في منشأة Fiera Milano City في شباط (فبراير) الماضي، حُوِّل الملعب الكبير الذي يُستخدَم في العادة للمعارض والأسواق إلى حلبةٍ للموضة، في إطار أسبوع Milan Fashion Week. على المنصة الممتدة نحو 200 متر تقريباً، عُرِضت مجموعة من البزّات والمعاطف والتنانير المستديرة وقمصان الجيرسي المزيّنة بالطبعات أمام محرّري المجلات والمؤثّرين في ضوء درامي خافت.
لكن، ليست هذه تصاميم Miuccia Prada، أو Giorgio Armani أو الأسماء الكبرى الأخرى التي ترتبط عادةً بأسبوع الموضة هذا في ميلانو، إنما هي مجموعة من ابتكار Ferrari، العلامة الإيطالية التي تتصدر، في العادة، العناوين في سباق مختلف تماماً.

مَن كانوا يتوقعون سترات مزخرفة بشعار العلامة التجارية، أو ملابس جلدية حمراء مع طبعة Ferrari، أو أياً من الأزياء التي عُرِفت بها هذه العلامة التجارية واعتادوا رؤيتها في حلبة السباق، ربما يُفاجأون لرؤية التصاميم التي عُرِضت على المنصة. فالمجموعة متكتّمة إلى حد كبير، ويكاد الشعار يكون خفياً. أجل، هناك رداء من قطعة واحدة أحمر قرمزي مصنوع بالحرير الناعم، ورمز الحصان الواثب محجوب إلى حد كبير في طبعة ناعمة، لكن غرافيكية.
![]() | ![]() |
![]() | ![]() |
يكشف دخول صانع السيارات إلى عالم الموضة الراقية عن رغبة تجتاح القطاع كله في الإفادة من الربحية التي تؤمّنها العلامات التجارية المتخصصة بنمط الحياة. وهي ليست مجموعة جديدة من المنتجات الخاصة بعالم السيارات، ومنها عدد كبير من قبعات البيسبول بسعر 40£ للقبعة الواحدة، بل هي استراتيجية لجذب المزيد من النساء إلى عالم Ferrari، حيث تبلغ كلفة سترة خفيفة مصنوعة من النيلون المعاد تدويره أو ثوب مزيّن بالطبعات آلاف الدولارات. وقد أغلقت Ferrari أكثر من نصف وكالاتها المرخصة للمساعدة على تحويل هذا المشروع في مجال الموضة الراقية إلى عالم استهلاكي مختلف.
يقول روكو إيانون، المصمم البالغ من العمر 38 عاماً والذي يتولى منصب المدير الإبداعي لدى Ferrari منذ عام 2019: "يُتيح لنا خطّنا في مجال الموضة التعبير عن قيم العلامة التجارية وقوّتها وتأثيرها في المجتمع، من خلال الموضة"، مضيفاً: "شوهِدت رموز Ferrari على مر الزمن في السينما وفي عالمي الموسيقى والألعاب وفي الفن المعاصر. تجسيد هذا الإرث كله من خلال مشروع متعلق بنمط الحياة، يتيح لنا أن نجعل المعجبين بعلامتنا التجارية أقرب إلى عالمنا. الهدف من المشروع الخاص بالموضة هو استقطاب قاعدة أوسع من عشّاق العلامة التجارية، ابتداءً بجيل Gen Z وانتهاءً بجيل الألفية، مع التركيز على المرأة. لا يعني ذلك أن عملاءنا في قطاع السيارات يقفون خارج المعادلة. لكن Ferrari ليست مجرد علامة تجارية في قطاع السيارات. نحن أيقونة كونية تمثّل ما هو أكثر كثيراً من ذلك".
![]() | ![]() |
ليست Ferrari وحيدة في هذه الخطوة: يستنبط صنّاع سيارات فارهة، من McLaren إلى Bugatti، طرقاً لتنويع الإيرادات بالانخراط في قطاعات جديدة، ابتداءً بالحقائب الفاخرة وانتهاءً بالأزياء الراقية. يشارك أستون مارتن في تصميم خط ملابس مع علامة Hackett التجارية البريطانية للملابس الرجالية، فيما أقامت Bentley شراكة مع Breitling لصنع ساعات فريدة من نوعها قرابة 20 عاماً.
إنَّها استراتيجية لجذب المزيد من النساء إلى عالم Ferrari
لعلّ Porsche الشريك الأغزر إنتاجاً. "نخطو راهناً خطوات مدروسة جداً لجعل علامتنا التجارية أكثر استقطاباً لجماهير جديدة"، كما يشرح دنيز كسكين، رئيس إدارة العلامة التجارية والشراكات لدى Porsche، متناولاً الأسباب التي تولّد في صانع السيارات شعوراً بالحاجة إلى الانخراط في مشاريع من هذا القبيل، علماً أن عام 2021 كان الأكثر نجاحاً في تاريخ Porsche، إذ سلّمت خلاله 301,915 سيّارة لعملائها في مختلف أنحاء العالم، أي بزيادة 11 بالمئة مقارنةً بعام 2020.
![]() | ![]() |

يتابع كسكين: "لديّ ترف يتيح لي التفكير ملياً في تطوّر Porsche بوصفها علامةً تجاريةً في المدى الطويل، ويجب الاستثمار في الجيل المقبل من الشراة. عليك التفاعل مع أمور تثير شغفهم، مثل الموضة ونمط الحياة وعالم الإبداع كله".
في أيلول (سبتمبر) من العام الماضي، تعاونت العلامة التجارية مع دار الأزياء الفرنسية L’Art de L’Automobile لإنتاج سيارة Porsche 968 بتصميم جديد؛ وتعاونت كذلك مع TAG Heuer وHugo Boss. أما التعاون الأحدث فمع Rimowa لإنتاج حقيبة سفر جديدة تُحمَل باليد، مخصصة لهواة الجمع، صُنِع منها 911 حقيبة فقط.
تعتبر إميلي دو فيتيس، كبيرة مسؤولي التسويق لدى Rimowa، أن الحقيبة الجديدة تجسّد تطوراً طبيعياً لمسار العلامتين التجاريتين، مشيرةً إلى أن "مبدأهما الأساسي هو الانسجام التام بين الشكل والوظيفة، ما يتناسب تماماً مع مقاربتنا". وعلى غرار ما أشار إليه كسكين، تقول دو فيتيس إن قوة هذا المشروع الجديد تكمن في التعاون لا في المبيعات: "اجتمعت علامتان أيقونيتان ألمانيتان للاحتفاء بقيمهما المشتركة. يقيني أنه كان يمكننا بيع عدد أكبر كثيراً من الحقائب، لكننا أردنا أن تكون مجموعة مميزة وخاصة جداً".

يسهل التشكيك في ارتداء سترة Ferrari، لكن الدكتور بول مارسدن، الاستشاري في علم النفس الاستهلاكي لدى وكالة Brand Genetics المتخصصة بطرح الأفكار، يشير إلى أنها جاذبة حكماً لبعض المستهلكين. يقول: "من وجهة نظر نفسية، السيارات الفارهة والأزياء الراقية هي نفسها من الناحية الوظيفية، إنها رمزٌ للمكانة والذوق والانجذاب"، مضيفاً: "يعني ذلك أن الانتقال إلى الملابس والأكسسوارات الفاخرة هو مجرد تمدد بسيط لعلامة Ferrari. إذا ارتديت ملابس Ferrari الآن، يعني ذلك، استناداً إلى مبدأ الاتساق الإدراكي، أن ثمة احتمالاً أكبر أن تشتري سيارة Ferrari في المستقبل. نفسياً، ارتداء أزياء Ferrari بوّابةٌ لاقتناء سيارات Ferrari".

ينسحب الأمر نفسه على تعاون Porsche في مجال الملابس مع علامة Hugo Boss التجارية التي استعانت أخيراً بمغنّي الراب الأميركي فيوتشر ليكون وجهاً إعلانياً لحملتها. تتعاون العلامتان التجاريتان في تصميم ملابس رجالية معاصرة بإصدار محدود منذ عام 2019، لكن هذا هو الموسم الأول الذي تستعينان فيه بشخصية معروفة. يقول كسكين: "شعرنا بأننا نتشارك الطموح نفسه. نلتقي مع جميع الجهات التي نتعاون معها، ومنها Hugo Boss، على عشق التصميم والطابع الوظيفي، ما يسهّل علينا رواية حكايتنا بطريقة متماسكة".
يبدو أنَّ الخطوات التي تخطوها صناعة السيارات نحو الانخراط في قطاع سلع الرفاهية مرتبطة بالسعي إلى تسليط الضوء على حكاية العلامة التجارية أكثر منه بالرغبة في شق الطريق نحو فئات استهلاكية مختلفة. يستخدم صنّاع السيارات، بتفاعلهم مع مجموعة أوسع من المستهلكين أغلبيتهم من الأصغر سناً، حقائب السفر والأزياء لزرع بذور جيل مستقبلي من عشّاق السيارات (ولو كان هذا الجيل سيقود على الأرجح سيارات هجينة أو كهربائية). ونظراً إلى أن 1.55 مليار شخص شاهدوا موسم فورمولا واحد لعام 2021، فهذه سوق كبيرة، ومربحة على الأرجح.
يضيف مارسدن: "ستحقق علامات السيارات الفارهة النجاح في هذا المجال حين تبتكر منتجات تتشارك روابط إيجابية بين العلامات التجارية. الأمر بهذه البساطة". عندئذٍ، ربما لا يُعدّ قرارFerrari بخوض السباق لدخول عالم الموضة فكرةً غريبة.