ليست فرانشيسكا أمفيثياتروف، المديرة الفنية الأنيقة دائماً لقسم المجوهرات والساعات في Louis Vuitton، أول من يتوقع المرء أن يجده حافي القدمين في كهف، بل ومبتسماً أيضاً. لكن ها نحن هنا، ظهيرة يوم يميزه النسيم العليل، في الطرف الجنوبي الغربي ذي الكثافة السكانية المنخفضة من جزيرة فينتوتين الصغيرة (طولها 2.8 كيلومتر وعرضها 880 متراً). تتجوّل أمفيثياتروف، من دون شبشب Birkenstock 1774، في أرجاء مغارة على جانب جرف، وتشرح بسعادة كلّ منحنى وحجرة وصخرة منبثقة عنها.
هذا الكهف ليس عادياً. السقف الحجريّ، المقوّس في نصف قوس غير متساوٍ، مطليّ بالأبيض؛ إلى الخلف، ينحرف ناحية فتحة طبيعية محاطة بزجاج تتدفّق من خلالها أشعة الشمس. يتعرّج جداران في منحنيات متقطعة إلى أسفل جوانب الكهف: دُمج في أحدهما مقعد للاستلقاء، بينما رُكِّبت مدفأة في الجهة المقابلة، ويمثّل الجزء الداخلي المبني بطوب رماديّ وورديّ باهت معنى من معاني النعومة. تحيط به، في حضن شبه دائري، مساحة منخفضة مخصّصة للجلوس. ويشكّل مطبخ مفتوح في وسط الكهف منحنى شبيهاً بحدوة الحصان، يتّخذ سطحه الأسمنتي شكل منضدة تيرازو نفسه الذي يغطي الأرضية كلّها. وهذا يضفي، تقريباً لكن ليس تماماً، بعض الخشونة على الملمس الرقيق والمبهج تحت الأقدام. أقف في وسط الكهف فلا أجد فيه زاوية مستقيمة واحدة.


مفترضٌ أن تأخذكم المنازل المخصّصة للاستجمام والعطلات بعيداً عن الأعمال اليومية الكئيبة، ولا يمكن الابتعاد كثيراً عن صخب حياة المصمّم المحترف في القرن الحادي والعشرين بأكثر من كهف في جرف تَشكّل خلال عصر البليو-بليستوسين. مع ذلك، فإنّ كهف أمفيثياتروف حديث تماماً، ويشبهها جداً: على مدار السنوات العديدة التي رمّمته خلالها، استخدمت عينها الحادة لتدرك الشكل والنسبة اللذين يمكن أن يتحمّلهما كلّ شبر من مساحته البالغة 150 متراً مربعاً. عملت على تنعيم الأسطح، ودمج الهيكل، وإضفاء الطبقات في نعومة مادية ولونية، بقدر ما هو ضروريّ جداً فحسب. مثل الأحجار الكريمة المقطوعة بدراية – والمجوهرات البسيطة لكن المذهلة التي تصمّمها أمفيثياتروف بنفسها وتنجذب إليها – تمّ تعزيز الطبيعة الأساسية للكهف من خلال التدخل البسيط. تقول: "لم أقم بتزيينه كثيراً حقاً، لأنه لا يحتاج إلى الزينة".
"لم يعمل المعماريان في كهف من قبل، لكنهما فهما حقاً ما أريده"
لم تفكّر أمفيثياتروف يوماً أن يكون منزل عطلاتها كهفاً، لكن فينتوتين، إحدى جزر بونتين الإيطالية (بينها بونزا، على بعد نحو 25 ميلاً (40 كيلومتراً) إلى الشمال الغربي، هي الأكثر شهرة)، كانت دائماً على قائمة الأماكن التي تودّ أن تمتلك فيها كهفاً يوماً ما. أمضت فصول الصيف في شبابها الغني مرتحلةً مع أبناء خؤولتها في الجزيرة (والدتها إيطالية، وكان والدها الأميركي مديراً لمكتب مجلة Time وعمل متنقلاً بين اليابان وروسيا وروما ولندن). اليوم، يمتلك أبناء الخؤولة هؤلاء ويديرون فندق Agave e Ginestra الساحر أسفل حديقة أمفيثياتروف الأمامية. تقول لي: "في ذلك الوقت، لم يكن هناك فندق؛ لسنوات، كان كلّ شيء شبيهاً جداً بمواقع معسكرات الهيبيز. عندما كنت أكبر سناً، أعيش وأعمل في الخارج، لم آت إلى هنا فترة طويلة. لكن قبل نحو 10 سنوات، أحضرت زوجي [المستثمر ورجل الأعمال بِن كوروين]، ورأينا هذا الكهف فصرنا مهووسين به".

كان المسار معقّداً، بين حبّ من النظرة الأولى ومساحة صالحة للعيش. "كان علينا أولاً أن نجعلها آمنة جيولوجياً قبل أيّ شيء آخر. لذلك قمنا بكثير من العمل هناك"، تقول، مشيرة إلى الحجر المطليّ فوقنا. "لكن، نظراً إلى أنّ الجزيرة محمية كلّها [هي أحد المواقع الحاملة علامة European Heritage Label]، حُظِر أيّ تعديل تقريباً". لإدارة المشروع، جنّدت فرانشيسكا كابيتاني وماركو لانزيتا من شركة LaCap للهندسة المعمارية الرومانية. "شيّدا بعض المنازل في بونزا. وبالرغم من أنهما لم يعملا في كهف من قبل، فهما حقاً ما أريده: مدخل نظيف وعدد قليل جداً من مواد البناء".
عمل معهما المهندس الهيكلي فرانشيسكو مانشيني، ومهندسة معمارية ثانية هي مونيكا فاسانو، وقد سهّلت الحصول على الموافقات، وهي في الأغلب الجزء الأكثر إثارة للقلق في أيّ مشروع ترميم إيطالي. ("لكن، إذ أتحدّر من ثقافة أنكلوسكسونية، أردت أن يكون كلّ شيء على ما يرام تماماً"). بيد أنّ العبقري الحقيقي، كما تقول، كان بنّاءها، جوليو سينسي، ولقبه البروفيسور، الذي حقّق بإصرار الأفكار كلّها أثناء إقامته فعلياً في الموقع عدة أشهر.


أمضى الفريق السنة الأولى أو السنتين الأوليين في تركيب العديد من العوارض الفولاذية على شكل الحرف H وقضبان فولاذية وشبكات هيكلية. تقول: "حفرنا في الصخر مثل الجبن وصنعنا جهاز الدعم هذا". كذلك وُضِع أحدث نظام للتدفئة والتبريد والتهوية. وأصبح الثقب الطبيعي منوراً مزوّداً بألواح نوافذ وستائر تعتيم إلكترونية مصمّمة خصّيصاً للمكان. جرى هذا كلّه بينما كانت أمفيثياتروف تعيش في نيويورك ثم في كونيكتيكت، تسافر للعمل (إلى جانب دورها في Louis Vuitton، الذي تنتقل من أجله بانتظام إلى باريس، أطلقت في هذا العام Pauer، وهي مجموعة أساور قابلة للتخصيص للجنسين صنعتها بالذهب والفضة)، وكانت في أثناء الجائحة تدير مشروعها هذا عبر تطبيق التراسل WhatsApp. أضف إلى ذلك الصعوبة الكبيرة في إيصال المواد والشحنات إلى الجزيرة، حتى من روما، ومرّت، كما تقول، أكثر من لحظات قليلة قالت فيها: "يا إلهي، ماذا فعلت". وكانت النتيجة "مكاناً صلباً"، دافئاً شتاءً وبارداً صيفاً وخالياً من الرطوبة بشكل ملحوظ.

إنه مكان سحريّ جداً. غرف النوم الثلاث هي تجاويف في كلّ منها منصة نوم مرتفعة، وهذه أرقى تعديلات يمكن تخيّلها في غرفة صغيرة، وأسرّة ذات طبقات من البياضات من Tessitura Calabrese من بوليا وبطانيات Loro Piana الكشميرية المصنوعة بحسب الطلب. الغرفتان الصغيرتان خاصتان بولدي أمفيثياتروف، نيكو وستيلا ماي، فيما تقع الغرفة الرئيسية خلف المطبخ. صمّمت Tree، وهي شركة لصناعة الأخشاب في روما، وحدات التخزين. الخزانة ذات اللون الأبيض اللامع وأبواب الخزائن مغطّاة بنمط دائري أبيض على أبيض من تصميم أمفيثياتروف الخاص المصنوع بمادة ملمّعة شديدة اللمعان: "يكون النمط غير مرئي حيناً، فيما يكون واضحاً أحياناً، اعتماداً على الضوء".

أسفل المنور مباشرةً يقع حمام الكهف، ترتفع جدرانه إلى منتصف المسافة فحسب حتى السقف الحجري، مواكباً المنحنى غير المستوي للكهف. تقول إنّ تنفيذ ذلك بشكل صحيح "كان أصعب جزء في تصوّر المشروع بأكمله. كان علينا أن نفكّر حقاً في كيفية صنع ما لا يبدو هيكلاً غريباً مضافاً إلى المكان". تُريني الداخل: المرحاض إلى اليسار (مع روائع من Lego صنعها نيكو ليزيّن بها المكان)، وغرفة الاستحمام إلى اليمين، وفي الوسط مساحة يغمرها الضوء فيها حوض عريض.
"حفرنا في الصخر مثل الجبن لإنشاء جدار دعم"
يشبه المطبخ الداخلي إلى حدّ كبير باراً ترفيهياً. تقول أمفيثياتروف: "يعمل كلّ شيء بالتيار الكهربائي بسبب مخاطر الحريق، لذلك كان علينا أن ننتقي أحدث التقنيات. لأكون صريحة، لم أكن أريد حقاً مطبخاً داخلياً، لكنّ الجميع أقنعني أنني بحاجة إلى مطبخ شتوي". تقودني في الهواء الطلق لأعجب بنظيره الخارجي الذي يمتدّ على طول منحنى جدار الحديقة: موقد، مشوى، حوض كبير، ثلّاجتان مخفيتان بعيداً خلف ستائر مصنوعة بنسيج قطني طويل من خيوط القوارب من Loro Piana (في الواقع، الوسائد والأقمشة القطنية كلّها من Loro Piana وملائمة لمختلف الأحوال الجوية). في الحديقة، يغطي سطح مائدة بيضويَّة كبيرة ذلك التيرازو الدافئ. وتصطفّ خلفها وسائد بيضاء وزرقاء رائعة ووسائد مكسوّة خاصة بالمآدب.
![]() | ![]() |
في داخل الكهف وخارجه، نلاحظ أنّ الأثاث قليل، إلّا أنّ مزيج العصور والأنماط والمواد يمنح المكان شخصيته الوازنة. تقول أمفيثياتروف: "وجدت هذه المرأة الرائعة في تورينو، أورتينسيا كومبانسا، التي اشترت لي عدداً قليلاً من القطع الرائعة حقاً من سوق المنتجات العتيقة هناك". من بين هذه القطع مصباح أرضيّ مصنوع من أشجار نخيل الخوص يعود إلى السبعينيات صمّمه الفنان المكسيكي ماريو لوبيز توريس؛ ومجموعة من مصابيح الطاولة النحتية المعيارية الخاصة بعام 1977 أنتجتها شركة Yamagiwa الصناعية اليابانية. تأتي كراسي الروطان والخيزران القديمة في الحديقة، وهي من تصميم روهي نوردولد، من موقع Catawiki الهولندي للمزادات. في مكان آخر، زارت أمفيثياتروف Soho Home لتختار طاولات للقهوة مطلية بلون قشدة الزبدة (مستخدمة في الكهف وفي الحديقة)، إضافة إلى كراسٍ ذات مساند من Garret، ومصباح معلّق من الروطان في سقف المطبخ وعربة مشروبات نحاسية صغيرة.
في وقت مبكر من المساء، تخرج العربة إلى الفناء الأمامي، حيث نجلس معجبين بالأعمال اليدوية التي صمّمها مهندس المسطّحات الخضراء المستقرّ في روما لوكا كاتالانو مستخدماً المواد المحلية الموجودة في الحديقة – بلوط هولم، وأشجار نخيل قصيرة، وشجيرات مزهرة مختلفة، وأعشاباً. أخبرتني أنه حصل أخيراً على تكليف لإعادة تصميم المشهد في سانتو ستيفانو، وهي إحدى جزر بونتين لكن أصغر كثيراً وتقع على بعد كيلومترين من الشاطئ، ويمكن رؤيتها بوضوح في الأفق؛ وقد كانت ذات يوم معقلاً لآل بوربون، وتضمّ سجناً، وهي الآن جزء من حديقة وطنية محمية. تصف شبكة الصهاريج التي أنشأها الرومان منذ ألفي عام في فينتوتين لجمع مياه الأمطار، وإرث جوليا ماجوري – جوليا الكبرى، الطفلة البيولوجية الوحيدة للقيصر أوغسطس، والتي نُفِيت إلى الجزيرة وتوفيت هناك. تمجّد الطعام في Un Mare di Sapori، الواقع في المرفأ الروماني القديم، وتضحك بسبب مداهمتها حديقة الخضار العضوية لأبناء خؤولتها في آخر الطريق إلى منزلها. تغيب الشمس في البحر الورديّ. لا صوت هنا إلّا الريح. خلفنا، يبدو حجم كهفها: جوهرة تُرِكت خشنة، خلافاً لأي شيء آخر في هذه الجزيرة، أو في أي مكان آخر.