حين جالت رومي جيل، الطاهية والكاتبة الهندية البريطانية المتخصصة في الطعام، في كشمير بين عامي 2020 و2021 لإجراء بحوث لكتابها الجديد On The Himalayan Trail (على طريق الهيمالايا)، كان يقُدَّم إليها في كثير من الأحيان شاي معطّر يعرفه أهل المنطقة باسم القهوة. والقهوة هنا هي أفضل عرض للزعفران الكشميري؛ إنها نوع من الشاي الأخضر منقوع بالهيل والقرفة والزعفران، ومحلّى بالعسل، ومزيّن باللوز المسلوق. في السوق العائمة على بحيرة دال في سريناغار، اشترته جيل من بائع على قارب عابر صبّه من إبريق ينبعث منه البخار في أكواب ورقية. وفي Chai Jaai، وهي صالة شاي في سريناغار، شربته في كوب مع خبز كشميري، بينما كان يسرح نظرها عبر نهر جيلوم. كان الشاي المفضل بالنسبة إليها ذلك الذي ابتاعته من بائع في بامبور (يُزرَع هناك معظم الزعفران الكشميري)، تحكّم بدرجة حرارته بإضافة الفحم إلى سماور يحضّر الشاي فيه. تتذكر جيل، وهي طفلة تنشأ في البنغال الغربية، توبيخ جدتها لها حين أسرفت في التعامل مع أكثر التوابل تكلفة على مستوى العالم. لكن هنا، في "بلد الزعفران" كما تُعرَف بامبور، يستطيع بائع على جانب الطريق أن يغالي في استخدامه.

تستخدم جيل الزعفران منذ سنوات. فهو حاضر في العديد من أطباقها المميزة، بما فيها مثلجات الزعفران والهيل. إنه العنصر الذي تتمحور حوله دعوتها إلى العمل في بداية كتابها الجديد. يُستمَد الزعفران من Crocus sativus ذات الأزهار الليلكية. نكهته زهرية ترابية تحوم بين الحلو والمالح. إيران هي مركز أغلب الإنتاج العالمي، لكن الزعفران الكشميري هو الأفضل. فخيوطه أشد كثافة وعطرية ولونه أشد قتامة، يميل إلى الأحمر الدموي بدلاً من الزهري الذي يتلون به الزعفران الإيراني. وهو أشد مرارة قليلاً، لكنه كفيل بمنح الطعام نكهة أعمق ورائحة أزكى.
تنقية خمسة كيلوغرامات من الزعفران يستدعي جهد خمسة رجال لمدة أسبوع كامل
الاضطرابات السياسية وحالات الجفاف وتغير المناخ عوامل تساهم في تراجع إنتاج الزعفران الكشميري، وتهديد حياة 30 ألف عائلة ترتبط بزراعته. عملية إعداده التقليدية، وتشمل إزالة الخيوط من الزهرة والفصل المرهق بين الخيوط الحمراء والصفراء، منهكة جداً: فالخيوط الحمراء وحدها قيّمة في الطهو. تُنخَل الخيوط يدوياً، وتُقلَّب في صينيات من الخوص، ثم تُنتقَى بالملاقط. ربما تستدعي تنقية خمسة كيلوغرامات من الزعفران عمل خمسة رجال نحو أسبوع من الزمان، لكن نتائجها فريدة. تشرح سناء جعفري قدري، مؤسسة شركة التوابل Diaspora Co، قائلة إن الدفء المتأتي من أيدي العاملين يستخرج الزيت من الزعفران ما يعزز نكهته: "تبلغكم الرائحة فوراً".
![]() |
![]() |
أطلقت جعفري قدري، وهي التي نشأت في مومباي وتستقر اليوم في أوكلاند، Diaspora في عام 2017، بهدف بناء تجارة أفضل في مجال التوابل. وقد يبلغ عمر التوابل المرصوفة على رفوف المتاجر ست سنوات أو حتى سبعاً. أما توابل Diaspora فتُوزَّع خلال أسابيع من حصادها. وهذه الشركة التي تدفع لمزارعيها ما متوسطه ستة أضعاف السعر الأساسي للسلعة، تحصل على زعفرانها الكشميري من رقيب مشتاق، وهو مُزارع في بامبور ورث زراعته هذه أباً عن جد. بحسبه، يجب أن تكون الخيوط حمراء قاتمة، لامعة الملمس، تشبه البوق، وأحد جانبيها أثخن من الآخر (إشارة إلى نضارتها). وحين تُنقَع في ماء حار، يصطبغ هذا الماء بالبرتقالي الداكن، وحين يتناوله المرء يغلف طعم الماء المصبوغ حلقه.
![]() |
![]() |
![]() |
أما في الطهو، فتحض جيل على استخدام زعفران كشمير دون أي زعفران آخر. تقول: "ليس لأنه الأفضل فحسب، بل للحفاظ على التقاليد الكشميرية". ويسلط كتابها ضوءاً على الجهود المبذولة لإحياء هذا القطاع من خلال مركز India International Kashmir Saffron Trading Centre واعتماد المزادات الإلكترونية ووضع علامات تتعلق بالمنشأ الجغرافي للشهادة على الأصالة. عند طهو الزعفران، تنصح جيل بنقعه في الحليب أو الماء قبل إضافته إلى الأطباق المالحة مثل كونغ كوكور (الدجاج بالزعفران) وكوكور يخنة (دجاج مطهو باللبن وصلصة الزعفران). وصفتا الطبقين مثبتتان في كتابها On the Himalayan Trail، إلى جانب وصفات لطبق سافرون بيلاو، وحلوى (بودينغ السميد)، وكونغ فيرني (حلوى مسمّكة)، وطبق روغان جوش الحلال الذي لا تشتق صلصته الحادة من الطماطم بل من الزعفران والفلفل الحار الكشميري وزهور القطيفة المجففة. إلا أن كوباً من القهوة المحمرة الذهبية، بحسب جيل، يبقى أبسط الطرق وأكثرها تغذية للاستمتاع بلون الزعفران ونكهته ورائحته.