الأخبار السيئة والمروّعة التي ينقلها من اختبروا تجربة السفر حديثاً، ابتداءً بتأخّر مواعيد إقلاع الطائرات وضياع الأمتعة أو عدم بلوغها وجهتها في الوقت الملائم، وانتهاءً بإلغاء الكثير من الرحلات الجوية في اللحظات الأخيرة، واضطرار المسافرين إلى الاصطفاف في طوابير انتظار لا تنتهي، والمبيت في المطار أحياناً على أمل اللحاق برحلات تالية، لا تلغي وجهاً إيجابياً أكيداً لكل ما يجري: عاد قطاع السفر إلى العمل بطاقةٍ كاملةٍ تقريباً، بعد نحو عامين كاملين حطّت فيهما الجائحة حجراً ثقيلاً على الصدور، حرفياً ومجازياً، وبدّلت الكثير من أوجه حياتنا. ونصيحتي ألا تدعوا الأخبار السيئة تُثنيكم عن إجازة تستحقونها بكلّ تأكيد… ولنا إجازتنا أيضاً، ووجهتنا الرئيسية في هذا الشهر جزيرة إيبيزا، التي تقدم لروّادها متعةً متوسطيةً دائمة التجدّد.

الشارع الرئيسي في سانتا جيرتروديس © آنا ويكس
في السنوات الأخيرة، تحوّلت جزيرة إيبيزا إلي قطب جاذب للمبدعين، وباتت تشكل مستقراً للنوادي والجماعات الثقافية. وتقدم قرية سانتا جيرتروديس، بحسب بول ريتشاردسون، أفضل مثال حسيّ على التحول الذي أصاب هذه البقعة الخلابة من إسبانيا. كانت سانتا جيرتروديس في الماضي قريةً صغيرة "فيها كنيسة وبائع تبغ ومدرسة وحانتان"، أما اليوم فانقلبت صورتها جذرياً، وسط دوامة من المقاهي والمطاعم والمتاجر ودور العرض والفنون التي تتكاثر فيها، وتقدم للروّاد مشروبات عضوية وطعاماً صحياً ومشغولات حرفية وفنية. يحدث ذلك كله متوازياً مع موجة جديدة من "المهاجرين"؛ إذ هناك أندريس إنكفيست، منسِّق الموسيقى السويدي السابق الذي يدير متجراً للنبيذ، وجيسيكا دانلوب، التي تزرع القش العضوي في أرض تستأجرها من السكان المحليين، وريبيكا فراين وزوجها أندي هاريس، الرئيس التنفيذي للشركة التي تنتج سلسلة The Crown (التاج) على منصة Netflix، وهما يجددان عقارهما الضخم فيزرعانه أشجاراً أصلية ويثبتان فيه قفائر نحل ونوعاً نادراً من ضفادع البليار يأملان في إعادته إلى حوضٍ للمياه البيئية العذبة يملكانه. ثم هناك روبرتو كونتالدو، وعمله في حراثة الأراضي بالخيول، وهو من تسعى إليه مجموعة من فلاحي الجزيرة الجدد الأثرياء.


سيارة Morgan 4/4 مصنوعة في عام 1977 تمر بقصر Château de la Roche Hervé، قرب غيراند © كلير غابي
نغادر ايبيزا إلى أقصى الشمال الفرنسي، لنجلس خلف المقود في سباق Rallye des Princesses الشهير، وهو سباق نسائي "يرفع أمام المشاركات عتبة التحدي، ويجعلهن صديقات إلى الأبد". أنقل ذلك عن مينغ ليو، التي احتلت المقعد الأمامي في سيارة Porsche 356 صُنعت في عام 1965 ويتخطى سعرها 100 ألف يورو، والتي شقت طريقها على مدى خمسة أيام عابرةً عشرات البلدات الصغرى العائدة إلى القرون الوسطى على طول كوت دوبال، من باريس إلى لا بول عبر نورماندي وبريتاني.


سيارة Porsche 356 الخاصة بالكاتبة © كلير غابي
يسترشد السباق، وهو في نسخته الحادية والعشرين، بسباق Paris-Saint Raphaël Féminin النسائي الرائد الذي أقيم بين عامي 1929 و1974، مستحضراً روح بعض أكثر سائقات هذه الرياضة تألقاً، مثل البارونة هيلين فان زويلين التي شاركت في سباق باريس - برلين في عام 1901؛ وبات موس، شقيقة أسطورة الفورمولا وان السير ستيرلينغ موس؛ وكارولين بوغاتي، حفيدة مؤسس صانع Bugatti للسيارات التي فازت بالسباق في سيارة Type 35B مصنوعة في عام 1937. لكن الفوز ليس هدف المتسابقات الأول. تقول فيفيان زانيرولي، مؤسسة Rallye des Princesses في لا بول: "يدور هذا السباق حول الهروب من الحياة اليومية. الرياضة والأناقة روح هذا السباق، وأريد أن تغادر كل امرأة الحلبة قائلةً: 'أنا فخورة بنفسي'".


لورين ريدلوف في غرفة الجلوس بمنزلها في ويليامسبرغ © كريسيان روز
لا نغادر فرنسا من دون أن نلتقي ماري لور سيريد، التي تقول لمينغ ليو: "اليوم، أرتدي ساعتي ذات السوار Cartier Libre حيناً وساعة Crash أحياناً، ولهذه الأخيرة تصميم أعجبت به قبل انضمامي إلى الشركة. إنه أصلي وفريد من نوعه، إنه تصميم Cartier المثالي". أفضل هديّة جميلة تلقّتها مؤخراً هي معجنات حضّرها يان بريس، الذي لُقِّب يوماً بأفضل حِرَفي في فرنسا. تؤكد أن معجناته لذيذة جداً وراقية، فهو لا يكتفي بصنع الوصفات والمعجنات، إنما يبتكر القوالب أيضاً، فهو فنان ونحات. في حياة أخرى، كانت ستكون راقصة. تقول: "رقصت ست ساعات أسبوعياً حتى بلغت الثلاثين. الرقص يعزز العاطفة".


متحف Museo Vigna di Leonardo، الذي أُهدي إلى الفنان في عام 1498 حين كان يعمل على لوحة The Last Supper (العشاء الأخير)
تصطحبنا كارلا سوزاني إلى ميلانو التي عاشت فيها وتعشقها منذ أكثر من ستة عقود. تقول: "كانت ستينيات القرن الماضي وسبعينياته وثمانينياته نابضة بالفن والتصميم، وتضم ميلانو صالات عرض كثيرة هي خير دليل على ذلك". تضيف: "الموضة جوهر هذه المدينة". بحسبها، ذات يوم، كان سكّان ميلانو يفرّون من ضوضاء المدينة عصر الجمعة ليعودوا إليها صباح الإثنين. أما اليوم، فيمضون وقتاً أطول في المدينة، في صالات العرض والمتاحف الممتعة للنظر.

المصمم السعودي محمد خوجة
تقودنا أنيمتة كلينكبي إلى السعودية، حيث تلتقي مصمم الأزياء محمد خوجة، الذي ينهل بانتظام من منابع التراث، لا سيما الحضارة النبطية. يقول: "في العلا إلهام تاريخ وألوان صحراء تلف المدينة، حيث أسّس الأنباط منذ القرن السادس قبل الميلاد مركزاً للتجارة في مدائن صالح، وابتكروا عمراناً حفروه في نتوءات الحجر الرملي هناك. إنها منطقة غنيّة جداً بقصص لا تُصدّق، تستحق أن أتأمل فيها وأن أرويها". ومن التراث يستمد رؤيته لإطلاق تصاميم تدمج روح الشرق وعصرية الغرب، وفي فكره تظهير عناصر الثقافة والتراث الشرقي في قالب معاصر، وتصدير جماليات هذه الثقافة إلى جمهور عالمي. يستقبل أنيمتة قائلاً بثقة: "أريد أن أثبت مكانة ثقافتي السعودية والعربية، فأنا لا أرى تمثيلاً كافياً لهما في قطاع الأزياء العالمي". وحين تسأله عن الهدف الأول الذي يسعى إلى تحقيقه، يقول بلا تردد: "المساهمة في إنشاء هوية تصميم سعودية معاصرة جداً، تُبرز تفكيري التقدمي من دون طمس أي عنصر من عناصر التراث، ومن دون أن أفك ارتباطي بالماضي".