مجلة الرفاهية العصرية تصدرها إيلاف بالاتفاق مع فايننشال تايمز

مجوهرات

كنوز جايبور

يروي معرضٌ جديدٌ حكاية حِرفة هندية تختزن كنوزاً رائعة

كريشنا شوداري ووالده سانتي في قصر العائلة © أبيشِك بالي كريشنا شوداري ووالده سانتي في قصر العائلة © أبيشِك بالي

في أسفل طريق عادي في المدينة القديمة في جايبور الهندية، ومروراً بعربات تصدح أبواقها وبأكشاك ضاجّةٍ عند قارعة الطريق، نجد كريشنا شوداري منكبّاً على تصميم مجموعة أعمالٍ حرَفية الواحد تلو الآخر، وكأنه يُخرجها من كُمَّيه، داخل قصره العائلي الذي ورثه عن أجداده. بين الكنوز التي يحتضنها القصر: خلخالان ذهبيّان يعودان إلى مطلع القرن التاسع عشر، مرصّعان بألماسات مسطّحة مصمّمة بشكل حلزوني؛ وكوبٌ من القرن السابع عشر مرصّعٌ بأحجار الياقوت والزمرد؛ وحليةُ chapka للشعر من القرن الثامن عشر، عليها سمكةٌ مطليّة بالمينا الحمراء بين خيوط من الألماس والزمرد واللؤلؤ. إنها أعمال تليق بمتحف V&A أو متحف Smithsonian؛ لكنها في الحقيقة تؤلّف مجموعة خاصة بعائلة كريشنا، والتي تتكوّن من قطع أثرية مستمدّة من الماضي الهندي، في زمان ارتقت فيه حرفة صوغ الحِلى الثمينة إلى مستويات لا مثيل لها.

الواجهة الخارجية لقاعة Hall of Private Audience الخاصة © أبيشِك بالي
حِلى من المجموعة العائلية © أبيشِك بالي

يكمن بعض هذه التحف القديمة خلف الابتكارات الحديثة التي تحمل توقيع كريشنا، وهو صائغ ينتمي إلى الجيل العاشر الذي أسّس علامته التجاريَّة الخاصَّة Santi في عام 2019. يتنقّل كريشنا بين جايبور ولندن، ويصمّم حلىً فريدة ذات قيمة عالية جداً، مُعيداً تأطير الأنماط التقليدية الخاصة بوطنه الأم الهند في قوالب معاصرة، مستخدِماً في معظم الأحيان أحجاراً تتّسم بأهمية تاريخية. فهو استلهم تصميم قرطين مصنوعين بالبلاتينوم والألماس البنّي من الإطارات المزخرفة التي تزيّن جدران القصر؛ ويزدان خاتمٌ بأربعة أحجار زمرد كولومبية منقوشة من القرن السابع عشر تحوّلت إلى بتلاتٍ تحيط بألماسة وسطية قُصّت بشكل مستطيل مثمّن الزوايا؛ ويتميّز خاتم آخر كبير الحجم بنمط الشيفرون الشائع استخدامه في الأقمشة والزخارف الهندية، مع ألماسة قديمة قُصّت يدوياً في الوسط. يقول كريشنا: "يستهويني نمط الشيفرون، وترونه في كل مكان، لكنّه تقليدي وغريب جداً، وهذا الخاتم يجسّد أسلوبي في دمج نمط الشيفرون في حِلىً أكثر ملاءمة للتزيّن بها"، مضيفاً: "بمساعدة من البيئة الحاضنة والصناعة الحرَفية الفاخرة، يُضفي إحياء ذلك التصميم من جديد طابعاً عصرياً. فكرتي هي الإحتفاء بتلك التصاميم الآتية من الهند، وتسليط الضوء على هذه الأحجار القديمة، إنما بأسلوب تقليلي".

قرطان Champagne Cartouche من Santi مصنوعان بالذهب والألماس البني والألماس، السعر عند الاستفسار
خاتم Petal مصنوع بالزمرد الكولومبي من القرن السابع عشر والألماس بقَصّة المستطيل © أبيشِك بالي

ينكبّ شوداري على تصميم أعمال حرفيَّة الواحد تلو الآخر، وكأنه يُخرجها من كُمَّيه

عرِضت مجوهرات كريشنا إلى جانب قطع أثرية تملكها أسرته في متحف Phillips في  في معرض يشكّل محطة أساسية ويعتبر منصةً لبيع مجوهرات Santi وأداةً تثقيفية تشرح التاريخ الغني للأحجار الكريمة في الهند. يقول بينوا ربلين، الرئيس العالمي لقسم المجوهرات لدى Phillips: "نفتخر بالتعاون مع رؤيوي بارز في معرض نادر لأعمال كريشنا الفنية". سلّط المعرض الضوء على نحو 40 تصميماً تحمل توقيع Santi و10 قطع تاريخية، منها طقم شطرنج من القرن الثامن عشر، ومرشّة لماء الورد من أواخر القرن التاسع عشر، وعصا لحكّ الظهر مطليّة بالمينا الذهبية والخضراء؛ جميعها مرصّعة بالجواهر بأسلوبٍ لا يصدّقه عقل. يضيف ربلين عن قرار المقارنة بين القديم والجديد في المعرض: "تعكس مجوهرات Santi تاريخ أسرة كريشنا ومصادر الوحي التي عرفتها الثقافة الهندية على مرّ القرون"، لافتاً إلى أن "المجموعة العائلية المؤلّفة من مجوهرات أثرية وقطع استثنائية وأحجار كريمة صقلت رؤية كريشنا وأثّرت في تصاميمه".

جداريات في قاعة Hall of Private Audience © أبيشِك بالي

كان آل شوداري من الأسر التي استوطنت جايبور، وقد سمّيت "المدينة الزهرية" تيمّناً بجدرانها ومبانيها الملوّنة بالتراكوتا، وهي التي أنشأها المهراجا ساواي جاي سينغ الثاني في عام 1727 لتكون عاصمة راجاستان الجديدة. طلب المهراجا من شوداري كوشال سينغ، أحد أجداد كريشنا، تأسيس عمل هناك، ووهبه عقاراً مؤلّفاً من 11 قرية حول جايبور، وكلّفه مسؤوليات عدة تشمل جمع الإيرادات والضرائب، والحفاظ على القانون والنظام، ولاحقاً سكّ العملة المعدنية باسم الدولة. بمرور الوقت، أصبح آل شوداري تجّار أحجار كريمة ومجوهرات، وحافظت العائلة على هذا الإرث إلى يومنا هذا.

كان عقار شوداري التاريخي يضمّ أرضاً شيّدوا عليها قصر الأجداد Saras Sadan بين القرنَين الثامن عشر والتاسع عشر. اليوم، يعدّ هذا القصر أحد أفضل المباني المحفوظة في هذا النوع من الإنشاءات. الحيطان الخارجية مغطّاة بجداريات تحافظ على حالتها الأصلية، وتجسّد شخصيّات مختلفة مرسومة بأصباغ مصنوعة بالخضار وبحجارة تستخدم لرصف الأرضيّة. في الداخل مشهدٌ باهر يتكوّن من أقواس وشمعدانات وجداريات ترتفع من الأرض إلى السقف، فيها رسوم آلهة وأمراء يحملون لقب مهراجا وخليلات من الهندوس. تقول رافيندرا راثور، المسؤولة عن أرشيف العائلة: "حين يأتي الوجهاء لزيارة الأسرة، يستقبلونهم هنا في قاعة Hall of Private Audience الخاصة"، مضيفةً: "في ذلك الوقت، كانوا يستقبلون الذكور في الجزء السفلي، فيما تصعد الإناث إلى القسم العلوي، وينظرن من خلال النوافذ، كي لا يتمكّن الرجال من رؤية وجوههنّ".

شرفة في القاعة المركزية للقصر © أبيشِك بالي
عقد مصنوع بالكوارتز الوردي من المجموعة الخاصة © أبيشِك بالي
قرطان مصمّمان بالشكل الحلزوني من Santi ومصنوعان بالذهب والألماس، السعر عند الاستفسار

اليوم، القصر مفتوح أمام الجميع، بناءً على موعد مسبق، ويُستخدَم مقراً لشركة عائلة شوداري، Royal Gems and Arts، التي يرأسها والد كريشنا، سانتي شوداري، الذي أطلق كريشنا اسمه على علامته التجارية. Royal Gems and Arts هي بمنزلة الأرشيف للمجموعة العائلية المؤلفة من لوحات وأعمال حرَفية ومجوهرات، والتي تستقطب القيّمين على المعارض والأكاديميين الذين يستخدمونها مورداً لهم، كما تعد بمنزلة دارٍ للتصميم تبتكر مجوهرات لعملائها في مختلف أنحاء العالم.

 "للإيطاليين طبيعة الهنود نفسها؛ عائلات كبيرة وتركيز على الطعام والثقافة"

يسعى سانتي شوداري بصورة منتظمة إلى إثراء أرشيف عائلته بالمواد وتجديده، وغالباً ما ينكبّ على ذلك في إيطاليا، حيث يمضي وقتاً طويلاً، وحيث يُقيم عدد كبير من عملائه. يقول سانتي: "زرت إيطاليا أول مرة في عام 1978، وأنا أحبّها كثيراً"، مضيفاً: "أشعر أن للإيطاليين طبيعة الهنود نفسها؛ عائلات كبيرة وهناء وتركيز على الطعام والثقافة". تُحفظ المجوهرات والأحجار الكريمة التي يجمعها من خلال شبكاته في أوروبا والهند بوصفها قطعاً تاريخية، أو يُعاد تحديد الغرض منها بابتكار تصاميم جديدة من خلال Royal Gems and Arts أو Santi. يقرّ كريشنا بأنه يختلف كثيراً مع والده على استخدام الأحجار الكريمة. يروي: "يحدث دائماً أخذٌ وردّ في موضوع الأحجار. كانت هناك ألماستان من نوع Golconda حاولت إقناعه بأن يسمح لي باستخدامهما، وذات يوم، حين كان [والدي] مسافراً، أخذتهما إلى المشغل وصنعت شيئاً منهما. غضب قليلاً، لكنه أحبّ التصميم حقاً. وقد بعتُه على الفور".

قد يتشاجر الأب وابنه أحياناً حول الأشجار الكريمة، لكنّ رسالة واحدة تجمعهما، وهي إطلاع العالم بأسره على المجوهرات الهندية، وتحدّي التصوّرات الدولية عن هذه المجوهرات. يقول كريشنا: "ينظر الأشخاص بطريقة معيّنة إلى المجوهرات الهندية"، مضيفاً: "جلّ ما أفعله هو محاولة تغيير هذه النظرة. أحبّ بلادي وأحبّ تراثي. أنا صائغ، لكنني لست صائغاً هندياً فحسب، بل يكتسي عملي طابعاً دولياً".

قاعدة عملاء Santi خير دليل على هذا الطابع العالمي الذي يتمتّع به كريشنا، فهي ممتدة في آسيا والشرق الأوسط والولايات المتحدة والمملكة المتحدة. يقول تيكا شاتروجيت سينغ، المستشار السابق لرئيس مجلس الإدارة لدى دار Louis Vuitton، والصديق والعميل المخضرم لعائلة شوداري: "إنها أسرة استثنائية إرثُها عظيمٌ، ويعتزّ أفرادها كثيراً بتمثيل الهند في العالم"، مضيفاً: "وأنا أرى أنهم من أبرز الصاغة في العالم. لكلّ قطعة من مجوهرات كريشنا حكاية، سواء أتعلّق الأمر بتاريخ الحجر أم بمصدر الإلهام. كلّ حلية فريدة من نوعها، وهذا ما يجذب العملاء إليهم برأيي. إنه سيّدُ حرفته".

هذه حرفةٌ لا تحظى في معظم الأحيان بالصدقية أو الوقار بالقدر الذي تناله أشكالٌ فنية أخرى، كما يقول كريشنا، الذي يضيف: "لا تتمتع مهنة صوغ المجوهرات بمهابة هندسة العمارة؛ ولا يحظى قصّ الأحجار الكريمة بالتقدير الذي يناله الرسم. أعتقد أنني أغيّر هذه النظرة من خلال رحلتي في استكشاف هذه الأحجار القديمة الجميلة، وإعادة الإبتكار بواسطة الحداثة". الآن، تصاميم كريشنا جديرةٌ بأن يُقام لها معرض خاص، شأنها في ذلك شأن المجوهرات التي تؤلّف أرشيف عائلته.

0 تعليقات

شارك برأيك