مجلة الرفاهية العصرية تصدرها إيلاف بالاتفاق مع فايننشال تايمز

تحقيقات ومقالات

اللون مِزاج

تمتزج الألوان الهادئة في دهانات كساندرا إليس المصنوعة يدوياً بسكينة وروعة في منزلها جنوب لندن

كساندرا إليس في منزلها في باترسي؛ الجدران مطليّة بدهان Cass من Atelier Ellis، الذي يتوفّر في الأسواق ابتداءً من أيلول (سبتمبر)، والنوافذ مدهونة بالأسود المعتّق © مارتن موريل كساندرا إليس في منزلها في باترسي؛ الجدران مطليّة بدهان Cass من Atelier Ellis، الذي يتوفّر في الأسواق ابتداءً من أيلول (سبتمبر)، والنوافذ مدهونة بالأسود المعتّق © مارتن موريل

ثمة انسجام مميز جداً في منزل كساندرا إليس. في الداخل، يهيمن على الأجواء هدوء استثنائي. وليس هذا الأمر مفاجئاً لمن يعرف Atelier Ellis، وهي شركة دهانات مستقلة (عُرِفت في البداية باسم Ellis Paints) أنشأتها المبدعة المولودة في نيوزيلندا في عام 2018. تُعرَف إليس بإحساسها المرهف في التعاطي مع الألوان، ومن هذا المنطلق تتعامل مع عالم الطلاء بعين الفنانة. ففي سوق مكتظة وموجّهة في الغالب نحو كل ما هو استعراضي، يتّسم أسلوبها بالجمال الهادئ، مجسداً في مجموعات الألوان التي تبتكرها سنوياً وتنتجها يدوياً في محترفها في باترسي، في موقعٍ كان في السابق مصبغة فيكتورية.

"ثمة جانبٌ مثير في العيش على علو مرتفع في المدينة"

يخترق هذا الأسلوب الجمالي جوانب حياة إليس المختلفة، ولا سيما شقةً في أعلى البناء تتشاركها مع زوجها إيد بريشارد، وابنته فرانكي، وكلبَيهم، مستر دارسي وهو من نوع لابرادور لونه بني داكن، والتريير الأسترالي أوتيس. يتّسم هذا المكان بسكونٍ بصري يعكس نمط حياة قاطنيه المدروس إنما النابض بالألفة والود. فالشقّة التي تتميز بتصميمها الداخلي الفخم والممتدة على مساحة 2,000 قدم مربع في جنوب لندن تقع داخل مبنى كان يضم سابقاً مدرسة Lavender Hill School، وهذه مدرسة ابتدائية مختلطة بناها جيه تي بايلي في عام 1891، وتقدّم الشقة نموذجاً رائعاً للعيش في مساحة أفقية فسيحة. وهذا الموقع الجميل المبني بحجر القرميد الأحمر، والمعروف باسم The Village، عدّه كثيرون من ديفيد لينلي إلى كيلي هوبن منزلاً لهم منذ حُوِّل إلى محترفات وشقق في أواخر تسعينيات القرن الماضي. يمكن الوصول إلى زاوية إليس الخاصة بعبور مدخل كان مخصصاً للفتيان في المدرسة، وهي تقع قبالة مكان كان في السابق محترف تصوير يملكه صانع الصور الاستفزازي بوب كارلوس كلارك.

كلب إليس اللابرادور مستر دارسي ينام في المطبخ المطلي بدهان Khadi؛ الرواق مطلي بدهان Tirzah © مارتن موريل

حين رأت إليس الشقّة المؤلفة من طابقين أول مرة في عام 2015، كان قد مضى أكثر من عامَين على عرضها للبيع من دون أن يتقدّم أحد لشرائها. تقول إن التصميم الداخلي كان أشبه بالكابوس بسبب أوراق الجدران المغالية في زخرفتها، والألواح المقطّعة في خشب شبيه بخشب الصنوبر، ومطبخ يطغى على المكان كأنه جزيرة بحد ذاتها. وفي ما خلا كوّة فيكتورية جميلة في الردهة، أُزيلت جميع المزايا الأصلية والمواقد. تقول: "كان المكان أشبه بكوخ Dorset سيئ جداً ومجهّز بأثاث باهظ الثمن جداً". نظرت إليس أبعد من المظهر الزاهي والقديم الطراز، فرأت إمكانات واعدة في الانطباعات التي يتركها الضوء في هذه المساحة. لم تستعن بمعماريّ، إنما استدعت رسّاماً لتجريد الداخل من محتواه والبدء من الصفر. تعلّق: "لم يكن ثمة شيء يمكن الاحتفاظ به. أظننا قد ملأنا 12 سلّة".

ما كان توسيع المكان خياراً متاحاً، لذا أعادت إليس رسمه بالكامل على امتداد تسعة أشهر، تقتطع منه وتنحت فيه ليتلاءم مع احتياجات الزوجَين. "بات مكاناً جميلاً وبسيطاً يسهل فيه العيش"، كما تقول إليس التي انتقلت من منزل بفناء كلاسيكي في بيكهام صار مرادفاً في نظرها لأروقة ضيّقة وغرف نوم ملحقة. وهكذا رأت في الانتقال إلى المنزل الجديد فرصةً سانحةً لإعادة التوازن إلى حياتها وتبسيطها، من خلال تصميم منزل خالٍ من المساحات المهدورة. يتّسم التصميم الداخلي بانسيابية أوروبية على طريقة مجموعة الغرف المتعاقبة عمودياً في خط واحد، مع غرف متناسقة الأحجام إلى حد كبير تتفرّع من جانبَي الرواق الأساسي. يشقّ الضوء طريقه من غرفة الجلوس نحو القسم الشمالي من المنزل، وتربط بينهما مكتبة طويلة وواسعة حيث كتب الفنون والتصميم والطبخ؛ ومن المطبخ وغرفة الطعام باتجاه القسم الجنوبي من المنزل.

غرفة الجلوس المطلية بدهان Cass، فيها رفوف للموسيقى والكتب، وموقد فيكتوري من Chesneys، وكراسٍ لطاولة الطعام من تصميم بورغ موهنسن © مارتن موريل

تلجأ فرانكي، 21 عاماً، إلى المكان للاختلاء كلما شعرت بالرغبة في ذلك، فتصعد سلالم منفصلة تقودها إلى "شقتها الصغيرة" القائمة بذاتها مع غرفة نوم وحمام. تقود السلالم الأخرى إلى غرفة النوم والحمام الرئيسَين، حيث يطلّ الطابق الأوسط على لندن من خلال النافذة الضخمة التي تبدأ في غرفة الجلوس في الطابق السفلي. تقول إليس: "ثمة جانبٌ مثير في العيش على علو مرتفع في المدينة". حين يكون الطقس صافياً، يمتد المنظر من تشيلسي هاربور إلى وسط المدينة.

استعانت إليس، في تصوّرها التصميم الداخلي للمنزل، بالحدس نفسه الذي تستند إليه في تصميمها دهاناتها، فهناك رواية خلف التصميم. تقول: "ابتكرتُ قصة تروي كيف يجب أن يكون المكان"، مع إبراز التركيز على الطهو والقراءة، والغرف المصممة للتأمل والاختلاط الاجتماعي على السواء. وأثبتت هذه الطريقة فاعليتها على نحو استثنائي. فالمكان رائع للعيش، سواءً تواجدت فيه إليس وبريشارد بمفردهما، أو استضافا 30 شخصاً إلى مأدبة غداء احتفالية، وهو ما حدث حين عقدا قرانهما في أيلول (سبتمبر) الماضي.

استناداً إلى الثلاثي خشب السنديان الإنكليزي للأرضية، وخشب السنديان العقَدي للمقاعد والرفوف المصنوعة خصيصاً للمكان، ورخام إمبرادور الفضي للأسطح في أرجاء المنزل، ابتكرت إليس ملاذاً أنيقاً لكن بسيطاً من دون مبالغة. تقول: "غالباً ما تكون المنازل بلا روح، أو تقع في فخ المغالاة في الديكور"، مضيفةً: "لكنها شقّة مفعمة بالمزايا الحسّية والملموسة. أردتها أن تكون مريحة وهادئة، إنما أن تكون هناك أشياء كثيرة يمكن تأمّلها والنظر إليها". هناك مزيجٌ انتقائي من الفن والتصميم ابتداءً بأضواء إيسامو نوغوشي الموزّعة في أرجاء المكان، مروراً باللوحات القماشية بريشة هوارد هودجكين، وانتهاءً بأغراض مميزة ابتاعتها من خلال موقع eBay أو عثرت عليها حين كانت تجوب الشواطئ. وفي المنزل لمسات شخصية كثيرة: عُلِّق بورتريه ذاتي لوالدة بريشارد بألوانه الزاهية في بيت السلّم، في حين أن كوّة من الرفوف المصممة خصيصاً للمكان هي بمثابة مقام مخصص للأحبة في غرفة النوم، حيث تمتلئ الرفوف بالرسوم والأغراض العابرة التي تحتل مكانة خاصة في القلب، والصور العائلية والتذكارات.

"أردت دائماً أن أصنع ألواناً رأيتها في ذهني حين عملت على هذه الأقمشة القديمة"

المادية أساسية في مقاربة إليس. فهي استخدمت معروضات نحاسية في أماكن متفرقة من المنزل لإبراز الألوان التي عمدت إلى تجديدها مؤخراً – تتنوع هذه الأغراض ابتداءً بورقة لبلاب نحاسية موضوعة في علبة من تصميم الفنانة صوفي كوريندون، وانتهاءً بضوء جداري يتخذ شكل ورقة شجر من توقيع المصمم الإيطالي توماسو باربي. في غرفة النوم، يستقر ستار حاجب مطرّز من عشرينيات القرن الماضي، مزدانٌ بصورة جورج والتنين بجانب طاولة جورجية متهادية إنما رائعة من Jolly Folke  أُحرِقت ليصبح لونها أسود، باستخدام تقنيات shou sugi ban اليابانية القديمة. في المكتبة الطويلة في الطابق السفلي مقعدٌ من تصميم حركة Vienna Secession الانفصالية أنجزه صانعا الأثاث النمساويان جايكوب وجوزف كوهن في تسعينيات القرن التاسع عشر. تقول إليس: "يُفرحني جداً الجلوس هنا وقراءة كتاب". المقعد مع تصميمه المرتفع والدقيق والذي يتأرجح بين الفن الجديد والحداثة، تؤطّره سجادة جدارية معلّقة أُحضِرت من نيوزيلندا منذ وقت طويل. هذا القماش Pacific Island، الذي غالباً ما يُسمّى قماش اللحاء، مصنوع من لحاء داخلي يؤخَذ في العادة من شجرة تين برّية أو من شجرة توت، ويُزيَّن باستخدام الدهان أو الصباغ المصنوع من الخضار.

المدخل المطلي بدهان Tirzah، وفيه كنبة من تصميم إليس وطاولة للقهوة من توقيع أوزفالدو بورساني © مارتن موريل
المطبخ، الخزائن فيه من تصميم إليس والمنضدة مقطّعة في خشب السنديان العقَدي © مارتن موريل

إنها عودةٌ إلى واحدة من مهن إليس السابقة، وإلى شغفٍ بالأنسجة رافقها طوال حياتها. فقد عملت منذ التسعينيات في تصميم مواقع التصوير والمناسبات لحساب قنوات تلفزيونية ومجلات بين لندن وأوكلاند قبل أن تنتقل نهائياً إلى العاصمة في عام 2008، حيث ألّفت كتباً عن الدَّرزة والأنسجة القديمة وباعت ابتكارات مصممة بحسب الطلب. تقول إليس، وهي ابنة خيّاطة ماهرة: "تعلمت منذ نعومة أظفاري الخياطة والصبغ والحياكة. لا يزال صوت آلة الخياطة يدفع بي إلى النوم". عند إلقاء نظرة على شقّتها، لا بدّ من أن تعثروا على قطعة قماش جديدة. فقد خيطت الأسرّة والكنبات والأرائك بقماشها المرقّع المصبوغ باللون النيلي، وجميع الوسائد مغلّفة بقماش باهت اللون مصنوع بقماش الكتّان أو القنّب، زُيِّن بعضها بقطع قماش فخمة تجمعها من هنا وهناك. تصرف أوقات فراغها في درز هذه القطع معاً لتصنع منها هدايا تقدمها لأصدقائها.

إليس تعمل في غرفة الجلوس © مارتن موريل

ثمة خيط رفيع جداً بين مظهر هذه الأقمشة المتلاشي، التي ترك فيها الزمن أثره، وبين دهانات Atelier Ellis بألوانها الترابية والمتميزة بدقة. تقول: "أردت دائماً أن أصنع ألواناً رأيتها في ذهني حين عملت على هذه الأقمشة القديمة". تعتقد إليس أن ابتكار ألوان ذات أساس أكثر رسوخاً، وتحتوي على العديد من الصباغات التي تتفاعل مع التغييرات في الضوء، يضفي أجواء أكثر سعادة على الغرف، وعلى ساكنيها. تحلّ مكان الألوان البيضاء اللمّاعة درجات لون ثوب Khadi الناعمة والعميقة والدافئة، ما يضفي دفئاً على المطبخ، أو اللون الأسود المعتّق الذي يتّسم بجرأة بارعة في غرفة نوم فرانكي. تقول إليس التي بدأت المزج بين الدهانات في صغرها، فكانت تزيّن المنزل اللعبة الذي صنعه جدّها في حديقة منزلها في ضاحية باباكورا جنوب أوكلاند، ثم تعيد تزيينه بخلطاتها من الألوان: "لطالما جعلتُ اللون منسجماً مع المكان والشعور".

غرفة نوم فرانكي المطلية بالأسود المعتّق، اللوحة بريشة الرسّام هوارد هودجكين وغطاء السرير مصنوع بقماش قديم ومصبوغ باللون النيلي 
© مارتن موريل

كان كل منزل من منازل الزوجَين، اللذين قاما بتطوير سبعة عقارات وبيعها منذ لقائهما في عام 2007، لوحةً قماشية لشركة Atelier Ellis. بدلاً من التقيد بإملاءات التصميم، سواءً كان مصدرها مكتبة Bloomsbury أو النزعة الخرسانية المسمّاة بروتالية، ترى إليس أن قوة اللون تكمن في التكهن بما هو ملائم للمكان والشخص. تعمل مع مهندسين معماريين ومصممين ومبدعين، منهم متجر The New Craftsmen في مايفير ومصمم الأثاث فريد ريغبي، وغالباً ما تبتكر مجموعات ألوان مصممة بحسب الطلب لمشروعات كاملة يمكن أن تبدأ بتوجيهات مقتضبة – مثلاً، طلب منها أحد المعماريين تزيين منزل كامل بألوان مائية مستوحاة من أعمال الرسّام جوزيف تورنر.

نسيج صنعته إليس من قماش قديم باللون النيلي

إليس منكبّة على إنجاز مجموعتها الأخيرة التي تصدر في أيلول (سبتمبر) المقبل، وهي احتفاء بالانتقائية والخصوصية البشرية داخل المنازل، مستعيرةً من أعمال عدد كبير من الفنانين، ابتداءً بريتا أنغوس وانتهاءً بأمريتا شير-جيل. في عصر القصف البصري، كما تقول إليس، ربما يقع الناس في ورطة حين يطلون منازلهم. فثمة خطر في اتباع الرائج من دون تفكير. تشجّع إليس عملاءها على التفكير في ما يستهويهم وفي ما يحتاجون إليه حقاً. تقول: "لدينا جميعنا ارتباطات شخصية بالألوان. المطلوب أن تأذن لنفسك بأن تختار ما تشاء". إن كانت الألوان تروي الروايات، فلن تجد مفتاح العثور على ألوانك المفضلة في Instagram، إنما تجده في أعماقك.

شارك برأيك

0 تعليقات