عباءة متسول مهدّبة بالذهب" ؛هكذا وصف الملك جايمس السادس الإسكتلندي (جايمس الأول الإنكليزي) مملكة فايف البكتية القديمة. والعباءة البالية إشارة إلى ساحل إيست نيوك، متمثلة في "يده المتسولة" التي تمدّها فايف إلى البحر على أمل أن يوفر قوتاً. والبطانةُ الذهبية هي انفجار الأضواء من قرى صيد السمك التي تمتدّ من ليفين إلى سانت أندروز.
ينحدر توبي أنستروثر، مؤسّس Brompton Design District في ساوث كنزنغتون، من عائلة امتلكت أرضاً هنا قروناً عدة. بالرغم من فخره بتراث المنطقة في مجالي الزراعة وصيد السمك، كان يشعر دائماً بالحيرة إزاء ممارسة حصاد المنتجات المحلية ونقلها إلى أماكن أخرى. وبعدما انتقل إلى إسكتلندا لتولي عقار بالكاسكي العائلي في عام 2007، أراد أن يقدم نهجاً مختلفاً وملهماً للآخرين، فشارك في عام 2011 بتأسيس شبكة Food From Fife التي تربط بين منتجي الأغذية والمشروبات في المنطقة وتروج لهم. يقول: "كانت حجرَ أساس لإعادة ترسيخ الشعور بالكبرياء والفخر المحلي".


يتلخص طموح أنستروثر في شأن بالكاسكي في ابتكار مكانٍ حيث قد يستفيد الناس من وصايته في حين يحل مشكلات إنتاج الغذاء ومعالجته وتوافره محلياً. إنه يريد إنشاء تنوّع من الفرص داخل إقطاعيته التي تعتمد على مهارات مختلفة. يقول أنستروثر: "سواء أكان الأمر يتعلق بالمدينة أم الريف، فالفكرة هي ذاتها". ولتحقيق هذه الغاية، يعمل مع سام بارسونز، مدير العقار في بالكاسكي منذ عام ،2008 ليس لتطوير الممارسات الزراعية في العقار فحسب، مع مهمة أن تصبح عضوية بالكامل بحلول عام ،2022 بل أيضاً لإنشاء بيئة يمكن للشركات الصغيرة، والمجتمع المحلي أيضاً، النموّ فيها.
بعيد الوصول إلى محطة القطارات الصغيرة الواقعة في لوتشارس، يستغرق الوصول إلى المجمع العائد تشييده إلى القرن السابع عشر، حوالى 40 دقيقة بالسيارة. لقد كان هذا البناء المهيب منزلاً لعائلة أنستروثر لقرون،و يمتد البيت المذهل المبني من الحجر الرملي المحلي ذي اللون الوردي الفاتح على مساحة 1800 هكتار (18 كيلومتراً مربعاً) من الأرض ويطل مباشرة على باس روك، وهي جزيرة بركانية في فيرث أوف فورث. يُعَد حجمه وطموحه، المستنيران بالطراز الباروكي الفرنسي، مهيبين، لكنهما مدهشان أيضاً، فالبيت مخفي تماماً ولا يمكن أن يلمحه المرء إلا إذا مرّ به.


هنا أُعرَّف على داي جيلبين، المؤسسة ومديرة الإبداع للعلامة التجارية للمحوكات التي تحمل اسم المكان. في عام ،2018 نقلت أعمالها من سانت أندروز إلى كوميلو، وهي مجموعة من المزارع السابقة في بالكاسكي، أُعِيد استخدامها قبل ست سنوات لإيواء ثمانية أستوديوهات. ومن بين المستأجرين الآخرين روري داولينغ، مؤسِّس Taran Guitars؛ والخزافة سارة كويتسييه التي انتقلت أخيراً من كورنوال؛ ولوسي بارسونز، المتخصصة والمصممة في القطاع البحري؛ وكيني درو، مصمم النوافذ الزجاجية الملونة.
بالنسبة إلى جيلبين، لم يجعلها الانتقال إلى كوميلو أقلّ طموحاً. في الواقع، تقول هي ومديرة الإنتاج لديها، شايلا غرينويل، إنَّ العمل الحالي هو أشد فصول العمل إثارة حتى الآن. إنهما "تجريبيتان" بكل ما للكلمة من معنى، وقد أوصلت جيلبين (التي شقت قطعها المحوكة يدوياً طريقها إلى مجموعتيPaul Smith وLa Fetiche) في العامين الماضيين تصاميم ومنتجات صوفيَّة في أكثر من 30 متجراً في الولايات المتحدة.

يعترف جارها داولينغ بأنه شعر في وقت ما بأنه مضطر للانتقال إلى المدينة، لكنه يرى أنَّه يواجه في كوميلو التحديات ذاتها ليبدع في حين يستمتع بحياة أفضل. تدرب داولينغ في الأصل صانعَ أثاث، لكن جمال الآلات الوترية جذبه، فاستخدم مهاراته في التعامل مع الخشب لتعليم نفسه حرفة صنع القيثارات على مدى سنوات عدَّة. وراهناً، يوافق على 20 تكليفاً لصنع قيثارات متخصصة في السنة (يبدأ سعرها من ،(£11,200 إلى جانب آلات المندولين. وأكثر ما يحب في كوميلو هو سهولة مشاركة الأفكار والمشكلات مع جيرانه الذين يتحلقون حول طاولة جماعية خارجية كبيرة لمناقشة حلول عملهم خلال أشهر الصيف.
يعتقد بارسونز أنَّ أولئك الذين يرون أن هذا المجتمع المحلي يلائمهم أكثر من سواهم هم أصحاب النفوس المتوقدة. "أسهل كثيراً العثور على زوجين من الشركات الكبرى بدلاً من مئة مستأجر مختلفين تمام الاختلاف بطريقتهم الخاصة. فهذا يتطلب مزيداً من الإدارة، لكن إذا كان لنا أن نحكم على الأمر وفق العامين الماضيين، فلم نتعثر قط".

"إن المكان غريب للغاية: يحدث الكثير هنا، وبالرغم من ذلك فالطابع العام ريفي للغاية"
أما سارة هانتر، وهي مزارعة تعنى بالزهور، فأثبتت أن فرصةَ استئجار عقار توافرت فيه الضرورات المحلية هي هبة من الله. تقول: "للأعمال الصغيرة، إذا كان على المرء أن يضع نفسه في مكان تصله السيارات وإمدادات المياه – في الأساس بناء زراعي في أحد الحقول – سيكون الأمر مانعاً".
انضمت إليها ابنتها كوني هانتر وزوج ابنتها توم بوث، اللذان يديران .East Neuk Market Gardenوكل منهما شغوف بزراعة منتجات على نحو يجدد التربة ويحسّن التنوع البيولوجي – وهما ملتزمان بالقدر نفسه تماماً بتغذية السكان المحليين الذين يريدون تناول البطاطا والملفوف على العشاء في حين تزرع هي أوراق السلطة لصالح الطهاة. وهما الآن يوفران ما يصل إلى 60 صندوقاً من الخضار في السنة من عقار مساحته أكران) ثمانية آلاف متر مربع تقريباً) والمقرر توسيعه إلى أربعة أكرات في وقت لاحق من هذا العام. "نستخدم القش العضوي من عقارنا هذا، والحبوب الباقية في مصنع البيرة كسماد عضوي، والنخالة من المطحنة كسماد للتربة. وبدلاً من أن نكون في حقل نحاول بلهفة جعله ينجح، نحن بجانب أعمال أخرى ذات تفكير مماثل".
بناء على نجاح ،Food From Fife افتتح أنستروثر Bowhouse في عام ،2017 وهذا مركز تجاري صغير للطعام وسوق شهرية يجتمع فيها منتجون ليبيعوا منتجاتهم للمجتمع المحلي (والسياح القلائل). وإذ لا يزال في سنته الرابعة بعدُ، يجتذب نحو 4,500 شخص في كل عطلة نهاية أسبوع للسوق – وهذا أمر مثير للإعجاب، لأن عدد سكان إيست نيوك يبلغ 12,000 نسمة. وستجدون في مركز Bowhouse موردي الأسماك والفواكه والبيرة واللحوم.


يوافق الجميع في Bowhouse وكوميلو على أن الزمالة التي تُرعَى في هذه الزاوية من فايف جعلت أعمالهم أفضل مما لو كانت منفردة. تقول روزي جاك مديرة Bowhouse عن دورها في المركز: "في أحيان كثيرة، لا خطة أولية لما أعمل عليه، ولا تتمثل الإجابة دائماً في أسهل الطرق. تعود هذه الطريقة في التفكير إلى تدريبي في مدرسة الفنون ونشأتي في مزرعة".
يُجذَب أهالي المدن للعودة إلى المنطقة أيضاً. نشأت بيني مارتن، محررة مجلة Gentlewoman التي تتخذ من لندن مقراً، في تسعة أميال 14.5) كيلومتراً تقريباً) على امتداد الساحل في سانت أندروز وعادت إلى المنطقة خلال الإغلاق الأول بفعل الجائحة في عام ،2020 واشترت منزلاً في منطقة سيلاردايك الإدارية، حيث تستقر الآن. وشهدت أثراً ملموساً لبالكاسكي. "إنها تحدد المعايير، ويلاحظ المرء ذلك في قوائم الطعام والديكور، ولا شك في أن صنّاعاً عالميّي المستوى جعلوا المنطقة أكثر إغراء للعاملين في قطاعات إبداعية".
عاد موراي تشالمرز، الذي يملك وكالةً للعلاقات العامة تمثل موسيقيين مثل كايت بوش وكولدبلاي وراديوهيد، إلى فايف قبل خمس سنوات. يعتقد أن الشعور الخاص بالمجتمع المحلي الذي يُرعَى هنا أقوى منه في أي مجتمع محلي آخر في إسكتلندا، ويرد الفضل في ذلك إلى تركيزه الغذائي وإلى أشخاص مثل جايمس فيرغسون وأليثيا بالمر اللذين انتقلا من Rochelle Canteen في لندن إلى نزل صغير من القرن السابع عشر في كينيوتشار لتناول وجبات عضوية من مصادر محلية. "اتسمت هذه المبادرات بجاذبية كبيرة، واكتشفتُ من خلالها مبادرات جديدة أخرى، مثل East Neuk Salt Co لدارن بيتي، التي تعيد حصاد الملح إلى المنطقة بعد 250 سنة، وAeble Cider Shop".
مؤسسة Aeble، وهي نصف دار للعرض ونصف متجر لنبيذ التفاح، أنشأتها جاي هاتشينسون وزوجها اللذان انتقلا من غلاسكو بعد أن ألهمهما مبتكروها، ولا سيما مصنع البيرة العضوية في فاتل الذي أنشأه ستيفن مارشال ولوسي هاين. والآن، بعدما اتخذا من Bowhouse مقراً، تخلت هاين ومارشال عن مناصب مؤسسية في شركات كبرى للمشروبات ليحققا أحلامهما في فايف بدلاً من ذلك. تقول هاين عن أعمالهما: "يعكس تخمير أنواع البيرة الطبيعية ومزجها موقعنا لأن الخمائر البرية والتخمير البري تربط بين كل ما نفعله". وفي شكل لا يُصدَّق، وجد الثنائي أيضاً الوقت ليؤسسا علامة تجارية للتسجيلات، هي Futtle Records. "غريبٌ أن نكون في مكان ما تحدث فيه حوادث كثيرة، وبالرغم من ذلك إنه ريفي للغاية".

بعدما نشأ نِك فليمنغ في فايف قبل الانتقال إلى سنغافورة والنرويج، كان الرجل، وهو مهندس كيميائي تحول إلى صانع للبيرة، وكانت وظيفته الأولى هي بناء مصنع في يوتا لإعادة معالجة الوقود المستخدم في معززات صواريخ مكاكيك الفضاء، يفترض دائماً أن مركز العالم كان في مكان آخر. يقول: "أخيراً أدركت أن هذا جزء جميل من العالم، يسهل الوصول إليه وفيه مجتمع محلي نابض بالحياة". وأسس فليمنغ Ovenstone 109 في صالة عرض سابقة للجرارات خارج أنستروثر في عام ،2017 حيث ينتج أنواعاً من البيرة مصنوعة يدوياً. كانت الكلمة التي ترددت في الشارع أثناء الإغلاق هي أن "سانت نِك"، كما أصبح يُعرَف، سينتج البيرة في غضون ساعة.
تحرص لوسي بارسونز على العمل مع فليمنغ وأقرانه. مارست مهنة التمويل في القلب التجاري للندن مدة 10 سنوات، ومهنة تقديم المشورة للموانئ والمرافئ والطاقة البحرية في إسكتلندا 16 سنة قبل اتخاذ القرار بالتفرغ واستئجار مساحة في كوميلو لتطوير أفكارها في مجال التصميم. منذ ذلك الوقت، أنشأت Tall Bed Company (شركة الأسرّة الطويلة) التي تخدم الغرف ذات السقف العالي والزبائن الطوال القامة. سلسلة الإمداد قصيرة: يُستخدَم الصوف من قطيع في بالكاسكي لتنجيد رؤوس الأسرّة، وتُصنَع الأجزاء الخشبية في غلينروذس وتُصنَع الأغطية الفضفاضة من الكتان المخزن في مصنع للكتان أُغلِق أخيراً في كيركالدي.
تشعر بارسونز بسعادة غامرة لأن فليمنغ، نظراً إلى خلفيته، قد يتمكن من مساعدتها في استخراج اللانولين من الصوف. تستنتج: "إن كان بوسعنا أن نفعل أكثر من شيء واحد في بيئة حضرية، يشعر الناس بأنكم لا تأخذون أياً من المهارتين جدياً. لكن، هذه هي القاعدة هنا".