مجلة الرفاهية العصرية تصدرها إيلاف بالاتفاق مع فايننشال تايمز

فنّ

"لقد هزمناكِ يا شاكيرا!"

من دبي، وقبل أن ينتقل إلى الدوحة والرياض، عبّر غوردو عن فخره بأغنية Tukoh Taka الرسمية لكأس العالم التي أنتجها ووزع موسيقاها، وتحدّث عن نضج تجربته الفنية

غوردو محيياً حفله الصاخب في The Penthouse بفندق FIVE Palm Jumeirah في دبي غوردو محيياً حفله الصاخب في The Penthouse بفندق FIVE Palm Jumeirah في دبي

"هذا المكان مدهش. الناس هنا رائعون، يتميزون بكرم ضيافة قلَّ مثيله". هكذا يعبّر غوردو، منسّق الأغنيات والمنتج العالمي، عن فرحه بزيارته الثانية إلى دبي، ويضيف: "إنها المرة الأولى التي أؤدي الأغنيات هنا.. إنها طاقة جميلة وعظيمة، والنوادي التي زرتها رائعة، والموسيقى فيها مميزة". كان الأمر يتجاوز توقّعاته كلّها، من دون شكّ.

كان عاماً رائعاً لغوردو (اسمه ديامانتي أنتوني بلاكمون)، إذ أنتج نحو نصف أغنيات ألبوم Honestly, Nevermind لمغني الراب الكندي درايك، ثم جال حول العالم عارضاً فنّه الغنائي الأميركي اللاتيني الفريد من نوعه بعدما توّجته مجلة DJ Mag المنسّق الأول من أصل إسباني عالمياً، وصنّفته مجلة Billboard منتج الأغنيات الأول في العالم. تعاون مع النجم الكولومبي فايد في أغنية Hombres y Mujeres، وها هو يختم عامه بإنتاج وتوزيع أغنية Tukoh Taka الصاخبة، النشيد الرسمي لكأس العام 2022 في قطر. وهذا هو أول نشيد رسمي كُتب لمثل هذا الحدث العالمي بلغات عدة: إنكليزية وإسبانية وعربية.

منسّق الأغنيات والمنتج غوردو

في 25 تشرين الثاني (نوفمبر) المنصرم، أضاف غوردو، 31 عاماً، إلى سجلّه الذهبي أول حضور شرق أوسطي له، في حفل صاخب شهده The Penthouse بفندق FIVE Palm Jumeirah في دبي، قبل أن يتوجّه إلى قطر ليشارك في مهرجان Aravia المواكب للحدث الكروي العالمي في الدوحة، وبعدها إلى الرياض مشاركاً في مهرجان Soundstorm، وكلا الحدثين من تنظيم شركة MDLBeast السعودية. في تلك الليلة، تمايلت دبي على إيقاعات غوردو التي يقلّ نظيرها، إذ تلاحمت هذه الإيقاعات المتحدّرة من ثقافات موسيقية شرقية وغربية ولاتينية، لتثمر وحدة إيقاعية واحدة لها سماتها الخاصة. أليست أغنية Tukoh Taka خير دليل على ذلك؟ بالتأكيد… وقد طغت على جولته هذه مساهمته الفنية في إنتاج نشيد كأس العالم، الذي انتهى من العمل فيه منذ نحو عام ونصف العام. يتحدّث عن هذه الأغنية بفرح بالغ، ولسان حاله يقول إنه فخور فعلاً بما صنعت يداه: "سجّلت هذا اللحن بالتعاون مع شركة Play-N-Skillz للإنتاج، ومع منتجين آخرين، وأرسِلَت فوراً إلى المسؤولين عن البحث عن المغنين الملائمين لأدائها. بدأ هذا البحث قبل ستة أشهر تقريباً. استمعت إلى التسجيل النهائي للأغنية قبل أسبوعين تقريباً من صدورها. كان رائعاً فعلاً، خصوصاً أن المغنيات الثلاث، مالوما ونيكي ميناج وميريام فارس، لم يجتمعن في مكان واحد، بل تعاونّ في تسجيل الأغنية عن بعد. أتت النتيجة باهرة برأيي". 

"حين سنحت لي فرصة المشاركة بالمونديال موسيقياً لم أتردد لحظة واحدة: هذا الأمر لا يتكرّر ثانية"

يتوقّف قليلاً، يدندن مقدّمة الأغنية، ثم يقول: "أحبّها فعلاً. وأحبّهنّ فعلاً. كلّ واحدة منهنّ أسطورة بذاتها، في مكانها وزمانها. مالوما أسطورة في أميركا الجنوبية، وفي دول العالم الناطقة بالإسبانية. ونيكي ميناج أسطورة في شمال الكرة الأرضية. ميريام فارس واحدة من أساطير الغناء الاستعراضي في العالم العربي". يرى في هذا الثلاثي "الأسطوري" مثالاً نموذجياً على التواصل الفني الرائع بين نجوم عالميين، في حدث ربما يكون الأضخم رياضياً. أتظنّ ذلك؟ يجيب معتدلاً في جلسته في بهو FIVE Palm Jumeirah في دبي: "كيف لا.. إنه ’المونديال‘. أشاهد هذا الحدث الكروي منذ طفولتي، وحين سنحت لي فرصة أن أقرن اسمي به، شعرت بأن هذا الأمر لن يتكرّر. إنه حلم تحقّق. ربما هو أروع أحلامي وقد تحقّق". يقف فجأة، تخاله يتحرّك كأن بين قدميه كرة يريد أن يركلها بعيداً. ينتبه إلى من حوله، فيجلس سريعاً كأنه تذكّر أمراً مهماً فاته. يقول محدّقاً فيّ: "أتيت إلى هنا لأكون صلة وصل بين أنواع موسيقية مختلفة، بين مشاعر وأحاسيس وجدانية مختلفة، أتيت إلى هنا لأتكلّم لغة واحدة توحّد الجميع، لغة الموسيقى العالمية، وأعتقد أن الحظ حليفي، فهذه الأغنية متصدّرة سباقات الأغنيات في أكثر من 30 دولة حالياً. أليس هذا صدىً جيداً؟". 

ترتسم على محيا غوردو، الذي غادر مسقط رأسه غواتيمالا إلى الولايات المتحدة في سن العاشرة واستقر فيها، ابتسامة ماكرة، ويضيف: "لقد هزمناكِ يا شاكيرا!". فأغنية Tukoh Taka أوسع انتشاراً اليوم ممّا كانت عليه أغنية Waka Waka التي أدّتها المغنّية اللبنانية - الكولومبية في افتتاح أول بطولة "أفريقية" لكأس العالم في جنوب أفريقيا في 2010.

لا شكّ في أن هذه الأغنية والنجاح الذي أصابته على المستوى العالمي، مضافين إلى نجاحات راكمها في عام 2022، مسائل ولّدت في نفس غوردو شعوراً بالانبعاث. في كلماته وأسلوب كلامه نفحةٌ من النضارة: "نضجت بين ليلة وضحاها"، يقول، "وها أنا أنتقل إلى فصل ثانٍ من فصول حياتي. لا يبقى الإنسان على ما هو عليه طوال حياته، فأن أنضجَ هكذا، سريعاً، أمرٌ أعدّه عضوياً بالنسبة إليّ، فأنا بدأت مسيرتي الفنية وكنت بعدُ صغيراً. ثلث حياتي مختلف تماماً عن ثلثيها الآخريين. أنا الآن غير ذاك الإنسان الذي كنته في عشرينياتي. ما عادت موسيقاي مجنونة، إنما صارت أكثر نضجاً، أشدّ إثارة، وأسهل استماعاً، وأكثر استمتاعاً. ربما لأن وتيرة نبضها الإيقاعي صارت أبطأ... قليلاً". عندما كان غوردو أصغر سناً، كان مهووساً بالسرعة: "من صفر إلى 100 في رمشة عين" كما يقول، "أردت أن أعيش ردّات الفعل الصاخبة، فصنعت الموسيقى التي تلبّي هذه الرغبة الدفينة فيّ. أما الآن، فتلائم موسيقاي من يتمتّعون بالوقت وبالصبر للإصغاء، لا الاستماع فحسب. في الإصغاء قدرة خفيّة على تقبّل الفنّ والتلذّذ بالجمال، خصوصاً بالجماليات النمطية في الموسيقى".

غوردو مع النجم الكولومبي فايد

كان نمط غوردو سريعاً دائماً: موسيقى Techno وHouse. يقول: "السود والمِثليون في أميركا هم من أطلقوا موسيقى Techno الإيقاعية الصاخبة. وعندما ذاع صيتها، أخذها الأوروبيون وطوّروها. نعيش الآن في عصر أغلبية منسّقي الأغنيات الناجحين فيه من البيض. لا يمكنني تخيّل هذا الأمر: ابتكر السود هذا النمط السريع، فلا نجد اليوم منسّق أغنيات أسود ذائع الصيت عالمياً. ثمة موسيقيون ومنسّقو أغنيات ينتمون إلى الأقليات المختلفة. لكنّ المشاهير من البيض". بالرغم من ذلك، غوردو مستمرّ في رحلته الفنية، "وهمّي الوحيد اليوم أن أذكّر الجميع بمصدر هذه الموسيقى، بأربابها، وأن أوسّع الأفق أمام منسّقي أغنيات سود بدأ نجمهم يلمع شيئاً فشيئاً، كي ينالوا ما يستحقون من نجاح وتقدير".

"في الإصغاء قدرة خفيّة على تقبّل الفنّ والتلذّذ بالجمال"

في خضمّ هذه الاستدارة، كيف سيدبّر غوردو علاقته الطويلة والمتينة بالمغني درايك؟ لا أعرف إن كان غوردو قد توقّع هذا السؤال فتحضّر للإجابة عنه. يقول واثقاً: "درايك يقدّر رأيي في الموسيقي وتقييمي الأغنيات والإيقاعات. هذه حقيقةٌ تعني لي الكثير، وهي ساهمت فعلياً في إنجاح ألبومه الأخير Honestly, Nevermind. درايك يعرفني جيداً، لذلك يبدو الأمر سهلاً. عندما كنا نُعدّ هذا الألبوم، أقمت في منزله شهرين. صار منزله منزلي، وهذا أمر خيالي. فأن تكون قادراً على أن تدخل إلى مطبخه، وأن تسترخي في غرفة جلوسه، وأن تأوي إلى فراشك في غرفة خصّصها لك، مسائل لا تُضاهى في روعتها". هذه العلاقة التي نسجها الثنائي أتاحت إمكانية الخروج بأفكار مبتكرة، وبإيقاعات لم تُسمع من قبل. يضيف: "ألا تعرفين قصة أغنية Sticky؟". كان غوردو في الطائرة عائداً من البرازيل، وكان مريضاً. وصلته نحو 15 أغنية من المغني ومؤلف الأغنيات الأسترالي راي كومينغ، المعروف باسم راي أكس. يروي مستمتعاً: "كنت عائداً من ساو باولو إلى تورنتو في رحلة تستغرق 13 ساعة تقريباً. وفي لحظة صفاء، سمعت إيقاع هذه الأغنية في أذنيّ كأنها وحي. حين وصلت المنزل كان درايك قد استيقظ لتوّه، وكانت الساعة الرابعة تقريباً. على المائدة، دندنت له الإيقاع فيما كان يمضغ طعامه، فإذا به يبتلع ما في فمه دفعة واحدة، ويصيح: ’هذا جنون. هذا جنون‘، فسجّلنا Sticky في تلك الليلة. هكذا نعمل. هكذا نبتكر أغنياتنا. هكذا نحقّق أحلامنا". 

في ألبوم Honestly, Nevermind ثماني أغنيات، لكنّ واحدةً منها تحتلّ قلب غوردو: "Tie That Binds، إنها مفضّلتي. إنها الأغنية الأولى في الألبوم التي عزفتها منذ بدأنا التحضير لإنتاجه، وهي الأغنية الأولى في الألبوم التي انتهينا من العمل فيها". يدندن غوردو جملةً من هذه الأغنية: "من دون شكّ، سأمنحكِ كلّ وقتي، سنمشي معاً حتى النهاية، فأنتِ تبرزين أفضل ما فيّ يا حبيبتي، بلا جهد بلا عناء". في دبي، ثم في الدوحة والرياض، قدّم غوردو أفضل ما في جعبته من موسيقى، وهزّ مشاعر الملايين، حتى قبل أن تهتزّ الشباك في الملاعب الضخمة في الدوحة.

شارك برأيك

0 تعليقات