مجلة الرفاهية العصرية تصدرها إيلاف بالاتفاق مع فايننشال تايمز

إبداع ثنائي

داخل مدرسة الخزف: "إننا نتكلم لغة واحدة"

بفضل دروس الفنانة نيكولا تاسي الممتازة في الخزفيات، ترقّت رُوينا مورغان - كوكس من منسقة إلى مصممة، وهاكم ما بوسعها أن تفعل

نيكولا تاسي (إلى اليسار) ورُوينا مورغان - كوكس في محترف تاسي في لندن نيكولا تاسي (إلى اليسار) ورُوينا مورغان - كوكس في محترف تاسي في لندن

في مصنع سابق للأزرار إلى الشمال مباشرة من أولد ستريت في لندن، تنهمك نيكولا تاسي ببناء جدار. تقول من غرفة عملها المشرقة والفسيحة، الواقعة فوق ثلاث سلالم فوضوية الشكل داخل مجمع المحترفات Standpoint الذي تديره: "سيكون جداراً حجرياً جافاً من أوانٍ مزجّجة". في السنوات الثلاثين الماضية، تحوّل هذا المكان موئلاً تمارس فيه تاسي صناعة الخزف الحجري يدوياً، ويشهد كل ركن من أركانه على تطور حرفيتها في هذا المجال: تفيض الرفوف بالأباريق والمزهريات؛ وعلى أحد الجدران عُلّقت منحوتة غريبة؛ ويمتلئ فرنها بشكلين جذابين ينتظران وضع أحدهما فوق الآخر في إحدى منحوتاتها الطوطمية Totem، التي يمكن أن يصل ارتفاعها إلى مترين أو أكثر. في وسط الغرفة جدار متلوٍّ مبني بعناصر خزفية فردية ومتشابكة، بعضها ناعم يشبه الحصى وبعضها الآخر يتخذ شكل الأوعية. إنها القطعة الأكثر تعقيداً لديها حتى الآن، طولها متران تقريباً وارتفاعها أكثر من متر، مخصصة لعرض جماعي في Cross Lane Projects ببلدة كيندال في كامبريا.

في المعرض أيضاً، إلى جانب خزفيات للفنان المعاصر جافين تورك، والنحات الخزفي لاوسون أوييكان والخزاف المنفرد ويليام بلامبتر، طوطمان وحلقة من الحجارة على الأرض. وإذ تتقدمنا تاسي إلى أسفل السلالم نحو محترف ثانٍ أقل امتلاء، تستضيف فيه فصولاً خاصة بالخزفيات مرتين أسبوعياً، تقول عن العمل: "ثمة شيء ما عمودي - أفقي يجري هنا". آخر من التحق بصفّها المؤلف من تسعة طلاب كانت رُوينا مورغان - كوكس، المديرة الإدارية السابقة لدار العرض The Fine Art Society والتي أطلقت في العام الماضي علامة Palefire التجارية للتصميم (سمّتها تيمناً برواية نابوكوف)، التي تنتج أدوات بسيطة لكن مذهلة للإضاءة.

"في مستهل الأمر كانت التجربة متواضعة؛ كنت سيئة للغاية!"

التقت مورغان - كوكس تاسي أول مرة في 8 Holland Street، وهذا متجر لندني للفن والتصميم ساعدت في إطلاقه في عام 2018. "أنا شديدة الإعجاب بنيكولا تاسي. لذلك، عندما اكتشفت أنها تقدم صفوفاً، أخبرتها أنني حريصة على الانضمام إليها" كما تقول، مضيفة أنها التحقت بالصف ما إن صار متاحاً في عام 2019. تتذكر: "صرت مهتمة بالخزفيات من خلال بيعها في The Fine Art Society، لكنني بدأت أيضاً التفكير في أنني أود أن أصنع شيئاً مبتكراً بنفسي. في البداية، كانت التجربة متواضعة جداً. لقد كنت سيئة للغاية!".

مصباح Palefire Satellite، ابتداءً من 480£، وهذا جزء من المجموعة الجديدة التي أطلقت في نيسان (أبريل) الماضي © ماكس مييشوفسكي

هل كانت مورغان - كوكس سيئة بقدر ما تقول؟ "لا. لكن بعد ذلك..." تسكت تاسي مؤقتاً وتبتسم. "ينضم أغلب الناس إلى صفي سنواتٍ ويصنعون شيئاً خاصاً بهم. أصبحت مدرّسة كسولة إلى حدّ لا يُصدَّق، ثم ظهرت رُوينا، وكانت تدرك تماماً ما كانت تريد القيام به، ثم حاولت صنع الكثير من الأشياء المختلفة فحسب. أحسدها على لهوها هذا: لا ضرورة أن يفضي إلى مكان ما، إنما هو لمتعتها الخاصة. إني أعيش حياةً صاخبة من خلال طلابي".

تحمل تاسي واحدة من إبداعات مورغان - كوكس: كولاج خزفي من أشكال مقصوصة ومزجّجة بأزرق نيلي مبقّع، وبرتقالي محروق وأصفر ليموني، في إشارة إلى الفنان الأميركي فرانك ستيلا. تستوحي الاثنتان أيضاً من Omega Workshops، وهي قسم التصميم لدى Bloomsbury Group والتي أُسِّست في عام 1913 وطبقت جماليتها الشبيهة باللوحات على الأطباق والأقمشة وحوامل المصابيح وخزائن الأدراج.

تقول تاسي، التي تدربت في الأصل رسامةً: "طبعتُ كثيراً من الصور المرسومة على أولى قطعي الخزفية، وكان ذلك شبيهاً جداً بأسلوب Omega Workshops. كان لدي أستوديو رسم في غرفة سابقة للجنائز مع مجموعة من الأصدقاء في هوكستون التي كانت مهملة جداً آنذاك". قادها قرارها أن تحضر دروساً مسائية في صنع الخزفيات في اتجاه جديد، وهي اليوم تتعجّل في صنع الأواني، فتصنع أباريق محدودة الإصدار وقواعد للمصابيح لمتاجر مارغريت هاول، فضلاً عن توسيع قائمتها النحتية على نحو متزايد. من بين المعجبين بعملها المخرج السينمائي سام مِندِس والوكيلة والجامعة للأعمال الفنية مانويلا ويرث. تضيف تاسي: "أقارب عملي كثيراً من خلال الرسم والفنون الجميلة، وكون رُوينا تتمتع بخلفية فنية بالغة الاطلاع، إننا نتكلم لغة واحدة".

درست مورغان - كوكس تاريخ الفن قبل أن تشغل منصباً في The Fine Art Society في عام 2012. تقول عن دار العرض التي يرجع تاريخها إلى عام 1876: "لطالما تعاليت في تعريف الفارق بين الفن والتصميم، لكن عملي هناك ألغى هذا التعالي تماماً، فلهذا المكان تاريخ طويل في بيع أعمال من الفن والتصميم. في الواقع، بالغت في التركيز على التصميم بمرور الوقت، وبعت كثيراً من الأشياء المجنونة والتاريخية". عند إطلاق دار عرض The Fine Art Society الجديدة في أحد بيوت البلدات العائدة إلى نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر في سوهو في عام 2020، تمكنت من التعبير عن ذلك في المعرض الافتتاحي للدار، الذي عرض لوحات بريشة ويسلر ووالتر سيكِرت إلى جانب مجموعة من أواني الشاي من تصميم كريستوفر دريسر، وكرسي زجاجي حداثوي بمسندين للذراعين من تصميم الفنان دينهام ماكلارين موضوع على سجادة كبيرة شبيهة بلوحات من Omega Workshops (نسخها الخبير كريستوفر فار). تردد صدى ألوان السجادة في تضمين معاصر: ثلاث من منحوتات تاسي الطوطمية.

تقول مورغان - كوكس التي جلبت أيضاً عناصر شبيهة باللوحات إلى Palefire: "كان ذلك المعرض تتويجاً لتعليمي في The Fine Art Society مسألة طمس الحدود بين الفنون الجميلة والزخرفية". مثلاً، يتوفر مصباح الطاولة Parasol خاصتها المطلي يدوياً في نمطين: مربعات السترين الممتعة وتصميم متلوٍّ ملون بالأخضر وغير منتظم. تقول مورغان - كوكس: "الزخرفة من Omega  Workshops 100 بالمئة، لكنني استلهمت أيضاً من لوحات فونتانا، وأثاث جيو بونتي، ومصمم بريطاني فيكتوري يدعى تشارلز بيفان صنع أثاثاً يحمل رسوماً قوطية جديدة وشديدة الزخرفة. هذا شيء نتشاركه نيكولا وأنا، فكلانا يصنع مصابيح تلهو بمفهوم القطع الفنية والتصميم الوظيفي. نصنع المنحوتات والإضاءة في قطعة واحدة، لكن النتيجة مختلفة تماماً بطبيعة الحال".

تماثيل Haltadans وTotem من تاسي (إلى اليسار) إلى جانب مصابيح Palefire Hourglass الموجهة نحو الأعلى، ابتداءً من 320£ © ماكس مييشوفسكي

من بين الاختلافات الرئيسية بين تاسي ومورغان - كوكس أن مصابيح Palefire ليست مصنوعة من الخزف بل من لباب الورق المعاد تدويره، وهي تُصنَع في دفعات صغيرة في ورشة تديرها عائلة ببرشلونة، ثم تُطلَى يدوياً في محترف يخص العائلة ببريكستون. "عندما بدأت هذا العمل، اعتقدت أن الأسطح المصممة ستكون محل تقدير على Instagram، لكن أحداً لن يشتريها. غير أن الناس يشترونها"، كما تقول متفاجئة. "فالناس أجرأ مما اعتقدت".

في تصميم أول مجموعة لها، استندت مورغان - كوكس إلى نظام يتألف من وحدات يتكون من خمسة أشكال، هو، كما تقول، "ليس مختلفاً تماماً عن الطريقة التي تطورت بها طواطم نيكولا من تكديس القطع بعضها فوق بعض". وتظهر مجموعتها الجديدة التي أطلقتها في نيسان (أبريل) الماضي مزيداً من التآزر بين عمل السيدتين: فضلاً عن شمعدانات جدارية مخروطية ومصباح طاولة مقبب – استناداً إلى الأشكال الخمسة الأصلية – هناك مصباح أرضي يتألف من "أكوام عدة موضوعة بعضها فوق بعض بشكل أشبه بالطوطم Totem"، كما تقول مورغان - كوكس. "وهذا يعكس بكل تأكيد عمل نيكولا، لكنه يعكس أيضاً عمل برانكوسي".

كراسة تاسي للرسم © ماكس مييشوفسكي

"أحسد روينا على لهوها؛ إنه لمتعتها الخاصة"

وفي حين تباع قطع Palefire عبر الإنترنت (من خلال موقعها الإلكتروني وموقع الديكورات الداخلية الجديد Glassette)، تعرض 8 Holland Street ومارغريت هاول أعمال تاسي في لندن، وتعرضها دور عرض Hostler Burrows في الولايات المتحدة، ما يجعل السيدتين تفكران.

تتأمل مورغان - كوكس إمكانية التعاون مع صديقتها ومرشدتها قائلة: "ثمة مشروع مستقبلي خيالي يتمثل في إبداع بيئة مادية لعملي". تومئ تاسي موافقة. تقول: "سيكون هذا رائعاً، إنه شكل من مساحات للعرض تركز على المحلي، وتمزج بين النحت والرسم والأثاث والإضاءة"، مشيرة إلى أن الفنون الزخرفية تكتسب مزيداً من الاهتمام. تضحك تاسي قائلة: "الوقت ملائم يا رُوينا. فلنفعل ذلك".

palerestudio.com. بقي عمل تاسي معروضاً في Cross Lane Projects، في  Kendal LA9 5LB، حتى 25 حزيران (يونيو) الماضي؛ crosslaneprojects.com

شارك برأيك

0 تعليقات