكتلندية. وكما تبيّن، صوف هذه السلالة أبيض برّاق، وجميل جداً أن يسترخي المرء تحته.

"أرسل لي العملاء نتائج نوم محسّنة عبر تطبيق Fitbit بعد شراء وسائدنا"، تقول المؤسسة صوفي بلاتس التي بدأت ولعها بلوازم الأسرّة الصوفية عندما حاولت حلّ مشكلاتها الليلية الخاصة: ظلت متعرّقة، وما أحدثت أغطية الأسرّة المصنوعة بالقطن أو الكتان العضويين فارقاً كبيراً. وفي حين أنّ وسائد Floks ممتلئة صوفاً، فإنّ اللحف قليلة السمك تتمتع بهشاشة طبيعية وهي "تحتاج إلى بعض التعوّد... فالصوف ينظّم درجة حرارة الجسم، ويحافظ على الانتعاش صيفاً وعلى الدفء شتاءً". لوازم الأسرّة بمعظمها مصنوعة بريش الإوزّ أو مادة البوليستر، لكن بلاتس تصنع لوازمها بصوف بريطاني يمكن تتبّع مصادره في يوركشاير. تقول: "الصوف مستدام وطبيعي، وهو وفير هنا. علينا أن نتساءل لماذا لم نستخدمه من قبل".

كرسي المائدة Hembury من SOLIDWOOL، بسعر 575£
بطانية صوفية من PURDEY SHEPHERD، بسعر 295£
كنزة Lorton من الصوف غير المصبوغ من NAVYGREY، بسعر 375£

بلاتس واحدة من مصنّعين كثيرين يعيدون الصوف البريطاني إلى مكانته في خريطة هذه الصناعة، ونعني هنا الصوف المجزوز من خراف محلية، لا الألياف المستوردة التي تُحَاك خيوطاً في إنكلترا؛ والمربك في الأمر أنّ النوعين يُسوَّقان بالطريقة نفسها. يصنع مصنع Melin Tregwynt الويلزي، الذي صنع أدوات منزلية لصالح مارغريت هاول وComme des Garçons، أغطية ووسائد متعدّدة الألوان محوكة بزخارف ويلزية تقليدية، في حين يعرض Purdey and Toast أغطية مريحة محشوّة بصوف خراف في اسكتلندا. ويحوّل Solidwool، الذي يتّخذ من ديفون مقراً، على نحو مبتكر الأصواف الرمادية المرقّطة من سلالة Herdwick في كامبريا إلى راتنج حيويّ يُستخدم في كراسي الموائد المصقولة الشبيهة بالأسلوب الدنماركي. "يتألق جمال الصوف حقاً"، يقول المدير الإبداعي أندي غارد عن الكراسي التي تبدو بلاستيكية، لكنّ صنع كل كرسي منها يدوياً يستغرق يوماً كاملاً.

كان الصوف يمثل في الماضي السلعة الأعلى قيمة في المملكة المتحدة"

تنضمّ مجموعة من علامات المحوكات التجارية إلى هذا التيار أيضاً. تصنع Navygrey وDaughter& وYan Tan كنزات فضفاضة محوكة بصوف خراف من سلالة Bluefaced Leicester ثلجية اللون، وهو صوف يُقدَّم بديلاً لصوف الميرينو الأسترالي. تقول راشيل كارفيل - سبيدينغ من Navygrey التي تحصل على أصوافها Bluefaced من شمال غرب إنكلترا: "إنها أنعم ممّا توقعت [من سلالة بريطانية]. يتساءل الناس أحياناً إن كنا نحوك كنزاتنا بالكشمير".

حتى علامتا John Smedley وJohnstons of Elgin المعروفتان بالميرينو النيوزيلندي والكشمير المنغولي على التوالي، فقد أطلقتا Proper Brit Knits: كنزة و"بطانية المزارع" مصنوعتان بالشراكة مع مبادرة Campaign for Wool التي أسّسها الملك تشارلز الثالث. عملت Johnstons مع خمس عائلات مزارعة محلية في اسكتلندا، فحوّلت أصواف 60 خروفاً من سلالة Bluefaced إلى 200 بطانية. وإذ يبلغ سعر كلّ منها 245£، تنتقل من الحقل إلى المنتج النهائي لمسافة تقل عن 300 ميل (483 كيلومتراً).

من MELIN TREGWYNT وسادة Vintage Star Woodland صوفية، بسعر 55£، وغطاء للسرير، ابتداءً من 179£

كان الصوف يوماً السلعة الأعلى قيمة في المملكة المتحدة. في القرن الرابع عشر، أبحر نسّاجون فلمنكيون وإيطاليون إلى إنكلترا للحصول على أصوافها الذهبية؛ وبعد منح الملكة إليزابيث الأولى زوجاً من الجوارب الصوفية، أقسمت من ذلك الحين ألّا ترتدي ملابس غير مصنوعة بصوف سلالة Ryeland. وكان رؤساء House of Lords (مجلس اللوردات) يجلسون على وسادة من القرن الرابع عشر محشوّة بهذا الصوف، ما يعكس أهميّته الاقتصادية. حتى أنّ أسواق المال (stock market) تأخذ اسمها من الماشية (livestock). لكنّ العرض تجاوز الطلب في العقود الأخيرة. خسر المزارعون، وأغلقت المصانع والمغازل أبوابها بينما نقل التصنيع إلى الخارج. وأدّى ازدهار المركبات الاصطناعية إلى هبوط حادّ في الأسعار. وباستثناء Harris Tweed، كانت الأصواف البريطانية - الأمتن من أصواف الميرينو والكشمير التي تحتكر صناعة الرفاهية الآن – تُعتبَر غير ناعمة وغير مثيرة قليلاً. (أنفقت Woolmark Company، بالنيابة عن مربّي الميرينو الأستراليين، 38.8 مليون دولار أسترالي على التسويق وحده في فترة 2021-2022).

"شاعت للصوف البريطاني سمعة أنه ثقيل وخشن ولا يلائم إلّا حياكة السّجاد"، تقول كارفيل - سبيدينغ. "أصبح الكشمير المستورد أرخص في كلّ عام، وأغلب الملابس المحوكة الأخرى ممزوجة بالسيليكون". اعتاد العملاء هذه النعومة على البشرة. وتلاحظ قائلة: "للصوف البريطاني بساطته".

معروفٌ عن المزارعين أنهم كانوا يحرقون الصوف. ولأنّ قيمته قليلة، كان الوقت والعمل المطلوبان لجزّ الصوف وتصنيفه ورزمه ونقله إلى British Wool، الهيئة المسؤولة عن المزادات، يعنيان أنّ بيعه كان مشروعاً خاسراً. (كذلك تنال British Wool حصّة في مقابل كلّ كيلو صوف يباع لتسديد تكاليف التشغيل). يقول جاستن كرتون، وهو مزارع مستأجر في عقار Duchy Estate في سومرست، زوّد John Smedley بالصوف في هذا الموسم: "في عام 1910، كان عمّ والدي يحصل على 94£ مقابل 800 كيلوغرام من الصوف". وتقدّر المواقع الإلكترونية لحساب التضخم أن 94£ حينها تساوي أكثر من 5,000£ في عام 2022. في المواسم الأخيرة، نال المزارع المتوسط 290£ مقابل 800 كيلوغرام. يقول كرتون: "ما كان ذلك ليغطي تكلفة الجزّ".

كنزات Daughter& المغزولة بصوف Bluefaced Leicester
قبّعة بالصوف البريطاني من YAN TAN، بسعر 50£
لحاف All-Season بالصوف العضوي من FLOKS، السعر بدءاً من 195£

لكنّ الموقف يتغير وأسعار أجود الأصواف ترتفع. "قفزت تكلفة أصواف Bluefaced Leicester"، كما تقول روث أليس راندز، أحد مؤسسي علامة Herd التجارية للملابس المحوكة والتي تحصل على أصوافها من مصادر خارجية: تشارك 40 من مربّي خراف Bluefaced في شمال إنكلترا لإمداد علامات تجارية مثل Toast وSunspel. بيعت أصواف Bluefaced الأصلية مقابل 7£ لكل كيلوغرام في آخر مزاد، وفق British Wool، بزيادة 70 بالمئة عن السنوات الأخيرة. بيع صوف Herdwick مقابل 1.25£ لكلّ كيلوغرام: يوفّر كلّ خروف كيلوغرامين من الصوف. يقول المزارع أنطون كوكر، الذي زوّد John Smedley بصوف أبيض مرن من خراف يربّيها في مزرعته بدارتمور التي تبلغ مساحتها 600 هكتار (ستة كيلومترات مربّعة): "جيدٌ أن نكسب مزيداً من المال".

يحصل المزارعون على مزيد من الأموال النقدية من خلال بيع المنتجات بشكل مباشر، لكن أغلب العلامات التجارية تشتري كميات قليلة، ما يجعل الأمر غير مجدٍ. ومن ثم، بدأ بعض المزارع في بيع بضائعه إلى المستهلكين. يعرض مصمّم الأزياء جوشوا ميلارد، من مزرعة عائلته في دورست، كنزات بياقات مستديرة بتدرجات من الأزرق و100 غرام من خصل الغزل الصالحة للحياكة غير المصبوغة والمؤلفة من ثلاثة خيوط يحصل عليها من قطيع Bluefaced الذي يملكه. في الوقت نفسه، في مقاطعة لايك، تبيع المزارعة ماريا بنجامين كرات الصوف المجزوز من السّلالات المحلية من خلال العلامة التجارية الخاصة بالصوف التي تملكها Shear Delight (بدءاً من 6£). كذلك، تبيع صوفاً خشناً باللون الرمادي - البني بالمتر، وهو مجزوز من خراف Herdwick الخاصة بالمزارع جايمس ريبانكس. وكلّ من النوعين سيروق للراغبين في الحياكة المنزلية.

 

غزّالو صوف في مصنع John Smedley 
عملية نسج في Melin Tregwynt © Melin Tregwynt

كان بريكسِت كارثة للمزارعين. لكنّ الجانب الآخر يتمثل في أنّ مزيداً من العلامات التجارية يتطلع إلى الموارد المحلية. "تزيد تكاليف استيراد الصوف كلّ ستة أشهر تقريباً"، كما يقول إيفيون غريفيثس من Melin Tregwynt، الذي يعمل بوصفه مصنعاً عائلياً منذ افتتاحه في عام 1912؛ وفي هذا العام تحوّل إلى وقف مملوك للموظفين. تسبّب بريكسِت "في فوضى... وهناك مسائل خاصة بالنقل، فضلاً عن تكاليف الطاقة وانخفاض قيمة الجنيه التي تجعل كلّ شيء أعلى كلفةً". وهو يعمل على جمع أصواف Cambrian Mountains – السّلالة التي نادراً ما تُستخدم – التي تزيد تكلفتها بنسبة 20 بالمئة عن أسعار أصواف الخراف المستوردة. لكنها تصل من دون رسوم إضافية أو من دون تأخير. يقول: "هناك ميزة أخرى للصوف البريطاني تتلخّص في استقرار سلسلة الإمداد".

"ثمة أمر خاص في ما يتصل بإبقاء الأمر محلياً"

تُعَدّ الاستدامة من بين أوجه الجذب الأخرى. يمكن أن يتطلب نقل صوف الميرينو ما يصل إلى 18,000 ميل جوي؛ أما الصوف البريطاني فيُعَدّ منتجاً ثانوياً للصناعة الزراعية القديمة. يقول غارد من Solidwool: "نريد أن نأخذ شيئاً كان غير مرغوب فيه ونصنع شيئاً جميلاً"؛ وهو يعمل على وضع نماذج أولية لقطع أثاث أخرى باستخدام الراتنج المصنوع بصوف Herdwick وأصواف معاد تدويرها. يحتوي كلّ كرسي على جزّة صوف كاملة ممزوجة بنسبة 50 بالمئة من المواد ذات الأصول البيولوجية التي تقلّل من الاستخدام الكيميائي التقليدي. "إنه بديل مستدام للبلاستيك". يعيش نحو 95 بالمئة من المجموع العالمي لخراف Herdwick على بعد 14 ميلاً من كونيستون في كامبريا. "لا يقلّل استخدامه أمن بصمتنا الكربونية فحسب، بل يُحافظ أيضاً على المهارات والحرفية والمزارع التقليدية".

هذا الوصف يساعد في سرد قصص مثيرة. تقول كارفيل - سبيدينغ: "هذا الشعور الدافئ المريح الذي تشعرون به عندما ترتدون كنزتكم المفضّلة [يزداد حدّة] بالصوف البريطاني. ثمة أمر خاص جداً في ما يتصل بإبقاء الأمر محلياً: الناس، والمنتج، والغرض". تُعَدّ الشفافية هذه أساسية للعملاء والعلامات التجارية. تقول بلاتس: "أصبح الناس أكثر اطلاعاً على ما يرتدونه، لكن أيضاً على أجسادهم وبيئتهم. لا يمكنكم الذهاب إلى الريف هنا من دون رؤية الخراف؛ إنها جزءٌ من تراثنا. أن ندرك أننا ندعم المزارعين البريطانيين عندما ننسلّ تحت بطانياتنا... إنه ارتباط عاطفي". عدّوا الخراف، واستسلموا لسلطان النوم.

شارك برأيك

0 تعليقات