مجلة الرفاهية العصرية تصدرها إيلاف بالاتفاق مع فايننشال تايمز

تحقيقات ومقالات

انفجار الألوان

ينبض منزل برو ليث وجون بلايفير في مقاطعة غلوسترشاير بالحياة، تماماً كما الأسلوب المزيّن بألوان قوس قزح الذي تتميّز به نجمة البرنامج التلفزيوني Great British Bake off

برو ليث © جايك كورتيس برو ليث © جايك كورتيس

نعم، هذا المنزل غنيٌّ بالألوان، لا بل هو غارق في الألوان. ما كان وارداً أبداً أن تكتفي السيدة برو ليث وزوجها جون بلايفير بلون واحد حين شيّدا منزل أحلامهما في مقاطعة غلوسترشاير. وكانت النتيجة هي أن نقف أمام عدد كبير من ألوان Pantone الرائجة وقد طُلِيت بها جدران المنزل وأرضه، يضاهي ما نجده في مجموعات ليث الشهيرة للقلادات المصنوعة من كريات كبيرة. "نسمّيه ’انفجار برو‘"، كما يقول بلايفير الذي كان مصمماً للأزياء، وهو متزوّج من الكاتبة والمذيعة والطاهية منذ عام 2016.

يعكس هذا المنزل نظرة ليث الاستشرافية الإيجابية. تقول: "أعتقد أنّ على الأشخاص ارتداء الأصفر شتاءً"، فيما تصطحبني عبر مطبخها المزدان باللون الليموني. تحيط عنقها بواحدة من نحو 200 قلادة معلّقة كأنها عمل فني على جدران غرفة نومها المطليّة بالأخضر البحري، بينما يشبه إطار نظّارتها Rubik’s Cube بألوان أساسية زاهية.

المكتبة وغرفة الطعام التي كانت تستخدم في السابق كحظيرة © جايك كورتيس
حديقة الفناء مع أصائص أزهار وخضار موسمية © جايك كورتيس

نعبر غرفة الجلوس فنقع على ستائر مصنوعة بقماش مخمليّ مخطط بالغرافيتي من Timorous Beasties، تبدو كأنها من حقبة الثمانينيات بما يُلائم باقي عناصر الجوّ العام في المكان. إنه مكانٌ للمتعة، يحلو فيه خَبز قوالب الحلوى واحتساء النبيذ. وقد تُحدّثك نفسك بأن تتجوّل في أرجائه على لوح التزحلق. تروي ليث: "التقينا أخيراً حول مأدبة غداء رائعة مع أحفادنا العشرة. أعطينا كلّ واحد منهم شجرة ليزرعها في الحديقة. تتراوح أعمارهم بين 14 عاماً وأسبوعَين، لذلك كانت لبعضهم مساهمة أكبر من البعض الآخر في زرع الأشجار".

إنه مكانٌ للمتعة، وقد تُحدّثك نفسك بأن تتجوّل في أرجائه على لوح التزحلق

تحيط بالمنزل مساحاتٌ شاسعة من الأراضي استمتع بلايفير وليث بتنسيقها إذ استعانا بتفاصيل مختلفة، ابتداءً من شجرة اصطناعية يتبيّن أنها عنصر ديكور مائي، وانتهاءً بنحو 160 شجرة مثمرة نادرة أو مهدّدة بالانقراض. يقول بلايفير مع ضحكة مكتومة على شرفة AstroTurf التابعة لغرفة نومهما فيما ننظر إلى البستان النضر في الأسفل: "دعوني أخبركم لماذا تُعتبَر نادرة. لأنّ شكلها مشوّه ومذاق ثمارها ليس حلواً. الأمر الوحيد الذي يمكننا فعله هو تحويل التفاح إلى نوع من الكحول".

ليث والمعماريّ تشارلي لوكستون، ليث تقف على رسم للكرة الأرضية بورق الذهب عليه شعار أسرة زوجها جون بلايفير. يتدلّى من السقف فانوس عتيق أضفت عليه أيمي دوغلاس، نسيبة ليث، لمسة خاصة © جايك كورتيس
حجرة التلفزيون، وفيها كنبة مخصصة للكلب تاتي من فصيلة كينغ تشارلز © جايك كورتيس

يزدهي المنزل ومحيطه بعناصر كثيرة، منها رسوم كرتونية لبرنامج Bake Off (المنافسة البريطانية الكبرى في الطهو) في المرحاض بالطابق السفلي، وتمثال صُنع بمادة البوليسترين بحجمٍ حقيقي استخدمته شركة Royal Shakespeare Company سابقاً في بلدة ستراتفورد أبون أيفون في تصوير مشهد مكتظ بالحشود: اشترته ليث بسعر 5£، ودهنته بالغرافيت والمادة الصمغية فحوّلته إلى ما يشبه منحوتةً للنحّات غورملي جاثمة على سياج في محيط المنزل. إنها بادرة غريبة جداً من السيدة التي تتميز بأسلوب خاص بها إلى درجة أنها وقّعت اسمها في عام 2019 على مجموعة من المجوهرات والنظّارات. "أجمع آنية خزفية قديمة"، تقول ليث مشيرةً إلى نجفةٍ في سقف مكتبها النابض بالحياة طَلَت جدرانه بالفيروزي وأضافت إلى النجفة لمسات خاصة بفضل فناجين شاي منقوشة بنقشة الزهور، وقلادات مزخرفة بتصاميم الزهور وبلوازم متناسقة للخياطة. 

تمثال يمثل راقصتين مع قلادة صنعتها ليث وجدّتها © جايك كورتيس

أنشأت ليث مدرسة لتعليم الطهو، وألّفت ثماني روايات و14 كتاب طهو، وصارت كنزاً وطنياً قبل وقت طويل من تحوّلها نجمة عالمية من خلال برنامج The Great British Bake Off. كانت تعيش في منزل غير بعيد من مدرسة الطهو، لكنها في ثمانينياتها الآن، وزوجها في سبعينياته، وقد قرّرت ابتكار منزلٍ يكون بيتاً أزلياً لهما، ويكون كذلك مساحة لهو يقضيان فيه تقاعدها الذي يبدو أنّ كليهما غير مستعدَّين له. يقول بلايفير: "سألنا ثلاثة أشخاص أن يقترحوا أفكاراً علينا. صمّم اثنان منهما منزلاً أشبه بالدير المصنوع من مكعّبات لعبة Lego، بينما ابتكر الثالث، وهو معماريّ، منزلاً عشقناه". 

رفوف في المطبخ © جايك كورتيس

إنه المعماريّ تشارلي لوكستون الذي يكاد يضاهي ليث في حضوره الطاغي على شاشات التلفزة، إذ يشرف على مجموعة منوّعة من البرامج التي تتناول فنّ العمارة. اقترح لوكستون مشروعاً طموحاً لكنّه وجد متعةً كبيرة في التخطيط لتنفيذه. يقول: "كان هذا المكان في الأصل منزلاً زراعياً مبنيّاً بالحجر، فيه الكثير من الحظائر المتداعية والآلات الزراعية. وكان الهدف دائماً تشييد بناء جديد"، مضيفاً: "رسمت المخططات بناءً على فكرة مستلهمة من شكل أسطواني مركزي، أي حجرة جوهرية تتفرّع منها بقيّة أقسام المنزل، وكلّ شيء مرتفع عن الأرض قليلاً، في تجسيد للفيلات المصمّمة بأسلوب المعماريّ بالاديو، ولفكرة الطابق الرئيس في منزل كبير على الطراز المعماريّ الذي ساد في عصر النهضة. يستخدم هذا الأسلوب إيقاع العمارة الكلاسيكية، لكننا تمكّنا من دمج الكثير من العناصر المستدامة فيه، مع عزل إضافي، وزجاج ثلاثي الطبقات وخصائص مانعة لتسرّب الهواء".

مطبخ Omega الأبيض والأصفر، مع أرضيته المصنوعة بمادة Senso الصمغية © جايك كورتيس
غرفة نوم ليث © جايك كورتيس

إن نظرت إلى ذلك الشكل الأسطواني المركزي، فيبدو كخدعة بصريَّة. إنه مكوّنٌ من ردهة عادية إنّما عصرية مزيّنة بالجصّ المصقول قد تُولّد انطباعاً للوهلة الأولى بأن باقي المنزل مصمَّم على طريقة المعماريّ جون بوسون. لكن بدلاً من ذلك، نجد على الأرض رسماً ضخماً لكرة أرضية بورق الذهب، مع شعار عائلة بلايفير الاسكتلندية ملتَفّاً حول خط الاستواء: "Sic te non videmus olim" (ويُترجَم بما معناه "لم نكن هكذا دائماً"). استُلهِم الرسم الغرافيكي من خاتم لا يبارح إصبع بلايفير، ويتميّز بالخَتم المزدان به. عُلِّق فوق الكرة الأرضية فانوسٌ عتيق طلبت ليث من نسيبتها أيمي دوغلاس إضفاء لمسة خاصة عليه بأشكال طيور وقردة مصنوعة بورق الذهب والنحاس. تقول: "كان محفوظاً طوال عصور، إنه قوطيّ وداكن وبسيط، وقد رغبتُ في إضفاء طابع مبهج عليه".

الديكور في غرفة نوم بلايفير مستوحى من أسفاره © جايك كورتيس
جدار مجوهرات ليث، من تصميم بلايفير © جايك كورتيس

يعكس بعض الغرف أذواق ليث، وبعضها الآخر أذواق بلايفير

يتشارك الزوجان عناصر ذوقية كثيرة، لكنّ إنجاز المنزل شهد تجاذبات ممتعة بينهما. يعكس بعض الغرف الأشياء التي تحبّذها ليث، فيما تعبّر غرف أخرى عمّا يفضّله بلايفير – بما فيها غرفة نومه حيث يختلي بنفسه، وفيها سريره القديم بأعمدة أربعة. وهناك أيضاً غرفٌ تجمع بين ذوقي الزوجَين، مثل المكتبة الرئيسة (التي تضم غرفة الطعام) بسقفها المقبّب. نجد في أحد أركانها لوجات زيتية موضوعة في أطر مزخرفة، وكذلك صفوفاً من الكتب، وفي الركن الآخر نجد لوحات وسجّادات جدارية تقتنيها ليث. حجرة المكتبة بحدّ ذاتها هي الأكثر لفتاً للأنظار في المنزل، فجدرانها مطليّة بالأحمر الزاهي، وأرضياتها مصبوبة بالأخضر الجوخي، ومكسوّة بمجموعة بلايفير من البسط العتيقة. في زاوية من زوايا المكتبة طاولة طعام خشبية كبيرة. تروي ليث: "يحلو لجون أن يقول للملمّين بالتحف القديمة إنها عتيقة، ولا بدّ من أنها استضافت عدداً كبيراً من مآدب العشاء التاريخية"، قبل أن تردف: "لكنه في الواقع اشتراها بسعر زهيد جداً من حانة قديمة، ودهنها بطبقات عدة من طلاء التلميع. عندما تُمعن النظر فيها، تجدها مصنوعة بخشبٍ مضغوط".

برو ليث في منزلها في غلوسترشاير © جايك كورتيس

قد لا تكون الطاولة أصليّة، لكنّ عدداً كبيراً من المفروشات العتيقة أصليّ، ومنها الطاسات المضيئة المرصوفة على ذلك السطح المموّه المصنوع بالخشب المضغوط. تبدو كلّ كرة نصفية وكأنها بيضة عملاقة مكسورة، وكلّ واحدة منها مبطّنة بلونٍ جريء مختلف يبدو كأنه يتوهّج من داخلها. تشرح ليث: "إنها من توقيع سيوبهان ومارتن مايلز مور المقيمَين في كومبريا"، مضيفةً: "أهوى عملهما، وأعجبني بريقه وما يتّسم به من لمسة يابانية مرهفة. سألتهما أن يصنعا لي بعض القطع، فأخذا يسألانني، أين يقع المنزل، وماذا يحيط به، وما هي أساساته. وحين وجدا أن المكان يختزن كميات كبيرة من الآجر، قدِما إلى هنا وحفرا ليستخرجا مواد أولية، وصنعا قطعهما الفنية بها. للآجر لون أزرق فاتح، إنه فائق الجمال".

لا ترضى برو ليث بمنزل مطبخه ليس رائعاً، والمطبخ هنا هُندِس وصُمِّم ليكون عملياً، وكذلك لبثّ الأجواء التفاؤلية. صحيح أن المنزل يقع في منطقة نائية، لكنّ المطبخ ليس ريفياً أبداً. كان الحديث الذي دار بين لوكستون وليث صريحاً: أرادت أن يكون المطبخ هنا مطابقاً تماماً لمطبخها في منزلها السابق. تعلّق ليث: "المشكلة التي غالباً ما أواجهها مع المطابخ هي أن الرجال يصمّمونها ولا يستخدمونها كثيراً. لذا لا تُركّب الأبواب في الخزائن أو الثلاجات أو الأفران مطلقاً بطريقة ملائمة تتوافق مع الحدس البديهي". طلبت أن يكون المطبخ أشبه بجزيرة فسيحة حيث يمكنها أن تطهو بارتياح في أرجائه. تتابع: "أريد أيضاً أن تكون الأشياء التي أستخدمها كثيراً في متناول يدي، وهكذا فإن أحد التحسينات مقارنةً بالمطبخ السابق هو توافر مساحة أكبر مخصصة للرفوف في هذا المطبخ. لا أريد أن تكون اللوازم التي أحتاج إليها دائماً مخبّأة في الخزائن. بنينا حجرة جانبية، وهي مفيدة جداً لتخزين الأشياء قرب المكان حيث أطهو. وفي وسط جزيرة المطبخ، ثمة صينية دوّارة طلبت إنجازها قبل 50 عاماً، وهي مصنوعة بخشب شجر الكرز. إنها من أجمل الأشياء التي أملكها، وكنت أعرف تماماً العلوّ الذي أريده لوضع البهارات والسكاكين والملاعق، وقد صُنِعت وفقاً لتلك المواصفات".

في حين أن سطوح العمل في مطبخ ليث مصنوعة بمادة السايلستون، والأرضية مصنوعة بالمادة الصمغية المصبوبة بالرمادي مع تموّجات ناعمة من الشوائب المقصودة، طُلِيَ معظم الوحدات والسمات البارزة في المطبخ بالأصفر، وتحديداً بلون الليمون الصقلي الرائع. في الطابق العلوي، يجمع حمّامها بين اللونَين الأخضر والأحمر. فهذان لونان يحلو لها أن تغوص فيهما في كل صباح، لكن حين تطهو، يستهويها الأصفر، لون حقول دوّار الشمس ونبات الخردل. تقول: "أعشق ذلك. ويعجبني حقاً انفجار الألوان المبهج". لعلّه أشبه بعرض تلفزيوني مبهر كما برنامجها Bake Off.

شارك برأيك

0 تعليقات