مجلة الرفاهية العصرية تصدرها إيلاف بالاتفاق مع فايننشال تايمز

أزياء

في شباك حارسة المرمى

تصمم مريم يحيى لامرأة تريد معاكسة المألوف، ولا ترغب في أن تماشي الاتجاه السائد. رؤية تُترجم أزياء في ورشة صاخبة في دبي

في شباك حارسة المرمى

منذ أنشأت مريم يحيى علامتها التجارية Mrs. Keepa في عام 2016، بدأت تسبح ضد التيار في قطاع الأزياء الإقليمي. والسمة الكبرى في هذه العلامة التجارية أنها لا تلائم ضعاف القلوب؛ إذ تتّسم بجرأة واختلاف مرصودين لامرأة تتمتع بإدراك عميق للأزياء وتسعى حثيثاً وراء الجودة، كما تكتسي بروح الانتقائية والاستفزاز، فهي ذاك الخليط من خطوط الجسد غير المتوقعة ومن الأقمشة الممتازة. ينبغي ألا يأتي الناس إلى Mrs. Keepa بحثاً عن أزياء رائجة، إنما للفرار من المألوف إلى تصاميم مدروسة ومبتكرة ترفض الانصياع لضغوط القطاع. خلاصة القول، إنها رؤية تُترجم أزياء في تلك الورشة الصاخبة في دبي. 

كيمونو ذهبي بنقشة المربعات، من مجموعة Harmonious Chaos Collection، لعام 2022

مريم يحيى مؤسسة علامة Mrs.Keepa التجارية


جذور Mrs. Keepa متصلة بنشأة يحيى وارتباطها العاطفي بتصميم الأزياء. ففي نشأتها بمصر، راقبت والدتها حين كانت تعتني باختيار الأقمشة، وحين كانت تصرف الساعات ليل نهار خلف منضدتها، تفصّل وتخيط. ما كان هناك علامات تجارية أو متاجر رائجة لأزياء سريعة يسهل وصولها إليها؛ وكانت ملابسها كلها من تصميم أمها وتنفيذها، فهذا ما تعلّمته منها. استوعبت يحيى تلك العملية الدقيقة والحسية لرسم تصاميم الملابس وخياطتها كما كانت أمها تنجزها، وكأنها ورثت عنها وصفة طهو عائلية سرية. لكن، ما كان لها صبر والدتها خلف المنضدة ولا إصرارها خلف آلة الخياطة، إنما كان لها رؤيتها المبتكرة الخاصة، وكان لها عين فاحصة ودقيقة في مجال النسيج وخطوط الجسد، منذ كانت صغيرة، وطوّرتها مع السنين ومراكمة الخبرات. تتذكر: "أحببت خطوط الجسد المبالغ فيها، وحين كنت أشتري القماش، كنت أنتقي دائماً الملون منه والانتقائي. وكان لدي رأي دائماً بشأن النمط، إلا أن الصبر والاهتمام بالتفاصيل لم يكونا من صفاتي يوماً. كان الإبداع الحرّ هو سبيل دائماً في الحياة، وكانت الأزياء جزءاً من حياتي تطور إلى هواية، ثم صار مهنةً مستدامة". 

صالة عرض Mrs.Keepa

حافظت يحيى على رابطها الشخصي الفريد كمديرة الإبداع في شركتها، في هيكل تقدمي لدار أزياء معاصرة وناجحة. شعارها الذي لا تتخلى عنه هو "الفضول الإبداعي"، أي أن يكون لها اليد الطولى في إنتاج قطعها من ألفها إلى يائها، فتكون هي ملهمة نفسها في مراحل التفكير والتصميم والتنفيذ المختلفة. وتطوّرت مسيرتها المهنية في اتجاه إدارة الإبداع، ثم صارت بشكل تلقائي مالكة أعمال. بالنسبة إليها، حتى الهواية تحتاج إلى رعاية، لذلك، بعدما غادرت يحيى مهنة واعدة في التسويق والإعلان، انتسبت إلى ISMOD Dubai لتتعلم أسس تصميم الأزياء. تقول: "ثمة حقيقة مهمة أدركتها: إن كنت سأؤدي أمراً، علي أن أتقنه، فلا أكون طفيلية بأي معنى من المعاني، ولا أكون مجرد مصممة أخرى في عالم تسوده روح المنافسة في كل شيء". من هذا المنطلق، تعلمتْ كل شيء من طبيعة الأقمشة المختلفة، ورسم اللوحات التصميمية الابتدائية، وأساسيات صناعة الأنماط، والطريقة المثلى لإنتاج مجموعتها الخاصة من الصفر. في عام 2016، افتتحت أول مشغل لها في القاهرة كان اللبنة الأولى لتأسيس ورشة عمل مبتكرة حسنة الإدارة. ولم تقرّر يحيى العودة إلى دبي لتخوض في سوق جديدة إلا بعد أول حمل لها. 

محترف Mrs.Keepa في دبي

ثمة عوامل عدة تدفع بعلامة Mrs. Keepa التجارية قدماً، في مقدّمها ذاك الدعم غير المشروط الذي يمدّها به زوجها باسل قماطي، وهو رجل أعمال لبناني معروف بلقب "كيبا" (keepa، أو حارس المرمى) منذ كان يمارس رياضة كرة القدم في نادٍ محلي في شبابه (ومنه أتى الاسم المحبب للعلامة التجارية). يبقى قماطي إحدى ركائز هذه العلامة التجارية، فهو مرشدها، من دون أن ننسى رؤيته الإبداعية. إلى ذلك، تحظى يحيى بمتابعة خاصة على وسائل التواصل الاجتماعي، نشأت كاستجابة واسعة لفستان عرسها الذي انتشرت صوره عبر أثير الشبكة العنكبوتية. وبالرغم من أن هذا الأمر زاد ثقل الأعباء على كاهلها بوصفها مصممة جديدة، فهو غذّى في نهاية المطاف نموّ Mrs. Keepa افتراضياً وواقعياً في آن. تقول: "لي جمهوري، وأرى عيون الجميع شاخصة في اتجاهي حين أبدع أي منتج من منتجاتي. كان لدي علامتي التجارية، خصوصاً أنني متخصصة في التسويق والاتصالات، وبارعة في بناء العلامات التجارية والتسويق، فكان لي ذاك الحضور الواضح، لكن من دون أي منتج. كانت المسألة سيفاً ذا حدين. حين يُطلق المرء مشروعاً، ربما يرتكب الأخطاء... بالنسبة إلي، كان لي جمهور واسع يشاهدني ويقول: ’حسناً، دعونا نرى ماذا ستفعل‘. الحمد لله، هذا كله ساعدني ليبرز اسمي في عالم الأزياء منذ عرضي الأول".

ليست مجرد ملابس نرتديها، إنما وسيلة من وسائل تعبيرنا عن هوياتنا الخاصة

حتى يومنا هذا، تصرّ يحيى على أنها لم تنوِ يوماً أن تكون "مؤثرة". بدلاً من الاستفادة من متابعيها وقبول العروض التي تنهال عليها، اعتمدت على قدراتها الإبداعية الخاصة، فبنت علامتها التجارية قبل أن توافق على الدخول في أي شراكات. أخيراً، بدأت تشارك علامات تجارية أخرى ووكالات تسويق مرموقة. وإلى اليوم، تنتقي العمل مع علامات تجارية محددة، ومعيارها في ذلك "أن تقدر حياتي الخاصة وأن تثق بي وبرؤيتي". 

تدسّ يحيى رؤيتها الشخصية وأسلوبها في كل قطعة تنتجها، فتأتي أزياؤها مرحةً تحتفي بالألوان الزاهية، وشاملة من الفساتين الراقية إلى الملابس الشبابية اليومية. ولعل أحدث مجموعاتها، Harmonious Chaos (فوضى متناغمة)، في ربيع/صيف 2022 تحمل دلالة كبرى على الروح الشابة والعفوية التي تتمتع بها العلامة التجارية، وتظهر نمواً مضطرداً من المجموعات المبكرة. الأشكال مبررة وذات معنى، والأقمشة ملائمة جداً لكل تصميم بذاته. تنظر إلى هذه المجموعة وتصفها بثلاث كلمات: "تتجاوز الاتجاه السائد". تضيف: "هذه إحدى أهم صفات Mrs. Keepa منذ بدايتها". 

فستان بقماش الساتان متعدد الألوان، من مجموعة Harmonious Chaos Collection، لعام 2022

تستثمر Mrs. Keepa في جاذبية تتخطى الحدود الزمنية وتعاليم المدرسة القديمة. في عالم اليوم، تحدد عملية دمج أساليب وأنماط من عصور سابقة هذه اللحظة اللماحة في عالمي الأزياء والثقافة وفي عوالم فنية أخرى. يعيد نهج يحيى تعريف الماضي كي يكون هذا الماضي في خدمة مصمم الأزياء المعاصر. تقول: "يختار كل منا أشياءَ استناداً إلى مزاجه الشخصي، من دون وعي. يصح ذلك عندما أشتري قماشاً، يشكل مرة أخرى جزءاً من هوية علامتي التجارية، فأختاره غير محدود بزمن. لا أتبع الاتجاهات أو الفصول، بالرغم من أن ثمة عناصر منها موجودة في تصاميمي. بالنسبة إلي، أحب أن تبقى الملابس في خزانتي على مر الزمان. مثلاً، أرتدي هذا الكيمونو منذ خمس سنوات، وأرتب طبقاته بطرق مختلفة. أحب أن ألمس القماش فأشعر أنه كان ملكاً لجدتي، وبقي في حال ممتازة". إلى هذه الميزة، تريد يحيى دائماً ألا يظهر جهدها حين تصمم، "فيتحرك القماش حول خطوط الجسد بسهولة، إذ تنتقل من حال استرخاء إلى وضعية رسمية، وتكون كل قطعة فريدة، وتكون لكل مجموعة سرديتها الخاصة"، بحسب ما تقول. تضيف ضاحكةً: "أنا من مواليد برج الدلو، أنا شديدة المزاجية، أنا قطار ملاهٍ عاطفي ليلاً نهاراً. وهذا ينعكس جلياً في علامتي التجارية، لكن هذا يضاعف الصعوبات التي أواجهها في التسويق لمنتجاتي".

على مرّ السنين، صقلت يحيى أسلوبها الخاص بصفتها مصممة أزياء، حيث تتطلع إلى جعل علامتها التجارية أكثر سهولة للنساء اللواتي يقدّرن الأزياء، بغض النظر عن أعمارهن أو تفاصيل أجسادهن. تقول: "في أثناء نضوجي كمصممة، تمثلت الفجوة في خطوط الجسد. وعندما أنظر إلى الوراء، يبدو الأمر منطقياً لأنني كنت أصمم وفقاً لنفسي، كنت أصنع القالب الذي أريده وفقاً لنفسي، فمرجعي الأول والأخير هو جسدي. مثلاً، أعرض كثيراً من الساقين، لكن لا ترتاح كل امرأة في عرض الكثير من ساقيها. في مجموعتيّ الأخيرتين، تأكدت دائماً من تلبية رغبات المزيد من الفئات العمرية". تضيف: "وفي اعتقادي، لا بد من أن تكون الأزياء ممتعة. فهي مسألة شخصية للغاية. وليست مجرد ملابس نرتديها، إنما وسيلة من وسائل تعبيرنا عن هوياتنا الخاصة". 

كيمونو أصفر فضفاض وقبعة سوداء بشكل الدلو، من مجموعة Harmonious Chaos Collection، لعام 2022

تنظر إلى هذه المجموعة وتصفها بثلاث كلمات: "تتجاوز الاتجاه السائد"

في شباط (فبراير) 2022، أطلقت يحيى مشروعاً جديداً ينطلق من رغبتها في إنشاء قاعدة متخصصة من عملائها الأوفياء. ينتج محترف Mrs. Keepa Studio ملابس "جاهزة" بأقمشة فاخرة لعملاء يرتدونها في مناسبات مهمة كحفلات الزفاف، كما تجرب العلامة التجارية حظوظها في سوق ملابس العرائس. ونظراً إلى الطبيعة الدائمة التطور لعملية يحيى الإبداعية، والتي تتلوى في منعطفات لا حصر لها ابتداءً بالفكرة، فالرسمة، وانتهاءً بالمنتج النهائي، اختارت عرض ملابس جاهزة يمكن تخصيصها، بدلاً من تصميمها من الصفر. في نهاية المطاف، كانت الهيمنة الإبداعية شعارها منذ بداية مسيرتها، وهي لا تخطط للتخلي عن هيمنتها هذه بسهولة. وتحافظ هذه الملابس الفاخرة للمناسبات البارزة وملابس العرائس الحصرية على جاذبية غير محدودة بزمن، تماماً كأي ثوب يحمل علامة Mrs. Keepa التجارية، بأقمشة فاخرة وتصاميم تظهر خطوط الجسد المميزة. تقول: "أريد أن أحافظ دائماً على حصرية علامتي التجارية لأولئك اللواتي يقدّرنها. لا أريد أن أكون اتجاهاً سائداً. ولا أريد أن أكون علامة تجارية ترون منتجاتها أينما ولّيتنّ. لذا، ما تشاهدونه افتراضياً وعلى موقعنا الإلكتروني هو 40 بالمئة فقط مما في مشغلي".   

صديرية مثلثة بيضاء بقماش الكريب وكيمونو أحمر بنقشة الأزهار، من مجموعة Harmonious Chaos Collection، لعام 2022

في المقبل من الزمان، تأمل يحيى في تحقيق رؤيتها: علامة تجارية حصرية تحافظ على أصالة ورؤية عملت بلا كلل على تحقيقهما. تشرح: "حلمي أن أجد متجري المتكامل في كل مدينة، وألا تكون أعمالي معروضة كما تُعرض منتجات المتاجر الكبرى. فربما أنجح نجاحاً باهراً في موسم واحد، لكن الإجهاد والطلب الشديد سيُفقدانني شغفي الإبداعي، ويتحول الأمر جلّه إلى عمل محض. هذا ما لا أريد أن أنتهي إليه. ولهذا السبب غادرت عالم الشركات". ليست Mrs. Keepa علامة تجارية لأي شخص فحسب؛ فبالنسبة إلى من يريدون الخروج على المألوف، أو إبهار الآخرين، أو التعبير ببساطة عن رغبة فطرية في الجاذبية غير المحدودة بزمن وهم يستلهمون عقوداً من الأناقة المدروسة، إنها فعلاً ما يريدون، بالضبط. 

شارك برأيك

0 تعليقات