مجلة الرفاهية العصرية تصدرها إيلاف بالاتفاق مع فايننشال تايمز

سيارات

من مقعد القيادة في رالي الأميرات

إنه سباق نسائي بطول 1,500 كيلومتر يرفع أمامكن عتبة التحدي، ويجعلكن صديقات إلى الأبد

© كلير غابي © كلير غابي

أجلس الآن في المقعد الأمامي في سيارة Porsche 356 مصنوعة في عام 1965 ومميزة بأداء عالٍ، وهي سيارة تزيد قيمتها على 100,000€، وألفُّ حول دوار منعزل في بلدة صغيرة بنيت في القرون الوسطى قرب كويري لو سك في شمال فرنسا. إننا نخوض اليوم الأول من سباق Rallye des Princesses، وهو مخصص للنساء يتسابقن فيه بسيارات كلاسيكية مدة خمسة أيام، ويُقام في هذا العام على طول كوت دوبال، من باريس إلى لا بول عبر نورماندي وبريتاني. وقد تهنا في الطريق قليلاً.

يسترشد سباق Rallye des Princesses، وهو اليوم في نسخته الحادية والعشرين، بسباق Paris-Saint Raphaël Féminin النسائي الرائد الذي أقيم من عام 1929 حتى عام 1974. وهو يستحضر روح بعض أكثر سائقات هذه الرياضة تألقاً، مثل البارونة هيلين فان زويلين، زوجة رئيس نادي Automobile Club de France الفرنسي للسيارات، التي شاركت في سباق باريس - برلين في عام 1901؛ وبات موس، شقيقة أسطورة الفورمولا واحد السير ستيرلينغ موس؛ وكارولين بوغاتي، حفيدة مؤسس صانع Bugatti للسيارات، التي فازت بسباق Rallye des Princesses في سيارة Type 35B مصنوعة في عام 1937.  

 

الكاتبة خلف عجلة القيادة © كلير غابي

 

في السيارة رقم 6 ترتدي ليتيسيا بودري ساعة Richard Mille RM 07-01 © كلير غابي

اليوم، يُعَد سباق Rallye des Princesses أقل أرستقراطية ونخبوية: بين زميلاتي محامية وعالمة نفس تتسابقان لأجل الأعمال الخيرية، ومضيفة جوية، ومالكة وكالة للسيارات الفائقة، ورائدة أعمال تبيع شركتها المتخصصة في مكافحة الآفات في مقابل مبلغ مثير للإعجاب. أعمار المشاركات متفاوتة، فأكبرهن جاكلين البالغة من العمر 77 سنة التي تشارك في سباق Rallye des Princesses للمرة الخامسة عشرة في سيارة Porsche 911 Targa مصنوعة في عام 1982، وأصغرهن إيفغينيا البالغة من العمر 23 سنة وتشارك للمرة الأولى في سيارة Mercedes-Benz 190 SL مصنوعة في عام 1959.

تُحظَر خرائط Google Maps وWaze ويحل محلهما دليل طرق من 191 صفحة

يُشترط في السيارات المشاركة في السباق أن تكون مصنوعة بين عامي 1946 و1985: تجمعت السيارات كلها، وعددها 78 سيارة، في الشهر الماضي في ساحة فاندوم بباريس لتخضع "لتدقيق هندسي". أُعجِب المتفرجون بالأشكال الشبيهة بالرصاصات والصواريخ المنخفضة الارتفاع، فتجمعوا حول السيارة رقم 1، وهي من طراز BMW 507 مصنوعة في عام 1958 وتقدر قيمتها بنحو 2.5 مليون دولار، وFerrari 308 GTB Quattrovalvole مصنوعة في عام 1985، وسيارة Porsche 550 Spyder مصنوعة في عام 1955. لكن، كما هي حال هذا الخليط من المشاركات، لا يتعلق الأمر بنخبة السيارات فحسب: كان هناك أيضاً سيارة Pontiac Super Chief مصنوعة في عام 1957، تشبه قارباً لونها أزرق كهربائي، وسيارة Fiat 500 لطيفة جداً وصغيرة مصنوعة في عام 1969، وسيارة Innocenti Mini Cooper مصنوعة في عام 1974، وما لا يقل عن أربعة طرازات من Triumph TR تعود إلى ستينيات القرن الماضي وسبعينياته.

ليس سباق Rallye des Princesses، الذي يُقام على طرق مفتوحة لمسافة 300 كيلومتر تقريباً يومياً، سباق سرعة، إنما هو سباق انتظام، إذ لا بد فيه من احترام متوسط السرعات والأوقات (في هذه الحالة، تتراوح السرعات بين 40 إلى 50 كيلومتراً في الساعة، وفقاً لعمر سياراتكن). ثمة نقاط مزدوجة لمعاقبة الإفراط في السرعة في مقابل الإفراط في التباطؤ. تقول أماندا ميل، مديرة العلامة التجارية والشراكات في Richard Mille، الراعي الوظيفي للسباق، أثناء دورتنا التدريبية: "إن أسرعتن، خسرتن".

​بدأ السباق في ساحة فاندوم بباريس © كلير غابي

 

شريكة الكاتبة في السباق هايكي بلومنر © كلير غابي

 

نقود هايكي بلومنر، وهي كاتبة من برلين، وأنا سيارة Porsche 356 قدّمتها لنا Richard Mille. انطلقنا من ساحة فاندوم، هايكي وراء المقود وأنا ملاحتها – أو السائقة ومساعدة السائقة وفق مفردات السباقات – وهما دوران نحافظ على أدائهما طوال الوقت. في سباق للسيارات الكلاسيكية، تُحظَر خرائط Google Maps وWaze، ويحل محلهما دليل طرق من 191 صفحة – إضافة إلى ساعة توقيت وجهاز GPS Tripmaster لتحديد المواقع – حيث تتحول كيلومترات وعلامات طريق محددة إلى نقاط علّامة في الملاحة. تؤدي مساعدة السائقة دوراً حاسماً – يقول البعض إنه أكثر حسماً من دور السائقة – مهم جداً أن تبقى كل منهما متزامنة مع الأخرى لتُحققا الفوز.

أماندا ميل (إلى اليسار) وسائقة السباقات الفرنسية والمقدمة التلفزيونية مارغو لافيت © كلير غابي
سيارة ـPorsche 356 الخاصة بالكاتبة © كلير غابي

بعد ساعتين من بدء السباق، على طريق ترابية تحتضنها غابة وارفة في مكان ما بين قصر Château de Chantilly المهيب وبيوت كارفيل نصف الخشبية، ندرك هايكي وأنا أن ثمة خللاً أصاب مقياس الوقود في سيارتنا – يشير إلى أن الخزان نصف مليء ثم يقفز المؤشر سريعاً إلى وضعية الخزان الفارغ. فبعدما غادرنا ذلك الصباح، عالقتين في ضجيج الانطلاق، حين كانت السيارات الكلاسيكية تحفز محركاتها، كان ملء خزان الوقود آخر ما خطر في ذهنينا.

ليس ضرورياً أن تكنّ خبيرات في ميكانيك السيارات ليتسنى لكنّ المشاركة في هذا السباق، ففي الواقع نحو 10 بالمئة من السيارات المشاركة مستأجرة. يغطي رسم الدخول إلى السباق ويبلغ 8,300€ المساعدة في حال تعطل السيارة (فضلاً عن النقل اليومي للأمتعة). ومن شأن هذا أن يوفر بعض راحة البال إذ اتفقنا على ملء خزان الوقود مرتين يومياً.

سيارة Morgan 4/4 مصنوعة في عام 1977 تمر بقصر Château de la Roche Hervé، قرب غيراند © كلير غابي

اليوم الأول – على بعد 302 كيلومتر بالسيارة من باريس إلى البلدة المنتجع لو توكيه، هذا يعني قيادة تستغرق ست ساعات و38 دقيقة. ينقضي النهار بعبور حقول قمح لا تنتهي وبلدات من القرون الوسطى وقرى زراعية. وإذ تفسح اللافتات الخاصة بتحديد السرعة وتعرجات الطرق المجال لمثيلاتها الدالة على نواد للخيول والغولف، نعرف أن لو توكيه باتت قريبة. وفي الوقت الذي ننضم فيه إلى باقي السيارات في مارشيه كوفير، بعد 10 ساعات، نكون هايكي وأنا في وضع صحيح: مغثتان ومتعرقتان (لا تكييف هواء في Porsche المصنوعة في عام 1965)، ومصابتان بالدوار بسبب رائحة البنزين، وظهر هايكي يؤلمها وأنا في ذهول من تسجيل 223 (نعم، حقاً) نقطة تدقيق ملاحية. كان مظهراً دالاً على وصولنا في الأيام التالية: مرهقتان لكننا مبتهجتان، مرهقتان لكننا نخوض تجربة فريدة. 

يبلغ كل يوم من أيام السباق ذروته في عشاء واجتماع، حيث تُنشَر التصنيفات (حللنا في المركز الحادي والسبعين) ويُمنَح الفائز في ذلك اليوم جائزة. لكن، في الأساس، كانت الأمسيات وقتاً للتجمع، وكانت الروح البهيجة للسباق هي السائدة: في الليلة الثانية، مثلاً، صاحت النساء الـ156 كلهن "عيد ميلاد سعيد" بمناسبة بلوغ إحدى المشاركات الأربعين، في حين امتُدِح فريق في الليلة الأولى لمساعدته فريقاً آخر عندما اشتعلت سيارته بالنار في محطة الوقود (قلت لهايكي: "كان ممكناً أن نكون نحن"). 

سيارة Porsche 911 E مصنوعة في عام 1973 في باراج دارزال © كلير غابي
Porsche 356 A 1600 Speedster مصنوعة في عام 1958 © كلير غابي

في صباح اليوم التالي، عقدنا العزم على تحسين تصنيفنا. إن تعلّق اليوم الأول بفهم قيادة سيارة Porsche قديمة والقيادة وفق دليل للطرق، يتعلق اليوم الثاني بالاستراتيجيَّة. 

تقول أماندا ميل: "ليس السباق نزهة"، وتخضع السيارات لنوعين من الاختبارات أثناء السباق. اختبار Liaison هو فحص شامل للوقت عند المغادرة والوصول، في حين أن اختبار "انتظام المناطق" الأكثر صرامة يقيس الوقت بالدقائق، وأحياناً بالثواني، وتبقى مواعيد الوصول سرية إذ تُقاس بنظام GPS العالمي لتحديد المواقع. نسير في حارات ريفية ضيقة جداً حيث تصطدم الزهور البرية بنوافذنا، وأنا أصيح موجهةً هايكي فيما أراقب الساعة لأخبرها إن كانت متأخرة أو متقدمة. وبصفتي صحافية متخصصة بالساعات، بعد سنوات من الكتابة عن فن ضبط الوقت والملاحة والدقة والسرعة، الآن فحسب – في وظيفتي هذه مساعدة قائدة في سباق – أعيش هذا الأمر حقاً.

السيارات في لو توكيه © كلير غابي

قرابة الساعة الـ5.30 مساء، نصل إلى دوفيل التي تعشقها نخبة باريس بفضل ذلك الكازينو فيها، ومباريات البولو وشاطئ يمتد 2km؛ وحيث افتتحت كوكو شانيل في عام 1913 أول بوتيك للموضة في شارع غونتو - بيرون.

كان اليوم الثالث آخر أيام هايكي، ونشعر بعاطفة تجمع بيننا بعض الشيء بعدما أمضينا نحو 25 ساعة معاً في مثل هذه الأجواء القريبة (والحارة في الأغلب). لا وقت للدردشة في سباق للسيارات، فالعينُ على الطريق في الأوقات كلها. لكن هذه التجربة التي تشاركناها في المنافسة والعمل الجماعي وثقت الصلة بيننا. نكمل مراحل هذا اليوم بدقة (تقريباً) في حين نقدر اللحظات الخاصة بالسباق: نتذمر عندما نعلق خلف جرار، نطلق الزمور ترحيباً بالمتقاعدين الذين يتصورون في كراس للتنزه قابلة للطي، وفتاة صغيرة تجلس في سيارتها اللعبة الصغيرة وهي في حيرة من أمرها إذ ترى سيارات من حقبة ماضية تمرّ أمامها.

باراج دارزال في بريتاني © كلير غابي
مارغو لافيت في السيارة رقم 1، من طراز BMW 507 مصنوعة في عام 1958 © كلير غابي

أريد أن تغادر كل امرأة السباق قائلةً: 'أنا فخورة بنفسي'

في يومنا الأخير، مع انطلاق هايكي باتجاه نابولي في مهمتها التالية، أشعر بالقليل من الضياع في غياب رفيقتي، وأمضي اليوم في قيادة سيارة Porsche. القيادة متطلبة بدنياً، مع كل هذا الدوس على دواسة التعشيق وتحريك مقبض تبديل السرعات (أعرف الآن سبب انزلاق المقبض مراتٍ من يد هايكي)، والحاجة إلى مزيد من القوة في مقابل الافتقار إلى التوجيه المعزز – هذا كله يؤكد حقاً أن هذه هي رياضة السيارات الحقيقية. تقول لي فيفيان زانيرولي، مؤسسة Rallye des Princesses، في لا بول: "مقارنة بهذا، قيادة السيارات الجديدة ليست ممتعة". أسألها إن كان اسم السباق يبدو عتيقاً الآن. تشرح قائلة: "يدور هذا السباق حول التدليل. محوره الهروب من الحياة اليومية – لا وظيفة، أو زوج، أو أطفال. الرياضة والأناقة تكونان روح هذا السباق. من الصعب قيادة سيارة كلاسيكية، وأريد أن تغادر كل امرأة السباق قائلةً: 'أنا فخورة بنفسي'".

تردد صدى ذلك بكل تأكيد. إنه سباق ممتع جداً. وإذ غمرتني الطبيعة، ورغبت في المغامرة والرياضة، وأحاطت بي نساء تتماثل عقلياتهن، شعرت أنني أمضيت عطلة ساحرة مع صديقاتي المفضلات. تتكون الصداقات هنا فعلاً؛ وفي مثال على ذلك: كانت كارول غراتزمولر وإليسا لوران مشاركتين قديمتين جداً في هذا السباق، وفازتا سابقاً مع مساعدات سائقات أخريات، قبل أن تجتمعا معاً للفوز بالجائزة في عام 2019 ومجدداً في هذا العام – بسيارة Chevrolet Corvette C2 مصنوعة في عام 1967. أو إليكم هايكي: بدأنا غريبتين تماماً وانتهينا بخطط لنتبادل منزلينا في برلين ولندن.

يقول باتريك بيتر الذي تتولى شركته الآن تنظيم السباق خلفاً لزانيرولي، والذي يعمل في هذا القطاع منذ عقود: "هناك ما يكفي من السباقات للرجال"، مضيفاً أنه يفضل تنظيم سباق للنساء وحدهن. يضيف: "لا مشكلات، ولا غرور". وخطط بيتر كبيرة للمستقبل، ملمحاً إلى إجراء سباق Rallye des Princesses في قارات أخرى. سجلّني فيه، رجاءً…

يُقام سباق Rallye des Princesses المقبل بين 2 و8 حزيران (يونيو) 2023؛ peterauto.fr/en

شارك برأيك

0 تعليقات