تكون الحرب أصعب إن عاش المرء حرباً من قبل. هذا يفسر ردة الفعل السريعة التي أبدتها مارتينا كوجيتش رَيتر البالغة من العمر 28 سنة، التي ولدت في دوبروفنيك خلال حرب الاستقلال الكرواتية. بعد ساعات قليلة فقط من سقوط قنابل بوتين على أوكرانيا للمرة الأولى، نظمت مارتينا ملاذاً في لفيف وحافلة لنقل الفارين إلى النمسا؛ وبعد شهرين، ساعدت مارتينا في منح أكثر من 5,500 امرأة وطفل ممراً آمناً.

تعمل مارتينا، التي خدم والدها في القوات الخاصة جرّاحاً أثناء الحرب في البوسنة، على توفير المسكن والملبس والغذاء والأموال والعلاج للاجئين، فأنفقت أكثر من 200,000€ من أموالها الخاصة في هذه العملية. اليوم، تملك مؤسسة خيرية مسجلة، Mademoiselle Martina، لتوسيع نطاق جهودها. تقول: "أغلب الناس لا يفهمون خطورة ما يجري. أتلقى رسائل مثل 'نفدت منا المياه، وكنا نشرب ثلوجاً مغلية، لكن الثلوج تذوب الآن، وما تبقى مغطى بالدماء'؛ أو 'أحاول الوصول إلى الحدود مع طفليّ، وأطفال جارتي، وطفل وجدته في الشارع'؛ أو ’أحتاج إلى المساعدة، فنحن نقود سيارتنا فوق الجثث لنهرب من ماريوبول‘".

للوصول إلى من يبحثون عن ممر آمن، تستخدم مارتينا شبكتها التي تضم أكثر من 6,000 متابع على Instagram، كانت تستخدمها سابقاً مدوَّنةً في مجال الأزياء. في البداية، كان صعباً حمل النساء على المشاركة؛ فشائعٌ أن ترد تقارير عن أشخاص يتظاهرون بأنهم عاملون في مجال المساعدة الإنسانية وحالات اختفاء على الحدود. تقول: "كان لزاماً علي أن أطلب من طبيب نفسي أن يظهر على الشاشة ليتحدث بالأوكرانية مطمئناً هؤلاء".
التقت مارتينا بسرعة نساء أخريات يفكرن بالطريقة نفسها لإنشاء شبكة يمكنهن من خلالها تقديم المساعدة بشكل أكثر كفاءة. كانت إيكاترينا ماليشيفا تحاول إجلاء مجموعة من 70 يتيماً من كييف عندما تحدثت للمرة الأولى إلى مارتينا. ولدت في روسيا، وهي متزوجة من أمير هانوفر إرنِست أوغست، وتستضيف أربع عائلات في منازلها في ألمانيا والنمسا. تقول عن دافعها لمساعدة الأوكرانيين: "نحن أبناء عم. نتشاطر اللغة نفسها، والثقافة نفسها. أشعر بمسؤولية كبيرة عمّا يحدث".
بعد أسبوع من تعارفهما، رحّبت إيكاترينا بحافلة كاملة وصلت إلى فيينا، مستخدمة اتصالاتها في قطاعات الفنون والأزياء لكسب المزيد من التأييد. تقول: "شارك العديد منهم، وأرسلت علامات تجارية مثل Stella McCartney وAquazzura الإمدادات". جاءت أكبر مساعدة من إليزابيث إدلمان، المؤسسة المشاركة لوكالة Triadic الإبداعية، والتي كان جدها محامياً في محاكمات نورمبرغ. ساعدت المرأتان معاً أكثر من 150 لاجئاً حول أوروبا. تقول إليزابيث: "هذه أعداد منخفضة مقارنة بعدد الأشخاص الذين يحتاجون إلى الدعم. قررنا أننا سنخدم [الناس] الذين كنا نعمل معهم بشكل أفضل إذا ركزنا على المجموعات الصغرى، واستعنّا بحلول مستدامة بعيدة الأجل، مثل وضعهم في مساكنهم الجديدة وتأمين وظائف لهم ومدارس ودعمٍ طبيّ".
لاجئون كثيرون مرضى ويعانون آثار الصدمة. تقول مارتينا، ولها طفل في عامه الأول: "كان أحد الصبيان مذعوراً جداً عندما وصل إلى فيينا، حتى أنه قفز من الحافلة وفرّ. عثرنا عليه بعد مبانٍ قليلة مغطياً أذنيه من ضوضاء صفارات سيارات الشرطة. علينا أن نعمل على تخفيف حدّة الرعب الذي يمرّ به هؤلاء الناس".

للمساعدة في هذه الحالات، تعتمد مارتينا على فريق من علماء النفس الأوكرانيين، كما تحصل على المساعدة من مراكز متخصصة في معالجة الصدمات الأكثر شدة. تقول: "حتى الآن كان الدعم الأكثر إلحاحاً هو الخاص بضحايا الاغتصاب. نصور الآن مقابلة إرشادية شبيهة بورشات عمل مع عالم النفس في شركتنا، سننشرها على حسابنا في Instagram وعلى موقعنا الإلكتروني. نعتقد أن هذه هي الوسيلة الفضلى لمعالجة النساء لأنها تسمح لهن بتوعية أنفسهن من دون الكشف عن هوياتهن".

"الدعم الأكثر إلحاحاً هو الخاص بضحايا الاغتصاب"
بالنسبة إلى العديد من اللاجئين، إنها المرة الأولى التي يغادرون فيها أوكرانيا. تقول إيكاترينا: "يسافرون أياماً بلا طعام أو مياه أو حمّام أو مكان للجلوس. في هانوفر، لدينا الآن ثلاث سيدات في كراسٍ متحركة، وأم وابنة شبه كفيفتين، وأشخاص يعانون حالات مرضية لم تُشخَّص حتى. من حسن الحظ أننا قادرون على تقديم المساعدة الطبية".
يبحث بعض القادرين على العمل عن وظائف كطهاة، وبستانيين، ومرافقي كلاب، لكن الهدف النهائي هو العودة إلى أوكرانيا ما إن تضع الحرب أوزارها. تقول مارتينا: "إنهم جميعاً ممتنّون لاستضافتهم، لكنهم يستمرون في المطالبة بتذكرة العودة إلى ديارهم". وضعت معظم اللاجئين في منازل ونزل للشباب في فيينا، وأيضاً في فرانكفورت وميونيخ ودوسلدورف. وسترسل الآلاف التالية إلى هولندا وغراز، المدينة النمساوية حيث ولد زوجها رئيس Airbnb السابق للعمليات الدولية مارتن ريتر. وبمشاركة ثلاثة من رواد الأعمال الآخرين، أنشأت أيضاً OneUkraine، وهي منظمة غير حكومية تعالج مسألة إجلاء اللاجئين، والمساعدات الإنسانية، وإعادة إعمار البلاد. وتشير تقديرات مارتينا إلى أنها جمعت نحو 5 ملايين يورو بشكل تبرعات منذ اندلاع الحرب.
تخطط مارتينا للاحتفال بزفافها في أيلول (سبتمبر)، إذا سمحت الحرب. ثمة أمر واحد مؤكد: سترتدي ملابس زفاف من تصميم Milla Nova، وهي دار أزياء أوكرانية أصبحت مالكتها أوليانا كيريتشوك الآن من أصدقاء الشبكة. تقول مارتينا: "قررت أوليانا أن تترك بولندا (حيث تنتج Milla Nova حالياً صديريات عسكرية للأوكرانيين) لتعود إلى لفيف لمساعدتنا، وهي تجلب الغذاء إلى ملاذنا في كل يوم". مريحٌ أن نرى صداقات تنشأ من الفوضى.