نشأ هيرويوكي مورايز محاطاً بالشيبوري، وهي واحدة من أقدم تقنيات الصباغة في البلاد، ويرجع تاريخها إلى القرن الثامن. وكانت أريماتسو، مسقط رأسه، مركزاً للشيبوري في البلاد، ولا تزال: و قد كان جزءاً كبيراً من العملية المعقدة للصباغة بالربط والرباط لانتاج نقشات معينة ينفذ في مطابخ عائلية وغرف معيشة، تناول فيها أطفال مثل مورايز وجبات عشائهم وأنهوا واجباتهم المدرسية.
قبل الحرب العالمية الثانية، قدّر والد مورايز، هيروشي، وجود أكثر من 10,000 من حرفيي الشيبوري في اليابان. وبحلول عام 2008، عندما قرّر مورايز مواصلة إرث أسرته الممتد قرناً من الزمان، انخفض الرقم إلى أقل من 200. فقد أثبط التصنيع والعولمة في مرحلة ما بعد الحرب الطلب على الحرف التقليدية، في حين سعى الخريجون الشباب إلى فرص عمل مستقرة في شركات كبرى. وفي مرحلة ما، بالرغم من كونه في أواخر خمسينياته، صار والد مورايز أصغر حرفيي الشيبوري سناً في المدينة.

يقول مورايز: "تصوّر الجميع في القرية أن لا مستقبل للشيبوري بعدُ، وأن الجيل الجديد لن يمارسها". لم يقتصر الأمر على شيخوخة الحرفيين وتراجع الثقافة المتمثلة في ارتداء الملابس التقليدية مثل اليوكاتا والكيمونو، بل إن كل عائلة كانت تتمتع بتصميم خاص وفريد – شارة من نوع ما – وكلما توقفت عائلة عن هذا العمل، تضيع إحدى التقنيات. لم يكن استخدام علامات تجارية محلية فاخرة مثل Yohji Yamamoto وComme des Garçons وIssey Miyake أنسجة هيروشي كافياً لتخفيف الشعور بالتشاؤم؛ فقد كان قسم كبير من الأعمال موجّهاً إلى البيع بالجملة.
بعد أكثر من عقد من الزمان، اتّخذت أعمال مورايز منعطفاً غير متوقع. جذبت علامته التجارية Suzusan، التي أطلقت في عام 2008 بوصفها علامة تجارية للأزياء والأدوات المنزلية الفاخرة، تجار التجزئة مثل Farfetch ومتجري Isetan وTakashimaya الكبيرين في اليابان بعدما كان المراد من اطلاقها مجرد منح الحرفة وعائلته هدفاً جديداً.
![]() | ![]() |
تتميز Suzusan، التي تعرض قطعاً برّاقة وفاخرة من الكشمير والقطن خطوطها سلسة، بجاذبية بين أفراد جيل جديد من المبدعين. فأصغر موظف، وهو يدعى ريوغا أوتا، انضمّ إلى العلامة التجارية في عام 2020، يبلغ 18 سنة فقط؛ يبلغ متوسط أعمار أفراد الفريق الياباني 35 سنة. وبمساعدة هؤلاء الأعضاء، يرسم مورايز – الذي يتّخذ من دوسلدورف الآن مقراً – أنماطاً تخصّ الشيبوري على جهازه iPad كي يسترشد بها الموظفون في أريماتسو، ما يسمح له بتجنّب عناء التنقّل بين ألمانيا واليابان. يقول مورايز: "أطلقت هذه العلامة التجارية لأنني أردت أن أنقل التقليد إلى الجيل التالي، قبل أن يندثر". وهو يعتقد الآن أنّه حقق هدفه المنشود.
"أردت أن أنقل التقليد إلى الجيل التالي"
يعزو مورايز الاهتمام المتزايد إلى خيبة أمل متصاعدة إزاء عالم الشركات الكبرى والرغبة بين الشباب في أن يعيشوا حياةً أكثر توازناً وأبلغ معنى. يضيف: "اعتقد الناس في اليابان أنّ المرء إذا عمِل مع Sony وPanasonic وToyota يمكنه الاستمرار حتى يبلغ ـ65 عاماً... وأن حياته مستقرة وآمنة. لكن في أثناء الجائحة، رأينا شركات ضخمة تفلس... ولم تعد التعريفات السابقة للنجاح تعني شيئاً بعد ذلك".
انضمّ أحد موظفي Suzusan، نوريوشي ياموشي، إلى العلامة التجارية بعدما ترك إحدى الشركات الكبرى لتصنيع السيارات. تتواءم قصته مع دراسات أجرتها سوزان كلاين، الأستاذة المشاركة في الدراسات اليابانية الحديثة في جامعة Hokkaido، التي لاحظت لأكثر من عقد أن اليابانيين الأحدث سناً يغادرون المدن الكبرى كي يعيشوا حياة أشد هدوءاً في الأرياف. ووجدت وزارة الداخلية والتواصل في البلاد أن أكثر من 400 ألف شخص غادروا طوكيو عام 2020. تقول كلاين: "لقد دفعت [الجائحة] حقاً الناس الذين كانوا يفكرون في الأمر إلى اتّخاذ نمط حياة مختلف. إنه تحول في النموذج".
![]() | ![]() |
في كتابها الصادر في عام 2020 بعنوان Urban Migrants in Rural Japan (مهاجرون حضريون في ريف اليابان)، حادثت كلاين عدداً من الأشخاص "الذين أرهقوا أجسادهم" (كارادا وو كواشيتا) وعانوا انهياراتٍ عصبيةً قبل أن يبتعدوا أو يختاروا ترك وظائف مكتبية تدوم مدى الحياة. وبالرغم من نيل العديد ممن درَّسَتهم شهادات جامعية عالية، وجدت أنهم كانوا يستكشفون خيارات عمل أكثر إبداعاً وتحفيزاً، أو ينضمون إلى مشروع ما، أو يبدأون تدريباً في شركات جديدة، وكثيراً ما عملوا في وظائف متعددة في الوقت نفسه.
راهناً، ما زال الشباب الذين يتجنّبون الخضوع لقواعد الشركات الكبرى ولحياة المدن أقلية. مع ذلك، تقول كلاين: "يستبعد بعضهم هذا الأمر، ويقولون إن الجميع ينزحون إلى طوكيو في نهاية المطاف، لكنني لا أعتقد ذلك". يشير توفر العمل عن بعد، وحقيقة أن الحكومة تعمل على تحقيق اللامركزية السكانية في حال حصول الكوارث الطبيعية، إلى أن الأنماط التي يبدأ العمل بها الآن ستكون محسوسةً في الأجل البعيد.


بالنسبة إلى مورايز، جدّد هذا التحوّل قوته العاملة وطريقة عمله؛ فهو يلاحظ أن الشركات العائلية الصغيرة الأخرى في المنطقة، والتي تنتج مصنوعات خشبية مطلية بالورنيش ومعروفة باسم أوروشي ومصنوعات فخارية مطلية بالمينا معروفة باسم شيبو، استفادت أيضاً من تدفق الموظفين الأصغر سناً.
"مرحلة ما بعد الرفاهية أشد إنسانية، وأشد صدقاً، وأشد فجاجة، وأكثر عرياً"
يقول هيروفومي كورينو، المؤسس المشارك والمستشار الإبداعي لمجموعة متاجر التجزئة اليابانية United Arrows، إن المتسوقين ينجذبون أيضاً نحو منتجات تقليدية أو مصنوعة يدوياً. يضيف: "إذا شاهد عملاؤنا [بعضاً] من الحرف اليدوية أو الأعمال الحرفية، فهم يحبّونها". ويرى كورينو أن الجاذبية المتنامية التي تتّسم بها الأزياء البطيئة الفريدة والجيدة الصنع مثالاً لما يسمّيه عالم مستهلكي "ما بعد الرفاهية".
لا يقتصر هذا المصطلح على منتجات مصنوعة تقليدياً. يقول كورينو: "مرحلة ما بعد الرفاهية أشد إنسانية، وأشد صدقاً، وأشد فجاجة، وأكثر عرياً". ومن عناصرها الرئيسية ذاك الوعي المتزايد في شأن الاستدامة، بما في ذلك مخاطر الإنتاج الضخم والاستهلاك المفرط. فخلافاً للعديد من البلدان في مختلف أنحاء العالم، حيث قُضِي على الشركات الحرفية الصغيرة إلى حد كبير، تحتفظ اليابان حتى الآن ببنية تحتية ناشطة من الحرفيين والشركات لتلبية الطلب.
الآن، بعدما جذب مورايز الموظفين الأصغر سناً، يركز على مساعدتهم في تعلم الشيبوري الذي قد يستغرق إتقانه عقداً. لكن، بالرغم من تضاؤل الاهتمام بعملٍ مستقرٍ يدوم مدى الحياة، لا يقلق مورايز إزاء عمل الموظفين في Suzusan فترات أقصر. يقول: "كثيراً ما أقول لموظفيَّ إنهم غير مضطرين إلى البقاء في شركة واحدة. إنها أحرار في اختيار حياتهم".