في العشرينيات الهادرة، استجاب لويس كارتييه لنداء التغيير بابتكار تصميمٍ لم يلائم ذلك العصر، ولا العصور الأخرى أيضاً. فالخاتم الثوري المستوحى من التصاميم الروسية، الذي بات يُعرَف لاحقاً باسم Trinity ويشكّل علامة فارقة ارتبط اسمها بدار ،Cartier يتميّز بتشابُك الحلقات الدائرية المصنوعة بالذهب الوردي والأصفر والبلاتينوم، وقد أرسى نمطاً جديداً في موضة التزيّن بالمعادن الثمينة.
يشرح بيار رينيرو، مدير الصورة والأسلوب والإرث في :Cartier "تعمّدنا أن يكون عصرياً، وأن يكون مكيَّفاً مع نمط حياة جديد، فلم تعد سيدات المجتمع مضطرات إلى تغيير مجوهراتهنّ مراراً خلال النهار، مثلما كنّ يفعلن في مطلع القرن العشرين"، مضيفاً: "اقترحت ‘الروح الثورية’ حليةً قيّمة يمكن التزيّن بها طوال النهار، وغير محصورة بهوية جندرية معيّنة، لذا أقبل الرجال والنساء على ارتدائها؛ وصدَف أنها كانت مصنوعة بهذه الألوان الثلاثة".
كانت الانسيابية أساسَ المفهوم والجوهر اللذين انطبع بهما التصميم الأيقوني الذي اعتمده متذوّقو الجمال، من جان كوكتو إلى غريس كيلي، وأساس تطوّره أيضاً. لذلك، لا عجب ربّما أن يشكل خاتم Trinity اليوم، على مشارف الذكرى المئوية الأولى لانطلاقته، معياراً لتيارٍ جديد يدعم حرية التعبير في المجوهرات، حيث الانسياق مع الموجة هو العنوان الأساسي في اختيار حلى مصنوعة بمعادن ثمينة وتنسيقها.
إذاً، تتجدد الحماسة للتزيّن بحلى كلاسيكية تجمع بين معادن ثمينة بألوان مختلفة: فخواتم Trinity هي الحلى الوحيدة التي أُدرِجت على قائمة موقع 1stdibs للمنتجات الأكثر مبيعاً في عام 2021؛ ولدى متجر Omnēque الإلكتروني المتخصص في بيع الحلى القديمة والكلاسيكية الراقية قطع كبيرة مصنوعة بمعادن مختلفة تعود إلى حقبة السبعينيات، كأساور الذهب الأصفر مع حلقات وصل من البلاتينوم، وقلادة Buccellati الجريئة المصنوعة من حلقات دائرية بلونَين. تحفّز هذه الحلى "إلهاماً خصباً يساهم في توليد مزاجٍ منفتحٍ على تقبّل النزعات المختلفة"، بحسب جوانا هاردي، القيّمة المشاركة على المتجر الإلكتروني، وهي أيضاً صائغة ومؤرِّخة متخصصة في تاريخ المجوهرات.

في غضون ذلك، يبرز جيلٌ جديد من تصاميم الحلى، ابتداءً بمنصّات عرض ستيلا مكارتني Bottega Veneta وجيل ساندر، وانتهاءً بأرقى محترفات المجوهرات العالمية. وتتميز هذه التصاميم بأنها تجمع في حليةٍ واحدة درجات ألوان متعددة من المعدن نفسه. وفي هذا الصدد، تضم مجموعة Iconica الآسرة المصنوعة بالذهب الوردي، والتي تنتجها علامة Pomellato التجارية، سواراً وأقراطاً تتميز من الحلى الأخرى بحلقات وصل مصنوعة بذهب أصفر وأبيض، تمتزج مع الذهب الوردي الذي صُنِعت به الأقراط والسوار. وتجمع Chanel بين الذهب الأبيض و"الذهب البيج" اللمّاع في أقراط Coco Crush الدائرية المتشابكة، وكذلك بين الذهب الأبيض والألماس في خواتم .Toi et Moi وتضفي مجموعتا Spiral وLaurence Graff Signature من علامة Graff التجارية لمسةً رومانسية على الذهب بألوانه الثلاثة، بإضافة عدد كبير من حبّات الألماس بطريقة منسّقة.
تُعرف علامة Spinelli Kilcollin التجارية، ومقرها وسط لوس أنجليس، بصورة أساسية بما تنتجه من "خواتم مترابطة" جريئة ولعوبة لكن بخطوط بسيطة صُمِّمت لارتدائها الخاتم فوق الآخر أو في أصابع عدة (تزيّنت بها غوينث بالترو وهايدي كلوم وسواهما). في هذه الخواتم، لم يكن استخدام المعادن المتناقضة في "حلقات الوصل" مدفوعاً باعتبارات جمالية فحسب، إنما باعتبارات عملية أيضاً. يعلّق إيف سبينيلي على ذلك بالقول إن "إطلاق علامة تجارية جديدة يكلّف مبالغ طائلة. حين عملنا على إنجاز النماذج الأولية في عام ،2010 استخدمنا الفضّة التي ينسى الناس أنها معدن ثمين أيضاً. لكن، وجد الشارون بالتجزئة صعوبةً في ‘تصنيفنا’، فهل ننتمي إلى فئة المجوهرات الراقية، وهل نحن جزء من الموضة؟ لذلك بدأنا [هو وزوجته الفنانة دواير كيلكولين] استخدام الذهب الأصفر في حلقات الوصل الصغيرة. هذه كانت لمسةً في التصميم، إنما لم نستطع استخدام كمية أكبر من الذهب. فجأةً، تبدّلت النظرة إلى تصاميمنا، لكن هذا التناقض صار علامة فارقة نتميّز بها".

تُباع تصاميم هذه العلامة التجارية الآن في ما يزيد على 50 متجراً فخماً، منها Browns وNet-a-Porter. وتُستخدَم في هذه التصاميم – التي يمكن أيضاً تعديلها بحسب الطلب – أحجارٌ كريمةٌ بألوان متنوّعة ومعادن ثمينة بعيارات وألوان مختلفة، تُمزَج معاً بحسب الرغبة.
في السابق، كان الاقتراح الديناميكي باستخدام حلى يجتمع فيها الذهب الأبيض والوردي والأصفر يُعدّ هفوةً أسلوبية، لكنه بات الآن هدفاً منشوداً، فيما يضفي المصممون لمسةً غير متوقعة على أبرز الحلى في مجموعاتهم. تقول جوانا هاردي: "منذ فترة وجيزة، بدأ معظم الأشخاص يُظهر ارتياحاً في المزج بين الألوان المختلفة في المجوهرات. يسود انطباعٌ بأن لا أهمية للمسموح والممنوع بعد الآن، إنما الأهم هو الاستمتاع بما في داخل علبة المجوهرات".
يقول سبينيلي: "ممتعٌ جداً رؤية العملاء الذين يفضّلون في العادة هذا اللون أو ذاك، ينظرون إلى الخواتم في مجموعتنا ويتبنّون هذه الحرية في الأسلوب حين يدركون أن إضافة هذه التصاميم إلى مجوهراتهم تمكّنهم من ارتداء جميع قطع الحلى الأخرى معها، من خلال المزج بينها بطرقٍ شتّى".

يمنح هذا التنوّع الإطلالة التي تتزيّن بحلى مصنوعة بمعادن مختلفة الألوان وقعاً قوياً، كما تقول هاردي التي تضيف: "يمكن التزيّن بحليةٍ مستوحاة من أسلوب هولبين تعود إلى عصر النهضة الجديدة في خمسينيات القرن التاسع عشر وإلى جانبها حلية عصرية جداً، وفي حال كانت المجوهرات مصنوعة بمهارة وإتقان، ستبدو رائعة فعلاً. وعند التنويع في الأحجام والملمس، القطع التي تمزج بين معادن ذات ألوان مختلفة هي الوسيلة المثلى للجمع بين القديم والجديد".
يقول رينيرو من ،Cartier مثلاً، إن الدافع وراء تفضيل لونٍ على آخر "ارتبط في معظم الأحيان بالاعتقاد أن هذا اللون أكثر ملاءمةً مع لون البشرة". الآن، يشتري عملاء Cartier مجوهرات من التصميم الكلاسيكي نفسه مصنوعة بمعادن مختلفة الألوان، مثل سوار ،Juste un Clouلارتدائها معاً.
"صيحة الموسم هي اختيار أسلوبك الخاص في المزج بين قطع مختلفة ومعادن مختلفة وابتكار أسلوب خاص تتفرّد به". هذا ما تقوله فرانشيسكا أمفيثياتروف، المديرة الفنية للساعات والمجوهرات لدى ،Louis Vuitton التي تُبرز مجموعتها LV Volt المستوحاة من التصاميم المعمارية والموجَّهة للنساء والرجال، عند ارتداء قطعٍ متعددة منها معاً، التناقضات بين الذهب الأصفر والأبيض والوردي، الذي يقترن أحياناً مع الألماس، في شبكة متعددة الطبقات من وصلات السلاسل الغرافيكية، والتأثيرات الشبكية التجريدية، والتقوّسات الناعمة. تتابع أمفيثياتروف: "محور المجموعة التعبير عن الذات، وهي تمنح العملاء حريةً ليحققوا تميّزهم وفرادتهم".

تلتحق Chaumet بالركب، من خلال إطلاق مجموعتها الأحدث Bee My Love المرصّعة بالألماس، وهي عبارة عن مزيج من قطع مصنوعة بذهب وردي وأصفر وأبيض تُنسَّق معاً "في لمسةٍ من العفوية". تبدو الأساور والخواتم والقلادات المتدلّية المزيّنة بالأنماط المتكررة المسدّسة الأضلاع كأنها تتشابك كقطع أحجية في تصميم خلية النحل في لعبة ،Tetris وهي مريحة عند ارتدائها معاً أو منفصلة. تتميز المجموعة بلمسة نهائية مصقولة كما المرآة، فتعكس ألوان الغرفة – لا سيما الظلال – لتبدو أجزاء منها مشعّةً في بعض الزوايا، وداكنةً في زوايا أخرى.
لطالما أبدت المصممة جيسيكا مكورماك شغفاً بتصميم مجوهرات مصنوعة بمعادن متعددة، وتعمل أيضاً على استكشاف إمكانية استخدام اللون الأسود، إنما من خلال حجز مكان كامل له في مجموعة الألوان. تقول المصممة المقيمة في لندن، والتي تقرن مجموعتها الجديدة Fringe بين قطع Gypset وButton Back التي تحمل توقيعها، من خلال استخدام الذهب الأبيض "المسوّد" إلى جانب الذهب الأصفر: "يساهم استخدام معادن مختلفة، مثلما أفعل في الحلى المرصّعة بالألماس، في جعل الحجر أشد طراوة؛ ويكاد يغيّر الطريقة التي يتفاعل هذا الحجر بها. اعتبرتُ دائماً أن أحد أكبر الانتصارات التي حققتها هو تحويل الأشخاص من ارتداء مجوهرات مصنوعة بمعدن بلون واحد إلى الجمع بين مجوهرات مصنوعة بمعدن بثلاثة ألوان". تتابع: "نقع على عدد كبير من الحلى المصنوعة بالذهب المسوّد في المجوهرات القديمة، لكن استخدام هذا اللون في الوقت الحالي يساهم تلقائياً في منح الحلية مظهراً رائعاً ومميّزاً. فهذا اللون يُبرز الأحجار، لكنه يخفف من وهج الذهب الأبيض، ما يمنح الحلى طابعاً أكثر ملاءمة للحياة اليومية. هذا ما يحققه المزج بين المعادن في معظم الأحيان، فهو يعزز مكانة حلية قيّمة جداً لتبدو عملية ومريحة حقاً".