ما أجمل الصيف، ففيه أشعر أنني مفعمة بالحيوية. تدفئ الشمس بشرتي، وتنير روحي أيضاً، وكل ما أريد أن أفعله صيفاً هو إقامة الحفلات. قرأت يوماً كتاباً قصيراً ألّفته إيتيل عدنان عنوانه The Sun on the Tongue (الشمس على اللسان). لم يتناول الكتاب مسألة طعم الشمس أو ذاك الشعور الذي تتركه أشعّتها على اللسان، كما لم يُجب عن هذه التساؤلات، لكنني قضيت وقتاً طويلاً أفكر في إجابات محتملة. أيكون طعم الشمس عسلاً؟ أو ربما يكون تيناً؟ تذوّقت بعض حبات الفراولة الدنماركية أخيراً، واعتقدت أن طعمها هو طعم أشعة الشمس. فبالرغم من كل شيء، تنعم الدول الاسكندنافية بالشمس في الصيف.
![]() |
![]() |
وجدت نفسي في كوبنهاغن مشاركةً في الاحتفال بإطلاق مجموعة من الأدوات المنزلية صمَّمتُها بالتعاون مع علامة Hay التجارية الدنماركية المتخصّصة في التصميم. سمّيت المجموعة Sobremesa، وهذه كلمة إسبانية تستخدم للدلالة على الوقت الذي يقضيه الناس إلى المائدة بعد الوجبات، أي بعدما ينتهون من تناول الطعام. إنه وقت يقضيه الإنسان مستمتعاً بصحبة الآخرين، وبالهضم والاسترخاء وتذوّق لذة الخمول. إنه حلقة الشراب التي تلطّخ مفرش المائدة، والمثلجات الذائبة في قعر الكأس... وضمن الاحتفال بإطلاق مجموعتي، طهوت عشاءً على شرف 60 شخصاً ينتمون إلى قطاع التصميم، في منزل ميتّي ورولف هاي، مؤسِّسَي Hay. ماذا تفعلُ حين تجد نفسك في مدينة غريبة، مكلّفاً بالطهو لعدد كبير من الناس؟ تتصل بصديق. اتصلت بالشيف الدنماركي فريدريك بيلِه براهِه لأخبره أنني آتية إلى المدينة، وأحتاج إلى مساعدة في الحصول على المكوّنات، وربما أحتاج لمن يمدّ لي يد العون.

أخبرني فريدريك عن جيانكارلو، وهو رجل إيطالي أسطوري يُفترض أن يأتيني على متن شاحنة مبرّدة مليئة بالفاكهة والخضروات الصيفية اللذيذة التي يمكنني شراؤها فوراً بالكيلو. كنت مذهولةً، ومشككةً قليلاً. ألن أحتاج إلى طلب كلّ شيء مقدماً؟ ماذا لو لم يصلني صنفٌ ما؟ ماذا لو لم يأتِ جيانكارلو نفسه أبداً؟ الشيء الوحيد الذي كان عليّ أن أشكّ فيه هو الشكّ نفسه. في اليوم السابق لذاك العشاء، وصل جيانكارلو في شاحنته البيضاء المبرّدة، وترجّل من مقعد السائق، وفتح بابها الضخم وقال تفضّلي. هناك، شعرت بالشمس على لساني، ففي الجزء الخلفي من تلك الشاحنة، ومن أرضيتها إلى سقفها، كُدِّسَت صناديق مليئة بالمنتجات الصيفية اللذيذة. وجدت هناك أوراق شمّر هي أفضل ما رأيت في حياتي. كان هناك أيضاً الليمون الأصفر المخضرّ من سورينتو والتين والكاشم والليمون الأصفر وأزهار الكوسة والبطيخ، وصناديق تحتوي على أنواع مختلفة من الطماطم... كانت تلك نعمةً صيفية خالصة.
![]() |
![]() |
وجدت في كوبنهاغن أوراق شمّر هي أجود ما رأيت في حياتي"
حين عدت إلى المنزل، التقطت الأعشاب والأزهار في المطبخ المطلّ على ساوند، وهو المضيق الفاصل بين الدنمارك والسويد. استندت قائمة الطعام إلى تفسيري لما يمكن أن يكون طعم الشمس: أزهار الكوسة المحشوة بالريكوتا والأنشوفة والليمون الأصفر؛ هريس الفاصولياء مع الطماطم وأزهار الشمّر، والشمّر المطهو ببطء مع صلصة gribiche (صلصة مصنوعة بالمايونيز وصفار البيض والزيت)؛ البازلاء والفاصولياء العريضة الطازجة في زيت الكاشم مع نبتة لسان الثور المزهرة؛ سمك البقلة المسلوق في ورق التين والمقدم مع صلصة aïoli (صلصة المايونيز بالثوم)؛ بطاطا جديدة، وأخيراً فراولة دنماركية مع meringue (هلام الكريما) وcrème anglaise (كريما معدّة بصفار البيض والحليب والسكر والفانيليا) والبابونج. كان ثمة الكثير من الأزهار الصالحة للأكل، لأن بائعتها كانت لطيفة جداً فقطفت لي بعضها من حديقة والدها. لست حريصةً على استخدام المكوّنات للتزيين فحسب، وإذا وجد مكونٌ ما طريقه إلى أحد الأطباق، فذلك لأنه لذيذ ولأن له هدفاً من وراء ذلك. مؤكدٌ أن لورق التين وأزهار الكوسة أهدافها الخاصة.
قبل خمس عشرة دقيقة من موعد وصول الضيوف، بدا أن الصيف الدنماركي الذي لا يمكن التنبؤ به حضّر لنا مفاجأة. بدأت قطرات مطرٍ قليلة بالهطول، وسيطر الذعر على كلّ من ساعدنا في تنظيم هذا الحفل. أعلينا نقل الموائد كلها إلى الداخل؟ لكن، تم إعداد كل شيء بأسلوب جميل! بقيت هادئةً، ووقفت كعادتي في المطبخ، أحشو أزهار الكوسة بالريكوتا، زهرة تلو أخرى. كنت أعلم علم اليقين أن الصيف لن يخذلنا، وأن الشمس ستشرق من جديد تكريماً لجميع هؤلاء الناس - للمزارعين وموزعي الخضروات والطهاة - الذين يضحون بالكثير من أنفسهم في سبيل إسعاد الآخرين، ويطاردون الشمس دائماً. ما إن بدأ الضيوف في الوصول حتى انقشعت السماء، وأشرقت الشمس بأجمل أشعّتها. بقيت السماء منارةً حتى قبل منتصف الليل مباشرة، وغادرتُ كوبنهاغن ولي فيها 60 صديقاً جديداً.