لا تزال الحكايات الخرافية الغريبة والمخيفة تأسر القلوب، إذ تكثر فيها الساحرات الأثيريات والحيوانات السحرية وزوجات الآباء الشريرات والمخلوقات الوحشية، ناهيك عن امرأة شريرة غريبة الأطوار تعيش في منزل بَنَته ببسكويت الزنجبيل. يهوى الأولاد حكاياتٍ تروي قصص آكلي لحوم البشر، بحسب مارغريت أتوود، فهذه القصص تُروى مراراً وتكراراً ويُعاد إنتاجها أفلاماً، وقد تحوّلت من حكايات شعبية تراثية تتناقلها الألسن منذ قرون طويلة إلى آثار أدبية دوّنها الأخوان غريم، وتحضر أيضاً في عالم Disney وكتابات أنجيلا كارتر، وفي متحف جديد من تصميم المهندس المعماري الياباني كنغو كوما في الد نمارك، يتمحور حول روايات هانس كريستيان أندِرسِن.
لطالما أغوت الروايات الخيالية الفنانين أيضاً .ففيما انجذب الفنانون الفيكتوريون إلى الرسوم الشبيهة بالأحلام وذات النفحة الإيروتيكية التي تجسّد روايات مثل Sleeping Beauty (الأميرة النائمة)، تتسم الأعمال الأخيرة بلمسةٍ نسوية، مثلLittle Red Riding Hood بعينَي كيكي سميث. في الربيع الجاري، تُحبَك الروايات الخيالية في سلسلة من المعارض المنفردة لفنانين معاصرين يؤلفون سردياتهم الخاصة، المعقّدة والزاخرة بالمعاني المعبِّرة.
تقول فنانة السيراميك كلير بارتينغتون، المقيمة في لندن: "أنجزت أعمالاً مستوحاة من روايات خيالية كورية وأوروبية تتشابه كثيراً. فهذه الروايات كلها تقريباً تتحدث عن عذراء جميلة تتحوّل إلى عجوز شمطاء"، مضيفةً: "الهروب قليلاً من الواقع أمرٌ جميل، ويسهل أيضاً التماهي مع تلك الروايات، فهي تشكّل حقاً لغةً مشتركة عابرة للثقافات".
![]() | ![]() |
معرض بارتينغتون الذي انتهى في 19 آذار (مارس) في صالة عرض Winston Wächter في سياتل، اقترن مع إطلاق دراسة جديدة عن أعمالها بعنوان Historical Fiction (خيال تاريخي). تُبيِّن الدراسة (صدرت عن صالة عرض KochxBos في أمستردام) كيف كانت منحوتاتها في البداية ترجمةً حَرفية للروايات الخيالية، ثم انتقلت إلى تجسيد الأساطير الحديثة. تسلّط تماثيلها الكلاسيكية المصنوعة من البورسُلين (يتراوح سعرها بين £10,000 و16,000£) الضوء على عناصر تراثية وعلى حكايات مرجعية في الثقافة الشعبية. فالساحرة ذات الشعر الذهبي والجناحَين الذهبيَّين تحوّلت إلى منحوتة The Bachelorette (العزباء)، حيث تتمدّد على الأرض قرب زجاجات الجعة، وترتدي ثوباً قصيراً ملتصقاً بالجسم وتنتعل شبشباً خفيفاً.
استوحت بارتينغتون منحوتتَين في مجموعة أعمالها الأخيرة من رواية الأخوين غريمBrother and Sister (الأخ والأخت) المقتبسة من حكاية شعبية روسية. تجمع هاتان المنحوتتان بين الأنماط الزرقاء والبيضاء الشبيهة بالآنية الفخارية التي تشتهر بها مدينة دلفت الهولندية، والملابس الجورجية الأنيقة، إضافةً إلى الرؤوس الحيوانية والبشرية القابلة للتبديل. تقول بارتينغتون: "إنها حكاية تحوّلٍ وتبدّل في الشكل، وكأنّه اختزال لعبارة ‘لا تشرب الماء، وإلا ستتحول إلى سمكة سلمون’، أو ‘لا تلمسه، وإلا ستتحول إلى ذئب’. للأولاد رؤوس دببة، لكنها دببة Care Bear اللطيفة".
"غويا هو مصدر إلهامي لكنني أستلهم أيضاً المراجعات النقدية لأفلام الرعب"
أعمال كايثي روتنبرغ المصنوعة من السيراميك أكثر بساطة، لكنها غنيّة أيضاً بالرموز، تُعرَض في المساحات الثلاث التابعة لصالة عرض Lyles & King في نيويورك. تعكس المنحوتات الغريبة المصنوعة من السيراميك، بأحجام صغيرة وضخمة على السواء، مكان إقامة روتنبرغ في قلب الغابة، وهو زاوية نائية تزنّرها الأشجار في مقاطعة أولستر كاونتي في الجزء الشمالي من نيويورك، وتتشاركه مع حديقة حيوانات. تقول ضاحكة: "كل يومٍ في هذا المكان هو أشبه برواية خيالية من روايات الأخوين غريم؛ هذا ليس خيالاً بل واقعاً. الخنازير موجودة الآن معي في المحترف". إضافةً إلى الخنازير الفيتنامية الأربعة ذات البطون الضخمة – سمّتها تريكسي وسير فرنسيس بايكون وأولا وبوريس – هناك ماعز وطواويس وأرانب أنغورا وهررة وكلاب وخيول. تصف روتنبرغ المكان بأنه "تجهيز كبير، هروبٌ وتلاعب بالحياة في الوقت نفسه. أصنع فيلمي الخاص هنا. وأنا المخرجة".

تكاد سرديات روتنبرغ البصرية تركّز حصراً على صورة المرأة التي نبتت لها أغصانٌ مكان الشعر، يحطّ عليها سربٌ من الطيور؛ وصورة الرجل برأس الأيل المتغلغل في جذع شجرةٍ مع ساقَين تنتعلان حذاءً بكعبٍ عالٍ. يقول إيزاك لايلز مدير صالة عرض Lyles & King "تُسقط [روتنبرغ] بالكامل التراتبية الهرمية بين الإنسان والحيوان والعالم الطبيعي".
في المعرض الجديد بعنوان) Sunshine at Midnight شروقٌ في منتصف الليل)، تتخذ الأنماط الجمالية المستوحاة من الروايات الخيالية طابعاً عصرياً. ففي منحوتة من العام 2020 بعنوانHumanity Needs a Miracle (البشرية بحاجة إلى معجزة) التي يبلغ علوّها متراً واحداً، تحدّق فتاةٌ شكلها ملائكي في أعلى شجرة من دون أوراق، فيما يقف ظبيٌ صغير وبومةٌ حارسَين. وفي منحوتة أصغر بعنوانThe Sky Fell (سقوط السماء) من العام2020 ، تحدّق الفتاة في الشمس وهي تقف على أرضٍ محروقة. تقول روتنبرغ: "أحياناً، أرغب في أن أغلّف نفسي بشجرة. في بعض الأيام، أشعر أنني أعيش حياة جنونية، لكن في أيامٍ أخرى، تنساب الحياة بطريقة طبيعية. أشعر برابط وطيد مع الأرض. وهذا أمرٌ جميل".

يكتسي منزل الفنانة كلارا كريستالوفا في منطقة نورتاليه في السويد طابعاً مستوحى أيضاً من الروايات الخيالية. تقول الفنانة المولودة في تشيكيا: "في هذا المكان، ألتقي غزلاناً أكثر مما ألتقي بشراً. ليس الأمر ممتعاً دائماً – في الواقع، يمكن أن يكون مملاً جداً – لكنه جيدٌ لعملي الفني. أنا في قلب العمل طوال الوقت". تحوّلت حديقتها إلى صالة عرض مؤقتة لمنحوتاتها المصنوعة من الخزف الحجري والمخيفة بعض الشيء، فهي تجسّد أشكالاً برؤوس أحصنة أو تماثيل نصفية مع شعر متشابك طويل، ووجوهها مبقّعة بحشرات العث. تتابع: "يتمحور عملي بصورة أساسية حول الأوضاع الحياتية وعلم النفس. لكنني أستخدم الروايات الخيالية على الهامش. أحبّ طابعها اللعوب، وهو مهمٌّ جداً في عملي إلى جانب حس الدعابة. أتقن جيداً الكوميديا السوداء. فرانشيسكو غويا هو مصدر إلهامي، لكنني أستلهم أيضاً المراجعات النقدية لأفلام الرعب". تشبّه عملها بلقطة جامدة في فيلم؛ إنه مشهد يوشك فيه أمرٌ ما على الحدوث، أمرٌ غريب وغير متوقع، وربما يكون مروّعاً. "لكن، عليك أن تتخيله بنفسك"، كما تقول.
![]() | ![]() |
في معرض كريستالوفا المقبل، الذي يُنظَّم في متحف Norrtälje Konsthall في أيار (مايو) 2022 قبل انتقاله إلى صالة عرض Perrotin في نيويورك في أيلول (سبتمبر)، ينصبّ اهتمام الفنانة بمسألة التحوّل على التبدلات التي يمرّ بها الإنسان، ليس في سن المراهقة كما في أعمالها السابقة، بل في مرحلة لاحقة من الحياة. تقول: "دور المرأة المتقدّمة في السن غريبٌ ومبهم جداً"، مضيفةً أنها تعمل حالياً على إنجاز دوّارة لتحديد اتجاه الريح، ستوضَع في بلدة لو هافر المرفئية في فرنسا، وستكون جنّية بحر – "شكل ضخم ومخيف" – مُحاطة بمخلوقات بحرية.
لكن النحت ليس المجال الوحيد الذي يشهد استلهام الأساطير الخرافية. فالطبعات والرسوم المنقوشة على الخشب من توقيع الأخوين التوأمين غيرت وأوفي توبياس المقيمَين في كولونيا "مستوحاة من تراثهما الروماني ومن الأساطير والملابس والحرَف اليدوية والأنماط الجمالية الشعبية ذات الطابع المحلي الذي تتسم به المنطقة"، كما يقول مالك صالات العرض رودولف جانسِن. يجسّد الأخوان مخلوقات طائرة أو أشكالاً أو أنماطاً بطبعة الزهور تعوم في عالمٍ شفّاف إنما بألوان الأحجار الكريمة، عالمٍ مشبع بأجواء الحكايات الخيالية بدلاً من التركيز على روايات محددة. يقول غيرت فيما كانا يستعدان لإقامة عرض منفرد لنقوش خشبية من الحجم الكبير في صالة عرض Contemporary Fine Arts في برلين ابتداءً من الرابع من آذار (مارس) الماضي: "بعض أعمالنا موجودٌ، كما الروايات الخيالية، في مكانٍ وزمانٍ لامتناهيين، في عالمٍ متوازٍ. ومن القواسم المشتركة الأخرى اللامنطق وعنصر الدهشة".

رسوم الفنان الهندي رقيب شو ملوّنة وغامضة في آن، عرضت أعماله في المساحة الخاصة بمشاريع المصمم درايز فان نوتن في لوس أنجليس بين16 شباط (فبراير) و26 آذار (مارس) المنصرمين. المناظر الطبيعية الخلاّبة التي يرسمها شو، وتبدو كأنها من عالمٍ آخر (السعر عند الاستفسار)، لدى صالة عرض، Pace Gallery تجمع بين الروايات والرموز المستمدة من الشرق والغرب، ويستوحيها في معظم الأحيان من طفولته في كشمير. تمتلئ المشاهد النابضة بالحركة التي تذكّر بأعمال هييرونيموس بوش، بكائنات مُؤنسَنة، رُسمِت بعناية وجهد كبيرَين باستخدام طلاء المينا والألوان المعدنية.

يقول شو: "في طفولتي، كانت الروايات الخيالية تُريحني. بدأت العيش في عالمٍ خيالي بنيته في ذهني، وكنت قادراً على تحويل الأماكن الأكثر دنيوية إلى أرض سحرية ما إن أغمض عينَيّ".
تظهر في رسومه نسخةٌ عزيزة عليه من كتاب ) Giant Book of Fairy Talesالكتاب العملاق للروايات الخيالية)، الصادر عن دار ،Hamlyn ومنها لوحة يعمل على إنجازها ليعرضها في معرض منفرد في متحف Ca’Pesaro Museum في البندقية. يشرح شو: "استخدمت دائماً الروايات الخيالية استعارات مجازية لأرسم بها تجاربي وأدوّنها".
أسوةً بروتنبرغ وكريستالوفا، أحاط شو نفسه بأجواء طبيعية محفِّزة تساعده على أداء عمله، لكن المكان الذي اختاره هو مصنع سابق للنقانق في بكهام. غير أن للنبات الأخضر والمورق، بما في ذلك مجموعة من أشجار بونساي القزمة، وقع السحر، كما يُسمَع في المكان خرير ماء فوق حديقة صخرية من النباتات الألبية أنشأها شو في عام .2020 تَظهر هذه الحديقة في سلسلة من البورتريهات الذاتية حيث يبدو شو مرتدياً كيمونو Uchikake ومندمجاً مع أوراق الشجر والنبات، أو في رسمٍ يجسّد أرنباً وحشياً يضع نظارة طبية ويزاول البستنة منتعِلاً جزمة مطاطية عالية. يقول شو: "تجسد اللوحات كلها، تقريباً، التي سيتضمنها معرضي المقبل الحديقة الصخرية. إنها فقّاعة يمكن اللجوء إليها بعيداً من عالم مأسوي خارج هذا المحترف".