حين طُلِب من مصمم الحدائق تود لونغستاف - غوان إنشاء حديقة وتحويل الحدائق الواسعة حول إيستكورت في ويلتشاير لصالح مالكيه الجديدين نيكولا وجايمس ريد، وصل إلى المكان ليعثر على مزرعة للخيول فيها حوض قديم حُوِّل إلى مزود، بجوار البيت مباشرة. يقول: "ليس عادياً حقاً أن نجد بيتاً يعود إلى ذلك الزمن لا يزال يضم خيولاً تعيش قريبةً هذا القرب من المطبخ. ونادرٌ أكثر حتى أن نجد بيتاً له حديقة مطبخ تجاوره، فهذه الحدائق كلها تقريباً جُرِفت منذ القرن الثامن عشر ونُقلت بعيداً من المسكن". إلا أن المكوّنات الأساسية للأرض البالغة مساحتها نصف أكر (ألفا متر مربع تقريباً)، وشملت جدراناً حجرية جميلة من كوتسوولد وتربة مسمّدة جيداً اغتنت على مدى قرون، كانت بمنزلة هدية – تربة بيضاء مثالية للحديقة التي أنشأها.
استكشاف الإمكانيات الدفينة في الحدائق والبيوت التاريخية هو ما عمل فيه لونغستاف - غوان طوال حياته. بوصفه مستشاراً في البستنة لصالح مؤسسة Historic Royal Palaces، عمل على ابتكار تصاميم لقصر هامبتون كورت وأعاد تشكيل مساحات تبلغ 11 أكراً حول حدائق قصر كينزنغتون احتفالاً باليوبيل الماسي لجلوس الملكة على العرش. لكن منزله الخاص، بيت مالبلاكيت، وهو قصر يعود إلى نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر في ستيبني، كان هو ما سحر نيكولا عندما عرّفهما والدا جايمس بعضهما إلى بعض قبل 30 سنة. ثم شرعا في الحديث عن إيستكورت في وقت لاحق، "بوصفهما صديقين في بداية الأمر"، وعملا معاً عقدين من الزمان لإعادة إحياء العقار القديم.


ورد ذكر إيستكورت في Domesday Book (كتاب يوم الحساب). فذلك الجزء من البيت الملحق بالحديقة المسوّرة بُنِي في عهد آل تيودور، فيما أضيف القسم الأوسط من العقار في عام 1765. وعندما عُرِض للبيع عام 2003، أحبّ الزوجان هذا المجمع الريفي – لاحظا إعلاناً صغيراً في مجلة Country Life (الحياة الريفية) – بالرغم من أن البيت "بات متداعياً وآيلاً للسقوط".
تصميم لونغستاف - غوان، والذي تضمّن إصلاحاً كاملاً للحديقة المسوّرة، لم يكن سبباً في تحويل البيت والعقار فحسب، بل كان سبباً أيضاً في إشعال شرارة مهنة جديدة لدى نيكولا بوصفها مربية نحل. فحين بدأت الحديقة تتشكل، حصل جايمس على خلية بمناسبة عيد ميلاده الخمسين. "تملّكه الهلع لأنه يملك خيولاً وكان يكره فكرة تربية النحل، لذلك تطوّعتُ للسير في هذا المسار". وكانت بداية هوسها بالنحل. "إنها مخلوقات غير عادية تستحق المراقبة والمشاهدة. ساحرٌ هو طنين النحل السعيد في الربيع، وثمة كثيرٌ على المرء أن يتعلمه". تدربت نيكولا في الأصل في مجال الفنون الجميلة، وكثيراً ما كانت ترسم الزهور المنتشرة حولها. تقول: "يحيي النحل الحديقة بكاملها. ومجرد مشاهدتها تلقّح أزهار الحديقة أمر فاتن".
في مستهلّ الأمر، كانت نيكولا تهدي إنتاج نحلها إلى الأصدقاء، لكن نزوةً دفعتها إلى تلك التجربة: نقع إطارات خلايا النحل في الويسكي لاستخراج العسل حتى آخر قطرة منه. ثم بدأت بيع ويسكي العسل هذا في أسواق المزارعين المحليين قبل أن يتحول مسعاها إلى مهنة مجدية، بكل ما للكلمة من معنى. الآن، تملك نيكولا 11 خلية نحل في إيستكورت؛ و119 خلية أخرى في الحقول القريبة من العقار يديرها مربٍّ للنحل يبيع العسل إلى شركة Beeble التي تملكها نيكولا. وهما يستخدمان التقنية الأكثر تكاسلاً في تربية النحل، التي تؤخذ فيها كميات صغيرة من العسل حين يتوفر فائض منها. بعد تسييل العسل، يُمزَج في Strathearn Distillery ببرتشاير. تنتج نيكولا 50 ألف زجاجة في كل عام، وقد بدأت للتو في صنع فودكا ورَمّ العسل. كذلك، ساعد النحل بدوره في تحويل الحديقة إلى جنة.
بدأ لونغستاف - غوان عمله في مناطق قريبة من البيت حيث كانت الممرات والآفاق غاية في الأهمية، ما أدّى إلى إنشاء حديقة أزهار وفاكهة غير تقليدية تحدّها حدود مسوّرة قد ترغب العائلة في الجلوس أو المشي فيها. تحيط ممرات متعرجة بأحواض ذات استدارات تضم تتالياً من زهور تعيش موسماً واحداً، من الأغستاش والقطرم والخماسية الأسدية والبوصير والقصعين والنجم إلى جانب زهور يمكن قطافها كالمضعف والقنطريون والورد وعود الصليب والأضاليا والأقحوان. وفي النصف الآخر من الحديقة تصميم أكثر هندسية من أحواض الخضار والأعشاب والفاكهة، والجدران الدافئة المغطاة بأشجار التفاح والإجاص المتعرشة.

حصل لونغستاف - غوان على قبة منحوتة من كنيسة هنري السابع في دير وستمنستر، ويُعتقَد أنها أُزِيلت واستُبدِلت أخرى بها في القرن التاسع عشر، من تاجر للخردة في غلوسيسترشاير، وهي تحتل مركز الصدارة. "دُهِشتُ عندما وجدت القطعة. إنها منحوتة غير عادية من القرون الوسطى، وأكثر قطعة لافتة للنظر في أي حديقة صنعتها على الإطلاق". القبة مزيّنة بحيوانات متسلقة، وفي شكل مناسب، بسداسيات من أقراص العسل. تعد الأنماط الزخرفية المتعرجة دائرياً أساسية في عمل لونغستاف - غوان – وهي موضوع كتابه الأحدث English Garden Eccentrics (غرائب الحدائق الإنكليزية)، الذي نشرته Yale University Press في نيسان (أبريل) الماضي.
مع ازدياد أعداد النحل، ازدهرت الزراعة، ما يضمن موسماً طويلاً من المنتجات ولا سيما في بداية العام مع مساحات من زهر اللبن، والزعفران المزهر في وقت مبكر، وبصيلات الربيع. وازدهرت مناطق موجودة مثل غابات البلوبل ما دامت المناطق تُجدَّد بعناية. وتحتوي حديقة مسوّرة أخرى أكبر حجماً، تقع أبعد من البيت، على أكثر من 50 نوعاً من أشجار التفاح التي توفر مزيداً من الطلع والرحيق. وأضافت نيكولا نباتات يحبها النحل في شكل خاص: لا سيما الخزامى والكالونا وخبز النحل.
بالرغم من مستعمرة النحل الضخمة التي طوّرتها نيكولا، يتعايش النحل البري والبنّاء جنباً إلى جنب مع نحل العسل، وتُصنَع خلايا وهمية حتى يصبح بوسع النحل البري أن يتخذ لنفسه منزلاً هناك أيضاً. وساعد على ذلك مشروع جماعي ينطوي على زرع 50 ألف شجرة من الأشجار الأصلية. "لدينا بلوط قديم جميل جداً، وهو مشهدنا الرئيسي من البيت وقد يبلغ من العمر ألف سنة، لذلك ساعدنا تود في العثور على أشجار تدعمه بدلاً من أن تنافسه". ويشمل ذلك الدردار المقاوم للمرض، إضافة إلى أنواع مختلفة من الليمون الأخضر الصغير والكرز البري.
تؤثر الزراعة بدورها في نكهة كل دفعة من الويسكي الذي تنتجه نيكولا. تقول: "الأمر أشبه بتذوق النبيذ؛ بفضل الحصاد المبكر في تموز (يوليو)، هناك نكهتان تفاحية وليمونية مميزتان. وتبدو نكهات الحصاد المتأخر مختلفة جداً. لذلك، نشرح أصالتنا بالقول إن كل زجاجة قد تختلف قليلاً". ويُستخدم هنا أيضاً نظام تصفية خاص فيبقى الطلع في الويسكي.
"سخيفة هي فكرة احتياج النحل إلينا... إذ يستطيع الاهتمام بنفسه بسعادة بالغة"
نيكولا الآن سفيرة لدى Bees for Development، وتدير دورات منتظمة مع بيل أندرسون الذي يستخدم نظام Warré: خلايا تحاكي تجويف الأشجار، بالرغم من أن نيكولا تتجنب القدر المفرط من التدخل البشري. تقول: "سخيفة هي فكرة احتياج النحل إلينا. إنه يستطيع الاهتمام بنفسه بسعادة بالغة. يستطيع المرء تربية النحل لكن، على غرار امتلاك طاولة يضع عليها الطعام للطيور، حين يكون لديه خلية في حديقته، عليه أن يترك النحل وشأنه فحسب. حين يريد المرء أخذ العسل فقط يمكنه أن يتدخل"، مشيرةً إلى أنها تقدمت أخيراً بطلب للحصول على ترخيص للتخطيط لتفتح مدرستها الخاصة لتعليم تربية النحل في إيستكورت.
يقول لونغستاف - غوان عن رحلتهما معاً: "عندما زرعنا أول حديقة مسورة، من كان يتخيل أن تصير نيكولا مربية نحل؟ بصفتي مصمماً، أحاول دوماً العمل مع البيئة المحلية وتعزيزها، لكننا أثرينا هذا المكان خلال السنوات العشرين الماضية، وهذا أمر تجاوز مخيلتي. تحول المكان إلى موقع كبير وعظيم لجمع المنتجات".
في تطور يشكل مفارقة، عشق جايمس أيضاً النحل وهو يملك الآن خليتين على سطح مكتبه في كوفنت غاردن. تقول نيكولا: "في الربيع الماضي أجرينا تجربة تذوق. جاء أولادي الستة وتذوقنا عسلي الربيعي في مقابل أحد منتجات جايمس في كوفنت غاردن، من دون أن نعرف ماذا نتذوق. ساءني كثيراً أن عسله قد فاز". ربما كانت رشفة من ويسكي العسل لتغير نتيجة التصويت.