هل تعتقدون أنكم تكرهون الأنشوفة؟ كان الشعور نفسه يراودني في السابق. إلا أن سنوات مرّت، وقطعت في الأمر شوطاً طويلاً. يتبين لي أنني، في الأغلب، حين أعتقد أنني لا أحب طعاماً معيناً، لا يكون السبب بالضرورة أنه "سيّئ"، بل لأنني تذوقت طبقاً سيئاً منه. ربما يكون السبب أنه طُهي بطريقة سيئة أو كان من نوعية سيئة في البداية فحسب. أعني، من يحب أنشوفة نحيلة وصغيرة ترقد في علبة معدنية؟ لا أحد.


حين نشأت في مصر، لم يكن السمك المعلب أو الموضب في مرطبان يدخل ضمن قاموسنا الغذائي. وبالرغم من أن بعض دول الجوار في شمال أفريقيا معروفة بالسردين والتونة، كان ما تناولته في نشأتي أقرب إلى طعام القطط. لسنوات عديدة، عاديتُ معظم الأسماك المعلبة. بالتأكيد، كانت الأنشوفة، صاحبة الرائحة الأكثر نفاذاً في المجموعة، خارج قائمة الطعام. تطلب تغيير الأمر زواجاً من إسباني (ثم الطلاق منه لاحقاً) كي أفهم حقاً ثقافة الأسماك المعلبة فأقع في حبها. ثقوا بي حين أقول لكم إنَّ السمك المعلب عالم كامل. فيه الجيّد، وفيه السيئ، وفيه القبيح تماماً. لكن جيّده رائع. جيّد بما يكفي لأجد نفسي أستضيف وليمة كاملة هو محورها. فضلاً عن ذلك، لا يتضمن ذلك طهواً كثيراً. تسلحوا بأداتين، واحدةٍ لفتح المعلبات وأخرى للخفق، وبوعاء فيه ماء يغلي، فتكونون قد خطوتم خطوات كبيرة باتجاه إقامة حفلة من السمك المعلب اللذيذ. وإذا لم يبدُ لكم الأمر غريباً بما فيه الكفاية، اقتبسوا من أصدقائنا الإسبان وسمّوه conservas (كونسروة). Fiesta de conservas (حفلة كونسروة)، هذا بالرغم من أن حفلة من السمك المعلب تبدو لي اسماً مثيراً بالقدر نفسه.
الخطوة الأولى: اشتروا سمكاً جيداً. هذا هو العامل الأهم هنا. فسمك الأنشوفة والسردين والتونة الجيد ليس رخيصاً (ولا ينبغي أن يكون). أنفقوا المال بسخاء على الأشياء الجيدة لأنها تستحق ذلك. أفضل الأنشوفة يأتي من كانتابريا. اشتروها منزوعة الحسك ومحفوظة في الزيت أو، إذا لا يزعجكم القيام ببعض العمل، كاملة محفوظة في الملح؛ عليكم غسلها ونزع الحسك منها ونقعها في الزيت مسبقاً. أي فيليه أنشوفة يستحق الحفظ يجب أن يبدأ رقيقاً عند الأعلى ويصبح ظريفاً وممتلئاً ويكون لونه قرمزياً داكناً. كما يجب أن تكون رائحتها غريبة ولونها مشرقاً. من دون قتامة، ومن دون طين. إنها حقاً وفعلاً تجعل كل شيء أفضل. أدسّها بين المشاوي (لاسيما لحم الضأن)، وصلصات شرائح اللحم وصلصة السلطة، ولا يعرف أحد في الأغلب أنها هناك. فالأنشوفة تتمتع بقدرة خارقة على تعزيز مذاق المكونات. فمذاق شرائح اللحم، مثلاً، يصبح أغنى. وتُستخدَم أيضاً لتعزيز صلصة توناتو، أي المايونيز الإيطالية التي تُقدَّم في العادة إلى جانب لحم العجل (فيتيلو توناتو) وتُصنَع باستحلاب الزيت مع صفار البيض وإضافة الكبّار والأنشوفة والتونة. هذا يأخذنا إلى التونة…
حفلة أسمـاك معلبـة أو Fiesta de Conservas… كلاهما يبـدوان مثيريـن بالقـدر نفسـه"
اشتروا التونة منقوعة دائماً بالزيت، لا الماء، وزيت الزيتون هو الأفضل. بونيتو ديل نورتي (المعروف أيضاً باسم ألباكور تونة) يُترجَم إلى "جمال الشمال"، وهو لذيذ. تُصطَاد التونة صيفاً عندما ترتحل الأسماك إلى المياه الإسبانية الشمالية بحثاً عن الأنشوفة الكنتبرية لتناولها. ثم هناك البطن الأبيض لتونة فنتريسكا. إنه أحد أغلى أنواع التونة المحفوظة التي يمكنكم شراؤها، وهو الأدق على الإطلاق. أنا أستمتع بكليهما كثيراً. ويمكن للخاصرة أن تمتلك مذاقاً غنياً وممتعاً جداً.

بدلاً من لحم العجل، أحب تقديم طبق توناتو مع خضار نيئة ومطهوة على البخار. اختاروا أفضل الخضار التي تستطيعون العثور عليها في السوق، وقرروا ما ينفع نيئاً وما يحتاج إلى تقشير أو طهو بالبخار أو سلق. اتخذوا القرار بشكل بديهي. عند اختيار الخضار، انظروا إليها، اعصروها برفق، شمّوها... جربوها نيئة قبل إخضاعها لأي عملية طهو. في الأغلب، من الأفضل ترك الخضار الأقل نضجاً من دون طهو؛ أما غيرها فقد يستفيد من بعض المساعدة يوفرها وعاء من الماء المغلي أو ربما قطرة من الخل. أحب أن أطهو الخرشوف والهليون الأبيض بالبخار، وأن أسلق البطاطا والفول الأخضر والكرنب، وأقشر بعض الكرفس، وأترك الشمر وكومة كبيرة من الهندباء نيئة. كذلك، أضيف بعض البيض المسلوق. قدموا الخضار بوفرة إلى جانب طبق توناتو، واتركوا للضيوف الخيار في إعداد أطباقهم الخاصة. أدرج أيضاً أسماكاً معلبة أخرى على الطاولة، مثل بلح البحر المدخن والكوكل (berberecho بالإسبانية) والسردين.

أما أفضل الأصول فتقدمها إسبانيا والبرتغال، ومنهما يأتي أفضل البضائع المعلبة. الأسماك المختلفة كلها شهية معاً. أضيفوا خبز الباغيت والزبدة، ولتكن حفلةً. تقديم كدسة من الزبدة المملحة الجيدة النوعية يكفي، لكن إذا كنتم تريدون أن تخدعوا الجميع كي يعتقدوا أنكم مضيف غير عادي، ضعوا الزبدة في قالب فيصبح لديكم منحوتة فينوس بالزبدة.
وصفة توناتو
صفار بيضتين
250 مليلتراً من زيت الزيتون
160 غراماً من التونة
أربع قطع من فيليه الأنشوفة
10 حبات كبّار صغيرة، مغسولة
قليل من عصير الليمون
بضع قطرات من الخل
• يُخفق صفار البيض يدوياً، ويُضاف الزيت ببطء، قطرةً قطرة. يُخفق المزيد بشكل متواصل ويُضاف الزيت تدريجياً حتى الحصول على مستحلب. عندما يصير المزيج سميكاً ويصعب خفقه، تُضاف بضع قطرات من الليمون والخل. تستمر إضافة الزيت حتى يُضاف كله.
• يُقطع سمك التونة والأنشوفة والكبّار ناعماً جداً بالسكين ثم يُضاف إلى صلصة المايونيز. ينبغي هنا تذوق المزيج لتحديد نسبة ملوحته وحموضته. يضاف المزيد من أي منهما إذا لزم الأمر.
• تضاف قطرتان من الماء لترخية المزيج قليلاً. ثمة رأيان حول طبق توناتو. بعضهم يفضله خشناً قليلاً، وبعضهم يفضله تام النعومة؛ أنا أفضله خشناً.
اخترت لكم
هذه ثلاث علامات تجارية للأنشوفة والسردين والتونة أحبها حقاً. بعضها مثل Ortiz أكثر توافراً، لكن النوعية لا تزال رائعة، في حين أن بعضها الآخر قليل لكنه يستحق البحث. كلها شهية.
• Anxoves De L’Escala
• Codesa
• Don Bocarte Anchovies (أعلاه)، fineandwild.com
• Minnow
• "Pyscis Sardines "Royale
• Sardinhas Pinhais
• Corretora
• Ortiz Bonito Tuna, souschef.co.uk
• Tenorio