اسمه على كل شفة ولسان الآن، وفنه موصوف بالغرابة دائماً. إنه أرتسي إفراخ، المصمم المغربي المعروف بخرق قواعد الأزياء والفن، وبقدرته الفريدة على المزج بين التراث المغربي والفن المعاصر، في عملية مبتكرة تنتج تعبيراً حديثاً، صادماً أحياناً، عن الفكاهة والمحاكاة الساخرة والسحر والخفّة. وهو يفعل ذلك من منزله في مراكش. يقول أرتسي إفراخ، مبدع علامة Maison ARTC التجارية وفنانها ومصممها – وهي المميزة بمنتجات مصنوعة كلها في المغرب وبحسب الطلب من مواد يُعاد تدويرها: "أنا متحمّس للجمال والثقافة والإبداع، لكنني في الأغلب أعيش من أجل حرية التعبير". إنه روح مفعمة بالحيوية مع احترام للتاريخ والحرية الفنية، محافظاً في الوقت عينه على الثقافة والتراث، وهدفه الأساس ابتكار ملابس تعبّر عن الأجيال كلها، مع اختلافها.

أصول إفراخ ضاربة في القدس، وهو أقام في عواصم أوروبية عدة، بما فيها باريس وأمستردام، قبل أن يستقر به المقام في مراكش. لم يتلق يوماً تدريباً رسمياً على تصميم الأزياء، لكنه يعيش ويعمل ويصمم واضعاً نصب عينيه الإبداع والحق الدائم في حرية التعبير لإخراج كل قطعة ينسقها بيده. يقول: "في حياتي ‘لحظات’ كثيرة، جعلتني أسير في هذا المسار. وهذه اللحظات المهمة نفسها هي التي تدفع المرء إلى أن ينمو، وأن يتغير في كل خطوة يخطوها، وبرأيي يجب أن يسمح لنفسه بالتطور. أنا صوت، وحالتي الذهنية الإبداعية هي لغتي. أنا لا أضع نفسي في خانة تخص تعريفاً بعينه، فهذه ليست فكرتي عن الحرية. أريد من الناس أن يروا، وأن يشعروا، ثم أن يقرروا كيف يفسرون فكرتي".

أمام إفراخ هدف نهائي يختزله في إبراز كل جهد يبذله الناس وكل وقت يخصصونه لصنع المنسوجات، وذلك من خلال إبداع تصاميم تقدّر الإنسان وماهيته البشرية. يعتقد حقاً أن الخيال البشري والمهارات الإنسانية لا يمكن - ولا ينبغي - أن تحل آلة محلها، كما يعيش رحلة روحية يستهلّها في لحظة بدئه تصميم كل قطعة من ملابسه، واضعاً نبض قلبه ومهجة روحه وكل نقطة عرق من جبينه في كل تفصيل من تفاصيلها. يقول إفراخ: "ننسى أنفسنا وما هو مهم، وهذا ما أخشاه فعلاً. بالنسبة إلي، المهم هو الحب والثقافة والقيمة البشرية. فمن دون حب نحن آلات لا مشاعر فيها، والحب أقوى المشاعر التي تحرك الإبداع. أعتقد أن كل فرد منا فريد في ذاته، وحين أنجح في ابتكار ثوب فريد في نوعه، لا أتبع معيار النوع الجنسي، إنما أتبع معيار الفردانية، أي الحرية". فلا يفاجئنا هنا أن تكون كلمة "حب" مهمة لإفراخ، فهو لا يؤمن بالحب ويعيش وفقه فحسب، إنما كلمة "حب" هي عنوان وجودي في قاموس حياته. إنها الكلمة الموشومة على عنقه.
![]() | ![]() |
الإبداع بحسب تعريف إفراخ عملية تتألف من انطباعات عدة، تتراوح بين مجرد المشي في شوارع المدينة وأسلوبه الخاص في السفر. يشرح لنا هذه المسألة، وهو الحالم بطبيعته، قائلاً: "أسافر بطريقتين. واحدة بعقلي وأخرى بجسدي. الذكريات والخيال أعظم مصادر إلهامي. أعتقد أن المهم هو الاستفادة من كل منهما، السفر والخيال، إلى جانب نمو إلهام المرء ما إن يكتشف أماكن أو أفكاراً جديدة. إنها بداية الطريقة التي أنفذ بها تصاميمي. لكن، بعدما قلت ذلك، يلهمني الناس بشكل عام، لا سيما من يتحدّرون من ثقافات وخلفيات مختلفة، فضلاً عن الأفلام والفنون والأوضاع الحالية في العالم".

التراث حي في كل شارع في المغرب وليس محصوراً في المتاحف كما في أوروبا والولايات المتحدة"
المغرب مصدر إلهامه الأول، وهذا جلي في ألوانه. الطبيعة المغربية والسكان هنا يبهرونه. يقول: "مراكش. إنها الجنة على هذه الأرض". بالنسبة إليه، حياته في المغرب هي الحقبة الأغنى إلهاماً وإبداعاً في عمره، "فهنا تنبع الثقافة والإبداع من مشاعر حقيقية ممزوجة باحترام الحرية الحرفية، بصرف النظر عن القيمة التجارية أو الطلب التسويقي. كان لهذا البلد أثر في التصميم على الصعيد العالمي. إنه فريد وملهم لمصممي الموضة والفنانين والمبدعين بشكل عام. السبب بسيط، فالتراث حي في كل شارع في المغرب، وليس محصوراً في المتاحف، كما في أوروبا والولايات المتحدة".

ليس التميز في المغرب سهلاً. فكل مصمم أزياء هنا يعمل بجدّ مضاعف ليجد لنفسه مكاناً على خريطة الإبداع المغربية المكتظة بالمبدعين، ومكانة رفيعة في قطاع الأزياء. عليه أن يبتكر لنفسه نمطاً مختلفاً جداً عن السائد يميزه من أقرانه، وأن يستمر في تطوير هذا النمط! يشرح إفراخ ذلك قائلاً: "يتسم أسلوبي الشخصي في الأزياء بخصوصية وفردية بالغتين. من أهم العقبات والتحديات التي أواجهها في مسيرتي المهنية ترسيخ مكانتي بتميز صلب، أبنيه على أساس أسلوبي الإبداعي". إلى ذلك، يمثل التراث المغربي لإفراخ عنصراً مهماً في تعبيره الفني عن ذاته، فكل ملابسه "تصنعها سواعد مغربية هنا، ويشكل الخياطون والخياطات والمطرزون والمطرزات والعارضات والعارضون المغاربة جزءاً من عمليتي الإبداعية، وحافزاً لوصولي إلى العالمية". يضيف: "المغرب هويتي الخلاقة، وأساس عمليتي الإبداعية".