مجلة الرفاهية العصرية تصدرها إيلاف بالاتفاق مع فايننشال تايمز

تقارير

البحث عن الرجل الوطواط

كهوف مستترة وحجرات خفية ومقصورات ومكتبات سرّية... في زوايا المنازل المثيرة خبايا مفاجئة. روزانا دودز تلعب لعبة الاختباء

باب خلف خزانة كتب باب خلف خزانة كتب

قبل قرنين من الزمان، وفيما كانت عامة الشعب الفرنسي خارج قصر فرساي تهتف بأعلى صوتها مطالبةً بكسرة خبز، كانت ماري أنطوانيت ترتعد خوفاً في غرفة نومها، منتظرة ما سيحصل. حافية جريئة، تخفّت في غير ملابسها الملكية وانسلّت من باب سرّي. حين وصل المتظاهرون الغاضبون إلى مسكن الملكة بعد دقائق قليلة، بحثوا عنها في كل مكان فلم يجدوها.

كانت الممرّات السرّية موجودةً دائماً في البيوت الكبيرة. وفي حالة ماري أنطوانيت، عرفت قلّة من المقرّبين منها بمسار فرارها. يقول المصوّر الكندي الأميركي روبرت بوليدوري، وهو من صوّر القصر ومداخله السرّية في أثناء تجديده في أوائل ثمانينيات القرن الماضي: "بُنِيَت هذه الممرّات السرّية لتكون مسارات سهلة ومريحة تصل الأماكن 'العامة' – حيث سُمِح للعديد من أفراد الشعب المخوّلين بالدخول – بالأماكن 'الخاصة' جداً". استُخدِمت حجرات مماثلة لإخفاء قادة كاثوليك في عهد إليزابيث الأولى؛ وبنى المعماري اليسوعي نيكولاس أوين شهرته بتشييدها في حجرات السلالم وتحت ألواح الأرضيات وبين الجدران، خصوصاً في قصر هارفينغتون هول في وورسيسترشاير.

مدخل خفي في قصر فيرساي © روبرت بوليدوري

بدأ ستيف هامبل، الذي يتّخذ من أريزونا مقراً له، تصميم الغرف السرّية حين كان خريجاً جامعياً، لكنه كان مهووساً بالهندسة المعمارية غير التقليدية منذ كان فتى، وقد ترسّخ هذا الهوس في المواقد الدوّارة في منزل إنديانا جونز والأقبية السرّية في قصر الرجل الوطواط. بعدما اشترى هامبل منزلاً متداعياً فيه "مجموعة من غرف النوم الإضافية" في عام 2004، صمّم على إنشاء مدخل خفيّ لا يعرفه أحد سواه. اليوم، وتحت شعار Creative Home Engineering، يبني هامبل ممرّات سرّية مخصصة لعملائه المنتشرين في أنحاء العالم كلّه، بمتوسط تكلفة يبلغ نحو 20,000$.

كيف تبنون مساحات أو ممرّات سرّية؟ يعدّد هامبل طرقه في ذلك: "خزائن الكتب بطبيعة الحال هي الأكثر شعبية. وهناك المواقد الدوّارة وساعات الحائط، وطاولات البلياردو التي تخرج من الأرض. الآن، نعمل على بناء ثلاثة أكشاك مختلفة للهاتف، وبمجرّد أن تطلبوا رقماً معيناً فسيُفتَح الجدار الخلفي". وعلى نحو مماثل، في تجديدٍ لمنزل مخرجٍ سينمائي بشمال لندن، أخفى مصمم الديكور سيمون سوس غرفةً لعرض الأفلام ونادياً رياضياً ومكتباً خلف ملصقٍ لأحد أفلام جايمس بوند.  

حمام سري من تصميم تارا كرايغ..
من Ensemblier London © ناتالي دينهام

مشكلةُ الغرف السرّية تكمن في أن الناس يريدونها سرّية دائماً. أنجز محترف الهندسة المعمارية الذي يحمل اسم صاحبه جون دِفورِست (John DeForest) عشرات المشاريع الخفيّة المختلفة على مدى السنوات القليلة الماضية، بعضها للسلامة وبعضها للمتعة فحسب، لكن أغلبها سرّي بشكل كامل. يقول: "لذلك، لن أكشف أسرارها"، لكنه يلمح إلى غرف تُخزّن فيها مخطوطات نادرة، وتركات عائلية، ومجموعات خاصة. عملاء هامبل سرّيون أيضاً، بينهم رؤساء دول يملكون ملاجئ متعددة الطوابق تقيهم من شرّ القنابل و"شخصيات مثيرة للجدل" تحاصرها التهديدات بالاغتيال. يتلخص عمله في الأغلب في "صنع الأبواب"، لكنّ استراق نظرات قليلة إلى ما وراء هذه الأبواب يكشف عن منازل سرية بالكامل، ومتاحف تحت الأرض، ومزالق، وأحواض تسبح فيها أسماك القرش.

من جانبه، يرى المؤلف والصحافي ديريك بلاسبِرغ أن إعادة تصميم شقته في أبر إيست سايد أتاحت له فرصة بناء مكان خاص يعتزل فيه. يقول عن "حجرته المكتبية"، وهي عبارة عن مقصورة للعمل صمّمتها المعمارية الألمانية يايزا أرمْبرُستِر: "على غرار الكثير من لحظات التجلي التصميمية، جاءت هذه الحجرة مزيجاً من الحس العملي والخيال".

غرفة تزيّن سرية من Landed Interiors & Homes التي تتخذ من سان فرانسيسكو مقراً © هاريس كِنجار

احتاج بلاسبِرغ، وهو رجل ينام متأخراً ويفضل شريكه النوم باكراً ("قصة أخرى نعرضها على معالجنا النفسي")، إلى طريقة للوصول إلى مكتبه من دون المرور بغرفة النوم الرئيسية. تنكشف غرفته السرية بلمسة زر واحدة، تطلق مغناطيساً يمسك باباً يبدو مرآةً مثبتة على جدار، وهذا أمر مستوحى من تصميمات شارلوت بِرّيان لمنتجع التزلج Les Arcs في ستينيات القرن العشرين. الجانب الآخر من هذه المرآة - الباب مطلي ليُطابق لون (أزرق Farrow & Ball Cook) جدار المكتب الخفي، وهو مخفي داخل الغرفة.

التصاميم السرّية الأخرى عملية جداً، وهي موروثة من عمارة نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر التي حضّت على التماثل والتوازن والسلاسة. عملت شركة التصميم Landed في سان فرانسيسكو، ورايتشل تشودلي التي تتخذ من لندن مقراً، وتارا كرايغ من Ensemblier London جميعاً على مشاريع تضم حمامات سرّية، حيث الأبواب المتماثلة مع الجدران – وهي أبواب بمفاصل خفية تُفتح بأقل عدد من الأدوات – مموّهة بورق جدران، أو بألواح للديكور، أو بخزائن للكتب.

الدافع نفسه ألهم إيما بيرنز، المديرة الإدارية في شركة Sibyl Colefax & John Fowler، فحولت حظيرة إلى غرفة للقراءة في منزلها في أوكسفوردشاير. تقول متذكرةً بابتهاج أن أحد ضيوفها عاد إلى البيت الرئيسي متحسّراً إذ اضطر إلى عبور الحديقة للعثور على مرحاض: "لم أرغب أبداً في تخريب تماثل خزائن الكتب في مكتبتي، لكنني كنت أحتاج إلى بلوغ المرحاض الموجود خلفها، فكان الحل أن أحفر باباً في داخل خزانة الكتب". 

 يؤدي الباب - المرآة خاصة ديريك بلاسبِرغ المستوحى من شارلوت بِرّيان إلى خزانته
... وإلى مكتبه المنزلي، وصممتهما يايزا أرمْبرُستِ © جيفز أندرسون / Trunk Archive

عندما سألت كارا ديليفينيي المعماري نيكولو بيني عن مكان للعب "لعبة الاختباء" في قصرها الفسيح في لوس أنجليس، كان قد بنى لها بالفعل ثلاث صالات للاستقبال كاملة وغرفة للتسلية مستوحاة من ديفيد لينش. وكان إبداع بيني، وهو عبارة عن "نفق ضيق" مصنوع بالمخمل الوردي ومبطن بالجلد يفضي إلى مخرج عبر باب الغسالة، سبباً في دفع ديليفينيي إلى تسمية بيني "مجنونها". يقول المعماري: "أحب المفاجأة والمتعة. وسواء كانت غرفاً سرية للمتعة وراء أبواب خفية أو سلالم مخفية خلف الخزائن، جذبتني دائماً فكرة البعد الجديد الذي يتعين عليكم أن تكونوا 'على دراية تامة' لتعرفوا بوجوده. وهل من طريقة أفضل لجذب ضيوفكم؟".

"أحب المفاجأة والمتعة... سواء كانت غرفاً زوجية سرية وراء أبواب خفية أو سلالم غير ظاهرة للعيان"

في الواقع، جزء من جاذبية المساحات الخفية يكمن في معرفة وجودها. وكما توضح دانييل بوبكر، مؤلفة كتاب The Closet: The Eighteenth-Century Architecture of Intimacy (خزانة الملابس: عمارة الحميمية في القرن الثامن عشر)، تمتدّ جذور جاذبية الغرف السرية إلى نوع من التتابع، أي إلى سلسلة من الغرف المتجاورة تنتهي بغرفة قابلة للقفل، تكون خزانة في العادة. هناك، كان الملوك والملكات يجرون أكثر تفاعلاتهم خصوصية؛ إذ اعتُبِرت الخزانة منطقة مخصصة للألفة السرية، وصارت مكاناً يتوق كثيرون إلى التسلل إليه. لكن بوبكر تقول إن إخفاء الأماكن السرّية "لم يكن ممكناً" على المدى الطويل. عليكم أن تلمحوا إلى الناس بأن ثمة شيئاً لا يعرفونه".

باب خلف خزانة كتب في منزل - حظيرة إيما بيرنز في أوكسفوردشاير، وهي المديرة الإدارية لدى Sibyl Colefax & John Fowler

لعلّ ذلك ما يجعل غرفاً سريةً كثيرة تأتي مع أدلّة مستترة. تشير سارة كاي، منسقةٌ للإرث الثقافي في National Trust، إلى خزائن الكتب في أوكسبورغ هول في نورفولك وتقول: "كثيراً ما يستمتع [المالكون] بأسماء العناوين والمؤلفين المطبوعة على جوانب الكتب. قد تكون تلاعباً باسم المالك أو اهتماماته، أو اسم المكان". إنه اتجاه تسرّب إلى القرن الحادي والعشرين: يبني أحد المقاولين المفضلين لدى دِفورِست "حجيرات خفية" في تصاميمهم ويترك دليلاً عليها لتكون هديةً لتدشين البيت. في مشروع آخر صمّمه اللندني براندون شوبرت، يشي رف كتب صُفَّت عليه الألعاب إلى غرفة لعب خفية.

بالنسبة إلى الآخرين، يتمثل الهدف من الغرف السرية في الخداع والعرقلة والمفاجأة. في مدريد، زوّد غونزالو باردو، مدير Gon Architects، منزله بغرفة سرية للغسيل يمكن بلوغها من خلال خزانة مدمجة في الحمام. مرة أخرى، هذه المقاربة المرحة للتصميم تاريخية: في عقار أتنغهام في شروبشاير، تصطف في غرفة خاصة دائرية ثلاثة أبواب، بابان فقط يسمحان بالدخول. تقول كاي: "إنه غرور، إنه وهم، إنه لهو – إنها طريقة للتباهي". يتلخّص تفسير دِفورِست في إخفاء باب خفي خلف باب آخر. يقول: "دخلتم إلى غرفة سرية، أليس في هذا نوع من الإثارة؟ وبالمناسبة، إليكم باب آخر يقودكم إلى مكان آخر".

يقول كل من هامبل ودِفورِست إن الاهتمام بالأماكن السرّية يكبر. "هناك العديد من الناس الذين يقدّرون حقاً الشعور بالاستعداد، ولا سيما إذا كان بوسعهم تحمل تكاليف الاستعداد". لكن، الاستعداد لماذا؟ لا يحدد هامبل الأمر، لكن الهمس حول ملاجئ تقي الناس شرّ القنابل النووية ينذر بمستقبل كئيب. أما بالنسبة إلى دِفورِست، فالإجابة أكثر إيجابية: "أخيراً، صرف الناس وقتاً أطول كثيراً في المنزل وهم يفكرون في معنى المنزل، وما هو خاص بهم، وهم يبحثون عن منافذ إبداعية".

ستشتري كوكبة محظوظة من أصحاب المساكن عقارات تضم أماكن سرّية: تبيع Savills قلعة في أنغوس في إسكتلندا لها باب سري في غرفة الاستقبال، في مقابل عروض تزيد على ثلاثة ملايين جنيه إسترليني. لكن ليس ضرورياً أن يكون السعر بهذه الضخامة. يبني Sim-Plex Design Studio، الذي يتخذ من هونغ كونغ مقراً، حجرات على شكل باب أرضي لإخفاء الخزائن والطاولات وغرف النوم الإضافية. يقول هامبل، الذي يملك شركة أخرى، The Hidden Door Store، التي تعرض أبواباً متماثلة مع الجدران وأبواباً خفية خلف الخزائن ابتداءً من 2,000$: "لدينا عملاء كثيرون من الناس العاديين".

يضيف دِفورِست، مشيراً إلى الرغبة في الحصول على أماكن خفية: "لدى كل شخص مثل هذه النزعات. ليس الأمر جنوناً مفرطاً، إنما يقتصر على السؤال: أليس هذا ممتعاً؟ إنها الروح التي تضم المشاريع على اختلاف أحجامها وأنواعها". فأين ستبنون مشروعكم؟

0 تعليقات

شارك برأيك