لم يكن تعليق تحفة فنية مسألة صغيرة على الإطلاق؛ إنه يتطلب جدراناً عريضة وسقوفاً عالية وقدراً ملائماً من الضوء. أو ربما لا. اليوم، وبفضل مهارة صاغةِ المجوهرات العالميين، ممكنٌ عرض عمل فني مذهل (وإن كان صغيراً) على الجسم نفسه.
![]() |
![]() |
يستكشف الفنانون منذ فترة طويلة وسيطة الارتداء – تنبّه الجميع من سلفادور دالي إلى غرايسون بيري وأنيش كابور إلى المجوهرات – وتلاعبت صائغة المجوهرات الفنية كورا شيباني منذ سنوات عدة بخيال التأطير لإبراز الجمال الطبيعي للأحجار الكريمة وغيرها من المواد الثمينة. مع ذلك، تتمثل الجاذبية الكبيرة في الآونة الأخيرة في نسخ صغيرة جداً يصنعها صاغة المجوهرات للمشاهد الطبيعية والصور الشخصية والتعبيرات التجريدية والطبائع الصامتة، مقدَّمة بشكل رائع ومؤطرة ومعلقة في قلائد أو أقراط أو دبابيس للزينة أو خواتم. وخلافاً للمنمنمات الفنية نفسها، وكانت تُمنَح تاريخياً بوصفها رموزاً للحبّ تُخفَى عن الآخر ليستمتع بمشاهدتها سرّاً، لا يوجد شيء خفيّ في هذه اللوحات الحديثة: عندما يكون الصائغ هو مؤطر الصور، تنال هذه المجوهرات حباً كبيراً بالتأكيد.

بحثت سيلفيا فورمانوفيتش، التي تتّخذ من ساو باولو مقراً، في التقاليد الفنية في أنحاء العالم كلّه أكثر من عقدين، فابتكرت مجوهرات حيوية من لوحات صغيرة استوحتها من أسفارها. وهي تعتقد أنّ لمفهوم ارتداء الأعمال الفنية صدى الآن لأنّ الفنّ يدعو إلى الألفة. تشرح: "تكون للعمل الفني المصغّر دائماً قصة تنتظر أن تُروى، وطبيعيٌّ أن يرغب المرء في معرفتها".
يرسم فنانون من راجستان بأيديهم بعض مشاهد فورمانوفيتش على قماش أو ورق بردي، وتصوّر أقراط تفصيلية أحجاراً كريمة ذات أوجه، أو لوحات تجريدية. وهناك تركيبات تصويرية في التطعيم باستخدام خشب أُنقذ من الأمازون. مجموعتها الجديدة Silk Road (طريق الحرير) (عرضت من خلال منصة فاليري ديمور Objet d’Emotion في PAD London في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي) هي ثمرة رحلة مطوّلة في أوزبكستان، حيث عملت مع نسّاجي الحرير لـ"تحويل" سجاد حريري تفصيلي إلى شكل مصغّر لم يسبق له مثيل، حيث يتكوّن كلّ قرط مؤطّر من 1,600 عقدة حريرية صغيرة.

"ثمة انتقال إلى الجزء الأكثر ليونة من مشاعرنا عندما يتعلّق الأمر بالمجوهرات"، كما تقول لويزا غينيس، التي تتعاون مع فنانين معاصرين لصنع أعمال قابلة للارتداء لصالح دار عرض خاصة بها في لندن، وهي مرجع عالمي في علاقة الفنّ بالمجوهرات. تضيف: "كان الناس كباراً جداً وجريئين فترة من الوقت، لكن ربما نكون مستعدّين لشيء ألطف وأصغر، لقطعٍ تدلّ على مستوى عالٍ من البراعة الفنية. فالتفصيل والسرد يجعلانها شخصيةً أكثر وخاصةً أكثر".
"لقد كسرنا الأحكام المطلقة والقواعد"
"نشأت في عالم المجوهرات، ولم يُنظَر إليه على أنه شيء فني، وهذا أمر مزعج جداً"، كما يقول كريستيان همرلي من الجيل الرابع من صاغة المجوهرات الألمان مالكي مؤسسة تحمل اسمهم، وهي معقل للذوق الممتاز – والمميز. يضيف: "لكننا لسنا مقيّدين بالحدود التي وضعتها حرفتنا منذ مئة سنة أو نحو ذلك؛ لقد كسرنا ’الأحكام المطلقة‘ والقواعد، لذلك إذا نُفِّذت حرفة الصائغ بمهارة ودسّ روحه في ثنايا حلية يصنعها، سيكون قد ابتكر عملاً فنياً".
يتجذّر الكثير من ردّات الفعل الشخصية للفنّ في طبيعة الفنّ الذاتية، ويسعد همرلي بحقيقة أنّ العملاء يؤثّرون في التجربة بنظرتهم وخيالهم، بينما يتعامل فريقه "مع مواد تكلمنا، بغضّ النظر عن الأسباب، وغالباً ما لا نعرف ’مصيرها‘ عندما نختارها". يتميز الأوبال أو العقيق الطبيعيان المعززان بالمعالجة الصحيحة بجاذبية المشاهد الطبيعية الشبيهة باللوحات أو الشواطئ المجرّدة، في حين يشبه خشب الكولا المتحجّر قماشاً تعبيرياً مشغولاً بالكثير من الحيوية.
![]() |
![]() |
المشاهد الطبيعية الرومانسية – أو بدقة أكثر، مشاهد الأحلام – هي ميزة لعلامة Venyx التجارية الخاصة بأوجيني نياركوس، التي أسّستها قبل عقد، وتجمع بين شغفها بالمجوهرات العتيقة والعالم الطبيعي في جمالية تنزل بين منزلتي الموضة والفنّ. تشرح نياركوس: "أتذكّر أنني استلهمت من قرطين لبيغي غوغنهايم قبل سنوات، مصنوعين بلوحات صغيرة رسمتها إيف تانغي". (ارتدت غوغنهايم قرطاً منهما مع قرط آخر صمّمه ألكسندر كالدر في عام 1942 لافتتاح دار العرض- المتحف النيويوركي الخاص بها The Art of This Century).
في حين أنّ ثمة العديد من المشاريع مع فنانين أحياء، تطلق Venyx أيضاً إصداراً محدوداً من مجموعة مكوّنة من تسع قطع بالتعاون مع عقار مان راي، الذي عرض تصميمه الأول للمجوهرات في International Exhibition of Modern Jewellery في لندن في عام 1961. القلائد المطلية بالمينا على الذهب، المتوفرة بدءاً من كانون الأول (ديسمبر)، تتضمّن تكريماً لمشهد الألوان الزيتية السريالي الخاص بمان راي لعام 1934، Observatory Time – The Lovers (وقت المراقبة – العاشقان).

المشاهد الطبيعية والسماوات المهيبة لـ Dryada، لدى نياركوس، مبتكرة بالذهب والأحجار شبه الكريمة، بعضها مؤطّر بالألماس الترابي أو الورديّ الملوّن. وهذه كلّها أجزاء من إسقاط Venyx لكون خيالي، كون متجذّر في التجربة ومملوء تصوّفاً وخيالاً. في أحد المشاهد، أعادت إحياء ذكرى أول قمر مكتمل في العام يرتفع خلف شجرة من خشب الورد الهندي باستخدام عقيق شجيري فيه شوائب تشبه الفروع، مدعوم بقمر ذهبي منحوت يدوياً. القطع مفعمة بالحيوية والروحانية، وهي عاطفية بجرأة.
تذهب المجوهرات الراقية الجديدة من Gucci، التي تضرب بجذورها أيضاً في رحلة عاطفية، بمفهوم الفن القابل للارتداء نحو خاتمة أكثر زخرفة وخيالاً وغرابة. مع أداء أليساندرو ميشيل دور "المصوّر الأسطوري"، تدمج القلائد والخواتم والطيات النقوش الفسيفسائية الدقيقة العتيقة التي نراها في الآثار الرومانية وفي المشاهد الطبيعية. ثمة توتّر إبداعي واضح إذ تصطدم الجاذبية التاريخية للفسيفساء بصندوق مليء بالأحجار الكريمة الوفيرة.
بغضّ النظر عن المدرسة الفنية التي تحبّونها، تصبح الفنون الصغيرة مثيرة للاهتمام بالتأكيد، فتصير المجوهرات معرضاً يجب أن يُشاهَد في كلّ غرفة.